املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي �أحكام َّ وتطبيقاتها املعا�صرة
ت�أليف :د /حممد بن �أحمد علي وا�صل عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية قسم الفقه ،جامعة القصيم
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم َّ إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا،
ومن س��يئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال َّ مضل له ،ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدا .
وأشهد أن ال إله إ َّ ال اهلل وحده ال شريك له ،الذي خلق فأحكم ،وشرع
فأتق��ن ،وع ّلم اإلنس��ان ما ل��م يعلم ،وأش��هد َّ أن محمد ًا عبده ورس��وله،
وصف ُّي��ه وخليله ،وخيرته من خلقه ،صل��ى اهلل عليه ،وعلى آله وأصحابه ٍ بإحسان إلى يوم الدين . أجمعين ،ومن تبعهم َّأما بعـــد: َّ قديم جديد يف الوقت نفس��ه؛ إ ْذ هو المقاصة ) فإن موضوع ( ٌ َّ موضوع ٌ فت لدى فقهائنا ُ ِ كثير م��ن الموضوعات التي ُع ِر ْ من��ذ القدم ،حيث تناوله ٌ
المقاصة لغ ًة واصطالحًا، من أه��ل والعلم والفقه بالبحث عن تعري��ف َّ وب َّين��وا أنواعها ،وش��روطها ،وما يرتتب عليها من اآلث��ار ،وما ُّ يحل منها
وما يحرم )1(،وحرروا ش��يئًا غير قلي ٍل من المس��ائل المندرجة تحت هذا ((( ينظر على س��بيل المثال :بدائع الصنائع ،207/5والمبس��وط 14/19 :وما بعدها ،وفتح القدير للكمال بن الرائق ،216/6 :وحاش��ية رد المحتار ،249/4والمدونة ،56/9 :والكايف الهم��ام ،مع العناية ،379/5والبحر َّ
5
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاص ِة الموضوع ،ومن ذلك – على سبيل المثال -ما بحثوه من مسائل َّ
يف ب��اب :الق��رض ،والص��رف ،والس��لم ،والرب��ا ،والكفال��ة ،والوكالة، والوديعة ،والزكاة ،والصداق ،والنفقة ،وغير ذلك .
المقاص��ة ) هو م��ن الموضوع��ات التي أواله��ا فقهاؤنا فموض��وع ( َّ
األقدم��ون اهتمام��ًا بالغًا ُ من��ذ القدم ،كم��ا أوالها الفقه��اء المعاصرون
اهتمام��ًا أكرب من ذي قبل؛ نظر ًا لكثرة حاجة الن��اس إليها ،وتعاملهم هبا
لجة بحر المعامالت من أوس��ع أبوابه، ع��ن طريق البنوك ،التي دخل��ت َّ ٍ َّ بلدان كثيرة، فإن اتس��اع نطاق االس��تيراد والتصدير يف مجال التجارة بين
وانفتاح العالم بعضه على بعض ،وكثرة تن ُّق ِل الناس من ٍ دولة إلى أخرى، ٍ ٍ ونقود مختلفة ،جعل البنوك تتسابق يف تقيم هذه عمالت واحتياجهم إلى الخدم��ة لعمالئها ،وذلك بتوفي��ر المبالغ التي يحتاج��ون إليها يف الدولة
الت��ي لهم هبا غرض تجاري أو غيره ،وبتس��وية من لديهم من األموال يف ٍ تجارة أو غيرها من األغراض، بلداهنم بعملة الدولة التي لهم فيها غرض
المقاصة ،بد ً تحمل ع��بء النقود ،وخطر نقلها وذل��ك عن طري��ق َّ ال عن ُّ ٍ معه��م من ٍ ٍ إقلي��م إلى إقليم ،بل َّ بحاجة إن البنوك دولة إلى أخرى ،أو من الب��ن عبد ال�بر ،ص ،307؛ والمنثور ،394-393/1 :وأس��نى المطال��ب ،494/4واإلنصاف ،118/5والفقه اإلسالمي وأدلته . 382 -247 /6
6
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ إلى عملية المقاصة بينها وبين ٍ ش��ركات أخرى ،وذلك بس��بب بنوك ،أو َّ األنش��طة التجارية التي أصبحت تمارسها ،استيراد ًا وتصدير ًاُّ ، فكل تلك األس��باب جعلت عملية المقاص ِة تحظى بأهمي ٍ ��ة أكثر من ذي قبل؛ نظر ًا ِّ َّ َّ
الزدياد حاجة الناس إليها ،وكثرة تعاملهم هبا.
وإذا كان األم��ر كذل��ك فإنه من الض��روري :أن يع��رف الناس أحكام
المقاص��ة ،وأنواعه��ا ،وما يرتتب عل��ى ِّ كل نو ٍع من اآلث��ار ،حتى يعرفوا َّ الحالل فيعملوا به ،ويعرفوا الحرام فيجتنبوه.
أحببت أن أشارك هبذا البحث المتواضع لمسائل ومن هذا المنطلق فقد ُ
المقاصة؛ رغب ًة يف معرفة أحكام مسائل وجزئيات هذا الموضوع ،ورجا ًء َّ
لألجر والمثوبة من اهلل تعالى .
وبعد االنتهاء من كتابة هذا البحث المتواضع أعود وأقولَّ : إن جهدي
ه��ذا ه��و جهد المق��ل ،ال يخل��و من النق��ص والخل��ل ،وال م��ن الهفوة
والزل��ل؛ إ ْذ َّ إن هذا هو طبيعة جهد البش��ر ،الذي يالزمه النقص بمقتضى الطبيعة البشرية ،ورحم اهلل /عماد الدين األصفهاين ،الذي قال يف بعض
ٌ إنس��ان كتابًا يف يومه إ َّ ال قال يف غده :لو ما كتبه( :إنِّي رأيت أنَّه ال يكتب ُغ ِّير هذا لكان أحس��ن ،ولو ِز ْيد كذا لكان يستحس��ن ،ولو ُقدِّ م هذا لكان 7
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
أفضل ،ولو ُت ِرك هذا لكان أجمل ،وهذا من أعظم الصرب ،وهو دليل على استيالء النقص على جملة البشر)
()1
الدراسات السابقة: س��بقت اإلش��ارة يف المقدِّ مة :إلى َّ قديم جديد، المقاصة أن ٌ َّ موض��وع ٌ
ومسائله وجزئياته متجدِّ د ٌة مع تجدُّ د الحوادث على مرور الزمن؛ ولذلك ٍ كانت مس��ائل هذا الموضوع َّ مس��تمر لدى الفقهاء األقدمين بحث محل ٍّ والمعاصرين ،وبيان ذلك فيما يلي :
المقاصة التي كانت أوالً :بح��ث الفقهاء األقدم��ون كثير ًا من مس��ائل َّ
والمقاص ُة المقاص��ة الجربي��ة، مي��دان التعام��ل يف زماهن��م ،وذلك مث��ل َّ َّ والمقاص ِة الباطل��ة ،ونحو ذلك من االختياري��ة ،والطلبي��ة( ،القضائي��ة) َّ
المسائل التي كانت مجا ً ال للبحث يف العصور السابقة.
()2
((( البنوك اإلسالمية ،لفضيلة الشيخ األستاذ الدكتور /عبد اهلل بن محمد الطيار ،أستاذ الفقه بجامعة القصيم
،3/1والفقه اإلسالمي وأد ّلته ،د /وهبه الزحيلي ،574/10وفتاوى يسألونك ،للشيخ حسام الدين عفانة . 6/1
((( األشباه والنظائر ،للشيخ زين العابدين إبراهيم ابن نجيم ،265/1نشر :دار الكتب العلمية،بيروت،لبنان، الطبع��ة 1400:ه��ـ =1980م ،واالختي��ار لتعلي��ل المخت��ار لعب��د اهلل ب��ن محم��ود ب��ن م��ودود الموصل��ي
الحنف��ي ،73/2نش��ر :دار الكت��ب العلمي��ة بي��روت ،لبن��ان 1426 ،هـ و الت��اج واإلكليل لمختص��ر خليل،
)419/6موق��ع اإلس�لام ،http://www.al-islam.com ،وحاش��ية الص��اوي على الش��رح الصغير .195/7موق��ع اإلس�لام ،http://www.al-islam.com ،الكتاب مش��كول ومرقم آلي��ا غير موافق
للمطبوع .والمجموع ،430 /13موقع يعسوب ،ترقيم الكتاب موافق للمطبوع .
8
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ثاني��ًا :بحثها م��ن المعاصري��ن علماء أج�لاَّء ،كأمثال الدكت��ور وهبه
الزحيلي ،يف كتابه الموسوعي (الفقه اإلسالمي وأدلته المج َّلد الخامس،
م��ن ص ،330 -324وبحث��ت أيض��ًا يف الموس��عة الفقهي��ة ،الصادرة عن وزارة الش��ئون واألوق��اف اإلس�لامية الكويتية ،وتن��اول المرجعان
ومحل ِّ َّ وتطرق المقاص��ة، المذك��وران :أن��واع َّ كل ن��و ٍع منها ،وحكم��هَّ ، المقاص��ة يف الزكاة، يف الموس��وعة الفقهي��ة المذك��ورة إل��ى بيان حك��م َّ والغصب ،والوكالة ،والس��لم ،والكفالة ،والوقف ،والديون ،لك َّن بحث ٍ ٍ شديد يف وباقتضاب المسائل المش��ار إليها كان يف أغلبها مختصر ًا جد ًا،
بعضها اآلخر ،ولم َ التوس��ع والبيان والوضوح تعط ح َّقها -يف رأيي -من ُّ
كما ينبغي .
المقاصة يف الفقه اإلسالمي ،للدكتور محمد سالم مدكور، ثالثًا :بحث َّ
يق��ع يف 194صفحةً ،تن��اول فيه الموضوعات المذك��ورة آنفًا لكن بنو ٍع
من التوس��ع واإلطناب ،مضيفًا إلى ما تقدَّ م مس��ائل كثيرة ،مثل :مس��ألة
صح ًة وبطالنًا) ( ما يعت�بر يف اختالف الدينين المؤثر يف عملية المقاصة َّ َّ المقاصة المقاصة قبل نشؤ الدينين ،ومسألة :االتفاق على واالتفاق على َّ َّ واإلنصاف لعلي بن سليمان المرداوي ،118 /5تحقيق محمد حامد الفقي . والشرح الكبير البن قدامة . 388 /12
9
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
يف حقوق نش��أت قب��ل العق��د ،وموقف فقه��اء الش��ريعة والقانونيين من
المقاصة لدى القانونيين بإسهاب. المقاصة عمومًا ،وتك َّلم عن حكم َّ َّ
المقاصة ،والتس��وية يف األسواق المالية ،أ د /محمد بن رابعًا :آليات َّ
المقاصة وتسوية الصفقات إبراهيم السحيباين ،بين فيها :توصيف آليات َّ
يف األسواق المالية ،مركز ًا يف بحثه هذا :على اآلليات المط َّبقة يف األسواق األهمية النسبية ،كما قال ذلك الباحث نفسه ،وبالجملة فهذا البحث ذات ِّ المقاصة ذو طاب ٍع وصفي،لم يقصد من ورائه الباحث االجتهاد يف مسائل َّ ٍ ناحية فقهية ،وبالتالي لن أقف عنده طويالً . المطروحة للبحث من المقاصة ،إعداد الش��يخ /ش��اه جيه��ان نقاب المحاج��ة يف خامس��ًا: َّ َّ
الهاش��مي ،بح��ث مق��دَّ ٌم إلى مؤتم��ر المصارف اإلس�لامية بي��ن الواقع والمأمول ،دائرة الش��ئون اإلس�لامية والعمل الخي��ري بدبي31 ،مايو/
المقاص��ة ،وأنواعها، يني��و 12009م .تح��دَّ ث فيه الباح��ث عن تعريف َّ المقاصات يف البنوك ،لكن ومواضعها ،وش��روطها ،وعن أحكام بع��ض َّ ٍ بصورة مقتضبة للغاية . سادس��ًا :بي��ن الديون النقدي��ة ،إع��داد :د /عبد اهلل ب��ن محمد نوري
الديرش��وي ،بحث مق��دَّ ٌم إلى مؤتمر المصارف اإلس�لامية بي��ن الواقع 10
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
والمأمول ،دائرة الش��ئون اإلس�لامية والعمل الخي��ري بدبي31 ،مايو/
ينيو 12009م .
المقاصة ،وبي��ان أنواعها ،ومجاالهتا، ركَّ��ز الباحث فيه على تعري��ف َّ
وتطرق الباحث إلى ٍ وشروط ِّ كثير من التطبيقات كل نو ٍع منها ،وحكمه، َّ
والح��ق :أن البحث المذكور من المقاصة يف البنوك اإلس�لامية، لعملية ُّ َّ اس��تفدت يف بحثي ه��ذا كثير ًا مم��ا يتعلق أحس��ن م��ا وقفت علي��ه ،ومنه ُ
المقاصة يف البنوك اإلسالمية ،كما أين استفدت من بتطبيق بعض مسائل َّ البحوث والدراس��ات المذكورة ،والتي لم تذكر ،غير َّ أن العمل البشري
فأحببت :أن مهم��ا بذل يف م��ن جهد يبقى النق��ص مالزمًا له ال محال��ة، ُ أدلي بدلوي يف هذا الموضوع العويص ،وأنا على ٍ ثقة :أنه سيأيت باحثون آخ��رون ،وي��رونَّ : أن م��ا تق��دَّ م م��ن البح��وث والدراس��ات يف موضوع
المقاصة يعرتيها ش��ي ٌء من النقص والخل��ل ،ويعمدون -يف ظنهم -إلى َّ إكمال النقص وتسديد الخلل ،وهكذا من بعدهم .واهلل المستعان ،وباهلل
تعالى التوفيق .
11
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ وقد قسمت هذا الموضوع إلى مقدِّ ٍ وتمهيد ،وثالثة فصول، مة، َّ وخاتمة ،وبيان الخ ّطة كالتالي:
المقاص ِة ومشروعيتها ،وفيه مبحثان : التمهيد :يف معنى َّ المبحث األول :تعريف المقاصة ،وفيه مطلبان : بالمقاصة ،وفيه ثالثة مطالب : المبحث الثاين :األلفاظ ذات الصلة َّ المقاصة وأنواعها ،وفيه ثالثة مباحث : الفصـل األول :أحكام َّ المقاصة ،وفيه ثالثة مطالب : المبحث األول :حكم أصل َّ
المقاص ِة . المطلب األول :يف صورة َّ المقاصة . المطلب الثاين :حكم َّ
المقاص ِة . المطلب الثالث :مجال َّ
المقاص ِة وأثرها ،وفيه خمسة مطالب : المبحث الثاين :أنواع َّ المقاصة الجبرية ،وفيه ثالث مسائل : المطلب األول: َّ
المقاص ُة االختيارية . المطلب الثاين: َّ 12
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة الطلبية ،أو القضائية . المطلب الثالث: َّ ٍ وصور منها. المقاص ِة الباطلة، المطلب الرابـع: َّ
المقاص ِة ومدى نقضها بعد إتمامها . المطلب الخامس :أثر َّ للمقاصةُ ،وفيه ثمانية مباحث : الفصــل الثاين :التطبيقات المعاصرة َّ المبحث األول :يف عقود التوريد والتحويالت . المقاص��ة بي��ن البن��وك بإش��راف البن��ك المبح��ث الث��اين :إج��راءات َّ
المركزي.
المقاص��ة التقليدية بين البن��وك والمصارف المبح��ث الثالث :حك��م َّ
التجارية .
المقاصة اآللية . المبحث الرابع :يف َّ المقاصة اآلل َّية عن طريق بطاقات االئتمان . المبحث الخامس: َّ المقاصة بين البنك وعميله يف الديون المستقبلية . المبحث السادس: َّ المحرمة يف تطبيقاتها المعاصرة . المقاصة المبحث السابع: َّ ّ 13
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
التمهــــــــيد املقا�صة وم�شروعيتها ،وفيه مبحثان يف معنى َّ املبحث الأول :تعريف املقا�صة ،وفيه مطلبان : املطلب الأول :تعريف املقا�صة يف ال ُّلغة . ومقاص��ةًُ ،مفاعلة ،بمعنى يقاص قصاص��ًا، َّ قاص ُّ المقاص��ة :مص��در َّ َّ
قص الخ�بر ،إذا حكاه فأ ّداه مثل ما س��مع، المماثلة والمس��اواة ،يق��الّ : ٍ أهمها ما يلي : ُّ وللقص يف اللغة معان كثيرةّ ، تتبعت أث��ره .ومنه قوله قصصت الش��يء :إذا -1تتب��ع األث��ر ،تقول: َ ُ تعالى ﴿ و َقا َل ْت ألُ ْختِ ِه ُقص ِ َ ()1 يه َف َب ُص َر ْت بِ ِه َع ْن ُجن ٍ ُب َو ُه ْم ال َي ْش ُع ُرون ﴾ ِّ َ يقصه قص الش��عر والصوف والظفرُّ ، -2ويأيت بمعنى :القطع ،يقالَّ :
قصًا :إذا قطعه. ّ
-3ويأيتالقصاصبمعنىالجراح،وهوأنيوقععلىالجاينمثلماجنى.
ٍ واحد منهما َ ألن ِّ المقاص ُة يف الدين؛ ّ مثل ما لآلخر( )2يقال: لكل ومن��ه َّ ٍ ٍ ق��اص ٌ حس��اب أو غيره واحد منه��م صاحبه يف كل تق��اص الق��وم ،أي: َّ َّ ((( سورة القصص ،آية رقم. 11 :
((( لس��ان الع��رب البن منظ��ور ،103 – 102 /3والمصب��اح المنير للفيوم��ي ،ص ،694وتاج العروس
للزبيدي ،فصل القاف ،مادة ( قصص ) من الجميع .
15
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
بالمساواة .
()1
ٍ ّ معان : فتلخص :أن لمادة ( قصص ) ثالثة
قص الثوب بالمقراض إذا قطعه . األول :القطع ،يقالّ : القاص بذلك ألنه يتتَّبع اآلثار القصة ،وسمي ّ والثاين :تتبع األثر ،ومنه ّ
واألخبار.
الثالث :المس��اواة والمماثلة ،ومن هذا المعنى :القصاص والمقاصة،
ق��اص ٌ كل منهم صاحبه يف الحس��اب، تقاص الق��وم ،إذا ّ ومن��ه قوله��مّ :
فحبس عنه مثل ما كان عليه .
()2
املقا�صة يف اال�صطالح. املطلب الثاين :تعريف َّ
لش��خص على غريمه ،يف مقابلة ٍ المقاصةَ« :إس��قاط ٍ ٍ ٍ دين مطلوب دين َّ
ٍ مطلوب من ذلك الشخص على غريمه»
()3
((( ترتي��ب القام��وس المحيط على طريقة المصباح المنير ،وأس��اس البالغة ،للطاه��ر أحمد الرازي /3 ، ، 633ومثله تمامًا يف مختار الصحاح للرازي ،ص ، 538مادة « قصص« من الجميع ،قال شيخ اإلسالم يف
مقاص ُة الدينين أحدهما يقاصه مقاص ًة وقصاصًا ،ومنه َّ قاصه ُّ مجموع الفتاوى :415/2والقصاص :مصدر َّ باآلخر«.
((( إعالم الموقعين ،32 /1ومعجم لغة الفقهاء ،لقلعة جي ،وحامد صادق ،ص 364 ((( مرشد الحيران المادة ( ) 224و الموسوعة الفقهية الكويتية )329 / 38( -
16
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ ٍ ٍ متقاربة يف معانيها، مختلفة يف ألفاظها، بتعريفات المقاصة وقد ُع ِّر َف ْت َّ
َ عرفها الدردير من المالكية بقوله :هي” إس��قاط َ غريمك مالك على فقد َّ
يف نظير ما َله عليك بشروط»
()1
عرفه��ا ابن ُج َز ٍّي المالكي -رحم��ه اهلل :-بأهنا « اقتطاع ٍ دين من وكذا َّ
ٍ مطلوب دي��ن ،وفيها متاركة ،ومعاوضة ،وحوال��ة» ( )2وقيل :إهنا :متاركة
صنف ما عليه لما له على طالبه فيما ذكر عليهما . بمماث ٍل َ
()3
صريح َّ المقاص َة االختيارية ،دون بأن المقصود هبذا التعري��ف: وه��ذا َّ ٌ
الجربية ،والس��بب يف ذل��كَّ : المقاص�� َة الجربية كما أن المالكية ال يرون َّ
س��يأيت بيانه يف موضعه إنش��اء اهلل تعالى؛ ولذلك كان��ت أكثر تعريفاهتم-
المقاص�� َة االختيارية ،و ّمما عرفوها به نظمًا: نظم��ًا ونثر ًا -منص ّب ًة على َّ ِ لجانبين *** نص علي��ه صاحب البهجة( )4بقول��ه :تطارح الدَّ ي��ن م��ا َّ
بشرطه يجوز بين اثنين.
((( الشرح الكبير ،للدردير ،227 /3
((( القوانين الفقهية ،ص ،297وينظر الموسوعة الفقهية ( )329 / 38
((( البهج��ة يف ش��رح التحف��ة ،لعل��ي بن عبد الس�لام التس��ولي ،84/2ومواهب الجليل يف ش��رح مختصر خليل ،25/14ومجلة مجمع الفقه اإلسالمي . 247 /7
((( للتسولي . 84/2
17
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
وعرفها ابن القيم -رحمه اهلل تعالى :-بأهنا «سقوط أحد الدينين بمثله
جنسًا وصف ًة »
()1
وعرفها الش��يخ مصطف��ى الزرقا :بقول��ه « هي أن يثب��ت للمدين على
الدّ ائ��ن نظير ما للدّ ائن علي��ه» ( )2وك ُّلها تعريفات متقاربة ،تفيد :س��قوط
أحد الدينين باآلخر .
والذي يظهر ليَّ : أن األقرب من التعريفات المذكورة بأهنا :هو تعريف
ابن القيم رحمه اهلل تعالى ،لكن مع زيادة ( َّإما جبر ًا ،أو بالتراضي) لتشمل
المقاصة الجربية واالتفاقية ،واهلل تعالى أعلم . َّ
المقاص َة يف المقاص��ة يف ال ُّلغة واالصط�لاح :أن والصل��ة بي��ن تعريف َّ َّ
م��ر آنفًا ،وهذه المعاين ذاهتا ال ُّلغة تفيد :التتبع ،والقطع ،والمس��اواة كما َّ للمقاص ِة؛ َّ ألن فيها تتبعًا للذمم هي ما تضمنته��ا التعاريف االصطالحية َّ ٍ المدينة ،وقطعًا لمطالبة ِّ غريم بما له من الدين ،وفيها تحقيق المساواة كل
الدينين المتساقطين ،واهلل أعلم .
((( إعالم الموقعين ،32 /1وينظر اإلنصاف للمرداوي ،117/5ومعجم لغة الفقهاء ،لقلعه جي ،وحامد صادق ،ص 364
((( يف كتابه المدخل الفقهي العام . 536 /1 ،
18
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الثاين باملقا�صة ،وفيه ثالثة مطالب الألفاظ ذات ال�صلة َّ املطلب الأول :يف لفظ احلوالة .
المقاص ِة ،وربما اش��تبهت هناك عد ٌد م��ن األلفاظ التي لها صل ٌة بلفظ َّ
المقاصة لدى ٍ كثير من القراء وطلبة العلم، تل��ك األلفاظ أو بعضها بلفظ َّ
مم��ا ُّ يدل على أن الحاج َة داعي ٌة لبيان تلك األلفاظ التي لها صل ٌة قريب ٌة أو المقاص ِة ،وأبرز تلك األلفاظ :لفظ الحوالة . بعيدة بلفظ َّ فالحوالة يف لغة العرب :مش��ت ّق ٌة من التح��ول ،بمعنى :االنتقال ،يقال: ٍ مكان إلى آخ��ر ،وهي بفتح الحاء تح��ول من مكانه :إذا انتق��ل انتقل من َّ أفصح من كسرها .
()1
ذمة إلى ٍ دين من ٍ ويف االصطالح :عقد يقتضي نقل ٍ ذمة أخرى ،أو هي:
انتق��ال الدين م��ن ذمة المحيل إلى ذمة المحال علي��ه ،واألول هو غالب
استعمال الفقهاء.
()2
المقاص ِة والحوالةَّ : المقاص َة سقوط أحد الدينين بمثله أن والصلة بين َّ َّ
((( المصباح المنيرللفيومي ،84/1ومختار الصحاح للرازي ، 167/1مادة ( حول ) منهما. ((( التعريف��ات للجرج��اين ،ص ،126واإلقن��اع ،285/1وش��رح منته��ى اإلرادات للبهويت. 135/2
19
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
بشروطه المعتربة ،وأما الحوالة فهيٌ : نقل للدين من ذ َّم ٍة إلى أخرى ،بمعنى:
إسقاط للدين ،بل ٌ ٌ نقل للدين من ذ َّمة المحيل إلى ذ َّمة أنه ليس يف الحوالة المحال عليه ،كما َّ المقاصة. أن الحوالة ليس فيها معاوضة كما الشأن يف َّ
()1
املطلب الثاين :يف لفظ الإبراء
والتنـزه ،والمباعدة عن اإلبراء يطلق يف لغة العرب ويرادبه :التخ ُّلص، ُّ
الشيء.
()2
ٍ عوض ويف االصط�لاح :إس��قاط الش��خص ح ّقًا ل��ه يف ذمة آخ��ر بغير
دنيوي .
()3
ٌ المقاص ِة واإلبراءَّ : إس��قاط بعوض ،واإلبراء المقاص َة أن والصل��ة بين َّ َّ
ٌ إسقاط بغير عوض .
()4
((( الموسوعة الفقهية الكويتية. 330/38 ((( لسان العرب البن منظور ،باب الهمزة ،فصل الباء ،ومختار الصحاح ،73/1مادة ( برأ ) ((( غم��ز عي��ون البصائر للحم��وي ،17/3وأس��نى المطالب لألنصاري ،156/2وكش��اف القناع لمنصور البهويت ،546/5والموسوعة الفقهية الكويتية. 330/38 ((( شرح منتهى اإلرادات ،315/2والموسوعة الفقهية الكويتية. 330/38
20
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املطلب الثالث :يف لفظ الدين والدي��ن يف ال ُّلغة :الق��رض )1(.ويف االصطالح :هو كل ما ثبت يف الذمة
م��ن ثمن مبي��ع ،أو أجرة بيت ،أو دكان ،أو ق��رض ،أو صداق ،أو عوض
خلع.
()2
املطلب الرابع :يف القر�ض والقرض بفتح القاف أشهر من كسرها ،وهو يف ال ُّلغة :القطع .
()3
ويف االصط�لاح :مأخو ٌذ من اإلق��راض ،وهو تمليك الش��يء على أن
وسمي بذلك ألن المقرض يقتطع للمقرتض قطع ًة من ماله. ير َّد بدله؛ ُّ
()4
وقيل :هو دفع ٍ مال– إرفاقًا -لمن ينتفع به وير ُّد بدله.
()5
وبنا ًء على ما تقدَّ م يمكن التفريق بين الدين والقرض من وجهين: الوجه األول :أن القرض أكثر ما يس��تعمل يف العين والورق ،وهو :أن
الرجل درهمًا ل�تر َّد عليه بدله ،فيبقى دين��ًا عليك إلى أن تأخ��ذ من مال َّ ((( المصباح المنيرللفيومي ،108/1ومختار الصحاح ،218/1مادة ( دين ) منهما .
((( حاش��ية رد المحت��ار ،149/3ومج ّل��ة األح��كام العدلية ،م��ادة ( ) 158والتهذي��ب المقنع يف اختصار الشرح الممتع لفضيلة الدكتور أحمد الخليل. 498/1
((( القاموس المحيط للفيروز أبادي ،ص ،840والمصباح المنير ،498-497/2مادة( قرض) منهما . ((( الروض المربع ،151/2وشرح منتهى اإلرادات ،99/2وكشاف القناع. 312/3 ((( المصادر السابقة ،ومطالب أولي النهى. 237/3
21
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
تر َّده ،فكل قرض دين ،وليس كل دين قرضًا؛ وذلك أن أثمان ما يشرتى بالنسأ ديون وليست قروضًا ،فالقرض يكون من جنس ما اقرتض وليس
كذلك الدين».
()1
أغلبي)أن الدَّ ين :ماله ٌ َّ مس��مى بين الدَّ ائن أجل الوجه الثاين( :وهو قيد َّ
والمدي��ن ،وأما م��ا ال أجل له فهو قرض ال دي��ن ،فالقرض:إعطا ُء المال ليس��تعيد المقرض عنه ِعوضًا من جنس��ه وقتًا آخر ،لكن من غير تعيين
الوق��ت غالبًا ،ويدل عليه قوله تعال��ىَ ﴿ :يا َأ ُّي َها ا َّل ِذي َن آ َمنُ��وا إِ َذا َتدَ ا َينْت ُْم ()2 بِدَ ْي ٍن إِ َلى َأ َج ٍل ُم َس ّم ًى َفا ْك ُت ُبو ُه ﴾ . حيث اعترب األجل يف مفهوم الدين ،ولم ُيعترب ذلك يف القرض؛ كما يف ِ ()3 اهَّلل َق ْرضًا َح َسنًا ﴾ . قوله تعالىَ ﴿ :م ْن َذا ا َّلذي ُي ْق ِر ُض َ ٍ وق��د ُي��راد من الدَّ ين ما ثب��ت يف ِّ ألحد من الناس ،س��واء كان مؤ الذمة
جالً أم ال ،لكنه قليل ،والعكس هو األكثر .
()4
فكل ما وجب يف ِّ الذمة للغير من غير جنسه -مؤجالً أو حا ً ال – بسبب ((( معجم الفروق اللغوية للعسكري( .) 289/ 1 ((( سورة البقرة من اآلية .282 ((( سورة البقرة من اآلية .245
((( معجم الفروق اللغوية للعسكري .290/1
22
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
العقد فإنه يسمى دينًا؛ فالبيع -مثالً -ألجل دين ،واإلجارة دي ٌن ،والمهر والسلموالدِّ يةوقيم والمضاربة َّ والمساقاة ُ والمزارعة ُ والرهن ُ المؤجلدينَّ ، المتلفات كلها ديون ،والقرض دي ٌن أيضًا ،لك َّن إطالقه يف الغالب على العين
والورق المتداولة بين الناس ،التي هي قيم العروض والسلع التجارية.
()1
فالعالق��ة -إذ ًا -بين الدين والقرض :عالقة عموم وخصوص مطلق،
وبم��ا َّ المقاص��ة دي�� ٌن يف ذ َّمت��ي المتداينين ه��ي داخل ٌة ضم��ن العالقة أن َّ
المذك��ورة بي��ن الدي��ن والقرض ،لكنه��ا تختلف باخت�لاف ما وجب يف
ذ َّم��ة أحد المتداينين ،أو كليهما ،فإن كان الثابت يف الذ َّمة إجارةً ،أو مهر ًا ٍ متلف فهي مؤج�لاً ،أو رهنًا ،أو ُمزارعةً ،أو مال ُمضاربة ،أو ِديةً ،أو قيم دين ال قرض ،وإن كان ما وجب يف الذ َّمتين أو إحداهما مبلغًا من المال فالمقاصة يف هذه الحال قرض كما تقدَّ م، لينتف��ع به آخذه وير ُّد بدله فهذا ٌ َّ أخص من الدين. ُّ
()2
ٍ والخالصةَّ : قرض أن القرض مس��ألة واحد ٌة من مس��ائل الدين ،وكل
يعدُّ دينًا ،وليس كل ٍ دين يعدُّ قرضًا ،فقد يثبت الدين يف ِّ الذمة بسبب ثمن ((( المصدر السابق .
((( حاش��ية ابن عابدين ،286/5وحاش��ية الدسوقي على الشرح الكبير ،150 ،43/3واألسئلة واألجوبة الفقهية للسلمان . 353/4
23
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
مبيع ،أو بس��بب استهالك مال غيره بالتعدِّ ي ،أو التَّفريط ،أو الغصب ،أو
غير ذلك من األسباب التي توجب ضمان األموال .بينما القرض ال يكون
إال بدفع مالكه لمن ينتفع به عن رضا وطواعية )1(.واهلل تعالى أعلم.
((( حاش��ية ابن عابدين ،286/5وحاش��ية الدسوقي على الشرح الكبير ،150 ،43/3واألسئلة واألجوبة الفقهية للسلمان ،353/4والزمن يف الديون وأحكامه ،7/1والحوالة والسفتجة . 150/1
( )2درر الحكام شرح مج ّلة األحكام .101 /1
24
الف�صـل الأول
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املقا�صة و�أ�صل م�شروعيتها وجمالها �صورة َّ وفيه ثالثة مباحث : المقاص ِة . المبحث األول :يف صورة َّ المقاصة . المبحث الثاين :مشروعية َّ المقاص ِة . المبحث الثالث :مجال َّ
26
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الأول املقا�ص ِة يف �صورة َّ
ٍ لشخص على غريمه مثل ما له عليه المقاصة من حيث هي :أن يثبت صورة َّ
من الدين ،سوا ٌء اتفقا يف الجنس ،والصفة ،والحلول ،والتأجيل أم ال. فالمقاصة ف��إن اتفق الدينان يف الجنس ،والصفة ،والحلول ،والتأجيل َّ
هن��ا جربية ،ويف هذه الحال يتس��اقط الدينان تلقائي��ًا بمجرد ثبوت الدين ٍ توقف على تراضيهما ،وال الثاين على المدين إن تساويا يف المقدار ،دون
على طلب أحدهما ،وإن تفاوتا يف القدر سقط من األكثر بقدر األقل ،فإذا
كان ألحد الطرفين مائة ٍ س��عودي دينًا عل��ى اآلخر ،وللمدين على ريال ٍّ ٍ وتقاصا ،فإنه يس��قط م��ن قيمة الدوالرات- دوالر أمريكي، الدائ��ن مائة َّ
مقاصةً -بقدر الرياالت ،ويبقى لصاحب الدوالرات ما بقي منها ،ولكن
َّ ديني ،وال على وقوعها ضرر. بشرط أال يرتتب عليها محظور ٌ
()1
فالمقاصة وإن لم يتفق الدينان يف الجنس ،والصفة ،والحلول ،والتأجيل َّ
يتم س��قوط الدينين إ َّ ال برتاضيهما ،وال يجرب هنا اختيارية ،بمعنى :أنه ال ُّ ((( المبس��وط للسرخس��ي ،206/12والهداي��ة للمرغين��اين ،111/2واألم لإلم��ام للش��افعي،388/7
والقليوبي ،336/4والمغني ،229/12واإلنصاف للمرداوي ،118/5والموسوعة الفقهية الكويتية . 312/1
27
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاص َة بين أي م��ن الطرفين على انقض��اء االلتزام فيما بينهم��ا؛( )1ألن َّ ٌّ مختلفي الجنس من الديون من باب المعاوضة ،والمعاوضة يشرتط فيها الرتاض��ي ،كما يف البيع واإلج��ارة ونحوهما )2(.ومثاله��ا :أن يكون ٍ لزيد
ٍ ٍ ٍ المقاص ُة بينهما إ َّ ال تتم عمرو دنانير، على َّ ولعم��رو على زيد دراهم ،فال ُّ
برتاضيهما ،واهلل تعالى أعلم .
((( حاش��ية ابن عابدين ،286/5وحاش��ية الدسوقي على الشرح الكبير ،150 ،43/3واألسئلة واألجوبة الفقهية للسلمان . 353/4
((( المصادر السابقة ،وروضة الطالبين للنووي. 273/12
28
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الثاين املقا�صة م�شروعية َّ ٍ بحاجة إلى أح��ب أن أنبه إلى أننا لس��نا وقب��ل بيان إيضاح مش��روعية: ُّ
تحري��ر ِّ محل النزاع يف هذا المقام؛ َّ ألن الم��راد هبذا المبحث :بيان أصل المقاصة من حيث الجملة ،وتحرير ِّ محل النزاع سوف يبين يف مشروعية َّ
مكانه المناسب ،إن شاء اهلل تعالى.
المقاصة يف الجملة على ث��م أعود وأقول :اختلف أهل العلم يف حكم َّ
ثالثة أقوال :
الق��ول األولّ : المقاص��ة -م��ن حي��ث ه��ي -جائز ٌة ومش��روعة يف أن َّ
الجملة ،بشرط تح ّقق شروطها ،وانتفاء موانعها ،ما لم تؤل إلى محظور، ٍ محرم ٌة غير مش��روعة ،وهبذا ق��ال جمهور ف��إن آلت إلى محظ��ور فإهن��ا ّ
الفقهاءُّ )1(. ويدل على مشروعيتها ما يلي:
ِ ِ ِْ َ َ ُ ��م إِ َلى ��ي ٌء م�� ْن َأ ْز َواج ُك ْ الدلي��ل األول :قول��ه تعال��ى ﴿ َوإن فاتك ْم َش ْ
((( المبس��وط للسرخس��ي ،206/12وحاش��ية اب��ن عابدي��ن ،250/4و ،265/5وش��رح الزرقاين على مختصر خليل ،230 /5والش��رح الكبير للدردير مع حاش��ية الدس��وقي ،227 /3ومنح الجليل، 411/5
واألم ،388/7وروض��ة الطالبين ،273/12والمهذب ،17/2واإلنصاف للمرداوي ،118/5وكش��اف
القناع للبهويت ،296 - 310/3وغاية المنتهى ،114/2والفقه اإلسالمي وأدلته . 382/5
29
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ِ ِ ا ْل ُك َّف ِ اهَّلل ا َّل ِذي ار َف َعا َق ْبت ُْم َفآ ُتوا ا َّلذي َن َذ َه َب ْت َأ ْز َو ُ اج ُه ْم م ْث َل َما َأ ْن َف ُقوا َوا َّت ُقوا َ َأ ْنتُ��م بِ ِ ��ه ُم ْؤمِن َ المقاصة فس��رها ُون ﴾( )1ق��ال يف روضة الطالبين« :وهبذه َّ ْ المفسرون»
()2
الدلي��ل الثاين :حديث ابن عمر
قال :كنت أبيع اإلبل بالبقيع ،فأبيع
بالدنانير وآخذ الدراهم ،وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ،آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه ،فأتيت رسول اهلل ﷺ وهو يف بيت حفصة ،فقلت :يا
رس��ول اهلل ،رويدك أس��ألك ،إين أبيع اإلبل بالبقيع ،فأبيع بالدنانير وآخذ
الدراهم ،وأبيع بالدراه��م وآخذ الدنانير ،آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه ،قال رسول اهلل ﷺ « :ال بأس أن تأخذ بسعر يومها ،ما لم تفرتقا،
وبينكما ش��يء » ( )3فقوله ﷺ :ال بأس ) فيه دليل على جواز االس��تبدال ((( سورة الممتحنة ،آية رقم . 11:
((( روضة الطالبين للنووي ،531/7قال الزركش��ي يف المنثور :396/1ومنها إذا هاجرت ِ الماوردي: إلينا منهم مسلمة ،وتوجهت إليهم منَّا مرتدَّ ة مهرها َأكثر من مهر ا َّلتي هاجرت ،قال ِ الذمتان ،وإن فضل لنا رجعنا بالفضل ،وإن فضل لهم دفعنا الفضل فإن استويا يف القدر برئت خصهم بِ ِه من بيت المال إلى مستح ِّقه من المسلمين . إليهم ،ودفع اإلمام ما َّ ((( أخرجه أبو داود برقم ،3354 :والرتمذي ،برقم ،1242والنسائي ،281/ 7وابن ماجه ،برقم،2262 : وقال الرتمذي :ال نعرفه مرفوعا إ َّ ال من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ،وروى داود بن أبي هند هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفا .وقال البيهقي :تفرد برفعه سماك بن حرب
عن س��عيد ب��ن جبير من أصحاب ابن عمر .وض َّعفه الش��يخ محمد ناصر الدين األلب��اين يف صحيح وضعيف سنن النسائي ،161/10باب رقم ،4661 :لكن قال الحاكم :صحيح على شرط مسلم ،وقد تعقب النووي
30
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة عن الثمن الذي يف الذمة بغيره ،أما القياس فمقتضاه :عدم وقوع ّ
بين الدين والعين؛ لعدم المجانسة.
()1
وق��ال الباب��ريت يف العناي��ة ( :)2إن ه��ذا الحدي��ث ُّ المقاصة ي��دل عل��ى َّ
المقاصة بين استحسانًا )3(،وهي َّ
ألن قبض نفس الدين ال يتصور؛ ألن��ه عبارة عن ٍ الدي��ن والعي��ن؛ َّ مال
حكمي يف الذمة،والدين ال يتعين بالتعيين ،فكان قبضه بقبض بدله ،وهو ٍّ قب��ض العين؛ يعني :قبض الدين ،فتصي��ر العين المقبوض ًة مضمون ًة على
ِ المقبوض من ُه مثلها يف المالية ،فيلتقيان قصاصًا ،هذا القاب��ض ،ويف ذ َّمة يف المجم��وع ،330-329/9ق��ول البيهقي قائالً :وهذا ال يقدح يف رفعه ،وق��د قدمنا مرات أن الحديث إذا
رواه بعضهم مرس�لاً ،وبعضهم متص�لاً ،وبعضهم موقوفًا ،وبعضهم مرفوع��ا ،كان محكومًا بوصله ورفعه على المذهب الصحيح الذي قاله الفقهاء واألصوليين ،ومحققوا المحدثين من المتقدمين والمتأخرين.
((( بدائ��ع الصنائ��ع ،206/5وش��رح بلوغ المرام للش��يخ عطية محمد س��الم ،190/7والفقه اإلس�لامي وأد ّلته. 373/5
((( العناي��ة هبام��ش فتح القدي��ر ،380/5والبابريت هو :محمد ب��ن محمد بن محمود ،أبو عب��د اهلل البابريت،
عالم��ة بفقه الحنفية ،عارف باألدب ،نس��بته إل��ى بابرت (قرية من أعمال دجيل ببغ��داد) من كتبه( :العناية يف ش��رح الهداية ) فقه ،وش��رح ألفية ابن معطي) وش��رح الفقه األكرب ألبي حنيفة ،ينظر تاج الرتاجم يف طبقات
الحنفية ،البن قطلوبغا ،22/1األعالم للزركلي،42/7
((( وهو قول زفر من الحنفية؛ لكوهنما تصرفا يف بدل الصرف قبل قبضه ،ووجه االستحس��ان :أنه بالتقابض
انفسخ العقد األول ،وانعقد صرف آخر مضاف إلى الدين .كما يف حاشية ابن عابدين ،239/4والهداية مع الفتح وحاشية العناية . 262 /6
31
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ه��و طري��ق قبض الديون ،وه��ذا المعنى ال يوجب الفص��ل بين أن يكون المقبوض جنس ما عليه ،أو من خالف جنسه؛
َّ المقاص�� َة إنم��ا تتح َّق ُق بالمعن��ى؛ وهو المالي��ة ،واألموال كلها يف ألن َّ
معنى المالية جنس واحد .
()1
الدلي��ل الثالث :من النظر؛ وهو َّ أن العقل يقتضي جوازها؛ ألن الديون
تقضى بأمثالها ال بأعياهنا ،وهي يف الذمة سواء ،فإذا كان الدينان متساويين ٍ م��ن ِّ ألي من المتداينين بمطالبة أحدهما كل وجه فإنه ال معنى وال فائدة ٍّ ثم ي��رده علي��ه يف آنهّ ، تقره الش��ريعة فإن ه��ذا عبث ال ُّ اآلخ��ر بعي��ن ماله َّ
السمحة .
()2
الدلي��ل الراب��عّ : طريق من ط��رق قضاء الحق��وق وبراءة أن المقاص�� َة ٌ َّ
يتشوف الذمم ،التي براءهتا من أعظم مقاصد الشريعة المطهرة ،فالشارع َّ والحث على قضائها يف أقرب ٍ ِّ وقت ،فإذا إل��ى ر ِّد الحقوق وبراءة الذمم، ((( بدائ��ع الصنائ��ع ،234/5وحاش��ية رد المحتار البن عابدين ،250/4وش��رح الزرق��اين على مختصر خليل ،230/5والش��رح الكبير للدردير مع حاش��ية الدس��وقي ،227 /3ومنح الجلي��ل ، 411/5وروضة
الطالبين ،273/12والمهذب ،17/2وكش��اف القناع للبه��ويت ،310/3واإلنصاف للمرداوي ،118/5
والموسوعة الفقهية. 331-330/38
((( المبس��وط للسرخس��ي ،150/30وتحفة المحت��اج ،396/2ومطالب أولي النهى ،235/3وكش��اف القناع ،257 -253/3والفقه اإلسالمي وأدلته ،373/5و الموسوعة الفقهية الكويتية . 334/38
32
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ وقع��ت بين اثني��ن كان ُّ توص َل إل��ى حقه ،وبرئت ذ ّمة كل واحد منهما قد َّ مدين��ه منه( )1بل قال بع��ض أهل العلمَّ : المقاصة ه��ي الطريقة المثلى إن َّ
لقض��اء الديون هب��ا عند العس��رة ،أو المماطلة ،وق��د ال يمكن أن تقضى
بسواها( )2واهلل أعلم .
أن العلم��اء متفقون عل��ى َّ الدلي��ل الخام��سَّ : أن من م��ات وعليه دي ٌن
لوارث��ه َّ بمجرد انتقال ترك��ة المدين لوارثه ،وال يلزم الدائن فإن ذمته تربأ َّ الوارث ببيعها لقضاء دينه من تركة المدين الميت؛ لعدم الفائدة يف ذلك،
المقاصة . وهذا هو عين َّ
()3
الدليل السادس :أنه يعدُّ آخر الدينين قضا ًء عن األول ،وهو هبذا يكون
قبضًا للدين األول ،وعلى
المقاص َة بيع ٍ صحة لقول من زعم َّ دين بدين. أن َّ هذا فال ّ
()4
القــ��ول الثاين :عدم جواز المقاص ِ ��ة مطلقًا ،جربي ًة كانت ،أو رضائية، َّ ((( إعالم الموقعين البن القيم الجوزية .9/2
((( األشباه والنظائر البن نجيم ،ص ،354والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ،للمؤ ِّلف نفسه . ((( أسنى المطالب لألنصاري ،493/4والمنثور يف القواعد للزركشي. 392/1 ((( المبسوط ،19/14ودرر الح ّكام. 89 - 88/3
33
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
أو طلبية ،وهبذا قال بعض الشافعية )1(،وهو رواي ٌة عن اإلمام أحمد .
()2
َّ واستدل أصحاب هذا القولّ : المقاص َة من قبيل بيع الدين بالدين؛ بأن َّ
النبي ﷺ أنه هنى عن بيع الكالئ بالكالئ )3( ،وهو بيع وذلك لما روي عن ِّ
الدين بالدين.
()4
ويمكن مناقشة هذا االستالل هبذا الدليل من وجهين : الوجه األولّ : المقاصة من قبيل بيع الدين الس��اقط بالدين الساقط، أن َّ
ُّ مح��ل خالف بي��ن أه��ل العل��م ،والراجح ج��وازه ،ج��اء يف الدرر وه��و
المقاصة ،فإن اتفق الدينان الس��نية(« :)5ومثال الساقط بالس��اقط :صورة َّ ٍ جنس��ًا وأجالً فال بأس هبا ،وإن اختلف الجنس ،كما لو كان ِّ واحد لكل من االثنين دي ٌن على صاحبه من غير جنس��ه ،كالذهب والفضة ،وتساقطا ولم يحضرا ش��يئًا ،فهذا فيه خالف ،المنصوص عن أحمد :أنه ال يجوز
((( روضة الطالبين ،237/12وهناية المحتاج للرملي. 424 /8
((( اإلنصاف للمرداوي ،118/5والموسوعة الفقهية . 332/38 ((( أخرج��ه ال��دار قطني ،71/3من حديث اب��ن عمر
ونقل ابن حجر يف التلخي��ص ،27 -26/3عن
الش��افعي أنه قال :أهل الحديث يوهنون هذا الحديث ،وقال اإلمام أحمد – كما يف نصب الراية :-39/4لم
يصح فيه حديث ،لكنه إجماع" .وضعفه الشيخ األلباين يف الجامع الصغير وزيادته ،1423/1برقم. 6061 :
((( روض��ة الطالبين للن��ووي ،237/12وهناية المحت��اج ،424 /8ومغني المحتاج للش��ربيني،534/4 أئمة ال ُّلغة :أن هذا معناه عندهم ،كما يف المصادر المذكورة. اإلنصاف ،118/5ونقل عن ّ
((( يف األجوبة النجدية. 120/6
34
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
إذا كانا نقدين من جنسين ،واختار الشيخ تقي الدين الجواز».
بان ه��ذا الحديث الذي هو عمدهت��م ضعيف ٍ الوج��ه الثاينَّ : وواه،كما
تقدّ م النقل يف تخريجه عن أهل الشأن ،والحديث الضعيف ال ُيـبنى عليه ق��ول معتمد ،نعم َّ ٌ دل إجماع أهل العلم عل��ى منع بيع الدين بالدين ،كما
ح��كاه اإلمام أحمد ،وابن عبد الرب ،والوزير وغيرهم )1(،ولكن ال نس�� ِّلم طري��ق من طرق قضاء المقاص َة من قبيل بي��ع الدين بالدين ،بل هي ب��أن ٌ َّ ُّ ويحث الدي��ون وإب��راء الذمم ،وهذا أمر يتش��وف إليه الش��ارع الحكيم،
ٍ نصوص من القرآن المقاصة المالية يف عليه ،س��يما وقد ثبتت مش��روعية َّ والس��نّة الصحيحة ،كما تقدَّ م يف التمهي��د لهذا البحث )2(،وعليه :ال يبقى له��ذا القول أق��دام يقف عليها ،بل هو ٌ قول ضعي��ف؛ لضعف األد َّلة التي
اتكأ عليها ،واهلل أعلم .
المقاصة االتفاقية ،وعدم جواز القــول الثال��ث :التفصيل ،وهو جواز َّ ()3 المقاص ِة الجربية ،وإلى هذا ذهب المالكية . َّ ((( األسئلة واألجوبة الفقهية ،251/4والدرر السنية يف األجوبة النجدية .120/6 ((( ينظر ص . 5-3
((( مواه��ب الجليل يف ش��رح مختص��ر خلي��ل ،25/14القوانين الفقهي��ة البن جزي ،ص ،297وحاش��ية
الدسوقي ،228/3وجواهر اإلكليل. 77 /2
35
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ِ إس�� َق ُ اط َما َل َ ��ك مِ ْن َد ْي ٍن َع َلى قال الدس��وقي(َ :)1ت ُج ُ وز ا ْل ُم َق َّ اصةَُ ،وه َي ْ ِ ِِ ِ ِ ِ بَ ،أ ْو َغ ِريمك في نَظ ِير َما َل ُه َع َل ْيك بِ ُش ُروطهَ ،و َع َّب َر بِا ْل َج َو ِاز إ َّما ألَ َّن ُه ا ْل َغال ُ اإل ْذ ُن الص ِ ��وب إ َذا ح َّل الدَّ ين ِ ألَ َّن ا ْلم��را َد بِ ِهِ : اد ُق بِا ْل ُو ُج ِ َانَ ،أ ْو ا َّت َف َقا َأ َجالً، َ َّ ْ ُ َ
وب ا ْل ُح ْك ِم بِ َها» ب ُو ُج ُ َأ ْو َط َل َب َها َم ْن َح َّل َد ْينُ ُهَ ،فإِ َّن ا ْل َم ْذ َه َ
للمقاص ِة – نظمًا ونث��ر ًا – إنما هي يف ولذل��ك كان��ت أكثر تعريفاهت��م َّ
المقاصة االختيارية فقط. َّ
والقاع��دة عنده��مَّ : أن المقاصة يف الديون منها ما يج��وز ،ومنها ما ال
تغلي��ب للمعاوضة ،أو الحوالة يج��وز ،والجواز نظي��ر للمتاركة ،والمنع ٌ تتم ش��روطها ،وإذا قوي��ت التهمة وقع المن��ع ،وإن فقدت حصل إذا ل��م َّ
الجواز ،وإن ضعفت حصل الخالف .
()2
الترجي��ح :والذي يظهر رجحان��ه هو القول األول؛ وذل��ك لقوة أدلته
وتعليالته ،يف مقابل ضعف أد َّلة وتعليالت القولين الثاين والثالث؛ وألنَّه ((( يف حاش��يته عل��ى الش��رح الكبي��ر .227/3والدس��وقي هو :محمد ب��ن أحمد بن عرفة الدس��وقي .فقيه مالك��ي من علماء العربية والفقه ،من أهل دس��وق بمصر .تع َّلم وأقام وت��ويف بالقاهرة ،ودرس باألزهر .من
تصانيفه :حاشيته على الشرح الكبير على مختصر خليل ،يف الفقه المالكي ،ينظر الجربيت ،231/4واألعالم كحالة ،292/9وشجرة النور الزكية ص . 361 للزركلي ،242/6ومعجم المؤلفين لعمر رضا ّ
((( مواهب الجليل يف شرح مختصر خليل ،25/14والقوانين الفقهية البن جزي ،ص ،297وحاشية الدسوقي
،228/3وجواه��ر اإلكليل ،77 /2والفقه اإلس�لامي وأد ّلت��ه ،376 /5والموس��وعة الفقهية )332/38
36
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ توس��ع ًة وتيس��ير ًا على الناس؛ وهذا أولى من قبض ِّ طرف ماله يف ذ َّمة كل ثم ير ّده إليه؛ ّ فإن هذا عبث ال تأيت الشريعة بمثله ،السيما بعد بيان اآلخر َّ
دين ٍ المقاصة ليس فيه��ا بيع ٍ بدين كما ادعاه المانعون .واهلل -تعالى- أن َّ
أعلم .
37
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبـحث الثالث ــة جمال َّ املقا�ص ِ من خالل التتبع واالستقراء لكالم أهل العلم تبينَّ : المقاصة ال تقع أن َّ
إ َّ ال بين دينين،كما هو واضح من خالل تعريفات الفقهاء التي تقدَّ م ذكرها
يف التمهي��د )1(،فلو كان للمدين دي�� ٌن آخر على دائنهّ ، فإن الديـنين يلتقيان
ٍ برتاض بين المقاص�� ُة إجبارية )2(-وإ َّم��ا قصاص��ًا إ َّما إجب��ار ًا -إن كانت َّ المقاص ِة بين الطرفين، المقاصة رضائيةً ،حس��ب نوع الطرفي��ن إن كانت َّ َّ ٍ عين وعي��ن ،وال بين ٍ المقاص ُة بين ٍ وعين ،إ َّ ال إذا دين وعل��ى هذا فال تقع َّ
تحول��ت العين إلى دين ،ف��إن تحولت إلى ٍ المقاص ُة بالدين دين ج��ازت َّ
الذي تحولت العين إليه بشروطه )3(.و َّمما تجدر اإلشارة إليه :أن الدينين
أع��م من النقدين ،فقد يكون��ان نقدين ،أو عرضين ،أو نقد ًا وعرضًا على ُّ ٍ ص��رح الحنفية بوقوع اخت�لاف بي��ن الفقهاء يف بعض أن��واع الدين ،لكن َّ المقاص ِ ��ة بين الدي��ن والعين ،ومثلوا لذلك :بمن اش�ترى دينار ًا بعش��رة َّ ((( ينظر ص . 2
ً وحلوال، والمقاص��ة الجربي��ة :ه��ي الت��ي تحدث بنفس��ها بين ديني��ن متماثلين جنس��ًا ،وصفةً ،وق��در ًا، ((( َّ وتأجي�لاً ،وال تتو َّق��ف عل��ى رض��ا الطرفين ،وال عل��ى طلب أحدهما .كم��ا يف المنثور للزركش��ي ،391/1 وروضة الطالبين 320/2والمغني ،448 –447/9والموسوعة الفقهية الكويتية . 335/38
((( حاشية ابن عابدين ، 240 - 239 /4والفتاوى الهندية ،230/ 3والموسوعة الفقهية . 331/38
38
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاص ُة دراه��م ،ه��ي دي ٌن له على بائ��ع الدينار ،فبعد قبضه الدين��ار تقع َّ
بالعقد نفسه.
()1
المقاص�� َة وقعت بين ق��ال يف الفقه اإلس�لامي( :)2والحقيق��ة :أن هذه َّ
ٍ جنس واحد ،ال بين ٍ ٍ وعين من جنسين؛ ألن مشرتي الدينار دين دينين من
لما قبضه كان قبضه قبض ضمان بالثمن الذي اتفقا عليه ،وهو العش��رة، فثب��ت بالقب��ض يف ذمته مثلها للبائ��ع ،فالتقى الدين��ان قصاصًا ،وإن كان
ٍ المقاص َة وقعت بين ٍ وعين من جنس��ين مختلفين. دين الظاه��ر يوه��م أن َّ مقاص ِة الدينين». فهذه الصورة وأمثالها من باب َّ
المقاص ِة لألستاذ محمد سالم مدكور ،ص ،13 - 9/والفقه اإلسالمي وأدلته. 241/6 ((( بحث َّ ((( للدكتور وهبة الزحيلي ،240/6وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية. 331/38
39
الف�صـل الثاين
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
���ة ،و�أث���ره���ا �أن������واع و�أح����ك����ام َّ امل���ق���ا����ص ِ
وفيه خمسة مباحث : المقاصة الجبرية ،وفيه ثالثة مطالب : المبحث األول: َّ المقاص ُة االختيارية . المبحث الثاين: َّ المقاصة الطلبية ،أو القضائية . المبحث الثالث: َّ المقاص ِة الباطلة ،وصور ٍمنها. المبحث الرابـع: َّ
المقاص ِة ومدى نقضها بعد إتمامها. المبحث الخامس :أثر َّ
42
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املـبحــــث الأول تبين من خالل التـت ّبع واالستقراءّ : المقاص َة المباح َة ثالثة أنواع : أن َّ ومقاص ٌة قضائية؛ أي :طلبي ٌة من أحد ومقاص ٌة اختيارية، مقاص ٌة جربية، َّ َّ َّ ٍ حق الطرف اآلخر )1(.وفيما يلي بيان ِّ واحد من كل الطرفين ،وجربي ٌة يف ِّ هذه األنواع بالتفصيل :
المقاصة الجربية من خالل المطالب التالية : والبحث يف َّ
املقا�ص ِة اجلربية. املطلب الأول :يف تعريف َّ ٍ توقف على ِ أي من وهي سقوط الدينين تلقائيًا ،دون طلب أو موافقة ٍّ
الطرفي��ن ،وتكون بين دينين متماثلين جنس��ًا ،وصف��ةً ،وقدر ًا ،وحلو ً ال، ش��خص نقود ًا من غيره ،أو ش��يئًا يثبت وتأجيالً )2(.ومثالها :أن يقرتض ٌ
دين��ًا يف الذمة كالمثلي��ات ،ثم يـبيع المقرتض لدائن��ه متاعًا ٍ بثمن معج ٍل
المقاص ُة بين هذين الدينين ،بمجرد من جنس الدين الذي عليه ،فإهنا تقع َّ ٍ توقف على تراضيهما ،وال ثب��وت الدين الثاين ،جرب ًا على الطرفين ،دون ((( الفقه اإلسالمي وأد ّلته ،240/6والموسوعة الفقهية الكويتية. 331/38
((( المنث��ور يف القواع��د للزركش��ي ،391/1وروض��ة الطالبي��ن 320/2والمغن��ي ،448 –447/9
والموسوعة الفقهية الكويتية ،335/38والمعايير الشرعية ،ص . 49
43
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ طلب من أحدهما. على
()1
املقا�ص ِة اجلربية : املطلب الثاين :حكم َّ تقدم( :)2أهنا جائز ٌة عند جمهور الفقهاء إذا تحققت ش��روطها وانتفت المقاص ِة موانعه��ا )3(.ووافق المالكية غيرهم من الفقهاء على مش��روعية َّ ٍ المقاص َة الجربي��ة إ َّ طلب أو ال بنا ًء على يف الجمل��ة ،غير أنّهم لم يجيزوا َّ ٍ اتف��اق بين الطرفين ،ولذل��ك كانت أكثر التعريف��ات عندهم منص َّب ًة على المقاصة االتفاقية دون الجربية .
()4
المقاص��ة الجربي��ة :ه��ي األد َّل��ة ذاهتا على األد َّل��ة :وأد َّل��ة مش��روعية َّ المقاص ِة وعمومها. مشروعية أصل َّ وقد تقدَّ م ذكرها بالتفصيل يف التمهيد )5(،فال حاجة لتكرارها .
املقا�صة اجلربية : �صحة املطلب الثالث� :شروط َّ َّ
وصحتها عند جمهور الفقهاء س��بعة المقاص ِة الجربية يش�ترط لتح ّقق ّ َّ
((( المصدرين السابقين ،و الموسوعة الفقهية ،331/ 38و الفقه اإلسالمي وأدلته. 241/6 ((( ينظر ص 7فما بعدها .
((( حاش��ية ابن عابدين ،250/4واألم للش��افعي ،388/7وغاية المنتهى ،114/2كشاف القناع .296/3 ((( المدونة ،142 -141/9والقوانين الفقهية البن جزي ،ص ،193وحاشية الدسوقي. 228/3 ((( ينظر ص . 9 -7
44
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
شروط ،وتفصيلها كاآليت: الشرط األول :تالقي الحقين ،بحيث يكون زيدٌ من الناس– مثالً -دائنًا ٍ لعبيد من الناس ومدينًا له يف ٍ آن واحد ،فيجتمع الدينان على الش��خصين
ال إذا كان ٌّ المذكورين ،وللشخصين أنفس��هما.فال تـتحقق المقاصة إ َّ كل ِ ِ اصاَ ،ه َذا ُه َو َط ِر ُيق من المتقاصين دائنًا ومدينًا معًاَ ،ف َي ْلتَقي ديناهما ق َص ً َّ ��ض الدُّ ي ِ ()1 اص َة إن ََّم��ا َتت ََح َّق ُق بذلك. ون عن طريق المقاص��ة؛ ألَ َّن ا ْل ُم َق َّ َّ َق ْب ِ ُ ويتضح ذلك باألمثلة اآلتية :
المقاصة؛ لتالقي -1ل��و كان للمش�تري على الم��و ِّك ِل دي ٌن فإهنا تق��ع َّ
نظير ِ ٍ دين المو َّلى ولي ،أو الدينين ،وال تق��ع َّ وصي َ ٍّ المقاصة يف دين على ٍّ
عليه؛ لعدم تالقي الحقين .
()2
ِ ٍ المقاص��ة بين ٍ ودين عليه��ا ،وال تقع لحاضنة الصغي��ر دي��ن -2تق��ع َّ
المقاصة بين الدائن ومدين غريمه؛ لعدم التالقي بين هذين الدينين. َّ
()3
المقاصة الجربية مع الحوال��ة؛ َّ ألن الحوالة -عند -3أن��ه ال تجتم��ع َّ ((( بدائع الصنائع ،234/5والهداية وشروحها ،380 /5والفقه اإلسالمي وأدلته ()324/ 5 ((( المصادر السابقة ،والبحر الرائق البن نجيم.220-217/6
((( بدائع الصنائع ،234/5والبحر الرائق البن نجيم ،220-217/6والعناية شرح الهداية،21-17/10 وحاشية ر ِّد المحتار . 397/5
45
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الجمه��ورٌ - نق��ل للدين من ذمة المدين إلى ذم��ة المحال عليه ،فإذا ثبت للمدي��ن عل��ى دائنه ُ المقاصة ج�بر ًا ،وال يبقى عليه دي ٌن مثل دينه وقع��ت َّ يحيل به دائنه على آخر ،وإذا ثبت للمدين هذا الدين بعد الحوالة فإهنا ال
المقاصة بعد إحالته بدينه على آخر؛ لعدم التالقي؛ َّ ألن دائنه لم يبق تق��ع َّ دائنًا له ،وصار دائنًا للمحال عليه.
()1
الشرط الثاين لحصول المقاصة الجبرية( :)2تساوي الدينين ،باتحادهما
جنس��ًا ،ونوعًا ،وصفةً ،وحل��و ً ال ،وأجالً ،وق��وةً ،وضعفًا.وعليه :فإذا اختلف جنس الدينين ،أو تفاوتا يف الوصف ،أو كانا مؤجلين ،أو أحدهما
ح��ا ًّ ال واآلخر مؤجالً ،أو أحدهما قويًا واآلخر ضعيفًا فال تقع المقاصة عند الحنفية إ َّ ال برتاضي المتداينين ،سواء اتحد سببهما أو اختلف .
()3
والدراهم والدنانير جنس��ان مختلفان يف ظاهر الرواية عند األحناف
()4
((( المصادر السابقة ،ودرر الحكام لعلي حيدر. 633/3
خاصةً ،وال يشرتط ذلك يف المقاصة االختيارية . ((( أي :يف المقاصة الجربية ّ
((( الفت��اوى الهندي��ة ،230/3وحاش��ية اب��ن عابدي��ن ،240-239/4ومرش��د الحي��ران ،الم��ادة رق��م: ،226-225واألم للش��افعي ،59/8والمنث��ور يف القواعد للزركش��ي ،391/1والمغني ،448-447/9
والموسوعة الفقهية الكويتية ،331/38والفقه اإلسالمي وأد ّلته . 376/5
((( إذا قال األحناف( :مس��ائل األصول) أو (مس��ائل ظاهر الراواية ) فإهنم يريدون هبا :الكتب الستة لمحمد ب��ن الحس��ن الش��يباين رحمه اهلل تعالى ،المتوىف س��نة 189هـ وه��ذه الكتب هي -1 :المبس��وط -2 ،الجامع
الصغير -3 ،الجامع الكبير -4الزيادات -5 ،الس��ير الصغير -6 ،الس��ير الكبير ،ينظر البحث الفقهي طبيعته،
46
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاص��ة يعتربان جنس��ًا ووافقه��م الش��افعية والحنابل��ة )1(.لكنهم��ا يف َّ
واحد ًا -استحس��انًا -يف رأي بعض مش��ايخ الحنفية )2(.قال يف حاش��ية
وتقاص��ا ،كم��ا لو كان ل��ه عليه مئة ر ِّد المحت��ار( :)3إذا اختل��ف الجن��س َّ
تقاصا تصي��ر الدراهم قصاصًا دره��م ،وللمديون مئ��ة دينار عليه ،ف��إذا َّ ٍ بمائة من قيم��ة الدنانير ،ويبقى لصاحب الدناني��ر على صاحب الدراهم م��ا بق��ي منها « وعلى ه��ذا :فالنقود الورقية يف عصرنا تعدُّ جنس��ًا واحد ًا
المقاص��ة على ِ رأي بعض الحنفي��ة؛( )4عمالً بالعرف يف التعامل؛ ألهنا يف َّ ��ت محل الفلوس الرائجة ،ويكون النظر فيها إلى القيمة ،ال إلى ذات ح َّل ْ
النقد بخصوصه.
َّأما عند الشافعية والحنابلة :فتعترب النقود الورقية أجناسًا مستقلةً ،بناء
على َّ المقاصة بين أن كالً من الدنانير والدراهم عندهم جنس��ان ،فال تقع َّ دينين أحدهما دنانير واآلخر دراهم؛ الختالف الجنس.
()5
أصوله ،مصادره ،مع المصطلحات الفقهية يف المذاهب األربعة ،د /إسماعيل سالم عبد العال ،ص . 119 ((( البحر الرائق ،217/6ور ِّد المحتار ،438/2والفقه اإلسالمي وأدلته. 376/5
((( البح��ر الرائ��ق ،217/6ور ِّد المحتار ،438/2والهداية ش��رح البداي��ة ،84/3والفقه اإلس�لامي وأدلته. 376/5
((( البن عابدين ،240-239/4ط :دار إحياء الرتاث ،و ،397/5والفتاوى الهندية. 230/3
((( حاش��ية ب��ن عابدي��ن ،240-239/4و ،397/5والفت��اوى الهندي��ة ،230/3والفق��ه اإلس�لامي وأدلته.376/5
((( المنثور يف القواعد ،393/1والفقه اإلسالمي وأدلته.376/5
47
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
وأم��ا تماثل الديني��ن يف الصفات فهو ش��رط عن��د الحنفي��ة والحنابلة
مطلق��ًا )1(،ووافقه��م المالكي��ة إذا كان الدين��ان أصلهما عين��ان والمراد
بتماث��ل الديني��ن يف الصفات :أي اتفاقهما يف الصف��ات من حيث الجودة والرداءة ،ويرتتب على اختالف الصفات :اختالف يف القيمة واالنتفاع.
()2
واشرتط الحنفية()3والشافعية ()4والحنابلة( :)5حلول الدينين ،فإن كانا
مؤجلين ،أو أحدهما حا ًّ ال
المقاصة الجربية ،ولو كان أجلهما واحد ًا ،وال واآلخ��ر مؤجالًلم تقع َّ ٍ حينئذ -إ َّ ال برتاضي تقع- ((( البح��ر الرائق،217/6ور ِّد المحتار ،438/2وحاش��ية ابن عابدين ،240-239/4والفقه اإلس�لامي وأدلته .376/5 ((( حاشية ابن عابدين ،240-239/4والفتاوى الهندية ،230/3والفقه اإلسالمي وأدلته. 376/5
((( قال محمود بن أحمد بن الصدر يف المحيط الربهاين :440/7وحكم الدينين إذا كانا مؤجلين أنه ال تقع يتقاصا ،وك��ذا إذا كان أحدهما مؤجالً واآلخر ح��ا ً ال ،أو كان يف أحدهما عل ٌة واآلخر المقاص��ة بينهم��ا ما لم َّ َّ
صحاحًا واهلل أعلم «.
ورجح إمام الحرمين الوق��وع ،وأيده البلقيني، ((( ويف مذه��ب الش��افعية وجهان ،وقوع المقاص��ة وعدمهاّ ، َّ نص الشافعي ما ُّ البغوي :المنع ،وقال الشربيني :بأنه المعتمد يف المذهب؛ يدل له ،ورجح ُ وقال :إنه يوجد يف ِّ يحل قبل اآلخر بموت صاحبه من ٍ وألن أجل أحد الدينين قد ُّ ّ جهة أخرى. وذلك النتفاء المطالبة من جهة؛ ينظر مغني المحتاج. 535/4
المقاصة ((( قال يف كشاف القناع :385/3فيشرتط ذلك؛ أي :تماثل الدينين فيما ذكر،كما يشرتط ذلك يف َّ « ومثله يف مطالب أولي النهى للمؤلف نفسه ،325/3ونقل عن الحنابلة قول ٍ ثان ،وهو :أنه إذا كان الدينان
ٍ المقاصة جرب ًا ،ينظر اإلنصاف ،118/5وكشاف القناع. 386/3 واحد وقعت مؤجلين إلى أج ٍل َّ
48
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
األصح عند الش��افعية :اش��تراط: الطرفي��ن )1(.وزاد الحنابل��ة ،وه��و ِّ
اتف��اق الدينين يف قدر األجل ،فإذا كانا مؤجلين واختلف أجلهما،لم تقع
المقاصة.
()2
وانفرد المالكية (ّ :)3 بأن المقاصة يف الديون ال يخلو :إ َّما أن يتفق جنس
الدينين أو يختلف .
المقاصة مطلقًا؛ كما لو كان أحد الدينين فإن اختلف جنسهما جازت َّ
عين��ًا ،واآلخر طعام��ًا ،أو عرضًا ،أو يكون أحدهم��ا عرضًا( )4واآلخر
طعامًا .
()5
وإن اتفق جنس الدينين فال يخلو :إ َّما أن يكون أصلهما عينين ( نقود)
أو ال ،ف��إن كان كذلك فإهنا تجوز المقاص��ة يف ديني العين مطلقا؛ يعني: ((( البح��ر الرائ��ق ،217/6والفت��اوى الهندي��ة ،234 -230/3والمحيط الربهاين لمحم��ود بن أحمد بن الصدر. 440/7
((( المنث��ور يف القوع��د ،393/1واإلنص��اف للم��رداوي ،449/4والمغني البن قدامة ،400/7وش��رح
الزركشي على ألفاظ الخرقي. 81/2
((( حاش��ية الدس��وقي ،228/3و ،468/12والش��رح الكبير للش��يخ الدردير ،228/3والت��اج واإلكليل لمختصر خليل ،419/6وجواهر اإلكليل. 77 /2
((( ويقصدون بالعرض :ما ليس عينًا (نقد ًا) وال طعامًا كما يف حاشيةالدسوقي.227/3
((( حاش��ية الدس��وقي ،228/3و ،468/12والش��رح الكبير للش��يخ الدردير ،228/3والت��اج واإلكليل لمختصر خليل ،419/6وجواهر اإلكليل. 77 /2
49
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
س��واء كانا من بيع ،أو من قرض ،أو أحدهما من بيع واآلخر من قرض، ولكن بش��رط :أن يتحدا قدر ًا ،وصفةً )1(،س��واء كانا مؤجلين أم ال ،اتفق المقاص��ة يف هذه الصور :ألن المقصود أجلهم��ا أو اختلف )2(.وجازت َّ منها :المعاوضة و المبارأة ،وقد تحققت.
وأ َّم��ا إن اختل��ف دين��ا العين يف الصف��ة؛ أي :يف الجودة وال��رداءة ،مع
المقاصة إن اتحادهم��ا يف القدر؛ يعني :الوزن والع��دد ( )3فكذلك تجوز َّ
حالَّ معًا ،س��واء كانا من بيع ،أو م��ن قرض ،أو اختلفا؛ بأن كان أحدهما من بي ٍع واآلخر من قرض؛ إذ هي مع اتحاد النوع مبادل ُة ما يف الذمة ،ومع صرف م��ا يف الذمة )4(،وهما جائزان بش��رط التعجيل يف األول، اختالف��ه ُ
والحلول يف الثاين .
المقاص��ة إ َّ ال بالرتاضي ((( أي :اتف��اق الديني��ن يف الج��ودة وال��رداءة ،فإن كان هن��اك تفاوت فيهما ل��م تقع َّ دون إجبار ،وهذا ش��رط عند أكث��ر الفقهاء ،ينظر البحر الرائق ،217/6ور ِّد المحتار ،438/2وحاش��ية ابن
عابدين ،240-239/4وحاشية الدسوقي ،228/3و ،470/12والشرح الكبير للدردير ،228/3والتاج واإلكليل ،419/6وجواهر اإلكليل ،77 /2والمنثور يف القوعد ،393/1والفقه اإلسالمي وأدلته.376/5
((( المصادر السابقة ،والفقه اإلسالمي وأدلته. 377/5
((( أي :سواء كان ذلك مع اتحاد النوع؛ كدراهم محمدية ويزيدية ،أو مع اختالفه؛ كذهب وفضة.ينظر القوانين
الفقهية ،252/1وحاش��ية الدسوقي ،228/3و 470/12وجواهر اإلكليل ،77/2وثالثتها ط :دار الفكر.
((( المصادر الس��ابقة ،والش��رح الكبير للدردي��ر ،228/3والت��اج واإلكلي��ل ،419/6والقوانين الفقهية، ص ،297والمنثور يف القوعد ،393/1والفقه اإلسالمي وأدلته. 376/5
50
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ه��ذا إذا كان الدينان من النقد ،أما إن كان الدينان طعامًا :فإن كانا من
المقاصةُ ،سواء َّ حل األجل أم لم يحل ،وإن كانا من بيعٍ، قرض ،جازت َّ
لم تجز المقاصة ،س��واء حل األجل أم لم يحل؛ ألنه من بيع الطعام قبل منهي عنه. قبضه ،وهو ٌ
المقاص ُة إذا اتفقا يف الجنس والصفة، وإن كان الدينان عرضين فتجوز َّ
سواء َّ حل األجل أم لم يحل.
()1
الشرط الثالث :انتفاء الضرر .
المقاص��ة الجربي��ة أ َّ ال يرتت��ب عل��ى وقوعه��ا ض��رر على يش�ترط يف َّ
المقاصة، ضرر ل��م تق��ع َّ الغي��ر؛ دفع��ًا للض��رر عن��ه ،ف��إذا ترتب عليه��ا ٌ عم�لاً بالنص��وص الواردة بنف��ي الضرر والضرار( )2كقول��ه ﷺ « ال ضرر
((( ـحاشيةالدسوقي،228/3وجواهراإلكليل،77/2والفقهاإلسالميوأدلته،377/5والحطاب.550/4 ((( المبسوط للسرخسي ،206/12والهداية للمرغيناين ،111/2واألم لإلمام للشافعي ،388/7والقليوبي
،336/4والمغنيالبنقدامة،229/12واإلنصافللمرداوي،118/5والموسوعةالفقهيةالكويتية312/1
51
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
والضرار»( )1وقولهﷺ «إنه ليس ٍ لعرق ٍ ظالم حق»
()2
ومن األمثلة على هذا الش��رط :ما ذهب إليه الحنفية( )3والحنابلة (َّ )4 أن
من كان عليها دي ٌن لزوجها من جنس واجب نفقتها لم يحتسب به عليها من نفقتها مع عسرهتا؛ َّ ألن قضاء الدَّ ين إنما يكون بما َف ُضل عن النفقة ونحوها؛
المقاص�� َة الجربية بين دين نفقة المرأة ودين عليها ال تقع يف حالة أي :أن َّ
اإلعسار؛ ألن النفقة مقدم ٌة على وفاء الدين؛ ّ ألن يف ذلك ضرر ًا على المدين.
((( أخرجه اإلمام مالك يف الموطأ ،باب :القضاء ،برقم ،803 :واإلمام أحمد يف مسند عبادة بن الصامت /5 ،326برقم ،22830:قال الهيثمي يف مجمع الزوائد :113/4رواه الطرباين يف «األوسط» وفيه ابن إسحاق، وه��و ثقةٌ ،لكن��ه مدلس اهـ ،وقال ابن المل ِّقن يف خالصة البدر المنير يف تخريج كتاب الش��رح الكبير للرافعي
:438/2أش��ار إلي��ه الرافعي ،وق��د رواه مالك ،عن عمرو بن يحيى المازين مرس�لاً ،وابن ماجه مس��ند ًا من رواية ابن عباس وعبادة بن الصامت ،والطرباين من رواية ثعلبة بن أبي مالك ،والحاكم من رواية أبي س��عيد
الخدري ،وقال :صحيح على ش��رط مس��لم ،وقال ابن الصالح :حس��ن ،قال أبو داود :وهو أحد األحاديث
الت��ي يدور عليها الفقه ،وصححه إمامنا يف حرملة ،وق��ال البيهقي :تفرد به عثمان بن محمد عن الدراوردي، قلت :ال بل تابعه عليه عبد الملك بن معاذ النصيبي ،فرواه عن الدراوردي كما أفاده ابن عبد الرب يف مرشده،
وتمهيده ،واس��تذكاره ،وأما ابن حزم فخالف يف محالَّه فقال :هذا خرب ال يصح ُّ قط « قلت :ومن أراد المزيد يف تخريجه فعليه بمراجعة نصب الراية ،445/4للزيلعي .
((( قال ابن المل ِّقن يف البدر المنير :766/6هذا الحديث ذكره البخاري يف صحيحه تعليقًا...،ورواه أبو داود ٍ بإسناد رجاله رجال الصحيح ،من حديث هشام بن عروة ،عن أبيه ،عن سعيد بن زيد - ...عن النبي يف سننه ﷺ « من أحيا أرضا ميتة فهي له ،وليس لعرق ظالم حق» لكن قال الحافظ يف التلخيص الحبير :130/3يف
إسناده زمعة ،وهو ضعيف ،وقال الشيخ األلباين يف سلسة اآلحاديث الضعيفة :90/1أخرجه أبو داود 50/2 ٍ مخر ٌج يف «اإلرواء» (.)1550 بسند صحيحٍ عن سعيد بن زيد رضي اهلل عنه ،وحسنه الرتمذي ،229/2وهو َّ ((( المبسوط للسرخسي ،194/5وحاشية ابن عابدين. 240/4 ((( المغني ،576وكشاف القناع. 3/297 :
52
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
وكتجهي��ز الميت ،فإنه مقدَّ م على الدي��ن( )1كالنفقة عليه حال الحياة،
ِ المقاصة، لدائن الميت من جن��س دينه لم تقع فم��ن باع ش��يئًا من الرتكة َّ لح��ق الميت؛ ودفعًا للضرر الواقع على المدين ،والدين المو َّثق مراعا ًة ِّ
بالرهن مقدَّ م على غيره من الديون المرسلة يف استيفاء الدين من الرهن، ٍ لدائ��ن آخر غير المرهتن ،لي��ويف دين المرهتن، فلو ب��اع الراهن المرهون المقاصةُ؛ لما فيه من وكان الثمن مثل الدين الذي للمشرتي عليه لم تقع َّ
الضرر على من تع َّلق حقه بتلك العين .
()2
وكم��ا أن ضرر المدين نفس��ه ،وضرر من تع َّلق حق��ه بالعين يمنع من
ح��ق باق��ي الغرم��اء؛ ولذلك ذهب المقاص��ة فكذل��ك يمنع منه��ا تع ُّل ُق ِّ َّ الجمهور -عدا أبي حنيفة -إلى َّ أن للقاضي الحجر على المدين المفلس
أن ل��ه أن يمنعه من البيع َّ بطل��ب غرمائه ،كما َّ بأقل م��ن ثمن المثل ،ومن التصرف واإلقرار ،حتى ال يضر بالغرماء.
()3
المقاصة. والخالصة :أنه إذا تع َّل َق بأحد الدينين حق الغير فإنه ال تجوز َّ مبني عل��ى رأي الحنابلة :أن مؤنة تجهيز الميت مقدّ مة على الحق��وق المتع ِّلقة بعين الرتكة، ((( ه��ذا الق��ول ٌ وهو الراجح ،ينظر كشاف القناع ،352/4ومطالب أولي النهى. 466/4
((( العناي��ة هبام��ش فت��ح القدير ،381 /5وحاش��ية اب��ن عابدي��ن ،250/4والمنث��ور يف القواعد،393/1 وكشاف القناع ،296/3وغاية المنتهى. 114 /2
((( المصادر السابقة .
53
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
مث��ال تع ُّل ِ ��ق حق أح��د الديني��ن :أن يبيع الره��ن إليفاء دي��ن ٍ دائن غير
المرهتن .
ومثال تع ُّل ِق حق الغرماء :أن يبيع المفلس بعض غرمائه ٍ بثمن يف الذمة
مقاص�� َة يف الحالتين؛ لتع ُّل ِق ح��ق المرهتن بالمال يف م��ن جن��س دينه .فال َّ األولى ،وتع ُّل ِق حق باقي الغرماء يف المبيع يف الثانية.
الش��رط الراب��ع :أالَّ يترت��ب على المقاص ِ ��ة الجبرية محظور ش��رعي، َّ
كالربا ،فقد أجمع الفقهاء :على أنه إذا بيع أحد النقدين بمثله ،أو باآلخر فإنه يجب التقابض يف المجلس ،وإ َّ ال بطل
الذ َه ِ ب بِ َّ ال َتبِي ُعوا َّ ��ب إِ َّ العقد()1عم�لاً بحدي��ث « َ ال مِ ْثالً بِ ِم ْث ٍل َوال الذ َه َ ُت ِش�� ُّفوا(َ )2ب ْع َض َها َع َلى َب ْع ٍ ال مِ ْثالً بِ ِم ْث ٍل َو َ ��و ِر َق بِا ْل َو ِر ِق إِ َّ ال ض َوال َتبِي ُعوا ا ْل َ ال َتبِي ُعوا مِن َْها َغائِ ًبا بِن ِ ُت ِش ُّفوا َب ْع َض َها َع َلى َب ْع ٍ ضَ ،و َ َاج ٍز»( )3أما غير النقدين ((( حاش��ية الطح��اوي ،137/3والقواني��ن الفقهي��ة ،ص ،254والمجم��وع ،403 -181/9والمغني .12 -11/4
والش��ف :النقصان أيضًا، ((( قوله ( :وال تش��فوا أحدهما على اآلخر )أي :ال تفضلوا بعضها على بعض . ُّ غيره يش ُّفه ،ينظر النهاية يف غريب فهو من األضداد ،يقال :ش��ف الدِّ رهم، ُّ يش��ف :إذا زاد وإذا نقص .وأش�� َّفه َ
الحدي��ث واألثر ألبي الس��عادات الجزري ،1185/2نش��ر المكتبة العلمية بي��روت ،وغريب الحديث البن
الجوزي ،550/1نشر المكتبة العلية بيروت .
((( أخرج��ه البخ��اري 406/5يف الب��اب :الطيب ،برقم ،2177:ومس��لم ،42/5يف ب��اب :الربا ،برقم: ،4138كالهما من حديث أبي سعيد الخدري
54
.
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ من الربويات فهو ُّ التفر ِق قبل القبض . محل خالف بين الفقهاء يف حرمة ُّ واألظهر :تحريمه إن لم يكن هو المتعين؛ وذلك لما فيه شبهة الربا إن لم يكن هو عين الربا ،كاالفرتاق قبل قبض رأس مال السلم ،والتصر ِ ف ُّ
يف المس�� َل ِم في��ه قب��ل قبض��ه ،وع��دم التقاب��ض يف مجلس الص��رف ،ويف الربويات -بش��ك ٍل عا ٍم -التي يجب أن تكون يد ًا بيد )1(،وكبيوع اآلجال نص المالكية على تحريمها ( )2وصورهتا :أن يبيع المالك للمشرتي التي َّ
أرادب من الطعام بعشرة دراهم إلى أجل ،وبعد أن غاب المشرتي عشرة َ مدَّ ة األجل المضروبة بينهما ،وانتفع بالطعام باع لبائعه عشرين إردبًا من
وتقاصا العشرة بالعشرة ،فهذه الصورة نو ِع ما اشرتاه منه :بعشرة دراهم، َّ
وأش��باهها حرام؛ ّ ألن حقيقتها :أنه أس��لفه عش��رة أرادب انتفع هبا ،ثم ر َّد
ِ قرض ملغي؛ ألنه بالثمن له عش��رين إردبًا ،والثم ُن مقاصة ،فهو– إذا ًٌ - َّ ٌ جر نفعًا.
()3
الش��رط الخام��س :أن يك��ون الدينان مس��تقرين يف الذ َّمة ،فل��و كانا أو ((( القواني��ن الفقهي��ة ،ص ،254والمجم��وع ،403 -181/9والمغن��ي ،12 -11/4والفقه اإلس�لامي وأدلته . 250/6
((( المصادر السابقة ،و حاشية الطحاوي .137/3 ((( الفقه اإلسالمي وأد ّلته . 240/6
55
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
أحدهما دي َن س�� َل ٍم ،أو دين ٍ المقاصةُ؛ لعدم اس��تقرار الدينين مهر لم تقع َّ يف الذ َّمة .
()1
الش��رط السادس :تساوي الدينين يف القوة والضعف ،ويف هذا الشرط
خالف على قولين:
القول األولَّ : لصحة وقوع أن تساوي الدينين يف القوة والضعف شرط َّ
المقاص��ة ،وبه قال الحنفية ،وم َّثلوا ل��ه بدين النفقة للزوجة على زوجها، َّ
فقال��وا :إذا كان دي��ن النفق��ة قوي��ًا (وهو ال��ذي فرضه القاض��ي أو تقرر المقاصة ،وليس بالرتاضي) جاز ألحد الزوجين يف هذه الحال أن يطلب َّ لآلخر االمتناع منها؛ لتساوي الدينين يف القوة)6(.
وأم��ا إذا لم يكن دين النفقة مس��تدانًا بأمر القاض��ي ،أو برضا الزوج،
المقاصة به إذا طلبه��ا الزوج؛ َّ ألن دينه وتصح فإن��ه يكون دينًا ضعيف��ًا، َّ َّ أقوى من دين الزوج��ة ،وليس للزوجة االمتناع من المقاصة .وال تمكن ٍ حينئذ إ َّ ال إذا رضي الزوج هبا؛ ألن دينها أضعف المقاصة بطلب الزوجة َّ
من دينه.
()2
((( درر الحكام ،89/3وحاشية ر ِّد المحتار ،266/5والمنثور ،393-392/1ومغني المحتاج،535/4 والمعايير الشرعية،ص.49
((( المصادر السابقة ،وحاشية رد المحتار.9 397/5
56
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ق��ال يف البحر الرائق( :)1وإذا طلبت الم��رأة النفقة ،وكان للزوج عليها
دي�� ٌن ،فق��ال الزوج :احس��بوا لها نفقتها من��ه كان جائ��ز ًا؛ ألهنا من جنس
المقاصة عن��د الرتاضي ،فرق بي��ن هذا وبين الدراه��م والدناني��ر ،فتق��ع َّ المقاص��ة تقع من غي��ر الرتاضي ،وهنا ش��رط س��ائر الدي��ون؛ ف��إن هناك َّ المقاصة إال الرتاض��ي ،والف��رق :أن دين النفقة أدنى لما ذكرنا ،ف�لا تقع َّ
بالرتاضي،كم��ا لو كان أح��د الدينين جيد ًا واآلخر رديئًا ،بخالف س��ائر الديون؛ ألهنا جنس واحد ،فال يشرتط الرتاضي «
القول الثاين :وبه قال الجمهورَّ : أن دين النفقة دين صحيح ،ال يس��قط
إ َّ فتصح ال باألداء أو باإلبراء ،سواء فرضه القاضي أو استدين بالرتاضي، ُّ
المقاصة به مطلقًا؛ لتساوي الدينين يف القوة. َّ
واس��تثنى المالكي��ة والحنابل��ة حال ًة واح��دةً ،وهي إذا كان��ت الزوجة
المقاصة بما له عليها من الدين من بما يجب عليه فقي��رةً ،وطلب ال��زوج َّ من النفقة ،فقالوا :ال يجاب إلى طلبه إ َّ ال إذا رضيت هبا ،منعًا للضرر هبا؛
َّ ألن إحياء النفس مقدم على وفاء الدين.
أن قول الجمهور أرجح؛ وس��بب ذلكَّ : والذي يظهر ليَّ : الحق إذا أن َّ ((( شرح كنز الدقائق ،البن نجيم الحنفي( ،217 / 6نشر دار المعرفة بيروت .
57
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
بأي سبب من األسباب الصحيحة استوى مع جميع الحقوق ثبت يف الذ َّمة ِّ
يف الق��وة ،وال دليل عل��ى التفريق الذي قال األحن��اف.واهلل تعالى أعلم.
َّ اخت��ل أحدها لم تعد المقاص ِة الجربي��ة ،فإن ه��ذه هي جملة ش��روط َّ ٍ المقاصات وحينئذ ينظر فإن تح َّققت فيها ش��روط أنوع المقاص ُة جربيةً، َّ َّ األخرى دخلت فيها ،وإ َّ ال كانت لغو ًا وباطل ًة .
المقاصة الجبرية :تساوي الدينين يف الرواج لصحة وقوع ّ الشرط السابع ّ
والكس��اد ،والرخص والغالء ،وبه قال الحنفية والشافعية والحنابلة ،فال المقاصة بنفسها إذا كان أحد الدينين من الدراهم الصحيحة ،واآلخر تقع َّ من الدراهم الغ َّلة؛ وهي التي يقبلها التجار ،ويردها بيت المال ،ال لكوهنا
مكسر ًة أو مق َّطع ًة(.)1 زائفة ،ولكن ألهنا مكون ٌة من قطعٍ؛ وهي التي تسمى َّ المقاص��ة يف الدينين أن ومما تجدر اإلش��ارة إليه :أنه ليس من ش��رط َّ
يكون س��ببا الدينين من ن��وع واحد ،كأن يكون س��بب أحدهما القرض، ٍ ق��رض ،واآلخر ثمن واآلخ��ر ثم�� َن مبي ٍع أو أجرة ،ف��إن كان أحدهما من
((( العناي��ة هبام��ش فت��ح القدي��ر ،381 /5وحاش��ية اب��ن عابدي��ن ،250/4والمنث��ور يف القواع��د ،393/1وكش��اف القن��اع ، 296/3وغاي��ة المنته��ى ،114 /2والفقه اإلس�لامي وأدلته. 245-244/6
58
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصةُ ،وإن اختلف السبب. مبيع وقعت َّ
()1
المقاص ِة يف الدينين :أن يكون سبب ٍّ كل منهما وكذلك ليس من شرط َّ
جائز ًا غير محظور ،فلو كان سبب أحدهما جائز ًا كالبيع ،واآلخر محظور ًا
المقاصةُ ،وال كالغصب ،أو كان السببان محظورين كاالستهالك ،وقعت َّ المقاص ِة بعد توفر السبب؛ وهو ثبوت أثر لعدم مش��روعية السبب يف منع َّ َ الدَّ ين يف الذمة؛ ألنه صار كغيره من الديون التي يجب الوفاء هبا.
()2
((( المصادر السابقة .
((( المصادر السابقة .
59
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الثاين املقا�ص ُة االختيارية َّ
وفيه �أربعة مطالب املقا�ص ِة االختيارية . املطلب الأول :تعريف َّ
المقاص ِة االختيارية :بأهنا :س��قوط الديني��ن برتاضي الطرفين عرف��ت َّ ِّ
على انقضاء االلتزام بينهما «
()1
املطلب الثاينُّ : املقا�ص ِة االختيارية : حمل َّ
ُّ اتفقت المقاص ِة :الدين ،س��وا ٌء اتحد جنسه أم ال، محل هذا النوع من ْ َّ
أوصافه أم ال ،وسوا ٌء أكان أحد الح َّقين دينًا واآلخر عينًا أم ال.
وعلي��ه :فلو اختل��ف جن��س الدينين ،كأن يك��ون أحد الديني��ن دنانير
واآلخ��ر دراه��م ،أو اختلف��ت أوصاف��ه ،كأن يك��ون أحد الديني��ن جيد ًا
المقاص ُة هنا ،لكن واآلخر رديئًا ،أو أحدهما دينًا واآلخر عينًا فإهنا تقع َّ برتاضي الطرفين ،دون إجبار ٍ المقاص ِة أحد منهما ،وهذه من الفروق بين َّ ()2 المقاص ِة االختيارية . اإلجبارية و َّ
((( البحر الرائق ،217 /6والقوانين الفقهية ،ص ،292والمغني . 448 - 447/ 9 ((( المصادر السابقة ،والفقه اإلسالمي وأدلته . 324/5
60
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املقا�ص ِة االختيارية: املطلب الثالث� :شروط َّ
اش�ترط الفقه��اء يف المقاص ِ ��ة الجربي��ة ما يق��رب من ثمانية ش��روط، َّ ٍ ٍ وتفصيالت مطولة ،والس��بب يف ذلكّ : أن تلك خ�لاف يف بعضها، عل��ى المقاص ُة جرب ًا ،دون ٍ نظر إلى رضا الطرفين الش��روط متى توفرت وقعت َّ
أو أحدهما.
()1
المقاص ِة االختيارية فلم يذكروا -لرت ُّت ِ ب آثارها عليها -س��وى أما يف َّ ٍ شروط فقط . ثالثة الش��رط األول :رض��ا ك ٍل م��ن الطرفين عل��ى إيقاعه��ا ،واتفاقهم على
ٍ المقاصةُ. تراض بينهما فال تقع يتم ذلك عن َّ ذلك ،فإن لم َّ
()2
ال يرتتب على المقاص ِ الش��رط الث��اين :أ َّ محظور ش��رعي ،مثل الربا ��ة َّ ٌ
الصريح ،الذي أجمع أهل العلم على تحريمه )3(،كما إذا بيع أحد النقدين ((( البحر الرائق ،217 /6وبدائع الصنائع ،207/5وغمز عيون البصائر ،101/3والقوانين الفقهية ،ص المقاصة يف ،292ومغن��ي المحت��اج ،535 /4والمغني ،448-447/9وكش��اف القن��اع ،310/3وانظر َّ
الفقه اإلسالمي لمحمد سالم مدكور ،ص ،71والفقه اإلسالمي . 378 – 375 /5 والمقاص ُة يف الفقه اإلسالمي ،ص . 71 – 70 ((( الفقه اإلسالمي وأد ّلته ،376/5 َّ
((( ق��ال اب��ن قدامة يف المغن��ي :133/4وهو مح��رم بالكتاب والس��نة واإلجماع« ومثله يف الش��رح الكبير . 122/4
61
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
بمثل��ه ،أو باآلخ��ر فإنه يجب التقابض يف المجل��س ،وإ َّ ال بطل العقد،
()1
وكذلك ما كان فيه ش��بهة ربا ،كبيوع الربويات يف غير النقدين ،الذي هو ٍ ُّ التفر ِق قبل القبض ،وإن كان المتعين مح��ل خالف بين الفقهاء يف حرمة ُّ
تحريم��ه؛ لما فيه من معنى الربا )2( ،وقد تقدّ م البحث يف هذه المس��ألة ٍ موسعة ،فال داعي للتكرار. بصورة َّ
()3
الشرط الثالث :أن يكون ٌ المقاص ِة دائنًا لآلخر ومدينًا له كل من طريف َّ ٍ يف ٍ ()4 واحد؛ لكي يلتقي الدينان قصاصًا . آن المقاص ِة الجربية المقاص ِة االختيارية شي ٌء من شروط وال يش�ترط يف َّ َّ
المتقاصين ق��ام مقام جميع س��وى الش��رطين الثاين والثالث؛ ألن رض��ا َّ المقاصة (الجربية واالختيارية) الشروط المتبقية )5(.وبذكر شروط نوعي َّ
كل منهما ِّ يتبين الفرق بين ٍّ بكل وضوح.
((( حاش��ية الطح��اوي ،137/3والقواني��ن الفقهي��ة ،ص ،254والمجم��وع ،403 -181/9والمغن��ي . 12 -11/4
((( القوانين الفقهية ،ص ،254والمجموع ،403-181/9والمغني ،12-11/4والفقه اإلس�لامي وأدلته .250/6
((( ينظر ص . 15 -14
(((المعاييرالشرعية،صً ،8 المقاص ِةبينالديونالنقدية،د/عبداهللبنمحمدنوريالديرشوي،ص.21 نقالعن َّ والمقاص ُة يف الفقه اإلس�لامي ،ص ((( القواني��ن الفقهي��ة ،ص ،193 – 192والفق��ه اإلس�لامي،376/5 َّ .73 –70
62
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املقا�ص ِة االختيارية : املطلب الرابع :حكم َّ
من��اط الحكم يف صح��ة المقاص ِ ��ة االختيارية ،أو الرضائي��ة :هو رضا َّ َّ
ٍ الطرفي��ن واتفاقهم��ا على ذل��ك ،وعدم تر ُّت ِ ش��رعي على محذور أي ��ب ِّ ٍّ ذلك ،وثبوت الدينين يف ٍّ كل من الطرفين لآلخر .
()1
والمقاص ُة االختيارية ال تخلو من حالين : َّ الحال األولى :أن يتفق الدينان يف الجنس ،والنوع ،والصفة ،والحلول. الح��ال الثاني��ة :أن يختل��ف الدينان يف األم��ور المذك��ورة آنفًا ،أو يف
بعضها.
فأ ّما الحالة األولى فقيل بجوازها بش��رط الرتاضي بين الطرفين ،وهو
ٌ قول ضعيف للش��افعية
()2
أحمد.
ورواية هي خ�لاف المعتمد يف مذهب اإلمام
()3
المقاص ِة -يف هذه الحال -على الحوالة، واستد َّلوا لقولهم هذا :بقياس َّ
((( المصادر السابقة ،وإعالم الموقعين . 9/2
((( تحفة المحتاج شرح المنهاج ،البن حجر الهيثمي ،418 /1وروضة الطالبين . 273/12
((( اإلنص��اف ،118/5والف��روع ،191 /4ومضمون المقاصة وآثارها يف القان��ون المدين مقارنة بأحكام الفقه اإلسالمي د /إبراهيم الصالحي ،ص .20 – 207
63
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
كل منهما ،فكما يشرتط يف الحوالة رضا ٍّ بجامع اشرتاط الرضا يف ٍّ كل من ()1 المقاص ِة االختيارية. المحيل والمحال فكذلك األمر يف َّ
ونوق�ش هذا اال�ستدالل من وجهني :
ٍ والمقاص ِة؛ َّ الوجه األول :عدم التس��ليم بوجود ألن ش��به بين الحوالة َّ الحوالة ٌ نقل للدين من ذ َّم ٍة إلى ذ َّم ٍة أخرى ،وليس هذا المعنى موجود ًا يف المقاص ِة :تطارح الدينين ،وإبرا ٌء للذ ّمتين عن اشتغالهما المقاص ِة ،إنما يف َّ ًّ
بانتقال ك ٍل من الدينين إلى مكان اآلخر .
()2
ٌ جلي بين المقيس والمقاس عليه وهذا فرق ٌّ
()3
الوج��ه الث��اينَّ : أن الحوال��ة ينـتقل هبا الدين م��ن ذ ّم ِة المدي��ن إلى ذ ِّم ِة ٍ ثال��ث ،وهو المحال عليه ،والمحال عليه قد ال يس��اوي المدين – الذي ه��و المحيل -يف اليس��ر أو حس��ن القضاء والوف��اء ،والمدين -الذي هو
بتحمل دين��ه؛ فألجل هذا المعنى المح��ال -قد ال يقب��ل منّ َة الثالث عليه ِّ المقاص ِة ،فإن��ه ال نقل فيها أصالً إلى اش�ترط رضاهم��ا جميعًا ،بخالف َّ ((( البح��ر الرائ��ق ،217/6والقواني��ن الفقهي��ة ،ص ،194 –192وتحف��ة المحت��اج ،418 /1وروض��ة الطالبين ،273/12واإلنصاف ،118/5والفروع ،191 /4وإعالم الموقعين . 10 -9/2
((( المصادر السابقة ،والمقاصة يف الفقه اإلسالمي لمدكور ص . 73 – 71 ، والمقاص ِة بين الديون النقدية ،ص . 16 المقاص ُة يف الفقه اإلسالمي لمحمد سالم مدكور ،ص ،28-27 ((( َّ َّ
64
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ذم��ة ٍ ٌ وإس��قاط ثالث كم��ا هو الش��أن يف الحوالة ،بل ه��ي إبرا ٌء للذ َّمتين، ِّ
يص��ح القياس؛ ألنه ال يوج��د هنا واحدٌ من للديني��ن ،فافرتق��ا ،وإذ ًا :فال ُّ المعنيين الذين أوجبا اشرتاط الرتاضي يف الحوالة.
()1
بالمقاصة يف ه��ذه الحال ،وهب��ذا قال الق��ول الث��اين :وج��وب العم��ل َّ
الحنفية )2( ،وهو المعتمد يف مذهب الشافعية( )3والحنابلة(.)4
وا�ستدلوا على ذلك بدليلني : المقاص ِة الجربية التي تقع بنفسها الدليل األول :أنه إذا توافرت شروط َّ أثر عل��ى المقاص ِ أي ٍ َّ ��ة؛ ألهنا تقع يف فإن��ه ال َّ مح��ل للرتاضي ،وليس ل��ه ُّ ال ّلحظة التي توافرت فيها الشروط جرب ًا ،وأ َّما إذا اختلف جنس الدينين،
أو كان أح��د الح َّقي��ن دين��ًا واآلخر عينًا فإهنا ال تقع بنفس��ها ،وال بطلب أحدهما مع رفض اآلخر .
()5
والمقاص ِة بين الديون النقدية ،ص . 16 المقاص ُة يف الفقه اإلسالمي لمحمد سالم مدكور ،ص ،28-27 ((( َّ َّ ((( البح��ر الرائ��ق ،217/6وبدائع الصنائع ،218 ،5/206وتحفة الفقهاء ،3/37والمبس��وط .14/19 ورد المحتار ،250/4،والفقه اإلسالمي وأدلته . 325/5
((( تحفة المحتاج ،418/1وروضة الطالبين . 273 /12
((( اإلنصاف ،118/5والفروع ،191 /4وإعالم الموقعين . 9 /2
((( تحفة الفقهاء ،3/37والمبس��وط .14/19ورد المحتار ،250/4،وتحفة المحتاج ،418/1وروضة الطالبي��ن ، 273 /12اإلنص��اف ،118/5والفروع ،191 /4وإعالم الموقعين ،9 /2والفقه اإلس�لامي
وأدلته . 325/5
65
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ ش��به بي��ن الحوالة والمقاص ِ الدلي��ل الثاين :عدم وجود ��ة كما تبين من َّ
الذ ْي ِ خ�لال بي��ان الوجهي��ن المذكوري��ن آنف��ًاَّ ، ��ن نوقش هبما اس��تدالل
أن الحوالة ٌ أصحاب الق��ول األول ،والذين خالصتهم��اَّ : نقل للدين من ��ة أخرى ،دون وجود ه��ذا المعنى يف المقاص ِ ��ة إلى ذم ٍ ذم ٍ ��ة ،وإنما هي : َّ َّ َّ إبرا ٌء للذ ّمتين ،وانتقال ك ٍل من الدينين إلى مكان اآلخر .
()1
وه��ذا القول ه��و الراجح؛ لق��وة دليله؛ وألن في��ه إلزام بإب��راء الذمم، وتيس��ير ًا على الناس يف طريقة وفاء الديون؛ وذلك بإسقاط ما يف ذمة ٍ زيد َّ ٍ عمرو مثالً ،واهلل أعلم . مقابل إسقاطه ما يف ذ َّمة وأم��ا الحالة الثانية؛ وهي :اختالف جنس الدينين ،كأن يكون أحدهما َّ
دناني��ر واآلخر دراه��م ،أو اختلف نوعهما ،كم��ا إذا كان أحدهما دراهم المقاص ِة محمدي ًة واآلخر دراهم يزيديةً )2( ،فقد اختلف الفقهاء يف حكم َّ ((( تحفة الفقهاء ،3/37والمبس��وط ،14/19ورد المحت��ار ،250/4وتحفة المحتاج ،418/1وروضة الطالبي��ن ، 273 /12اإلنص��اف ،118/5والف��روع ،191 /4وإعالم الموقعين ،9 /2والفقه اإلس�لامي
وأدلته ، 325/5والمقاصة يف الفقه اإلسالمي لمدكور ص . 73 – 71 ،
((( مجل��ة مجم��ع الفقه اإلس�لامي ،18647/2والموس��وعة الفقهي��ة الكويتي��ة ،160/19و.200/39 والدراه��م اليزيدي��ة والمحمدية :نوع من العمالت الت��ي تدوالها الناس يف بياعتهم يف الق��رن الثاين إلى بداية
القرن الثالث .ينظر :منح الجليل ش��رح على مختصر س��يد خليل ،لمحمد علي��ش ،363/11والتهذيب يف اختصار المدونة ،لس��عيد خلف بن أبي القاسم القيرواين الرباذعي ،12/3تحقيق وتعليق :أبو الحسن أحمد فريد المزيدي.
66
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
يف هذه الحال على قولين :
الق��ول األول :من��ع المقاص ِ ��ة يف ه��ذه الح��ال مطلق��ًا ،وه��ي رواي�� ٌة َّ
للمالكية( )1وبه قال الشافعية()2والحنابلة )3( ،واستدلوا بما يلي :
الذ َه ِ ب بِ َّ ال َتبِي ُع��وا َّ ب إِ َّ الدلي��ل األول :قوله ﷺَ « : ال مِ ْثالً بِ ِم ْث ٍل َوال الذ َه َ ال َتبِي ُعوا مِن َْها َغائِ ًبا بِن ِ ُت ِش ُّفوا َب ْع َض َها َع َلى َب ْع ٍ ض... ،إلى قولهَ :و َ َاج ٍز » (. )4 أن ه��ذا الحديث ُّ ووجه اس��تداللهمَّ : يدل على تحري��م مبادلة الغائب
بالناج��ز ،وه��و ٌّ دال عل��ى تحريم مبادل��ة الغائب بالغائب م��ن باب أولى المقاص ِة بي��ن الدينين المختلفي��ن يف الجنس ،أو وأح��رى ،كم��ا يف حالة َّ
الصفة ،أو الحلول ...الخ .
()5
ونوق��ش هذا االس��تدالل :ب��أن الذ َّم��ة الحاض��رة كالعي��ن الحاضرة، ٍ فإسقاط ِّ واحد من المتداينين ما كل ((( مواهب الجليل ،495/4والقوانين الفقهية ،ص ،193 –192والفقه اإلسالمي . 325/5 ((( تحفة المحتاج ،418 /1وروضة الطالبين ،273/12والمنثور. 394 /1 ((( اإلنصاف ،118/5والمغني ،358/10والفروع . 191 /4 ((( تقدم تخريجه ص . 22
((( التمهي��د الب��ن عب��د ال�بر ،290/6وبداي��ة المجتهد الب��ن رش��د ،151/2ومواهب الجلي��ل،495/4 والقوانين الفقهية ص 193 –192وفتح الباري البن حجر. 380/4
67
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
له يف ذ َّمة اآلخر كالمقبوض من العين الحاضرة .
()1
ق��ال ابن عبد ال�برِّ :حديث ابن عم��ر يف اقتضاء الدنانير م��ن الدراهم، ٍ والدراه��م من الدراهم جعله ٌ س��عيد الخدري قول معارضًا لحديث أبي
ال َتبِي ُع��وا مِن َْها َغائِ ًبا بِن ِ يف ه��ذا الباب -لقولهَ « :و ََاج ٍز » وليس الحديثان ٍ بمتعارضي��ن عند أكث��ر الفقهاء؛ ألنه يمك��ن اس��تعمال ِّ واحد منهما، كل
مفس��ر ،وحديث أبي س��عيد الخ��دري مجمل ،فصار وحدي��ث ابن عمر ّ معن��اه :ال تبيعوا منهم��ا غائبًا ليس يف ذ َّم ٍة بناجز .وإذا ُحمال على هذا لم يتعارضا»
()2
الدلي��ل الث��اينّ : المقاص َة بين الديني��ن المختلفين يف الجنس هو من أن َّ
قبي��ل بيع الدين بالدين؛ وذلك للحديث ال��وارد يف النهي عن بيع الكالئ
بالكالئ )3( ،وهو بيع الدين بالدين.
()4
وقد سبق مناقشة االستدالل هبذا الحديث من وجهين : ((( التمهي��د ،9-8/16وبداي��ة المجته��د ،151/2ومواه��ب الجلي��ل ،495/4والقواني��ن الفقهية ،ص ،193 –192وشرح ابن ب ّطال على صحيح البخاري. 105/6
((( التمهيد . 8/16
((( تقدم تخريجه ومناقشة االستدالل به يف ص . 12
((( روض��ة الطالبين للن��ووي ،237/12وهناية المحت��اج ،424 /8ومغني المحتاج للش��ربيني،534/4 اإلنصاف ،118/5
68
أئمة ال ُّلغة :أن هذا معناه عندهم ،كما يف المصادر المذكورة . ونقل عن ّ
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
أحدهما :ضعف الحدي��ث ،وعدم صالحيته لالحتجاج به ،وثانيهما:
أن الش��ارع ُّ ّ يحث على قضاء الديون وإبراء الذمم ،وقد ثبتت مش��روعية ٍ نصوص من القرآن والس��نّة الصحيحة ،كما تقدَّ م يف المقاص��ة المالية يف َّ
تقرها وال تمنع منها . التمهيد لهذا البحث ،فالنصوص َّ
()1
المقاص ِة يف هذه الحال مطلق��ًا ،وبه قال الحنفية الق��ول الثاين :ج��واز َّ
والمالكية )2(،لكن المالكية اشرتطوا :أن يكون الدينان حا َّلين؛ وإ َّ ال كان حرامًا؛ ألنه يكون صرفًا مؤخر ًا ،ومعلو ٌمَّ : أن
ال ي��د ًا بي��د )3(،وه��و رواي�� ٌة -أيض��ًاٍّ - الص��رف ال يج��وز إ َّ ل��كل من
الشافعية )4(،والحنابلة .
()5
((( ينظر ص . 5-3
((( المدونة ،143 -142/9وش��رح الزرقاين على مختصر خليل ،230/5وحاش��ية الدسوقي ،229/3 وبلغة الس��الك ألق��رب المس��الك118/2والكايف الب��ن عبد ال�بر ،ص ،308ومواه��ب الجليل،495/4
والقوانين الفقهية ،ص ،193 – 192والفقه اإلسالمي .325/5
((( من��ح الجليل لعليش ،412-411/5والخرش��ي على مختصر خلي��ل ،234-233/5قال يف المدونة: :الدناني��ر والدراه��م إن ح َّل��ت آجالهما فال بأس به ،وإن ل��م َّ تحل وكانت آجالهما واح��د ًة فال خير فيه؛ ألنه بي��ع ٍ ٍ حل أحد األجلين ،ولم َّ بذه��ب إلى أجل ،وإن َّ اآلخر ف�لا خير فيه؛ ألنه بيع الذهب بالورق - يحل ورق ُ وقريب منه يف الكايف البن عبد الربِّ ص .308 أيضًا -إلى أجل « ٌ
((( تحفة المحتاج ،418/1وروضة الطالبين . 273 /12
((( اإلنصاف ،118/5والفروع ،191 /4وإعالم الموقعين . 9 /2
69
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
َّ المقاصة باألثر واستدل أصحاب هذا القول على جواز هذا النوع من َّ
والنظر .
ّأما الدليل األثري :فما ورد عن ابن عمر
أنه كان يبيع اإلبل بالبقيع،
فيبي��ع بالدناني��ر ويأخذ ب��د ً ال عنها الدراه��م ،والعكس ،فس��أل عن ذلك
رس��ول اهلل ﷺ فق��ال له « :ال ب��أس أن تأخذ بس��عر يومها ،ما ل��م تفرتقا، صريح يف جواز االستبدال عن ثمن المبيع الذي وبينكما شيء » ( )1وهذا ٌ
والمقاص ُة االتفاقية مثله تمامًا إن لم تكن إياه ،فإهنا قائم ٌة يف الذ َّمة بغيره، َّ على استبدال ما يف الذ َّمة بغيره ،فيكون حكمها الجواز مثله .
()2
و�أ ّما الدليل العقلي فمن وجهني :
بالمقاصة؛ ّ ألن الوج��ه األول :فه��و أن الدي��ون جميعها إنم��ا تقض��ى َّ
قب��ض الدين نفس��ه غير متصور؛ ألنه ٌ حكم��ي يف الذ ّمة ،وما يف الذ ّمة مال ٌ ال يتص��ور قبضه حقيقة ،إنما يكون قبض��ه بقبض بدله ،وهذا هو مقتضى
حدي��ث ابن عم��ر الذي س��بق قريبًا يف اس��تيفاء الدنانير م��ن الدراهم والعك��س؛ وذلك بالنظر إل��ى أن األموال كلها يف معن��ى المالية إنما هي
((( تقدّ م تخريجه ص . 7
((( بدائع الصنائع ،234/5والعناية شرح الهداية للبابريت ،128/7والتمهيد ،591-290/6والموسوعة الفقهية الكويتية ،330/38المقاصة يف الفقه اإلسالمي لمدكور ،ص . 13-12
70
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
والمقاص ُة إنما تـتح َّق ُق بالمعنى ،وه��و المالية ،وبنا ًء على جنس واح��د، َّ ٌ
ذلكَّ : المقاص َة جائز ٌة وإن اختلف الجنس إذا اتفقا على ذلك . فإن َّ
()1
ويمك��ن مناقش��ته :بع��دم التس��ليم ب��أن الدي��ون جميعها إنم��ا تقضى كل م��ن الطرفين ما يف ذم ِ المقاص�� َة مطارح��ة ٍّ بالمقاص��ة؛ َّ ��ة اآلخر، ألن َّ َّ َّ وال مطارح�� َة هنا ،ومن ٍ أن قبض ما يف الذ َّم ِة ٌ جهة أخ��رىَّ : بدل عن المال الحقيقي ،والقاعدةَّ : أن البدل له حكم المبدل.
()2
المقاص�� َة متارك ٌة ت�برأ هبا الذم��م ،ويحصل هبا الوج��ه الث��اين فهو :أن َّ
ٍ محذور ش��رعي ،وهذا مقص��دٌ من مقاصد أي اس��تيفاء الحق��وق ،بدون ِّ
يتشوف إلى إبراء الذمم بأدنى ٍ سبب مباح ،وعدم الش��ارع الحكيم ،الذي َّ ش��غلها بحقوق العباد ،وقد أفاد حديث ابن عمر سالف الذكر يف اقتضاء
جنس واحد ،بجامع الماليةَّ ، الدنانير م��ن الدراهمَّ : وأن أن األموال ك َّلها ٌ
المقاص َة تكون جائزة المقاصة تتح ّقق بالمعنى ،وهو المالية ،وعليه :فإن َّ َّ وإن اختلف الجنس إذا اتفقا على ذلك .
()3
((( المصادر السابقة .
((( اللباب يف شرح الكتاب لعبد الغني الغنيمي الدمشقي المدايني ،163/1والمجموع للنووي ،327/3 دار الفك��ر بيروت ،الروض المربع ،ص ،324والقول الراجح مع الدليل لخالد الصقعبي ،109/1وش��رح الزاد للحمد . 41/5
((( المصادر السابقة ،والمقاصة يف الفقه اإلسالمي لمدكور ،ص .147 – 143
71
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
والذي يظهر لي رجحانه -واهلل أعلم :-هو القول الثاين القائل بالجواز؛
وذلك لما يلي :
أوالً :ق��وة الدلي��ل والتعليل المؤ ّي��د لمقتضى الرواي��ة الثانية للمالكية
ومن جرى مجراهم .
َّ استدل به لتلك الرواية من ورود المناقشة المؤ ّثرة . ثانيًا :سالمة ما ثالثًا :أن يف القول بمقتضى الرواية المش��ار إليها توسع ًة وتيسير ًا على ٍ الن��اس؛ وه��ذا أولى من قبض ِّ ثم ير ّده إليه؛ كل طرف ماله يف ذ َّم��ة اآلخر َّ
ّ المقاصة ليس فإن هذا عبث ال تأيت الش��ريعة بمثله ،الس��يما بعد بيان أن َّ دين ٍ فيها بيع ٍ بدين كما ا َّدعاه المانعون .
رابع��ًاّ : المقاص ِة فيما بينهما ،من الحق قد اصطلحا عل��ى أن صاحبي ِّ َّ
ٍ محرم ،واهلل أعلم . غير تفريط يف واجب أو وقو ٍع يف ّ
72
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الثالث املقا�صة الطلبية( ،الق�ضائية) َّ وفيه �أربعة مطالب : املقا�صة الطلبية . املطلب الأول :تعريف َّ المقاصة الطلبية ،أو القضائية الحكم بأهنا :سقوط الدينين بنا ًء عرفت َّ ِّ عل��ى ٍ الحق األفضل أو األق��وى ،وتنازله عما تميز به طلب من صاح��ب ِّ حقه.
()1
املطلب الثاينُّ : املقا�صة الطلبية : حمل َّ
ُّ المقاصة هو الدين كما هو الشأن يف النوعين األولين ،والذي محل هذه َّ
يخـتل��ف يف هذا النوع هوَّ : أن أحد الديني��ن يكون حا ًّ ال واآلخر مؤجالً،
أو يكون أحدهما أجو َد من اآلخر ،كما لو كان أحد الدينين حنط ًة جيدةً، ً حن��ط رديئ��ةً ،أو كان أحدهما دراهم صحاح��ًا ،واآلخر دراهم واآلخر
الحق األفض ِل عن حقه يف األفضلية ،ويرفع مكس��رةً )2( .فيتنازل صاحب ِّ َّ بالمقاصة .وأدخل بعض الفقهاء يف هذا األم��ر إلى القضاء ليقضي بينهما َّ
والمقاصة يف الفقه اإلسالمي ،ص . 107 ((( المعايير الشرعية ،ص ،49 َّ
((( تبيين الحقائق ش��رح كنز الدقائق ،لعثمان بن علي الزيلعي المتوىف347 :هـ ،364/11واإلقناع يف حل ألفاظ أبى شجاع ،لمحمد بن أحمد الشربينى الخطيب ،102/4وكشاف القناع عن متن اإلقناع ،منصور بن
يونس بن إدريس البهويت (المتوىف1501 :هـ . 683/01
73
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
النوع الدينين المتساويين من كل الجهات أيضا.
()1
المقاص ِة الطلبية : المطلب الثالث :حكم َّ للمقاصة الطلبية صورتان: َّ
الص��ورة األول��ى :التي يك��ون الدينان فيه��ا مختلفي��ن؛ أحدهما ٌ حال
مؤج ٌل ،أو أحدهما أجود من اآلخر...،الخ فقد اختلف الفقهاء واآلخ��ر َّ
يف مشروعيتها على قولين :
الق��ول األول :المن��ع .وه��و ق��ول للمالكي��ة ،لكنه خالف المش��هور
عندهم )2(،وقول الشافعية)3(،والحنابلة.
()4
واس��تدل من ذهب إلى المنع :بقياس المقاص ِ َّ ��ة على الحوالة ،بجامع َّ
والمقاصة بين الديون النقدية ،ص . 12 ((( المصادر السابقة، َّ
والمقاصة بين والمقاصة يف الفقه اإلسالمي ،ص ،107 ((( المدونة ،143/9والمعايير الشرعية ،ص ،49 َّ َّ الديون النقدية ،ص .21
((( قال النووي يف روضة الطالبين»:273/12وإن اختلف الدينان يف الصفات كالصحة والكسر ،والحلول ِّ الحال أن يس��توفيه وينتفع به التقاص؛ الختالف األغراض ،ولصاحب والتأجي��ل ،أو قدِّ ر األجل لم يحصل ُّ
ِّ إل��ى أن َّ المؤجل لم يجز كما يف الحوالة ،وحكى أبو الحال قصاصًا عن يح��ل ما عليه .فإن تراضيا على جعل ِّ والمقاصة بين الديون الفرج الزاز فيهما وجهًا « وانظر المهذب ،17/2والفقه اإلس�لامي وأدلته ،382/5 َّ النقدية ،ص . 23-21
والمقاصة بين الديون ((( كش��اف القناع ،310/3واإلنصاف ،118/5والفقه اإلسالمي وأدلته ،382/5 َّ النقدية ،ص . 23-21
74
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
اش�تراط الرضا يف ٍّ كل منهما ،وقد تقدّ م ذكر ه��ذا الدليل بتفصي ٍل أكثر يف ٍ مس��ألة مش��اهبة ،وتقدَّ م -أيضًا -مناقشة االس��تدالل به من وجهين ،فال
حاجة إلى التكرار .
()1
الحق األفض��ل يف الدين إذا تنازل كم��ا نوقش -أيضًا :-بأن صاحب ِّ
ع��ن ح ِّقه برض��ا وطيب ٍ نفس منه فما الذي يمن��ع من ذلك؟! خصوصًا: أن مبن��ى القرض على اإلرفاق واإلحس��ان ،ولو س�� َّلمنا بج��واز ذلك يف ٍ طرف واحد ،ب��أن ُع ِّجل المؤخر ،أو َّ المعجل ،فينبغي أخ��ر الق��رض من َّ القول :بج��وازه من الطرفين أيضًا )2(،وألن األصل يف المعامالت ُّ الحل واإلباحة.
()3
الص��ورة الثانية :تس��اوي الديني��ن من ِّ كل الجه��ات فقد تق��دَّ م(َّ :)4 أن
جمهور الفقه��اء على َّ المقاص َة يف هذه الصورة تكون جربي ًة وليس��ت أن َّ طلبي��ة ،وتقدّ م الكالم يف ِّ كل ما يتع َّلق هبا وبش��روطها خالفًا ،ووفاقًا،
()5
((( ينظر ص . 34
والمقاصة بين الديون النقدية ،ص . 23 ((( الفقه اإلسالمي وأدلته ،382/5 َّ
((( مجلة مجمع الفقه اإلس�لامي الدولي ،13627/2ومج َّلة البحوث اإلس�لامية ،207/1وش��رح الزاد للحمد ،48/13وشرح كتاب البيع من عمدة الطالب للشيخ الدكتور /خالد المشيقح. 35/1
((( ينظر ص . 22-21
((( المبسوط للسرخسي ،602/21وحاشية ابن عابدين ،562/5وروضة الطالبين ،372/21والمهذب
75
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
َّ وأن المالكي��ة خالفوه��م يف ذل��ك ( على المش��هور عنده��م ) وقالوا :ال ٍ المقاصةُ ،وال يقضى هبا إ َّ مطالبة هبا من أحد الطرفين، ال بناء ً على تـتح َّق ُق َّ ولو كان الدينان متساويين من جميع الجهات ،وهو قول جمهورهم كما
تقدّ م.
()1
المقاص ِة المشروعة يف التمهيد لهذا البحث، وقد سبق بيان أد َّلة أصل َّ
()2
فما ذكر من األد َّلة هناك فهي األد َّلة ذاهتا هنا س��واء بس��واء ،وما ورد من ٍ ٍ وردود عليها هناك هي وارد ٌة هنا . مناقشات القول الثاين :الج��واز ،وإليه ذهب الحنفية )3(،والمالكية يف المش��هور
نصه « لو أن رج�لاً كان له على رجل عنده��م )4(.ج��اء يف المدونة( )5م��ا ُّ ذهب إلى ش��هر ،ولآلخر عليه ذهب إلى ٍِ فتقاصا، س��نة ،وهي مثل وزهنا، ٌ ٌ َّ
قال لي مالك :ال بأس به « ،71/2وكشاف
القناع ،013/3واإلنصاف ،811/5والفقه اإلسالمي وأدلته .283/5
((( ش��رح الزرقاين على مختصر خليل ،230/5والشرح الكبير للدردير ،227 /3ومنح الجليل، 411/5 والقوانين الفقهية ،ص . 193
((( ينظر ص . 14 -13
((( بدائع الصنائع ،207/5والبحر الرائق. 176/6
((( الشرح الكبير للدردير ،227 /3ومنح الجليل ، 411/5والقوانين الفقهية ،ص .193 ((( لإلمام مالك. 143/9
76
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ودليل القائلين بالجواز من ثالثة أوجه : الوج��ه األولَّ : الح��ق يف الدَّ ي��ن األفضل تن��ازل عن ح ِّقه أن صاح��ب ِّ
باختياره ورضاه ،وليس يف شرع اهلل -تعالى -مانع من ذلك .
()1
الوج��ه الثاين :أنه ل��و أعطى المدي��ن للدَّ ائن أجو َد مم��ا عليه ،ورفضه
الدائن فإنه يجرب على القبول لدى جميع العقالء ،فكذا هنا.
()2
المقاص َة متارك ٌة تربأ هبا الذمم ،ويحصل هبا اس��تيفاء الوجه الثالث :أن َّ
ٍ محذور شرعي ،وهذا من مقاصد الشريعة أي الحقوق ،بدون الوقوع يف ِّ ٍ الغ��راء ،التي تس��عى إل��ى إبراء الذم��م ِّ وس��يلة مباحة؛ ك��ي ال تبقى بكل َّ
مشغول ًة بحقوق العباد.
()3
والذي ترجح لدي :هو القول الثاين؛ لوجاهته وقوة تعليالته ،الس��يما
الح��ق األفضل عن ح ِّقه؛ األول ،فإن��ه ال يوج��د مانع م��ن تنازل صاحب ِّ ب��ل من فعل ذلك فهو يف ميزان الش��رع يف عداد المحس��نين؛ ولذلك لما
((( بدائع الصنائع ،207/5والبحر الرائق ،176/6وحاشية ابن عابدين. 266/5
((( المصادر السابقة ،والخرشي على مختصر خليل ،243/5ومنح الجليل ،411/5والقوانين الفقهية ،ص .193
((( بدائع الصنائع ،207/5والبحر الرائق ،176/6وحاش��ية ابن عابدين ،266/5والخرشي على مختصر
والمقاصة بين الديون النقدية ،ص 23 خليل ،243/5ومنح الجليل ،411/5والقوانين الفقهية ،ص ،193 َّ
77
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
استسلف النبيﷺ بكر ًا ر َّد على صاحب البكر رباعيًا خيار ًا
()1
املقا�ص ِة الطلبية : املطلب الرابع� :شروط �صحة َّ
المقاصة بعض م��ن ش��روط صح��ة المقاص��ة ال َّطلبـي��ة ه��ي ٌ َّ َّ ش��روط َّ االختياري��ة ،والمقاص ِ ��ة اإلجبارية ،وال مانع أن نذكِّر هبا هنا على س��بيل َّ
المقاصة من الشروط ،فما يف ثم نفرد ما يتع ّلق هبذا النوع من َّ االختصارَّ ، المقاص ِة اإلجبارية هي : المقاص ِة من شروط هذه َّ َّ المقاص ِة الطلبية -1تماثل الدينين يف الجنس والنوع ،لكن ال ُيشرتط يف َّ المقاص ِة الجربية . تماثل الدينين يف الصفة واألجل كما هو الشأن يف َّ ٍ -2أ َّ ألحد م��ن الخلق؛ دفعًا للضرر عنه، حق ال يتع َّل��ق بأحد الدينين ٌ
كحق المرهتن ونحوه. ِّ
ٍ ٍ واحد شرط المقاص ِة االختيارية فليس س��وى وأ َّما ما فيها من ش��روط َّ فقط ،وهو :أن يكون ٌ المقاص ِة دائنًا لآلخر ،ومدينًا له. كل من طريف َّ (((كماوردعنأبيرافعرضياهللعنه:أنرسولاهللﷺاستسلفمنرجلبكر ًا،فقدمتعليهإبلمنإبلالصدقة،
فأمر أبا رافع :أن يقضي الرجل بكره ،فرجع إليه أبو رافع فقال :لم أجد فيها إ َّ ال خيار ًا رباعيًا ،فقال( :أعطه إياه،
َّ إن خيار الناس أحسنهم قضا ًء) والحديث يف الصحيحين ،كما يف إكمال المعلم شرح صحيح مسلم ،للقاضي عياض ،156/5قال الشيخ األلباين يف مختصر إرواء الغليل :27/1حديث أنهﷺ استسلف بكر ًا متفق عليه«
78
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ ُّ وبيان لما يف وكل هذه الشروط قد تقدَّ م الكالم عليها بتوس ٍع وتفصيلٍ،
بعضها من الخالف والوفاق )1(،وهذا يغنينا عن تكرار الكالم وإعادته .
ٍ ٍ والخالصةَّ : المقاص َة الطلبية لم تنفرد إ َّ واحد فقط ،وهو : بشرط ال أن َّ
رض��ا صاحب الحق األفضل بالتَّن��ازل عن ح ِّقه يف األفضلية ،كصفةٍ ٍ أوكفالة ونحوهما، برهن، الدَّ ين واألجل ونحوهما ،فلو كان دينه موثقًا
أقص��ر ،أو ح��ا ًّ ال ،واآلخر مؤج�لاً ،أو غي��ر ذلك من أو كان أج��ل دين��ه َ
االعتب��ارات التي تجعل ألحد الدينين مزي�� ًة وأفضلي ًة على الدين اآلخر، ٍ حينئذ، المقاص ُة صح��ت َّ فإذا رض��ي وتنازل صاحب األفضلية يف الدين ّ وإ َّ ال فال.
()2
َّ اخت��ل أحدها لم تصح المقاص ِة الطلبية ،فإذا صح��ة َّ هذه هي ش��روط َّ
صح��ت اتفاقي ًة إن تحققت فيها طلبي��ةً ،وال جربي ًة من باب أولى ،وربما َّ
شروطها.
((( ينظر ص . 28-19
((( بدائع الصنائع ،207/5والبحر الرائق ،176/6وحاش��ية ابن عابدين ،266/5والخرشي على مختصر والمقاصة بين الديون النقدية ،ص .23 خليل ،243/5ومنح الجليل ،411/5والقوانين الفقهية ،ص ،193 َّ
79
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الرابـع املقا�ص ِة الباطلة ،و�صور منها َّ وأثر حكم المقاص ِة أنواعها التي لها األصل أن يذكر يف بحث َّ ش��رعي ٌ ٌ ٌ
فقه��ي ،وهي األنواع الثالث��ة المتقدِّ ُم ذكرها ،وأ َّما الن��وع الرابع فاألصل ٌ
عدم ذكره ،لك َّن الذي سوغ ذكره هنا أمران:
األم��ر األولَّ : المقاصة؛ أن ذك��ره هنا من باب اس��تيعاب جميع أن��واع َّ
لغرض اإليضاح والبيان .
األم��ر الثاينَّ : للمقاص ِة صور ًا كثيرةً ،حكم أن بعض أهل العلم ذك��روا َّ ِ رابع كثير منه��م بالبطالن ،ومن هنا س��اغ أن يذكر نوع ٌ للمقاص��ة ٌ َّ عليه��ا ٌ ٌ المقاص ِة الباطلة ما يأيت : باطل ،ومن صور َّ
املقا�صة يف ال�صرف . ال�صورة الأوىل: َّ
إذا تصارف ش��خصان بدين س��ابق أضافا العقد إليه ،جاز ،كما إذا كان
لرجل على آخر عش��رة دراهم ،فباعه هذا المدين دينار ًا بالدراهم العشرة المقاصة بالعقد التي هي عليه دين؛ ألنه بإضافة العقد إلى هذا الدين تقع َّ ٍ توقف على إرادة العاقدين لها. نفسه بال 80
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ووجه الجواز :أنه جعل ثمن الدينار دراهم ال يجب قبضها وال تعيينها
بالقبض ،وهو جائز؛ ألن التعيين بالقبض لالحرتاز عن ربا النس��يئة ،وال بالمقاصة ،إنما الرب��ا يف ٍ رب��ا يف ٍ دين يقع الخط��ر يف عاقبته دي��ن قد س��قط َّ باحتم��ال القبض وعدمه؛ ولذا ل��و تصارفا دراهم دينًا بدنانير دينًا ،صح
لفوات الخطر.
()1
المقاص ُة بين دين��ي المتصارفين بعد انتهاء مجلس عقد أ َّم��ا إذا وقعت َّ
المقاصة باطل��ةً؛ َّ ألن عقد الصرف يقع باط�لاً بعد انتهاء الص��رف كانت َّ
المقاصة؛ لعدم قيام الدَّ ين مجلس عقد الصرف ،وال يثبت به دين ،فتبطل َّ يف ذم ِ المتقاصين ،وما ُبني على الباطل فهو ٌ والمقاصة باطل مثله، ��ة أحد َّ َّ َّ ()2 ال تـثبت إال بوجود ٍ دين صحيحٍ ٍ قائم يف ذ َّمة أحد المتقاصين. المقاص ُة صحيحةً ،سواء أكانت ٍ بدين سابق ،أم وفيما عدا ذلك تكون َّ
بدي��ن الح��ق ،أم ٍ ٍ ٍ قبض بدين ثبت للمدين على دائن��ه يف المجلس بطريق
مضمون
()3
والمقاصة بين الديون النقدية ،ص . 24 -23 ((( الفقه اإلسالمي وأدلته ،247/6 َّ
((( بدائع الصنائع ،207/5والكايف البن عبد الرب،ص ،307وأسنى المطالب ،494/4واإلنصاف.118/5
((( المبس��وط ،14/19وفتح القدير مع العناي��ة ،379/5وبدائع الصنائع،206/5و ،218 وحاش��ية رد المحتار ،249 /4والكايف البن عبد الرب ،ص ،308وأسنى المطالب،494/4 واإلنصاف ،118/5والفقه اإلسالمي وأدلته . 247 /6
81
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ال�صورة الثانية :املقا�صة يف ال�سلم وامل�سلم فيه ،وفيها ثالث م�سائل المسألة األولى :المقاصة برأس مال السلم . ٍ ودين آخر ،ولو ا َّتفق ال َّطرفان المقاص ُة بين رأس مال الس��لم ال تجوز َّ
تصرف يف رأس مال الس��لم قبل قبضه ،وهو غير جائز شرعًا؛ عليه؛ ألنه ُّ ٍ ونص جمهور الفقهاء على وجوب منهي عنهَّ ، ألنه مبادلة دين بدين ،وهو ٌ قبض رأس مال الس��لم يف مجل��س العقد ،وإ َّ المقاصةُ؛ ألنه تص��ح ال لم ّ َّ
يؤ ِّدي إلى أن يكون رأس مال السلم دينًا يف الذمة ،وهو غير جائز.
()1
التقاص يف السلم؛ لتعليلين : قال الزركشي( :)2المنقول عن األم :منع ِّ أن م��ن ش��روط ج��واز المقاص ِ األولَّ : ��ة يف الديون :أن يك��ون الدينان َّ
يصح عقد الس��لم بما يف مس��تقرين ،وهنا ليس كذل��ك )3(.والثاين :أنه ال ُّ ذمة المس َلم إليه ،بأن يكون له عليه دين ،فيجعله رأس مال سلم؛ ألنه بيع
الرائق216/6 :؛ المدونة ،56/9 :المنثور 393/1 :و ،394 ((( بدائ��ع الصنائ��ع 206/5و ،234البحر َّ
أسنى المطالب ،494/4 :اإلنصاف ،118/5 :الفقه اإلسالمي وأدلته.382/5 :
((( ه��و محم��د بن هبادر ب��ن عبد اهلل ،أبو عبد اهلل الزركش��ي ،فقيه ش��افعي أصولي .ترك��ي األصل ،مصري
المولد والوفاة .له تصانيف كثيرة يف عدة فنون .من تصانيفه « :البحر المحيط « يف أصول الفقه « و « المنثور«
المعروف :بقواعد الزركشي .ينظر األعالم ،286/6والدرر الكامنة . 397 /3
((( المنثور يف القواعد . 394 - 393/1
82
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
دين بدين ،فهو داخل تحت النهي الوارد عن بيع الدين بالدين».
()1
المقاصة وقد اتفق الحنفية والش��افعية والحنابلة ( :)2على أنه ال تجوز َّ برأس مال الس��لم مع دين آخر مطلقًا ،سواء وجب الدَّ ين ٍ بعقد متقدم أو
ٍ متأخر عن عقد الس��لم ،ولو تراضيا عليه��ا؛ َّ ف يف دين ألن تصر ٌ َّ المقاص َة ُّ الس��لم قبل قبضه ،وهو غير صحيح؛ إذ يش�ترط قب��ض جميع رأس مال
السلم يف مجلس العقد.
()3
((( كش��اف القناع ،304/3والنهي المش��ار إليه هنا :هو حديث « هنى عن بيع الكالئ بالكالئ « هو حديث ضعيف ،وقد تقدَّ م تخريجه يف ص . 13
((( تبيي��ن الحقائ��ق ،140/4والفتاوى الهندية ،189 -188 / 3واألن��وار ،265 /1والمنثور يف القواعد
للزركش��ي 394 -393/واإلنصاف ،117/5وكش��اف القناع ،296/3و ،304والفقه اإلس�لامي وأدلته ( .248 / 6قال الكرابيس��ي من الحنفية يف فروقـه :102/2ال تجوز المقاصة يف الس��لم ،فإذا قال ش��خص آلخر :أس��لمت إليك عش��رة دراهم ،فأراد أن يجعله قصاصًا بما له عليه من دين لم يجز؛ ألن عقد الس��لم ال
يجوز ابتداؤه بما يف الذمة ،فلم يجز صرف العقد إليه ،وإذا لم يجز صرفه إليه ولم ينقده يف المجلس بطل،كما
لو لم يكن له عليه دين».
((( المصادر السابقة ،وتبيين الحقائق. 140/4
83
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املقا�ص ُة بامل�س َلم فيه امل�س�ألة الثانية: َّ
ٍ كثي��ر م��ن فقهاء المقاص��ةُ -أيض��ًا -بالمس��لم في��ه يف رأي ال تج��وز َّ
الحنفي��ة ،والش��افعية ،والحنابلة )1(.فمن أس��لم إلى رج��ل يف مدِّ حنطة، ثم أس��لم اآلخر إلي��ه يف مدِّ حنطة ،وأجلهما واح��د ،وصفتهما واحدة أو
المقاص ُة بينهما؛ ألنه بيع ما لم يقبضٌ ، فكل منهما لم تصح َّ مختلف��ة ،فال ُّ يقبض ش��يئًا من مدِّ الحنطة ،وإنما أخذ به دينًا عليه ،وال يجوز أن يأخذ
ٌ كل منهما إ َّ ال رأس ماله أو سلمه الذي أسلم فيه.
()2
فإن كان أولهما س��لمًا واآلخر قرضًا فإن��ه ال يصير أحدهما قصاصًا
المقاص�� َة عبارة عن المس��اواة ،وال مس��اواة بينهما؛ َّ يف الح��ال؛ َّ ألن ألن َّ المؤجل ،فإن َّ حل والمعج��ل خير من مؤجل، َّ معج ٌل ،واآلخر َّ َّ أحدهم��ا َّ أجل الس��لم صار أحدهما قصاصًا باآلخر ،وإن كان األول منهما قرضًا المقاصة. مقاص َة بينهما ،وإن تراضيا على واآلخر سلمًا ،فال َّ َّ
()3
((( المبس��وط لمحمد بن الحس��ن الش��يباين ،168 /12و الفتاوى الهندية ،188/3ط :دار الفكر ،و المنثور 394-393/1ط :الشؤون اإلسالمية بالكويت ،و كشاف القناع .304 / 3 ((( المصادر السابقة ،4 ،والفقه اإلسالمي وأدلته. 249/6 ((( المصادر السابقة .
84
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املقا�ص ُة يف ر�أ�س مال ال�سلم بعد الإقالة . امل�س�ألة الثالثة: َّ حكم رأس مال الس��لم إذا حصلت فيه إقالة كحكم المسلم فيه ،وبما
ف فيه المقاص ُة بالمسلم فيه؛ ألنه مبيع منقول ال يجوز أنه ال تجوز التصر ُ َّ ُّ
المقاص ُة برأس مال السلم بعد اإلقالة،كما قبل القبض ،فكذلك ال تجوز َّ ل��و كان ذل��ك قبل اإلقالة ،ق��ال يف اإلنص��اف( « )1أم��ا إن كان الدينان أو
ٍ المقاص�� ُة قو ً ال واحد ًا ،قط��ع به األصحاب، س��لم امتنعت أحدهم��ا دي َن َّ منه��م صاح��ب المحرر ،والنظ��م ،والرعايتي��ن ،والحاويي��ن ،والفروع، والفائق وغيرهم « اهـ
وق��ال القاض��ي أبو الحس��ين يف فروعه :وكذل��ك ل��و كان الدينان من يش�تري من الس��لم لم يكن للمس��لِ ِم أن غير األثمان ،فإن تقابل الطرفان َ َ
المس َلم إليه برأس المال شيئًا حتى يقبضه ك َّله؛ ( )2لما روى ابن أبي شيبة
عن جرير ،عن عطاء بن السائب ،عن عبد اهلل بن مغ َّف ٍل
يف رج ٍل أسلم
ٍ درهم يف طعام ،فأخذ نصف سلمه طعامًا وعسر عليه النصف ،فقال مائ َة
((( للمرداوي من الحنابلة . 118 / 5
((( الفتاوى الهندي��ة ،188/3والهداية مع فتح القدير ،345/5و المنثور ،394-393/1 والفقه اإلسالمي وأدلته. 250/6
85
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ل��ه عب��د اهلل :ال تأخذ إ َّ َ رأس مالك جميع��ا " ( )1يعني :عند ال س��لمك ،أو َ
وألن فيه شبهًا بالمبيع ،فال ُّ َّ التصرف فيه قبل قبضه كالبيع، يحل الفسخ؛ ُّ
ف فيه قبل قبضه ،ومقتضى الحديث تصر ٌ َّ والمقاصة برأس مال السلم هو ُّ
النهي عنه.
()2
املقا�ص ُة ذريعة �إىل الربا . ال�صورة الثالثة� :إذا كانت َّ
المقاص ِة إذا قويت هتم��ة التواطؤ على الربا )3(.ومن من��ع المالكية من َّ
المقاص ُة إلى أحد أمرين : أجل ذلك قالوا :بالمنع إذا آلت َّ
أولهم��ا :مس��ألة ( ض��ع وتعج��ل ) وثانيهم��ا :مس��ألة ( َّ ح��ط الضمان
وأزيدك).
ٍ وبعبارة ومعنى المس��ألة األول��ى :تعجيل الدين مقابل إس��قاط بعضه،
وتس��مى المؤجل يف مقابل التنازل عن بعضه، أخرى :هي تعجيل الدين َّ َّ يعجل بعضه ويؤخر بعضه إلى أجل آخر ،وأن «الحطيطة» ومثل ذلك أن ِّ وروى أبو داود، ((( أخرج��ه ابن أبي ش��يبة يف المصنف ،270/4رقم ،20002عن عب��د اهلل بن مغ َّف ٍل ٍ شيء فال يصرفه مرفوعًا إلى الرس��ول ﷺ أنه قال « :من أس��لم يف وابن ماجه ،عن أبي س��عيد الخدري إلى غيره » وهو حديث حسن ،وله شواهد متعددة ،كما قاله الزيلعي نصب الراية . 51/4
((( المبس��وط ،168/12وال��كايف الب��ن عبد الرب ،308والمنث��ور يف القواعد للزركش��ي ،394 -393/1 والمقاصة يف واإلنصاف للمرداوي ،117/5وكش��اف القناع ،304/3والمحرر البن تيمية الجدّ ،338/1 َّ
الفقه اإلسالمي ،ص ،133-132والموسوعة الفقهية الكويتية. 339/38
((( الذخيرة للقرايف ،299/5والخرشي على مختصر خليل ،243/5ومنح الجليل لعليش. 411/5
86
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
يأخذ قبل األجل بعضه نقد ًا وبعضه عرضًا .
()1
ومعنى المس��ألة الثاني��ة :أن يطلب المدي��ن من الدائن إلغ��اء الضمان ٍ زيادة يف مبلغ الدين لزيادة التوثيق ،بد ً ال عن الضمان ال يريده عنه ،مقابل
ٍِ عمرو ش��يئًا ما ،والضامن المش�تري ،ومثال ذلك :أن يس��تدين زي��دٌ من عبي��دٌ م��ن الناس ،وق��د ال يرغب زيدٌ أن يك��ون الضامن عبي��د ًا؛ ٍ ألمر أو
ٍ َ لعم��روَّ ( : الضمان عني يف الم��دَّ ة الباقية وأزيدك حط آلخ��ر ،فيقول زيدٌ
توثقًا )
()2
أن م��ا َّ وجعل��وا ضابط ذلكَّ : أقرب حل��و ً مقبوض ال فهو حل ،أو كان ٌ َ ((( ي��رى جمهور الفقهاء :أنه إذا كان لرج ٍل على آخر دين مؤجل ،فقال المدين لغريمه :ضع وأعجل لك بقيته ،فإن ذلك ال يجوز عند الحنفية ،والمالكية ،والشافعية ،والحنابلة. عني بعضه ِّ وكرهه زيد بن ثابت ،وابن عمر ،والمقداد ،وس��عيد بن المسيب ،وسالم ،والحسن ،وحماد، والحكم ،والثوري ،وهش��يم ،وابن علية .ينظر العناي��ة هبامش تكملة فتح القدير 396 / 7ط الميمنية ،و االستذكار البن عبد الرب النمري ،489/6نشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى1421 ،هـ والموس��وعة الفقهية الكويتية ،39/2والفقه اإلس�لامي وأدلته .381/5 ٍ رواية أيدها ش��يخ اإلس�لام ابن تيمي��ة ،وابن القيم :إل��ى أنه يجوز االتف��اق يف حينه بين وذه��ب أحم��د يف المش�تري والبائع على وضع ٍ جزء من الثمن ،ينظر فقه المعامالت ،490/1ومج َّلة مجمع الفقه اإلس�لامي
التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي . 174/1
((( التاج واإلكليل لمختصر خليل لمحمد بن يوس��ف العبدري ،161 /8،وحاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباين لعلي بن أحمد الصعيدي العدوي ،32/6والبهجة يف شرح التحفة ،309 /1ومجلة مجمع الفقه اإلسالمي . 30/11
87
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ عما ه��و أبعد حلو ً واحد ال ،فإن أ َّدى اقتض��اؤه منه إلى عم��ا لم يحل ،أو َّ َّ َّ (ح��ط الضمان وأزيدك ) م��ن األمرين س��الفي الذكر ( ضع وتعجل ) أو ٍ واحد منهما جاز. المقاصة )1(،وإن لم يؤ ِّد إلى امتنعت َّ ُّ األقرب حلو ً ال أكثر أو أجود امتنعت الحال أو فإن كانا من بيع ،وكان ُ
المقاص��ةُ؛ ألنه من ب��اب( :حط الضمان وأزي��دك) وإن كان أدنى أو َّ أقل ّ المقاص��ةُ؛ ألنه من باب :ض��ع وتعجل ،وه��ذا إذا كانا من بيع، امتنع��ت ّ ٍ ُّ والحال أو األق��رب أدنى أو أق��ل امتنعت ق��رض، وكذل��ك إذا كان��ا من
المقاص ُة أيضًا؛ ألنه ضع وتعجل . َّ
وأ َّما إن كان أجو َد جاز؛ ألنه ال ضمان يف القرض ،وإن كان أحدهما من
ٍ الس��ابقين ،وإن اتفق أجلهما قرض واآلخر من بي ٍع جرى على القس��مين َّ ٍ ٍ وقرض». قرض ،أو من بي ٍع جائز ،سواء كانا من بي ٍع أو من فذلك ٌ
()2
املقا�ص ُة يف الزكاة . ال�صورة الرابعة: َّ
لشخص على ٍ ٍ فقير دي ٌن ،فقال ذهب الشافعية يف رواية :إلى أنه إذا كان
الدائ ُن للفقير :جعلته لك عن زكايت ،فإنه ال يس��قط قصاصًا ،وال يجزيه ((( المصادر السابقة ،وبلغة السالك للصاوي ،187/3والفقه اإلسالمي وأد َّلته. 384-383/5
((( الذخيرة للقرايف ،299/5والخرشي على مختصر خليل ،243/5ومنح الجليل لعليش ،411/5وبلغة والمقاصة بين الديون النقدية ،ص . 23 السالك للصاوي ،187/3والقوانين الفقهية ،ص ،193 َّ
88
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
األصح عندهم حتى يقبضه ،ثم ير ُّده إليه إن شاء )1(.وهبذا أفتت ال َّلجنة يف ِّ الدائمة يف المملكة العربية السعودية،كما يف مج ّلة البحوث اإلسالمية
()2
ٍ نصه « وال يجوز أن تحتسب فقد أجابت ال َّلجنة على سؤال ورد إليهم بما ّ
ٍ معس��ر مقابل الزكاة؛ ألن الزكاة أخ��ذ وعطاء ،فال يجوز لك الدي��ن على
ذلك؛ وألن يف ذلك حماي ًة لمالك بالزكاة « أهـ
والرواية الثانية :يجزي الدائن إس��قاط دينه عن الفقير ،واحتس��ابه من
ٍ ش��خص ،وللمو َد ِع دي ٌن على الزكاة ،قياس��ًا على ما لو كان له وديع ٌة عند صاحب الوديعةَّ ، فإن الدَّ ين يسقط قصاصًا من مال صاحب الوديعة.
()3
ولم أقف على ٍ رأي آخر عند غير الشافعية يف هذه المسألة .
والذي يظهر لي رجحانه :هي الرواية األولى؛ وذلك َّ ألن الزكاة عباد ٌة
تفتقر إلى النية ،فالبدَّ فيها من التمليك أو ً ثم بعد تم َّلكها يكون للفقير الَّ ، التصرفات ،ومن ذلك قضاء الدين، بأي نو ٍع من أنواع حق ُّ التصرف فيها ِّ ُّ ُّ
((( المنثور يف القواعد ،396/1وروضة الطالبين ،320/2وهناية الزين يف إرشاد المبتدئين، لمحمد بن عمر بن علي بن نووي الجاوي ،182/1 ،نشر :دار الفكر ،بيروت. ((( مجلة البحوث اإلسالمية . 104/60 ((( االقناع يف ِّ حل ألفاظ أبي ش��جاع ،لمحمد بن أحمد الشربينى الخطيب ،259/1وروضة الطالبي��ن وعم��دة المفتين،لمحي��ي الدين يحيى بن ش��رف النووي ،320/2نش��ر :المكتب اإلسالمي ،بيروت 1405هـ وكفاية األخيار،ل محمد الحسيني الحصيني الدمشقي الشافعي .193 /1
89
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
وأ َّما قياسها على الوديعة فهو قياس مع الفارق؛ َّ ألن الزكاة عبادة تفتقر إلى ٌ وفرق بين العبادات والمعامالت. النية ،والوديع��ة معاملة ال تفتقر إليها،
واهلل تعالى أعلم .
املقا�ص ِة يف الوديعة . ال�صورة اخلام�سة :حكم َّ الوديعة يف ال ُّلغة « فعيلة بمعنى مفعولة ،يقال :أودعت زيد ًا ما ً ال :دفعته
إليه؛ ليكون عنده «وديعةً» ويراد هبا :المال المرتوك عند إنس��ان يحفظه،
وجمعها «ودائع» واشتقاقها من «الدعة» وهي الراحة ،ويطلق هذا ال َّلفظ ويراد به العكس ،يقال :أخذته منه وديعةً ،فيكون هذا الفعل من األضداد،
لك ّن استعماله يف الدفع أشهر ،والهاء عوض من الواو.
()1
كت عند الغير للحفظ قصد ًا « والوديعة يف االصطالح :هي أمان ٌة ُت ِر ْ
()2
وأم��ا حك��م المقاص ِ ��ة يف الوديعة :فقد ذه��ب الحنفية إلى أن��ه إذا كان َّ ّ
لرج�� ٍل عن��د آخر وديع��ةٌ ،وللمو َدع عل��ى صاحب الوديعة دي��ن ،هو من ٍ بدي��ن ،إ َّ وتقاصا ال إذا اجتمعا جن��س الوديعة ل��م تصر الوديعة قصاص��ًا َّ
((( المصب��اح المني��ر -العصري��ة ،337/1وطلب��ة الطلب��ة يف االصطالح��ات الفقهي��ة للنسفي ،270/1ومختار الصحاح ،ص . 740 ((( التعريف��ات للجرجاين ،325/1والقاموس الفقهي لس��عدي أبو حبيب ،376/1وقيل: الوديع��ة :وتوكي��ل م��ن المالك ،أو نائبه ،لآلخ��ر بحفظ مال ،واختص��اص .كما يف القاموس الفقهي .376/1
90
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
حال��ة ك��ون الوديعة موجود ًة يف ي��د الوديع حقيقة ،وعليهَّ : المقاصة ف��إن َّ ٍ المقاص ِة موجودة يف ي��د الوديع حقيق ًة هي من يف حال��ة كون الوديعة غير َّ ٍ ٍ الباطلة ،كما لو كانت يف يد الودع )1( .ولم أقف على ٍ ألحد مخالف رأي من فقهاء المذاهب األخرى .
((( الفتاوى الهندية ،230/ 3ومرشد الحيران المادة ( ) 228وحاشية ابن عابدين ،239/4 والمنثور يف القواعد . 396/1
91
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث اخلام�س املقا�ص ِة ومدى نق�ضها بعد �إمتامها �أثر َّ وفيه ثالثة مطالب : المقاصة بعد وقوعها. المطلب األول :أثر َّ المقاصة بعد وقوعها. المطلب الثاين :حكم نقض َّ
المقاص ِة . المطلب الثالث :ثمرة َّ
92
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املقا�صة بعد وقوعها املطلب الأول� :أثر َّ
المقاص ِة بع��د وقوعها على اختل��ف الفقه��اء يف األث��ر المرتتب عل��ى َّ
قولين :
المقاص ُة متوافر ًة شروطها ،منـتفي ًة موانعها القول األول :أنه متى وقعت َّ
فإهنا تقع صحيحةً ،ويرتتب عليها أثرها ،وهو س��قوط الدينين والمطالبة
هبم��ا معًا ،على قول الجمه��ور ،وبراءة ذ ّمة ٍّ المتقاصين ،اللذين كل م��ن َّ ٍ ()1 كانت ذ ّمة ِّ واحد منهما مشغول ًة بدين اآلخر . كل المقاص ِة :هو إسقاط الدين والمطالبة واستدلوا على ذلك :بأن مقتضى َّ
ٌ إسقاط فيه معنى الوفاء بعوض. به ،لكنه ليس إسقاطًا محضًا ،وإنما هو المقاص َة ال تس��قط أصل الدين ،وإنما تسقط المطالبة القول الثاين :أن َّ
تص��ح المطالبة به؛ ب��ه فقط ،أم��ا الدَّ ين فإنه يبقى مش��غالً للذ َّم��ة ،ولكن ُّ بالحق الذي ال تس��مع الدعوى به للتقادم ،بمعنى :أهنا تس��قط فهو أش��به ِّ
المطالبة بالدين قضا ًء ال تدينًا ،وهذا قول الحنفية.
()2
((( األش��باه والنظائ��ر الب��ن نجي��م ،ص ،354وهناية المحت��اج ،424/8ومغن��ي المحتاج ،535/4والفروع ،191 /4وإعالم الموقعين . 9/2 والمقاصة يف الفقه اإلس�لامي لمدكور ،ص ((( الفق��ه اإلس�لامي وأدلت��ه ،384 – 383/5 َّ . 147 – 143
93
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاص ِة يصح اإلبراء من الدَّ ين بعد َّ ومم��ا يرتتب على هذا القول :أنه ُّ َّ
ُّ الحط منه )1(.ولم أقف لهم على دلي ٍل ويصح وتصح هبته، براءة إسقاط، ُّ ُّ أو تعلي ٍل يؤيد قولهم هذا .
ويمكن مناقش��تهَّ : غريب تأباه العدالة؛ لمصادمته الواقع، رأي ٌ بأن هذا ٌ
ومناقضت��ه مقتض��ى النق��ل والعق��ل فيما يظه��ر؛ ّ ألن المعروف ش��رعًا، وعرف��ًا ،وعقالًَّ : قاصه فيه ال يفهم منه إ َّ ال أن من أ َّدى دينه إل��ى غريمه أو َّ أنه قام بما يلغي تبعته ،ويربئ ذمته ،ال أنه يسعى إلى دفع المطالبة فقط
()2
والذي يظهر لي رجحانه :هو القول األول؛ ِ لقوة دليله العقلي ،المؤ َّيد
فإن عموم الشرع ُّ يدل على َّ بعموم الدليل النقلي؛ ّ أن من أ َّدى ما عليه إلى غريم��ه ،عن طريق المقاص ِ ��ة أو غيرها فقد ألغى تبعت��ه ،وأبرأ ذمته ،واهلل َّ
تعالى أعلم .
املقا�صة بعد وقوعها املطلب الثاين :حكم نق�ض َّ المقاص ُة على وجهها الصحيح بش��روطها فإنه ال األص��ل أنه إذا تمت َّ
يمكن نقضها ال بفس��خٍ وال بغيره؛ إ ْذ ّ إن الس��اقط ال يعود )3(،فمتى سقط ((( الفقه اإلسالمي وأدلته . 250/6
والمقاصة يف الفقه اإلسالمي لمدكور ،ص . 147 – 143 ((( الفقه اإلسالمي وأدلته ،384 – 383/5 َّ ((( حاشية ابن عابدين ،151 -146/4والمجلة العدلية ،المادة رقم. 51 :
94
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة كالً أو الدين وتالش��ى ال يمك��ن النقض )1(،ولك��ن قد تنق��ض َّ
بعضًا يف حالين:
المقاص ِة الصحيحة َّ أن أحد الدائنين الحالة األولى :أن يتبين بعد وقوع َّ
ح��ق له يف اس��تيفاء ِّ المقاصةُ ،فينقض منها كل الدين الذي وقعت في��ه ال َّ َّ حق له يف استيفائه . بالقدر الذي ال ّ
مث��ال ذلك :ل��و كان على رجل أل��ف دينار قرضًا ،ثم ب��اع المقرتض ٍ كس��جادة مث�لاً بألف دين��ار مؤجلة ،ثم الصحة عينًا، لمقرض��ه يف ح��ال َّ مرض المقرتضَّ ، المقاصة. وحل األجل ،وعليه ديون ،وقعت َّ
فإن مات وعليه ديون ،كان الغرماء أسوة المشرتي فيما عليه من الثمن.
ومعنى هذا أن المقاصة وقعت يف حياته بكل الثمن ،إذ ال يمكن للغرماء االع�تراض عليه يف حياته ،لع��دم تبين أنه يف حالة مرض موت ،فإذا مات يف مرضه هذا ،تبين أن حق الغرماء متعلق بماله من وقت ثبوت سببه وهو
مرض الموت ،فال يكون للمشرتي أن يستويف من دينه إال بقدر ما نصيـبه
المقاصة الت��ي وقعت صحيح ًة يف حي��اة المريض، م��ع الغرم��اء ،وتبطل َّ بالقدر الذي زاد على حصة المشرتي.
والمقاصة يف الفقه اإلسالمي لمدكور ،ص . 147 – 143 ((( الفقه اإلسالمي وأدلته،384 – 383/5 َّ
95
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة ما يقتضي زوال أحد الدينين الحال الثانية :أن يطرأ بعد وقوع َّ
فتنقض من أجل ذلك ،كما لو كان على الوكيل دي ٌن للمشرتي ،فإنه يصير
بطلت الثم��ن قصاصًا ،فإذا لم يس�� ِّلم الوكي��ل المبيع حتى هل��ك يف يده ْ المقاص��ة؛ َّ ألن المبيع لما هلك قبل التس��ليم انفس��خ البي��ع من األصل، َّ
وصار يف حكم المعدوم .
()1
املقا�ص ِة املطلب الثالث :ثمرة َّ المقاص�� ُة المذك��ورة من طرق للمقاص��ة ثمرت��ان :األولى :ه��ل تعدّ َّ َّ
استيفاء الحقوق وإبراء الذمم أم ال؟
المقاص ِة . والجواب ع��ن ذلك :أن هذا ينبني على الخ�لاف يف حكم َّ المقاص ِة فإهنا تعدُّ من طرق اس��تيفاء الحقوق وإبراء فعل��ى القول بجواز َّ
الذمم ،بل قد قيل :إهنا الطريقة المثلى لقضاء الديون ،وبالغ بعض الفقهاء
فقال :إهنا الطريقة الوحيدة لقضاء الديون.
()2
المقاص ِة ل��م يرها طريق��ًا من طرق قض��اء الدين؛ وم��ن ل��م َير ج��واز َّ
ب��ل قالوا :إهن��ا من بي��ع الكالئ بالكال��ئ كما تق��دَّ م بيان ذلك ومناقش��ته ((( األشباه والنظائر البن نجيم ،ص 354والفقه اإلسالمي وأدلته ،385 /5و . 251/ 6
((( األش��باه والنظائ��ر الب��ن نجي��م ،ص ،354وهناية المحت��اج ،424/8ومغن��ي المحتاج ،535/4والفروع ،191 /4 ،وإعالم الموقعين . 9/2
96
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
بالتفصيل
()1
لزيد من الناس ،وللدائ��ن على ٍ الثاني��ة :من كان يف ذمته دي��ن ٍ زيد دي ٌن ٌ ٍ ألحد محاكمة اآلخر؟ الجواب :عند من يتقاصان الدينين وال يصح فهل َّ
جوز ذلك نعم ،وعند المانعين ال تربأ ذمة المدين ،وله مطالبته ،وتس��مع َّ دعواه عند القاضي )2(،واهلل تعالى أعلم .
((( ينظر ص ،12و ص . 30
((( األشباه والنظائر البن نجيم ،ص 354والفقه اإلسالمي وأدلته . 385 /5
97
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الف�صـل الثالث
98
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
للمقا�ص ُ ��ة التطبيق��ات املعا�ص��رة َّ وفيه �سبعة مباحث المبحث األول :يف عقود التوريد والتحويالت . المبحث الثاين :المقاصة بين البنوك بإشراف البنك المركزي . المقاصة التي تج��ري بين البنوك والمصارف المبح��ث الثالث :حكم َّ
التجارية .
المقاصة اآللية . المبحث الرابع :يف َّ المقاصة اآلل َّية عن طريق بطاقات االئتمان . المبحث الخامس: َّ المقاصة بين البنك وعميله يف الديون المستقبلية . المبحث السادس: َّ المحرمة يف تطبيقاتها المعاصرة . المقاصة المبحث السابع: َّ ّ
99
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
100
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
باملقا�صة متهــــــــيد :يف ات�ساع التعامل َّ تـتم بين شخصين ٌ كل تحولت َّ المقاصة من مجرد عملية يسيرة -كانت ُّ منهم��ا دائن لآلخ��ر ومدين له -إلى عملية آلية ،أو ٍ تقنية معقدة وواس��عة ٌ ٌ
االنتش��ار ،تشرتك فيها أطراف متعددة ،ليس يف البلد الواحد فحسب ،بل
عل��ى النطاق العالمي بأس��ره ،وذلك بس��بب دخول البنوك ومؤسس��ات التموي��ل عال��م الم��ال واالقتصاد ،واتس��اع نط��اق التصدير واالس��تيراد
المقاصة التج��اري بي��ن أغلب بل��دان وأقالي��م العالم بأس��ره ،فتح��دث َّ ٍ برعاي��ة من المنظمات بين البنوك ،أو الش��ركات اإلقليمي��ة ،أو الدولية، العالمية؛ مثل ( الفيزا ،والماسرتكارد ،واألمريكان إكسربس وغيرها )
()1
تـت��م يف عقود البيع اآلجلة عن طريق السماس��رة ومث��ل َّ المقاصة التي ُّ
تـتم والوس��طاء المتخصصين بين أطراف العق��د ،وكذلك َّ المقاصة التي ُّ بي��ن الفوائ��د الدائن��ة والفوائ��د المدينة ،وغيره��ا من الصور المس��تجدة
المقاصة بين الديون النقدية ،ص ،27وس��رايا النظام المحاس��بي يف المنشآت المالية ،ص،316-315 ((( َّ
وقد انتش��ر يف العالم منذ فرتة قريبة العديد من هذه البطاقات التي لم تكن معروف ًة من قبل ،كبطاقة « الداينرز
كل��وب « و» الفي��زا « وبطاق��ة« األمري��كان إكس�برس ( )AMERICAN EXPRESSو” الماس�تركارد ()MASTER CARDAواليوروكارد ( )EURO CARDوالعديد من البطاقات األخرى.ينظر :مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،345 /7و المعامالت المالية المعاصرة يف الفكر االقتصادي اإلسالمي ،إعداد :ياسر
ب��ن طه على كراويه ،51/1و بطاقات االئتمان ،إعداد :األس��تاذ الدكت��ور وهبة مصطفى الزحيلي ،ص .10
101
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الت��ي أفرزه��ا انفتاح العالم بعضه على بعض ،واتس��اع أس��باب الصناعة
الرأسمالية الغربية ،التي تسعى والتجارة ،وخصوصًا يف عصر الحضارة َّ ٍ مس��تمر ٍة وقوية -من خالل البن��وك الربوية بصورةلكثس��ف أنش��طتها َّ ٍ والمؤسس��ات المالية والشركات التجارية ،دون ٍ مراعاة لحرا ٍم أو نظر أو صدى يف العالم اإلس�لامي ،بين أوس��اط حالل ،ثم ال تلبث أن تجد لها ً
ٍ كثير من المؤسس��ات والش��ركات المالية المحس��وبة على المس��لمين، ٍ تمحي��ص وال تدقيق؛ بل وال فتـتقب��ل تل��ك المعامالت الغربية م��ن غير
ٍ س��ؤال حت��ى عن م��دى مش��روعيتها )1(،كما أم��ر المولى بذل��ك يف قوله الذك ِْر إِ ْن ُكنْت ُْم ال َت ْع َل ُم َ اس َألوا َأ ْه َل ِّ ون ﴾ -تعالىَ ﴿ -ف ْ
()2
ف��إذا كان اهللَّ - ج��ل يف عاله -قد أمر من ال يعلم الحكم بالس��ؤال عنه
فكيف بمن كان على ٍ علم بتحريمه ثم أقدم على فعله؟!!
وأغلب القائمين على تلك الش��ركات والمؤسسات اإلسالمية الذين
يتعاملون مع تلك الجهات غير اإلسالمية على ٍ علم :بأن الربا هو منطلق وعنوان تلك التعامالت المالية والتجارية المس��توردة ،وهذا أمر يوجب
المقاصة بين الديون النقدية ،ص ،27وسرايا النظام المحاسبي يف المنشآت المالية ،ص. 316-315 ((( َّ
((( سورة النحل ،آية رقم. 43 :
102
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
عل��ى المرء أخ��ذ الحيطة والح��ذر يف التَّعامل مع تل��ك الجهات ،وعدم ٍ بشيء من عقودها قبل معرفة حكمها الشرعي . األخذ وفيما يأيت س��يتم عرض أهم وأش��هر التطبيق��ات المعاصرة للمقاصة
النقدي��ة كم��ا تجريها البنوك ،على أن ما س��واها ال يخرج عنها يف الغالب
األعم .
103
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الأول املقا�صة يف عقود التوريد والتحويالت َّ للمقاصة :ما يسمى بالتأمين المباشر يف عقود من التطبيقات المعاصرة َّ ٍ وش��خصية معنوية، المور ِد تتم بين ِّ التوريد والتحويالت ونحوهما ،التي ُّ
أو اعتبارية ،حيث يقدِّ م المورد مبلغًا بواقع % 5لضمان الجدِّ ية يف وفائه
ونعم��ت ،وإ ّ المقاصة بين ال وقعت بم��ا التزم به يف العق��د ،فإن و َّفى فبها ْ َّ ٍ ضمان مالي للطرف اآلخر، هذا المبلغ وبين ما يجب على الـمتعاقد من
تضر َر به يف المال أو الوقت. مقابل ما َّ
()1
للمقاص��ة :التحويالت ال��واردة لصالح وم��ن التطبيق��ات المعاص��رة َّ
مقاص ًة خارجيةً -حيث يقدِّ م المتعامل ش��يكًا برسم التحصيل العمالءَّ - ٍ ٍ يتم شراء القيمة ،وتحويلها بعملة أجنبية ،وبعد تحصيله عن طريق البنك ُّ أتم الصرف نقد ًا ،أم بشيك ،أم إلى الدرهم بسعر الصرف المعلن ،سواء َّ
ٍ بطلب من العميل مثالً. تم ذلك أضيفت القيمة إلى الحساب ،كما لو َّ
()2
المقاصة ،ص . 72 -71 ((( الفتاوى االقتصادية ،281/1والمحاجة يف َّ ٍ لمجموعة من المؤ ِّلفين. 237/2 ، ((( المصدرين السابقين ،و موسوعة فقه المعامالت
104
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الثاين املقا�صة بني البنوك ب�إ�شراف البنك املركزي �إجراءات َّ المقاص��ة يف ه��ذا العصر بين البن��وك يف جميع أنح��اء العالم، تج��ري َّ لكل ٍ ٍ ٍ مباش��ر من البنك المركزي ِّ بلد من البلدان ،ويتم ذلك من بإش��راف
طريقين :
تتم من خالل االجتماع إحداهم��ا: َّ المقاص ُة بالطريقة المعهودة الت��ي ُّ
المباشر ،والمبادلة اليدوية للشيكات المسحوبة لصالح البنك أو عليه .
بطريقة ٍ ٍ تقنية ،وهي التي تعتمد على نظام إلكرتوينٍّ، المقاص ُة وثانيهما: َّ
عن طريق الشبكة العالمية .
وسيأيت بيان هذه الطريقة الحقًا يف مبحث مستقل إن شاء اهلل تعالى . فأما الطريقة األولى :فإن البنوك تنفذها باتخاذ الخطوتين اآلتيتين : َّ الخطوة األولى :إجراءات أحد البنوك األعضاء قبل الذهاب إلى البنك
المركزي ،فيقوم العاملون يف البنك بعدّ ة أعمال ،ملخصها فيما يلي :
الخاصة به، « -1جمع الش��يكات المقدَّ مة إلى البنك بشأن العمليات َّ
والمسحوبة على البنوك األخرى ،وتنظيم قسائم اإليداع الخاصة هبا.
105
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ تضم ُّ مجموعة كل -2فرز الشيكات ،ووضعها يف مجموعات ،بحيث ُّ كل ٍ ()1 الشيكات المسحوبة على ِّ بنك مستق َّل ًة عن غيرها.
ٍ ٍ ٍ خاصة ِّ طائفة من تلك الش��يكات ،وتس��مى هذه بكل قائمة -3إعداد ِ الش��يكات المس��حوبة القائم��ة :بـ(حافظة إضافة) وتـتضمن عد َد وقيم َة كل ٍ عل��ى ِّ المقاصة ،وترفق الش��يكات بنك من البن��وك األعضاء يف غرفة َّ
المسحوبة على كل بنك بالحافظة المعدة له .
ٍ المقاصة التي تتضمن خالص َة عملي��ات حافظة إجمالي��ة، -4إع��داد َّ َّ
المقاصة يف البنك المركزي . تخصه لذاك اليوم؛ ليقدمها إلى غرفة َّ ُّ
الخاصة بالش��يكات بعد عودة -5تنظي��م المس��تندات واإلش��عارات َّ
المقاصة ،تمهيد ًا إلجراء المعالجة المحاس��بية مندوب البن��ك من غرفة َّ
لها ،وإثبات قيوده اليومية يف دفاتره الخاصة.
()2
القاصة ،ص ،71وس��رايا المقاص��ة بي��ن الدي��ون النقدي��ة ،ص ،29-28والمحاج��ة يف ((( َّ َّ النظام المحاسبي يف المنشآت المالية ،ص ،316-315وتقييم ظاهرة تحول البنوك التقليدية للمصرفية اإلسالمية ،إعداد :مصطفى ابراهيم محمد صطفى.40/1 ((( المصادر السابقة .
106
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الخطوة الثانية :إجراءات داخل البنك المركزي .
المقاص ِة يف البنك المركزي. تتم داخل غرفة َّ وهي الخطوات العملية التي ُّ المقاص ِة :هي المكان الذي يجتمع فيها مندوبوا البنوك وتعريف غرفة َّ
المقاصة والتس��وية بين الش��يكات المس��حوبة األعض��اء ؛ لغرض عمل َّ ٍ عليها.وبعب��ارة أخ��رى: لصال��ح ه��ذه البن��وك ،والش��يكات المس��حوبة المقاص��ة المصرفي��ة :هي عملي��ة تبادل قيمة الش��يكات وأوام��ر الدفع، َّ ٍ مخص ٍ ص، مكان والحواالت والس��ندات القابلة للتداول بين البنوك ،يف َّ المقاصة بين البنوك والمصارف التجارية» يسمى :غرفة َّ َّ
()1
« وله��ذه الغرفة مدير يتو َّلى إدارة الجلس��ات فيها ،ويتم تعيينه من قِبل
البنك المركزي الذي يقدم كاف َة اإلمكانات والموظفين الالزمين إلجراء عمليات المقاصة .كما يكون لهذه الغرفة حس��اب خاص يف دفاتر البنك
المركزي ،تدون فيه مصاريفها التي تستوىف من البنوك األعضاء».
()2
المقاصة يف البنك المذكور تتم َّثل بالتالي: وخطوات العمل يف غرفة َّ كل ٍ -1يحض��ر من��دوب ِّ بن��ك حوافظه وش��يكاته التي أعدَّ ها مس��بقًا
والمقاصة بين ((( مج َّل��ة االقتصاد اإلس�لامي ،الصادرة عن بنك دبي اإلس�لامي ،عدد 29يناي��ر1984 ،م، َّ
القاصة ،ص ،71وس��رايا النظام المحاس��بي يف المنش��آت المالية، الدي��ون النقدي��ة ،ص ،29والمحاجة يف َّ ص. 316-315
المقاصة بين الديون النقدية ،ص .29 ((( َّ
107
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة ،ث��م يوزعها على مندوب��ي البنوك األخ��رى؛ ليقوم إل��ى غرف��ة َّ بمراجعتها ومطابقتها.
كل ٍ -2يسلم مندوب ِّ بنك الحافظة اإلجمالية ( والمحررة من نسختين)
المقاصة؛ ليقيد الش��يكات المس��حوبة على حساب غرفة إلى مدير غرفة َّ
المقاصة ،ويضيفها إلى حس��اب البنك المس��تفيد لدى البنك المركزي، ويتم ذل��ك بتدوين المبالغ الواردة يف الحافظ��ة اإلجمالية لصالح الدَّ ائن
من الكش��ف الذي يقوم بإع��داده ،ثم يعيد األصل للمن��دوب ،ويحتفظ ٍ بصورة من الحافظة اإلجمالية. كل ٍ -3يقوم مندوب ِّ بنك بمراجعة وتدقيق الشيكات المسحوبة على
ٍ خصم بنكه وحوافظ اإلضافة المرفقة هبا بعد استالمها ،ثم يكتب حافظة
المقاصة ،فإن زاد رصيد الش��يكات المسحوبة ثم تتضح نتيجة َّ هبا ،ومن َّ يس��جل لصالح البنوك عل��ى بنك المندوب كانت النتيجة رصيد ًا مدينًا، َّ األخرى ،ويضاف إلى حس��اهبا الدائ��ن ،وإذا كان العكس بأن زاد رصيد
الش��يكات الذي لبنكه على البنوك األخ��رى كانت النـتيجة رصيد ًا دائنًا،
يسجل لصالحه ،ويضاف إلى حسابه الدائن. َّ
()1
القاصة ،ص ،71النظام الداخلي لمصرف اإلمارات المركزي ،بموجب ((( المصدر السابق ،والمحاجة يف َّ قرار مجلس اإلدارة رقم ،56 :وتأريخ . 93/3
108
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة جدو ً ال مكونًا من نس��ختين، الخاص بغرفة -4يع��دُّ المدير َّ ُّ
يسمى :جدول التصفية ،يدون يف وسط هذا الجدول :اسم البنك ،وعلى َّ اليمين :مجموع المبالغ التي له ،وعلى يساره مجموع المبالغ التي عليه،
ثم يطلب م��ن المندوبين التوقيع عليه .ويجب أن تكون مجموع المبالغ المدينة والدائنة فيه متساوي .
وقد أوضح فضيلة الدكتور /عبد اهلل بن محمد الديرش��وي أنموذجًا
للجدول المذكور )1(،وهذا شكله ومضمونه : غرفة المقاصة اسم البنك
إضافة عدد الشيكات 8 4 2
المجموع 14
مجموع المبالغ
خصم عدد الشيكات
65000
الراجحي
2
20000
البالد
9
40000 المجموع
الجزيرة
125000
3 المجموع 14
مجموع المبالغ 20000 30000 75000
المجموع
125000
المقاصة؛ المقاصة بإبالغ البنك المركزي بنـتيجة -5يقوم مدير غرفة َّ َّ
المقاصة بين الديون النقدية ،ص . 30 ((( يف بحثه، َّ
109
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
لكل ٍ ٍ ألن ِّ ليتم تس��جيلها يف دفات��ره؛ َّ المقاصة حس��ابًا عضو يف غرفة بنك َّ َّ المقاصة. جاريًا لدى البنك المركزي ،وحسابًا خاصًا بغرفة َّ
()1
-6يل��زم المندوب��ون بالتوقيع على ظهر الش��يكات؛ إقرار ًا باس��تيفاء
قيمتها ،ويوضع على ظهر الش��يك عبارة ( يقيد لحس��اب البنك الفالين )
المقاصة . يف غرفة َّ
ٍ المقاصة بانتهاء الجلس��ة ،ويعود ُّ مندوب إلى كل -7يخرب مدير غرفة َّ
بنكه ،ومعه الشيكات المس��حوبة عليه ،والمستندات الخاصة هبا؛ ليقوم
بتسجيلها يف دفاتر ذلك البنك .
()2
المقاصة بين تلك الش��يكات ،الت��ي ربما وصلت مبالغها تـتم َّ وبذلك ُّ حاجة إلى نقل عين النقود من ٍ ٍ ()3 بنك إلى آخر. اليومية إلى الماليين ،دون
((( المصدر السابق ،ص ،30وكراجة محاسبة البنوك ،ص . 39
((( المصدرين السابقين ،وسرايا النظام المحاسبي يف المنشآت المالية ،ص. 317 - 316
المقاصة بين الديون النقدية ،ص ،30وسرايا النظام المحاسبي يف المنشآت المالية ،ص. 317 - 316 ((( َّ
110
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الثالث املقا�صة التي جتري بني البنوك وامل�صارف التجارية حكم َّ ٍ متعددة ،وتبين المقاصة غي��ر اآللية يف مواضع س��بق البحث عن حكم َّ
فيما مض��ى َّ المقاصة نصوا على القول بمش��روعية َّ :أن جمهور العلم��اء َّ وصحته��ا متى توف��رت ش��روطها ،وانتف��ت موانعه��ا )1(،وإذا نظرنا إلى
المقاص ُة بين البنوك اإلس�لامية وجدنا أهنم إ ِّما أن تـتم هب��ا َّ الص��ورة التي ُّ ٍ وتـتم فيها المقاصة لدى البنك المركزي، لوجه يف غرفة يجتمعوا وجهًا َّ ُّ
مقاص ٌة تقليدية ،وه��ي يف الوقت المقاص��ة بينهم ،وه��ذه بطبيعة الح��ال َّ َّ ٌ ديون نقدي ٌة حالة ،م��ن العملة المح ِّلية ،المتحدة جنس��ًا ،ونوعًا، نفس��ه وصف��ةً ،مع كون ٍّ المقاصة دائنًا ومدينًا لآلخر ،ولم يرتتب كل من طريف َّ محظور ش��رعي على ٍ ٍ ٍ أحد من الطرفين، ضرر أو أي عل��ى تلك المقاصة ُّ َّ ٍّ ()2 المقاصة كما تقدَّ م بيان ذلك بالتفصيل. صحة َّ أهم شروط َّ وهذه هي ُّ وتـتم وإ َّم��ا أن يراس��ل بعضه��م بعضًا ع��ن طريق البن��ك المرك��زي، ُّ
المقاصة التقليدية المقاصة بواس��طته ،وعلى ضوء ما تقدَّ م من ذكر أنواع َّ َّ ((( ينظر ص ،25 -15وص 41 -38فما بعدها من هذا البحث . ((( ينظر ص 40 -27من هذا البحث .
111
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ المقاصة اآللية بي��ن البنوك بعضها مع بج�لاء -جواز وش��روطها يظهر- َّ بع��ض دون ٍ تردد يف الحكم بجوازها ،س��واء كانت جربي�� ًة أو اتفاقيةً ،أو طلبيةً؛ لتوفر شروطها وانتفاء موانعها ،وقد تقدم ذكر األد َّلة على جوازها يف صدر هذا البحث ،وال داعي لتكرارها.
112
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث الرابع املقا�صة الآلية ،وفيه ثالثة مطالب يف َّ املقا�صة بالطريقة الآلية : املطلب الأول :كيفية َّ
ٍ بطريقة ٍ ٍ تقنية ،من خالل تـتم هذه الطريقة ال تحتاج إلى عناء كبير ،وإنما ُّ
المقاص��ة اإللكرتوين يف البن��ك المركزيَّ ، فإن ه��ذا المركز يتولى مرك��ز َّ
مقاصة الش��يكات آليًا، تمكين البن��وك األعضاء فيه :من تنظيم عمليات َّّ ويتم ذلك عن طريق تبادل المعلومات بين وتحدي��د أرصدته فيما بينهمُّ ،
البنوك األعضاء حول بيانات وصور ورموز الشيكات بوسائل آلية .
()1
وخالص��ة هذه الطريقة اآللية :أن مو َّظف البنك حال تس�� ُّل ِمه الش��يك
يقوم بتصويره ،أو مسحه ضوئيًا ،ثم يرسل صورته اإللكرتونية إلى البنك ٍ صورة منه إلى البنك المسحوب المركزي؛ ليقوم البنك المذكور بإرسال وتـتم ه��ذه العملية علي��ه؛ ألجل المصادق��ة الفنية والمالي��ة على صرفه. ُّ
عن طريق خطوط اتصال س��ريعة ،ثم تعود اإلجاب��ة اآللية (اإللكرتونية) بالموافق��ة عل��ى الصرف أو رفضه ف��ور ًا إلى البنك المرك��زي ،ومنه إلى البنك المقدِّ م للشيك؛ ليقوم األخير بصرف هذا الشيك أو رفضه .
()2
المقاصة بين الديون النقدية ،ص ،30وسرايا النظام المحاسبي يف المنشآت المالية ،ص. 317 - 316 ((( َّ ((( المصدري��ن الس��ابقين ،وتقيي��م ظاهرة تح��ول البنوك التقليدية للمصرفية اإلس�لامية ،إع��داد :مصطفى
113
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
أهم اخلطوات التي تقوم بها ُّ جهة تـتم َّثل مبا يلي : كل ٍ و� ُّ أوالً :مهم��ة البن��ك المس��حوب ل��ه :ه��ي إرس��ال ص��ور الش��يكات
المقاصة يف البنك المركزي . والمعلومات التابعة له إلى مركز َّ
ثاني��ًا :األعم��ال المناطة بالبنك المس��حوب عليه ،وه��ي على النحو
التالي :
ث��م تدقيقها من أ -اس��تقبال صور الش��يكات والمعلومات التابعة لهَّ ،
النواحي القانونية والشكلية .
ب -الر ِّد بالقبول أو الرفض على البنك الذي قدَّ م الشيك -آليًا -قبل
إغالق الجلسة .
ج -يف حالة رفض الش��يك يتعين إرس��ال ٍ بيان يذكر فيه بيانات الشيك
المرفوض صرفه ،وس��بب رفضه وتاريخه .وأهم أس��باب رفض الشيك
تـتم َّثل باآليت :
ع��دم وجود رصيد للس��احب ،أو عدم كفايت��ه ،أو اختالف توقيعه ،أو
عدم وضوح صورة الش��يك ،أو كون الش��يك مفق��ود ًا ُم َب َّلغًا عنه ،أو كان إبراهيم محمد مصطفى.40/1
114
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الرف��ض بنا ًء عل��ى طلب البن��ك المقدِّ م للش��يك ،أو بنا ًء عل��ى معارضة
الس��احب بإبالغه البنك خطيًا ومنعه من صرف الشيك ،أو بسبب نقص
ٍ حكم المهم��ة يف الش��يك ،أو بس��بب ب�لا ٍغ للبنك ،أو ص��دور البيان��ات َّ ٍ ٍ مختص ٍة يرت َّتب عليه منع دفع قيمة َّ الشيك. سلطة قضائي ،أو قرار َّ ثالثًا :األعمال المناطة بمركز المقاصة :وبياهنا كما يلي : أ -إرسال صورة الشيك وجميع بياناته المستلمة من البنك الذي قدَّ مه
إلى البنك المسحوب عليه آليًا.
ب -إرسال الر ِّد المس َت َلم من البنك المسحوب عليه إلى البنك المقدِّ م
آليًا.
ج -االحتف��اظ بالبيانات اآللية (االلك�تروين) النهائي الذي يخزن فيه
التقاص. صورة الشيك ،وكافة الحركات التي تمت عليه يف جميع مراحل ِّ د -تحوي��ل النتيج��ة الت��ي تحتوي ص��ايف مراك��ز البن��وك األعضاء يف
الجلس��ة إل��ى نظام التس��ويات الفورية م��ر ًة واحد ًة يف اليوم مباش��رة بعد إغالق الجلسة.
هـ إذا َّ أج َل تأخر اس��تخراج نتيجة المقاصة عن موعد إغالق الجلس��ة ِّ َّ 115
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
تنفيذ النتيجة إلى اليوم الثاين .
املقا�ص��ة الآلي��ة ب�ين البن��وك وامل�ص��ارف املطل��ب الث��اين� :أهمي��ة َّ التجارية من أبرز ما ُّ المقاصة اآللية ما يلي : يدل على أهمية َّ -1أهن��ا من أعظم أس��باب التيس��ير والتس��هيل على الن��اس يف إنجاز
أعماله��م ،وقض��اء ديوهن��م وحوائجهم؛ الختصاره��ا كثير ًا م��ن الجهد
والوقت على من يتعامل هبا .
المقاصة ألطرافها -2تحصيل المكاس��ب الكبيرة التي تحققها ه��ذه َّ
المختلفة ،ومن ذلك حصول ثقة المتعاملين بالشيكات؛ ألهنا تم ِّكن َّ كل ٍ طرف من معرفة وضع الشيك من حيث القبول أو الرفض يف اليوم نفسه،
وتحصيل قيمته يف أقرب وقت .
-3أن هذا النظام يعمل جميع أوقات الليل والنهار ،فيكون أمام البنك
متس��ع من الوقت إلرس��ال أكرب ٍ قدر من صور الشيكات آليًا مهما بلغت
أعدادها.
المقاص�� َة اآللي��ة من أس��باب تخفي��ض الكلفة المالي��ة لعملية -4أن َّ
المقاصة. َّ 116
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
بصورة ٍ ٍ آنية -5أهن��ا تم ِّكن م��ن المراقبة الدقيقة للش��يكات ،وتدقيقها
وسريعة ،وتحدُّ من ظاهرة النصب واالحتيال .
-6أهنا تو ِّفر السيولة الالَّزمة للشركات والمؤسسات المالية ،وتحرر ٍ ٍ معدودة من س��اعات وربم��ا دقائق المبالغ ال َّطائلة من قيمة الش��يكات يف
إيداعها ،ولو بلغت أعداد الش��يكات الماليين ،بينما كان ذلك يس��تغرق ٍ أربعة إلى خمس��ة أيام عمل ،فإذا تصورنا هذا يف الس��ابق مد ًة ال تقل عن التطور الهائل أمكننا معرفة الفارق الكبير بين تس��وية أمر هذه الش��يكات ٍ ٍ لمدة ال تقل س��اعات من إيداعها ،وبين االنتظار يف اليوم نفس��ه ،وخالل ٍ بجالء عظم المنفعة التي ثم يتضح ع��ن أربعة أيام لتحصيل قيمتها ،ومن َّ
المقاصة اآللية للمتعاملين به. يقدمها نظام َّ
117
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املطلب الثالث املقا�صة الآلية ،و�صفة العالقة بينهم �أطراف َّ وفيه أربع مسائل : المقاصة اآللية . المسألة األولى :أطراف َّ المقاصة اآللية . المسألة الثانية :صفة العالقة بين أطراف َّ المقاصة البنكية بين الديون من العمالت المختلفة . المسألة الثالثة: َّ المس��ألة الرابع��ة :عالقة البن��ك المركزي بالبنوك التجارية يف مس��ائل
المقاصة . َّ
118
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
امل�س�ألة الأوىل : المقاصة بين المراد هبذه المس��ألة :بي��ان َم ْن الدائ�� ُن ومن المدي��ن يف َّ
أهم أطرافها ؟ البنوك؟ َو َم ْن ِّ
المقاصة بين وللج��واب على ذل��ك نق��ول :الدَّ ائن��ون والمدين��ون يف َّ
البنوك حقيقةً :هم العمالء؛ ألهنم هم الذين يملكون قيمة الش��يكات ،أو
أهنا مس��حوبة عليهم ،وأما البنوك فليس��ت دائن ًة وال مدينةً ،و ّمما يوضح ذلك :أن البنك الدائن ال يضيف إلى حس��اب عميله قيمة الش��يك إ َّ ال إذا
جاءته الموافقة على قبوله من البنك المسحوب عليه ،ولو أنه اعتذر عن صرف��ه لعدم مطابقة التوقيع مث�لاً ،أو لكون رصيد من أصدره غير ٍ كاف، ٍ سبب آخر لم يملك بنك الدائن إلزامه بالقبول ،بل يرجع الشيك ألي أو ِّ
إلى عميله ،ويخربه بس��بب الرفض؛ ليقوم العميل بمراجعة من أصدر له الشيك ،ويطالبه بتصحيح الوضع .
()1
املقا�صة الآلية . امل�س�ألة الثانية� :صفة العالقة بني �أطراف َّ المقاصة مقاصة مباش��ر ٌة بين الدائنين والمدينين يف َّ الواقع أنه ال توجد َّ
المقاصة اآللية هي البنوك ،بتوكيل ِّ كل اآللية ،وإنما العالقة بي��ن أطراف َّ والمقاصة اإللكرتونية ،تحس��ن الخدمات المصرفية ،نش��ر جريدة المقاص��ة بي��ن الديون النقدي��ة،34 ، ((( َّ َّ الشرق ،يف موقع منتديات شبكة األسهم القطرية .
119
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
عمي ٍل بن َكه يف س��داد ما عليه لغي��ره من القروض والديون ،أو تحصيل ما له على غيره من القروض أو الديون أيضًا ،فالمدين أوك َّل سدا َد دينِه إلى بنكه هبذا الشيك؛ ليقوم بنكه بسداد قيمته من حسابه ،ووكَّل الدائن بنكه بمطالبة البنك المسحوب عليه بقيمة الشيك )1(،وقد تـتكرر هذه الصورة
من عشرات أو مئات الجهات يف اليوم الواحد ،ويف المكان الواحد .
المقاص��ة بينها؛ والخالص��ة :أهنا تـتف��ق جميع األطراف عل��ى إجراء َّ تحقيقًا لتوفير الوق��ت والجهد؛ وبعد ًا عن مخاطر حمل النقود من ٍ جهة المحصلة من رسوم إلى جهة؛ وسعيًا لتحقيق المكاسب المادية للبنوك َّ ٍ ()2 ألوقات محدودة. الخدمة ،ومن تشغيل تلك األموال ولو وبهذا يتضحَّ : أن صفة العالقة بين البنك وعمليه الدائن أو المدين :إنما
هي عالقة توكيل ال غير ،فإنه يقوم العميل بالتوقيع على الشيك وتسليمه
لبنكه؛ ليقوم البنك نياب ًة عن عميله بمطالبة البنك المس��حوب عليه بقيمة الش��يك ،وإضافتها لحس��ابه إن كان العميل دائنًا ،أو خصم قيمة الشيك
لصالح المدين عن طريق بنك المدين .فهذه وكالة ال إش��كال فيها؛ َّ ألن ((( المصدري��ن الس��ابقين ،والودائ��ع المصرفي��ة النقدي��ة واس��تثمارها يف اإلس�لام ،لحس��ن عب��د اهلل األمين،ص.238-232
((( المصادر السابقة .
120
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الوكالة مش��روع ٌة باتف��اق أهل العلم ،بل قد نقل بع��ض الفقهاء اإلجماع على ذلك ،وس��واء كانت ٍ بأجر أو بغي��ر أجر؛ ( )1ألن النبيﷺ كان يبعث
عماله لقبض الصدقات ،ويجعل لهم عمولة. َّ
()2
أم��ا العالقة بي��ن البنوك بعضها مع بعض :فقد ذكرن��ا فيما تقدَّ م قريبًا:
َّ المقاصة لدى البنك المركزي ،ويقدم أن مندوبي البنوك تلتق��ي يف غرفة َّ كل ٍ مندوب ِّ بنك الش��يكات المسحوبة له على البنوك األخرى ،ويستقبل الش��يكات المس��حوبة عليه ،أو أن تلك البنوك تراس��ل بعضه��ا آليًا عن
المقاصة بينها . تـتم َّ طريق البنك المركزي ،ثم ُّ
وقد يقول ٌ المقاصة التي تجري عن طريق البنوك ؟ قائل :ما نوع هذه َّ مقاص ًة اتفاقية . فالجواب :أهنا قد تكون مقاص ًة جربيةً ،وقد تكون َّ المقاصة الجبرية :فيمكن تصورها حال كون البنوك نفس��ها دائن ًة فأم��ا َّ َّ
ومدينة ،دون عمالئها.
كل ٍ بمعنى :أن يكون ُّ بنك دائنًا لآلخر ومدينًا له ،وأن تكون الشيكات
((( مغن��ي المحت��اج ،228 -217/2والمغني البن قدامة ،58 -51/5والفقه اإلس�لامي وأدلته،505/4 والفتاوى االقتصادية . 227 /3
((( التلخيص الحبير للحافظ بن حجر ،176/1وص ،251و.275
121
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ المقاص ُة جربي ًة بصورة مباشرة .ففي هذه الحالة تكون مسحوب ًة له أو عليه َّ
على قول جمهور الفقهاء؛ َّ ألن ديون الطرفين متفق ٌة جنسًا ونوعًا ،وصف ًة
وحل��و ً ال – كما هو األصل يف الش��يكات المقدَّ مة م��ن البنوك – والديون ٍ تلقائية ،دون المقاصة بينها بص��ورة تت��م َّ الت��ي تتوافر فيها هذه الش��روط ُّ تو ُّق ٍ ()1 ف على رضا أحد الطرفين. المقاصة االتفاقية :فإهنا تكون عندم��ا تقوم البنوك بإجرائها حال وأم��ا َّ
كوهن��ا وكيل�� ًة ع��ن عمالئه��ا يف المطالب��ة بديوهنم أو تس��ديد م��ا عليهم، المقاصة :أنه يش�ترط رضا ٍّ كل والفرق بين النوع األول والثاين من أنواع َّ
م��ن الطرفي��ن ،أو وكيل ٍّ كل منهم��ا يف النوع الث��اين دون األول ،كما تقدّ م
بيان ذلك بالتفصيل يف تعريف ِّ كل نو ٍع منهما.
()2
كل ٍ المقاصة اختياري ًة يلتـزم ُّ بنك لعمالئه الذين وكَّلوه ويف ح��ال كون َّ
فور عودة المندوبين بتحصيل مالهم يف ذ َّمة غيرهم ،وإضافته إلى حساهبم َ
المقاصة ،أو حصولهم على موافقة البنك المسحوب عليه .وقد من غرفة َّ المقاص َة مع اآلخرين ،ويكون ن��ص الفقهاء على :أن للوكيل أن يج��ري َّ َّ
المقاصة ،وضابط ِّ كل نو ٍع وحكمه ،ينظر ص . 37-15 ((( سبق الحديث بالتفصيل عن أنواع ًّ ((( ينظر الموضع المشار إليه يف الهامش رقم )3( :من هذه الصفحة .
122
ضامنًا لموكِّله َما َله قِ َب َل غيره.
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ ()1
المقاص��ة االتفاقي��ة ) هي األص��ل واألكثر وه��ذه الص��ورة الثاني��ة( : َّ
تطبيقًا ،وأما الصورة األولى فهي نادرة الوقوع.
()2
املقا�ص��ة البنكي��ة ب�ين الدي��ون م��ن العم�لات امل�س���ألة الثالث��ة: َّ املختلفة. م��ن المعلوم َّ المقاصة بي��ن البنوك التي األع��م يف عمليات أن الغالب َّ َّ
تـتم تحت إشراف البنك المركزي إنما تكون بين الديون النقدية التي هي ُّ ٍ ٍ ٍ واح��د ،كدوالر بدوالر ،أو ٍ ٍ عملة واحدة ،فما بريال م��ن ريال جنس م��ن المقاصة إذا وقعت بين الدينين مختلفي الجنس ؟ حكم َّ
الجوابَّ : مقاصة بين هذه البنوك أن ذل��ك ال يمنع من إجراء عمليات َّ
شيكات مسحوب ٌة باليورو مع اختالف جنس النقدين ،كما لو كانت هناك ٌ مثالً ،أو الدوالر على ٍ ٍ ش��يكات أخرى مسحوب ٌة على معين ،وقابلتها بنك ٌ
ٍ المقاصة بي��ن النقدين، بن��ك آخ��ر بالريال الس��عودي مثالً ،فإهنا تج��ري َّ المقاصة المذكورة جائز ًة ش��رعًا ،ولكن وإن اختلف جنس��هما ،وتكون َّ ((( الهداي��ة للمرغيناين ،138/3واالختيار لتعليل المختار للموصل��ي ،169/2وهناية المحتاج ،424/8
والمقاصة يف الديون النقدية. 38 ، ومغني المحتاج ،535/4والفروع ،191 /4 ،وإعالم الموقعين ،9/2 َّ ((( ينظر ص 15-13من هذا البحث .
123
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
بش��رط تراضي الطرفين على س��عر صرف العملة ،كما تقدَّ م بيان ذلك يف المقاصة يف هذه المس��ألة إلى إس��قاط المباح��ث الماضية)1(،وقد تؤ ِّدي َّ
الدين ك ِّله إن كان الدينان متساويين يف المقدار ،أو بعضه إن كان أحدهما
َّ أق��ل من اآلخر يف المق��دار ،والقاعدة يف هذا :أنه يس��قط من األكثر بقدر ِّ األق��ل ،ويبقى م��ا تب َّقى من األكثر يف ذ َّمة من هو عليه ،قال يف حاش��ية ر ِّد وتقاصا ،كما لو كان له عليه مائة درهم، المحت��ار( :)2إذا اختلف الجنس َّ ٍ بمائة من تقاص��ا تصير الدراهم قصاصًا وللمدي��ون مائة دينار عليه ،فإذا َّ
قيمة الدنانير ،ويبقى لصاحب الدنانير على صاحب الدراهم ما بقي منها« المقاصة المقاص��ة على ه��ذه العملي��ة؛ ألن يص��ح إطالق اس��م كم��ا َّ َّ ُّ
تعني :إس��قاط ٍ ٌ حاصل يف هذه دي��ن بدين ،وتفري��غ الذمتين منهما ،وه��و الص��ورة وإن اختلف جنس��اهما ،وهذا االختالف اليض��ر وال يؤثر متى وج��د الرتاضي على س��عر الصرف بي��ن العملتينّ ، الح��ق لهما ،وال ألن َّ
يعدوهما ،فمتى تراضيا على ٍ ٍ معين جاز ذلك. سعر
()3
((( ينظر ص ،26و ،42 -33من هذا البحث .
((( البن عابدين ،240-239/4ط :دار إحياء الرتاث ،و ،397/5وانظر الفتاوى الهندية. 230/3
والمقاصة ((( الموس��وعة الفقهية الكويتية ،330/38ومج َّلة مجمع الفقه اإلس�لامي الدولي،17960/2 َّ بين الديون النقدية ،ص ،38والمعايير الشرعية ،ص . 51-49
124
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
امل�س���ألة الرابع��ة :عالق��ة البن��ك املرك��زي بالبن��وك التجاري��ة املقا�صة. بخ�صو�ص م�سائل َّ وإيضاح ذل��كَّ : المقاصة وتطبيقاهت��ا المعاصرة التي أن جميع ص��ور َّ
تـتم بين البنوك من تناول الش��يكات ،أو إرس��ال صوره��ا آليًا ،وتقييدها ُّ
وبيانته��ا يف دفاتر البنك المرك��زي ،ومجيء مندوبي البنوك األعضاء إلى المقاصة يف البنك المركزي ،وغيرها من اإلجراءات األخرى ،إنما غرفة َّ يقصد من ذلك األمور التالية :
صحة المعلومات المدونة على الشيك ،وسالمة األمر األول :التأكد من َّ
وضع الشخص أو الجهة التي أصدرته ،فإذا تبين للبنك المسحوب عليه
س�لامة وضع الش��يك ومصدره ،أخرب البنك المرك��زي ،والبنك المقدِّ م
ثم يقوم البن��ك المركزي -ممثالً يف للش��يك موافقت��ه على صرف قيمتهَّ ،
المقاصة ،نيابة عن البنوك المقاصة يف آخر الدوام -بإجراء عمليات غرفة َّ َّ
الخاصة هبم يف األعض��اء يف الغرفة ،وذلك من خالل حس��اباهتم الجارية َّ المقاصة ،وهذا ٌ جائز بال ريب؛ ّ ألن إجراءات البنك المركزي غرفة عمل ٌ َّ يف ه��ذه العملي��ات وكال�� ٌة عن البن��وك األعضاء ،وق��د أس��لفنا قريبًاَّ : أن
125
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الوكال َة جائز ٌة اتفاقًا ،سواء كانت ٍ بأجر أو بغير أجر .
()1
األمر الثاين :حفظ أموال الناس من الضياع أو التالعب هبا ،أو تعريضها
لخط��ر الخس��ارة؛ َّ ألن بع��ض البن��وك قد يأخذ أم��وال العم�لاء ويدخل ٍ ٍ تج��ارات داخلي�� ًة كان��ت أو خارجيةً ،ويقع يف خس��ائر بمس��اهمات ،أو ربم��ا أ َّد ْت إلى إفالس��ه ،ف��إذا كانت مبادل��ة األموال -إيداعًا وس��حبًا، واستخالصًا -تحت إشراف ٍ جهة عليا كان أحفظ ألموال الناس .
األم��ر الثال��ث :قطع أس��باب الن��زاع والخصومات بين الناس ،س��واء ٍ ش��خصيات اعتباريةً ،أو فردية ،وأسباب قطع النزاع والخصومات كانت مقصدٌ من مقاصد الشريعة.
()2
األمر الرابع :تحصيل الرس��وم المادية المفروضة على مندوبي البنوك
المقاصة ،وإذا تقاضت الغرفة رسمًا أو عمولة لقاء ذلك األعضاء لغرفة َّ ٍ خالف؛ إذ ال مانع شرعًا من من البنوك األعضاء فهو أمر مش��روع بدون ٍ ٍ مباحة معلومة منفعة تقاضي األجرة على الوكالة؛ ألنه أخذ للمال مقابل
()3
((( ينظ��ر ص ،64-62 :وينظر أيض��ًا :اإلجماع البن المنذر ،ص ،101والمهذب للش��يرازي -394/1 ،396والمغني . 51-50/5
المقاصة بين الديون النقدية ،39 ،والمعايير الشرعية ،ص ،18-16وص . 52-50 ((( َّ المقاصة بين الديون النقدية ،39 ،والمعايير الشرعية . ((( َّ
126
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث اخلام�س املقا�صة الآل َّية عن طريق بطاقات االئتمان َّ وفيه ثالثة مطالب :
املقا�صة عن طريق بطاقات االئتمان ،وجهات املطلب الأول� :ص��ورة َّ �إ�صدارها . « تق��وم بع��ض الش��ركات العالمي��ة ( مث��ل :ش��ركة الفي��زا وش��ركة
الماس�تركارد ،وشركة األمريكان إكسربس )...بمنح الرتاخيص للبنوك ٍ اتفاقيات األعض��اء فيه��ا إلصدار بطاقات االئتم��ان لعمالئها ،بموج��ب
تنظ��م العالق��ة بين أط��راف العملي��ة؛ وهي ( المنظم��ة الراعي��ة للبطاقة، والبن��ك المصدر للبطاقة ،وحامل البطاق��ة ،والتاجر الذي يقبل التعامل
ثم تقوم تلك المنظمات العالمية بتقديم خدماهتا بالبطاقة ،وبنك التاجر) َّ المقاصة الفني��ة ،واإلدارية ،يف إدارة نش��اط إصدار البطاقات ،الت��ي منها َّ
بين البنوك.
()1
((( وأفادين الخبير بالمصرفية اإلسالمية -مهاتفةً -فضيلة الدكتور/الحم الناصرَّ : بأن تلك الشركات ليست كل ٍ ثم البنوك المركزية يف ِّ دولة سوى مجرد وسائل لتمرير نظام معين ،كنظام بطاقة (فيزا ) أو ماسرتكادَّ ).... هي التي تمنح الرتاخيص للبنوك األعضاء بإصدار تلك البطاقات ،والتعامل هبا.
127
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املقا�ص��ة ع��ن طري��ق بطاق��ات املطل��ب الث��اين :خط��وات العم��ل يف َّ االئتمان. المقاصة عن طريق بطاقات االئتمان من خالل الخطوات تـت��م عملية َّ ُّ
اآلتية :
الخط��وة األول��ىَّ : أن التاجر يواف��ق على قبول بطاق��ة االئتمان ،وينفذ
عملية البيع ،أو يقدِّ م عملية الخدمة لحامل البطاقة.
الخطوة الثانية :يقوم التاجر بإرس��ال قس��ائم المبيع��ات ،أو الخدمات
المتفق عليها بينه وبين حامل البطاقة إلى بنكه؛ ليقوم بتحصيل قيمتها.
الخطوة الثالثةَّ : أن بنك التاجر يقوم بإرس��ال بيانات تلك القسائم إلى المص ِدر للبطاقة عن طريق المنظم��ة الراعية للبطاقة ،ومن خالل البن��ك ْ شبكة ٍ ٍ آلية ( إلكرتونية ) تسمى (. )basell المقاصة بين الخطوة الرابعة :قيام المنظمة الراعية للبطاقة بإجراء عملية َّ
البنكين ،بنك التاج��ر وبنك حامل البطاقة .وقد وضعت هذه المنظمات ِ شبكات الصرف اآللي ( )ATMSيف أغلب األماكن المقصودة العالمية على مستوى العالم؛ لتسهيل السحب النقدي بالبطاقة المذكوة ،وتسمى
( الفي��زا ) ( )visa netو( الماس�تركارد ) ( )Bank netللنظ��ر :أن 128
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
مخاطب��ة التاجر لبنكه ،ومخاطبت��ه للمنظمة الراعي��ة للبطاقة ،ومخاطبته ٍ للبن��ك المص ِ س��لعة ،أو ��د ِر للبطاق��ة لحصول الموافقة على س��داد قيمة ْ ٍ خدم��ة ،أو للموافق��ة على قرض مبل�� ٍغ من خارج الب�لاد ،وإجراء عملية ٍ كل ذلك اليأخذ أكثر من ٍ المقاص��ةُّ ، مع��دودة ،وبصورة عالية الد َّق ِة ثوان َّ
والكفاءة .
()1
املقا�ص ِة الآلية عن طريق بطاقات االئتمان. املطلب الثالث :حكم َّ تـت��م عن طري��ق هذه البطاق��ات وفق إذا كان��ت َّ المقاص��ة المذك��ورة ُّ الضوابط الشرعية َّ أي إشكال، فإن حكم هذه المقاص ِة ٌ َّ جائز شرعًا ،دون ِّ َّ ٍ بغطاء نقدي ،يقابل المبالغ التي يصرفها حامل بحيث تكون البطاقة مغ ّطا ًة
البطاقة يف تنفيذ خدماته ،وإن كانت البطاقات المذكورة ال تستعمل وفق محرمة ،كما لو كانت غير مغ ّطاة بما يقابل الضوابط الشرعية فهي َّ مقاص ٌة َّ
مصروفات��ه ،أو تنفيذ خدماته؛ َّ ألن تنفيذ خدماته -يف هذه الحال -يكون
محر ٌم شرعا . أمر َّ شرا ًء ومصارف ًة بالدَّ ين ،وهو ٌ
()2
((( قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي الدولي ،يف جلسته رقم ،6/3/52:يف دورته السادسة بجدَّ ة، 1410هـ
((( المصدر الس��ابق ،والبطاقات البنكية اإلقراضية والس��حب المباش��ر من الرصيد ،لعبد الوهاب إبراهيم، ص ،231-230وقرارات وتوصيات ندوات الربكة لالقتصاد اإلس�لامي ،ص ،207-202الندوة الثانية
عشرة ،األردن ،لعام 1417هـ
129
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
هذا هو الضابط يف ِّ المقاصة . حل وحرمة هذا النوع من َّ
()1
وبن��ا ًء عل��ى ذلك :فإن حام��ل البطاق��ة المذكورة إذا س��حب من أحد
البن��وك عمل ًة غير العملة التي أودعها يف حس��ابه لدى بنكه فإن ذلك يعدُّ
شراء ًومصارفة منه لتلك العملة المغايرة ،وتوكيالً منه لبنكه يف دفع قيمة
العمل��ة التي اش�تراها من رصي��ده ،أو حوال ًة على بنكه ال��ذي يعدُّ مدينًا ٍ اخت�لاف يف تكييف لحام��ل البطاق��ة المذك��ورة إذا كانت مغ َّط��اة ،على الودائع المالية يف البنوكٌ ، وكـل من دفع قيمة العملة أو الحوالة على بنك
جائز شرعًا كما تقدم. العميل ٌ
()2
وق��د أفتى مجم��ع الفقه اإلس�لامي الدول��ي :بجواز ش��راء العمالت
فحرم الش��راء هبا مطلقًا؛ ألنه ش��را ٌء بالبطاقة المغ َّطاة ،وأ ّما غير المغ َّطاة َّ ٍ بالدي��ن ،وهو ممن��وع يف المصارفة ،ويج��وز يف ٍ واح��دة ،وهي :أن حالة ٌ يتك َّفل بنكه بالسداد فعالً بال أجل ،ومن غير فوائد )3( .كما أفتى المجمع
((( المص��ادر الس��ابقة ،والمعايير الش��رعية ،ص ،52-50وبطاقة الس��حب النقدي لمنظ��ور أحمد حاجي األزهري ، 368- 367/1وبطاقات االئتمان المصرفية للبعلي. 704-700/2
((( البطاقاتالبنكيةاإلقراضيةوالسحبالمباشرمنالرصيد،لعبدالوهابإبراهيم،ص،231-230وقرارات وتوصيات ندوات الربكة لالقتصاد اإلسالمي ،ص ،207-202الندوة الثانية عشرة ،األردن ،لعام 1417هـ .
((( البطاق��ات البنكية اإلقراضية والس��حب المباش��ر من الرصيد ،لعبد الوه��اب إبراهيم ،ص ،231-230 وقرارات وتوصيات ندوات الربكة لالقتصاد اإلسالمي ،ص ،207-202الندوة الثانية عشرة ،األردن ،لعام
130
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
تـتم عن طريق وس��ائل االتصال الحديثة أيض��ًا-َّ بصحة العقود الت��ي ُّ والص��راف اآللي ،واعترب الس��لكية والالَّس��لكية،كالهاتف ،واإلنرتنت، َّ
َ مكان ولحظ َة وصول اإليج��اب إلى المخاطب وقبوله، مجل��س التعاقد تم العقد ،ولو لم يحصل لقاء مباشر بين الطرفين فإذا تمت الموافقة فقد َّ
()1
وأما كيفية حصول تسوية حساب البطاقات فيمكن تلخيصه يف اآليت:
المص ِدر للبطاقة مع حاملها على تحويل قيمة المبالغ -1يتف��ق البنك ْ
المس��تح َّقة بالس��عر المعلن ل��دى البنك ي��وم إجراء قي��د العملية لصالح التاجر ،أو البنك يوم الس��داد ،وذلك بالخصم من حساب حامل البطاقة
إن كان في��ه رصي��د ،وإن لم يكن فيه رصيدٌ فبإقراض��ه قرضًا بغير فوائد؛
وذلك بإضافة المبلغ إلى حسابه المكشوف ،ثم الخصم منه.
()2
مطلوب شرعًا يف عقد الصرف، أمر ٌ وشرط التقابض يف مجلس العقد ٌ
حكمي ال قب��ض وه��و ٌ متحق��ق يف ه��ذه المعام�لات اإللكرتوني��ة ،لكنَّه ٌ ٌ 1417هـ ،.والمعايير الشرعية ،ص . 24-22
((( قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي الدولي ،يف جلسته رقم ،6/3/52 :يف دورته السادسة بجدَّ ة، 1410هـ
والمقاصة يف ((( توصي��ات ندوات الربك��ة لالقتصاد اإلس�لامي ،ص ،207والمعايي��ر الش��رعية ،ص،24 َّ الديون النقدية ،ص .41
131
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
حقيق��ي؛ َّ صرف لما يف الذ َّمة ،وهو جائز لدى ألن هذه المعامالت اآللية ٌ
جمهور الفقهاء.
()1
المقاصة بي��ن البنكي��ن يف اليوم ذات��ه برعاية الش��ركة الراعية تـت��م َّ ث��م ُّ للبطاقة ،هذا من جهة ،وبرتاضيهما من ٍ المقاصة جهة أخرى ،وتكون هذه َّ تـتم بإشراف البنك المركزي. مشروع ًة َّ كالمقاصة اآللية بين البنوك التي ُّ
()2
((( البح��ر الرائ��ق ،217/6وحاش��ية اب��ن عابدي��ن ،266/5والقواني��ن الفقهي��ة ،ص ،166وحواش��ي الش��رواين ،6/5وتحف��ة المحت��اج ،39/19والمغن��ي ،54/4وإع�لام الموقعي��ن ،9/2والفق��ه
اإلس�لامي ،158/7و ِّمم��ا تجدر اإلش��ارة إلي��ه :بيان أن��واع القبض وأحواله ،ج��اء يف الفت��اوى االقتصادية
:25 -24/1قب��ض األموال كما يكون حس��يًا يف حالة األخذ بالي��د ،أو الكيل ،أو الوزن يف الطعام ،أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض يتحقق اعتبار ًا وحكمًا بالتخلية ،مع التمكين من التصرف ،ولولم يوجد القبض حسًا ،وتختلف كيفية قبض األشياء بحسب حالها ،واختالف األعراف فيما يكون قبضًا لها
ثاني��ا :أن م��ن صور القبض الحكمي المعتربة ش��رعا وعرفا التال��ي -1 :القيد المصريف لمبل ٍغ من المال يف حساب العميل يف الحاالت التالية :أ -إذا ُأ ِ ود َع يف حساب العميل ٌ مبلغ من المال مباشرة ،أو بحوالة مصرفية. ٍ ٍ ٍ صرف ٍ بعملة أخرى لحس��اب عملة ناجز بينه وبين المصرف ،يف حال ش��راء ب -إذا عق��د العمي��ل عق��دَ
العميل.
ٍ ٍ حس��اب آخر بعمل��ة أخرى ،يف حس��اب ل��ه إلى ج -إذا اقتط��ع المص��رف -بأم��ر العمي��ل -مبلغ��ًا م��ن
المص��رف نفس��ه أو غي��ره لصالح العميل أو مس��تفيد آخر ،وعل��ى المصارف مراعاة قواع��د عقد الصرف يف الشريعة اإلسالمية ،ويغتفر تأخير القيد المصريف بالصورة التي يتمكن المستفيد هبا من التس ُّل ِم الفعلي للمدد المتعارف عليها يف أسواق التعامل ،على أنه ال يجوز للمستفيد :أن يتصرف يف العملة خالل المدَّ ة المغتفرة،
إ َّ أثر القيد المصريف بإمكان التس ُّل ِم الفعلي . ال بعد أن يحصل ُ
-2تس ُّل ُم الشيك إذا كان له رصيدٌ ٌ قابل للسحب بالعملة المكتوب هبا عند استيفائه وحجزه المصريف .
والمقاصة ((( الفتاوى االقتصادية ،25 -24/1والفقه اإلس�لامي ،158/7والمعايير الش��رعية ،ص ،51 َّ بين النقود ،ص ،42والمفصل يف أحكام الربا جمع وإعداد :علي بن نايف الشحود .118/2
132
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
وأما ما يجري بين البنك وعميله فال يخلو إما أن يكون له رصيد لديه،
مقاصة ،بل أو لم يكن ،فإن لم يكن لديه رصيد لدى البنك لم تكن هناك َّ يك��ون العميل مدينًا لبنكه بما س��دَّ د عنه من المبال��غ ،وإن كان له رصيد يت��م تكيـيفه :عل��ى أنه وديع�� ٌة محفوظة ،فيك��ون البنك قد لدي��ه فإ َّم��ا أن َّ
س��د َّد المبلغ المطلوب من حساب العميل مباش��رة ،أو أنه قرض يف ذمة
البنك ،فيكون العميل (المدين) قد أحال الدائن على البنك ،ويكون بنك ٍ ٍ تلقائية بين ديني بص��ورة المقاصة العمي��ل قد س��د َّد عنه دينه ،ثم تج��ري َّ البنك وعميله.
()1
والمقاصة بين النقود ،ص . 42 ((( الفتاوى االقتصادية ،25 -24/1 َّ
133
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث ال�ساد�س املقا�صة بني البنك وعميله يف الديون امل�ستقبلية َّ وفيه مطلبان :
املقا�صة بني الطرفني يف امل�ستقبل . املطلب الأول :املواعدة على َّ والم��راد بالمواع��دة بي��ن الطرفين هن��ا :االتف��اق بين البن��ك وعميله ٍ المقاصة مس��تقبالً ،بنا ًء على مواع��دة ِّ طرف لآلخر فيما كل عل��ى إجراء َّ ٍ ديون يف المس��تقبل .وهو جائز ش��رعًا مت��ى روعيت فيه ينش��أ بينهما من
المقاصة الجربية ،أو االتفاقية ،وخصوص��ًا :حالة كون الدينين ش��روط َّ بعملتين مختلفتين ،كالدالور والريال السعودي مثالً ،فإن المواعدة على
المقاصة بينهما يجب أن تكون بس��عر الصرف السائد وقت وقوع إجراء َّ ()1 المقاص ِة؛ وذلك سدّ ًا لذريعة التواطؤ على الربا. َّ لقول النبي ﷺ البن عمر حينما سأله عن بيعه اإلبل بالدنانير ،وأخذه
الدراهم مكان الدنانير ،والعكس ،فقال له ﷺ « :ال بأس أن تأخذها بسعر
يومها ،ما لم تفرتقا ،وبينكما شيء »( )2فقوله ﷺ :ال بأس ) فيه دليل على ((( االس��تذكار البن عبد الرب ،380/6ومنار الس��بيل البن ضويان ،313/1والمعايير الش��رعية ،ص ،50 والمقاصة بين الديون والنقود ،ص . 43 َّ
ً مطوال يف ص . 20 -19 ((( تقدَّ م تخريجه
134
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
جواز االس��تبدال عن الثم��ن الذي يف الذمة بغيره ،لكن بش��رط أن يكون
ذلك بسعر يومها.
()1
املقا�صة يف الديون النا�شئة بني امل�ؤ�س�سة والعميل يف املطلب الثاين: َّ البيوع الآجلة. المقاص��ة بينهما من البيوع إذا اتفقت المؤسس��ة والعميل على إجراء َّ
جائز شرعًا ،وكانت اآلجلة؛ كالمرابحة المؤجلة ،أو اإلجارة ،فإن ذلك ٌ َّ
المقاصة المذكورة إ ّما جربيةً ،أو أو اتفاقيةً ،بنا ًء على حسب توافر شروط َّ المقاصة معمول هبا يف أكثر المؤسسات المالية ،وتعرف إحداهما ،وهذه َّ
بـ )) set- off and consolidation
()2
المقاصة مقدمًا فإنه يغن��ي عن االتفاق عليها يف ومتى اش�ترطت هذه َّ
حال اختالف العملتين ،أو التفاضل بين الدينين .
ومن صورها :ما لو َّ تأخر من اش�ترى س��لع ًة مرابح ًة عن تسديد ثمنها،
فيقوم البنك بشراء تلك السلعة منه ٍ بثمن ٍّ التقاص ثم يجري ُّ حال يف ذمتهَّ ،
بين الدينين كليًا أو جزئيًا بحس��ب المطلوب من العميل ،أو بحس��ب ما ((( الفقه اإلسالمي وأد ّلته . 373 / 5
المقاص��ة بي��ن الديون والنق��ود ،ص ،43وقرارات وتوصيات ندوات الربكة لالقتصاد اإلس�لامي ،ص ((( َّ 137الندوة الثامنة بجدَّ ة ،لعام 1413 :هـ .
135
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
تغ ِّطيه السلعة من الدين ،ويشرتط يف هذه الحالة :أن يكون قد مضى على الس��لعة بحوزة المش�تري مرابح ًة زم�� ٌن تـتغير فيه األس��عار عرفًا ،وهذا
يس��ميه الفقهاء قديمًا (بتغير األسواق يختلف باختالف الس��لع ،وهو ما ِّ وحوالته��ا) ( )1وال يكون هذا الش��راء من قبل البنك داخ�لاً يف بيع العينة
المحرم.
()2
((( الكايف الين عبد الربِّ ،ص ،357والحاوي الكبير للماوردي. 158/7
المقاص��ة بي��ن الديون والنق��ود ،ص ،43وقرارات وتوصيات ندوات الربكة لالقتصاد اإلس�لامي ،ص ((( َّ ،13الندوة الثامنة بجدَّ ة ،لعام 1413 :هـ
136
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
املبحث ال�سابع املقا�صة املح ّرمة يف تطبيقاتها املعا�صرة َّ
وفيه مطلبان: املقا�ص ُة بني الفوائد الدائنة والفوائد املدينة . املطلب الأول: َّ للمقاصة أنواع محرم��ة باطلة ،ومن توج��د يف التطبيق��ات المعاص��رة َّ
المحرمة ما يلي: المقاصة أشهر أنواع َّ َّ
تتم بين البنوك بعضها مع بعض ،أو بين التجار بعضهم أوالً :تلك التي ُّ ٍ ٍ وإدارات متخصصة ،حي��ث تقوم بعض سماس��رة مع بع��ض ،بإش��راف
المقاص��ة بين فوائد ديوهن��ا الناتجة عن القروض البن��وك الربوية بإجراء َّ المحرمة ،ومن المعلومَّ : المقاص ِة؛ ألهنا يحرم ه��ذا النوع من َّ أن الش��رع ِّ َّ ٍ ٍ ٍ متبادلة بين الجهتين . ربوية بقروض ناتجة عن التعامل وإذا كان��ت القروض محرم ًة كان��ت فوائدها أيضًا محرمة ،ولم تـثبت
المحرمة؛ وذلك ألمرين : المقاصة بين تلك الفوائد يف الذمة ،ولم تجز َّ َّ
أن الوس��ائل لها أحكام المقاصد ،فكما ّ األمر األولَّ : أن الوس��يلة إلى
محرم��ةٌ )1(.فلما كانت الواج��ب واجب��ة ،فكذلك الوس��يلة إلى الح��رام ّ
((( شرح منتهى اإلرادات ،89/1وكشاف القناع ،213/6ومطالب أولي النهى ،340/6والمنهاج يف علم القواعد ،د /رياض بن منصور الخليفي. 5/1
137
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
محرمةً؛ ألهنا ناتـج ٌة عنها، محرم ًة كانت فوائدها وأرباحها َّ الق��روض هنا َّ ومتو ِّلدة منها .
ٍ المقاصة :ه��و وجود ٍ األم��ر الثاين :أن َ دين وأهمه لصح��ة ش��رط أول َّ َّ
صحيحٍ ش��رعًا ،وه��ذا ليس دينًا صحيح��ًا؛ ّ ألن مبناه عل��ى معصية اهلل
ورسوله.
()1
يمس��مى بالمقايض��ة النقدي��ة ( )swapsألهنا- المقاصة فيما ثاني��ًا: َّ َّ
أيضًا -مبن ّي ٌة على أساس
ٍ ٍ ٍ س��ندات بفائدة ،مع لس��ندات مقاصة بين الفوائد الربوية الرب��ا ،وهي َّ
بفائدة .
()2
املقا�صة يف العقود الآجلة. املطلب الثاين: َّ
ِّ المحل ( س��لع ،أو أس��هم، العقود اآلجلة :هي التي يؤجل فيها قبض
يؤجل فيه -أيضًا -دفع الثمن ،ويس��تثنى أو س��ندات ،أو عمالت ) كما َّ
منه نسب ٌة مئوي ٌة قليلةٌ ،تؤخذ من الطرفين ،نحو ،% 5أو ،%10أو ّ أقل من ث��م يحفظ هذا المبلغ المس��تثنى يف ذل��ك أو أكثر ،حس��ب المتَّفق عليهَّ ،
المقاص��ة بي��ن الديون والنق��ود ،ص ،43وقرارات وتوصيات ندوات الربكة لالقتصاد اإلس�لامي ،ص ((( َّ 137الندوة الثامنة بجدَّ ة ،لعام 1413 :هـ .
((( المصدرين السابقين .
138
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة ،ضمانًا للوفاء بالعقد وتنفيذه. غرفة َّ
()1
المقاصة هي التي تعرف باسم ( )clearing houseأو ( بيت وغرفة َّ
التس��وية ) ووظيفتها :إدارة الس��وق التي تتوس��ط بين المتعاملين ،وتقدم ٍ وتتحمل مس��ؤولية ضمان��ات للوفاء بالعق��ود بين أط��راف المتعاقدين، َّ
ضم��ان تنفي��ذ الصفق��ة إذا تخ َّلف أحد أطرافه��ا عن الوفاء بم��ا عليه من التزام��ات ،فالبائع والمش�تري ال توج��د بينهما عالق ٌة مباش��رةٌ ،بل تقوم
المقاصة مقام البائع نحو المشرتي ،ومقام المشرتي نحو البائع . غرفة َّ
()2
ومث��ال ذل��ك :أن يتعهد ش��خص يف ي��وم 15رجب 1430هـ بش��راء
1000ط ٍّن من الربِّ ،أو األرز ،بس��عر 2000ريال للط ِّن الواحد ،على أن آخر ويتعهد يتم اس��تالمه يف 30ذو القعدة من العام نفس��ه ،فيأيت ٌ شخص ُ َّ بتس��ليم هذه الكمية المتف��ق عليها يف التاريخ المحدَّ د ،وبالس��عر المتفق
عليه أيضًا.
()3
المقاصة بالوس��اطة بين الطرفين ،فينـتقل العقد -بجميع فتقوم غرفة َّ ((( المصدرين السابقين ،والمعايير الشرعية ،ص . 51
المقاص��ة بي��ن الديون والنق��ود ،ص ،43وقرارات وتوصيات ندوات الربكة لالقتصاد اإلس�لامي ،ص ((( َّ 137الندوة الثامنة بجدَّ ة ،لعام 1413 :هـ والمعايير الشرعية ،ص .51
((( المصادر السابقة .
139
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ ٍ مس��تثمر آخر ،ومنه إلى آخر ...وهكذا ،وقد مس��تـثمر إلى التزاماته -من ٍ ثم يف آخر الدوام تجرد جميع يتك��رر ذلك يف اليوم الواحد م��رات كثيرةًَّ ، المعامالت ،وتص ّفى؛ ليظهر بذلك ٌ ثم بعد ذلك كل من الرابح والخاسرَّ ،
المقاص�� ُة بين تلك األط��راف ،وهكذا دواليك ،تب��دأ العملية من تج��ري َّ وتستمر هذه العملية يوميًا، اليوم الثاين مر ًة أخرى ،وعلى النمط نفس��ه، ُّ حتى يحل أجل تسليم المبيع .
()1
حق الحصول على الصفقة المذكورة وينت��ج عن ذلك :أن من يمتلك َّ
يف المثال آنف الذكر ،وبالس��عر 2000ريال للط ِّن سوف يربح آليا ًعندما عما اتفق عليه ،وسوف يخسر آليًا ذلك الشخص الذي تعهد يرتفع السعر َّ بتس��ليم الصفقة المتَّفق عليها بالس��عر المذكور ،وربم��ا كان العكس.
()2
ُّ أمر وأما التس��ليم والقب��ض الفعلي للمبيع الذي هو مح��ل العقد فهذا ٌ
ال يهت��م به المتعاملون كثير ًا ،إ َّ ال يف تاري��خ القبض؛ ألنه يتحول العقد يف ٍ عشرات، مر على النهاية إلى المشرتي الحقيقي للمبيع ،بعد أن يكون قد َّ ((( المصادر السابقة ،واألسواق المالية والنقدية ألحمد رسمية ،ص ،94-180واألسواق المالية والنقدية لجمال جويدان الجمل ،ص . 190 -184
المقاص��ة بي��ن الديون والنقود ،ص ،43واألس��واق المالي��ة والنقدية ألحمد رس��مية ،ص ،94-180 ((( َّ واألسواق المالية والنقدية لجمال جويدان الجمل ،ص . 190 -184
140
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
وربما مئات المضاربين خالل الفرتة التي تفصل بين التعهد بتسليم تلك
السلعة والقبض الفعلي لها.
()1
وبن��ا ًء على ما تقدَّ م إيضاحه :فإن حقيق��ة هذه المعامالت عقو ٌد ،تقوم
ٍ المقاصة بتجديدها وإبرامها َّ س��عر وصل إليه التعامل كل يو ٍم بآخر غرفة َّ يف اليوم السابق ،والمتعاملون يحصلون على أرباحٍ ،ويقعون يف الخسائر
يوميًا.
وإذا نظرنا إلى هذه المعامالت من الناحية الشرعية :تبين بطالهنا؛ ألهنا
م��ن قبيل بيع الكالئ بالكالئ ،يعني :بيع الدين بالدين ،وهو ينقس��م إلى: ٍ ٍ ٍ ٍ وواجب بساقط، وساقط بواجب، وس��اقط بساقط، واجب بواجب، بيع فالذي ال ش��ك يف بطالن��ه :هو بيع الكالئ بالكالئ؛ وه��و بيع ما يف الذمة ٍ ()2 بشيء يف الذ َّمة مؤخر ًا؛ فإن الكالئ هو المؤخر . مؤخر ًا، فال��ذي يظه��رَّ : أن هذه المعامالت ش��بيه ٌة هبذا القس��م م��ن بيع الدين
بالدين ،واهلل أعلم .
المقاصة وأم��ا بخصوص ما يجري بي��ن تلك األطراف من عملي��ات َّ ((( المصادر السابقة .
((( الدرر السنية يف األجوبة النجدية. 120/6
141
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
مقاصةً؛ ألن��ه ال يوجد فيها عالق ُة المذك��ورة آنفًا :فالحقيقة أهنا ليس��ت َّ ٍ مديوني��ة بي��ن تلك األط��راف ،بل العالقة بي��ن أط��راف المتعاملين :هي
ٍ تصفي��ة فقط؛ وذلك ألج��ل الوصول إلى النـتائ��ج النهائية ،ربحًا عالق��ة كانت أو خسارة .
()1
المقاص��ة بي��ن الديون والنقود ،ص ،43واألس��واق المالي��ة والنقدية ألحمد رس��مية ،ص ،94-180 ((( َّ واألسواق المالية والنقدية جمال جويدان الجمل ،ص . 190 -184
142
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
اخلــامتـــــــة : الحم��د هلل الذي بنعمته تت��م الصالحات ،وترف��ع الدرجات ،وتمحى
السيئات ،وتزال الكربات
يمكن إجمال أهم أفكار البحث فيما يأيت : ٍ لشخص على غريمه المقاصة يف الجملة هي :أن يثبت أن صورة أوالًَّ : َّ
مث��ل ما له علي��ه من الدين ،س��وا ٌء اتفقا يف الجنس ،والصف��ة ،والحلول،
والتأجيل أم ال .
أن المقاص��ة :مش��روعة م��ن حي��ث الجمل��ة ،والدلي��ل عل��ى ثاني��ًاَّ :
مش��روعيتها من الكتاب والس��نة؛ وألهنا تـح ُّقق مقصود الش��رع يف براءة
الذم��م ب��أداء حقوق العباد بأيس��ر الط��رق وأس��هلها ،دون تكلف األخذ م��كان ،أو ٍ ٍ ٍ بلد إل��ى بلد ،وال م��كان إلى واإلعط��اء ،وال نق�� ٍل للم��ال من
تعريضه للمخاطر.
ٌ إس��قاط وإبرا ٌء ومتاركة بين ديني��ن متقابلين يف ذ ّمة المقاص َة أن ثالث��ًاَّ : َّ ٍ ِّ واحد من المتداينين ،وليست من قبيل بيع الدين بالدين يف شيء . كل المقاصة ثالثة أن��واع :جربية ،واتفاقية ،وطلبية ،أو قضائية، أن رابعًاَّ : َّ 143
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ فالمقاص��ة الجبري��ة :هي الت��ي تفيد س��قوط دينين يف ذ َّم��ة ِّ واحد من كل َّ توق��ف على رض��ا ٍ ٍ ٍ أحد م��ن الطرفين بص��ورة تلقائي��ة ،دون المتدايني��ن ال إذا تس��اوى الدينان جنسًا وحلو ً المتداينين ،وال تكون كذلك إ َّ ال ،ولم
ٍ محظور شرعي؛ كالربا أو شبهة الربا . أي يرتتب عليها ُّ
يتم س��قوط الديني��ن فيها إ َّ ال وأم��ا َّ المقاص��ة االتفاقي��ة :فهي الت��ي ال ُّ َّ
ٍ وتصح يف الدينين ب�تراض بين ال َّطرفين على انقضاء االلتزام فيما بينهما. ُّ المختلفين يف الجنس ،كما لو كان أحدهما دراهم ،واآلخر دنانير .
المقاصة الطلبي��ة ،أو القضائي��ة :فهي التي تفيد س��قوط الدينين وأم��ا َّ َّ
الحق األفضل عن ح ِّقه يف األفضلية ،كما لو كان أجل دينه بتنازل صاحب ِّ
أقصر ،أو كان دينه حا ً ال واآلخر مؤجالً ،فمتى رضي باألجل األطول ،أو
ِّ المقاصة . صحت المؤجل دون بالدين َّ َّ الحال َّ
المقاصة، صحة العم��ل بجميع أنواع خامس��ًاَّ : َّ أن القول الراجح :هو َّ
المقاصة الباطلة وذلك المحرم ،وهي عدا النوع الرابع منها ،وهو القسم َّ َّ
لق��وة أدلت��ه ،وتعليالته ،يف مقابل ضع��ف أد َّلة وتعلي�لات القولين الثاين والثالث؛ وألنَّه توس��ع ًة وتيس��ير ًا على الناس؛ وهذا أول��ى من قبض ِّ كل ٍ ثم ير ّده إليه؛ ّ فإن هذا عبث ال تأيت الشريعة بمثله، طرف ماله يف ذ َّمة اآلخر َّ 144
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
دين ٍ المقاصة ليس فيها بيع ٍ بدين كما ا َّدعاه المانعون. السيما بعد بيان أن َّ
واهلل -تعالى -أعلم .
ٍ حكم المقاصة تكون باطل ًة إذا تر َّتب على وقوعها مخالفة أن سادسًاَّ : َّ
المقاصة الصرف ،أو كانت َّ شرعي؛ كعدم تقابض البدلين يف مجلس عقد َّ ذريع ًة إلى الربا ،كمسألة (ضع وتعجل).
المقاص ُة متوافر ًة شروطها ،منـتفي ًة موانعها فإهنا سابعًا :أنه متى وقعت َّ
تق��ع صحيحةً ،ويرتتب عليها أثرها ،وهو س��قوط الدينين والمطالبة هبما ٍ المتقاصي��ن ،اللذين كانت ذ ّمة ِّ مع��ًا ،وبراءة ذ ّمة ٍّ واحد منهما كل كل من َّ المقاص ِة :هو إسقاط الدين والمطالبة مش��غول ًة بدين اآلخر؛ألن مقتضى َّ
ٌ إسقاط فيه معنى الوفاء بعوض . به ،لكنه ليس إسقاطًا محضًا ،وإنما هو المقاص ُة على وجهها الصحيح بش��روطها فإنه ال ثامن��ًا :أن��ه إذا تمت َّ
يمكن نقضها ال بفسخٍ وال بغيره؛ ّ ألن الساقط ال يعود ،فمتى سقط الدين
وتالشى ال يمكن النقض.
تاس��عًاَّ : المقاصة يوميًا بين أن البنك المركزي يقوم بإجراء عمل َّيات َّ
البن��وك المختلف��ة داخل البلد من خ�لال غرفة مخصصة تس��مى (غرفة 145
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
مقاصة مشروعة. المقاصة) وهي َّ عاش��ر ًاَّ : تـتم بي��ن البنوك األعضاء آليًا، أن عملية َّ المقاصة المعاصرة ُّ ٍ ٍ ورعاي��ة م��ن المن َّظمات الت��ي تمن��ح التَّراخيص لتل��ك البنوك بإش��راف األعض��اء فيها؛ ألجل إصدار بطاقات االئتمان لعمالئها ،فإذا كانت هذه البطاقات س��ليم ًة من الربا فإنه يجوز ش��رعًا شراء العمالت هبا إن كانت ال ف�لا؛ إ َّ مغ َّط��اة ،وإ َّ بالس��داد عنه فعالً ب��دون أجل ،ومن ال أن يقوم بنكه َّ
غير فوائد ،وتحصل التس��وية بتحويل قيمة المبالغ المستح َّقة باستخدام
الس��عر المعلن لدى البنك يوم إجراء قيد العمل َّية لصالح ال ّت َاجر أو البنك
السداد) وذلك الخصم من حساب حامل البطاقة إن كان فيه رصيد، (يوم َّ وإ َّ ال فبإقراضه بال فوائد من خالل إضافة المبلغ إلى حس��ابه المكشوف،
المقاصة. ثم الخصم منه؛ إلتمام عملية َّ
أحد عش��رَّ : المقاصة المش��روعة بي��ن البنوك وعمالئها: أن من أنواع َّ ٍ ديون يف المس��تقبل، المقاصة فيما ينش��أ بينهما من المواعدة على إجراء َّ
أو ما ينشأ بينهما من ديون البيوع اآلجلة؛ كالمرابحة المؤجلة ونحوها.
المقاصة :وجود ٍ دين صحيح شرعًا ،وعليه لصحة اثنا عش��ر :يشرتط َّ َّ
محرمة؛ ألهنا ناتج ٌة َّ فالمقاص��ة بين الفوائد الدَّ ائنة والفوائد المدينة باطل ٌة ّ 146
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ٍ ٍ ٍ متبادلة بين الجهتي��ن ،وإذا كانت القروض ربوي��ة بقروض ع��ن التعامل المقاصة يف العقود المستقبلية محرم ًة كانت فوائدها أيضًا محرمة ،ومثلها َّ والبيوع اآلجلة.
ثالثة عشرَّ : أن الذي بيع الكالئ بالكالئ -وهو بيع ما يف الذمة مؤخر ًا، ٍ بشيء يف الذ َّمة مؤخر ًا -محرم بال ريب . بطريق��ة ٍ ٍ أربع��ة عش��رَّ : تقنية ،م��ن خالل مركز تتم أن َّ المقاصة اآللي��ة ُّ
المقاص��ة اإللك�تروين يف البن��ك المركزي ،وه��ذا المرك��ز يتولى تمكين َّ
مقاصة الش��يكات آليًا ،وتحديد البن��وك األعضاء فيه من تنظيم عمليات َّ أرصدت��ه فيما بينهم ،عن طري��ق تبادل المعلومات بي��ن البنوك األعضاء
حول بيانات وصور ورموز الشيكات بوسائل آلية .
واهلل تعالى أعلم ،وص َّلى اهلل وس�� َّلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين
والحمد هلل رب العالمين.
147
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
148
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
امل�صـــادر واملــراجع : المقاصة والتس��وية يف األس��واق المالية ،أ .د /.محمد بن -1آليات َّ
إبراهيم السحيـباين ،الطبعة األولى1430 ،هـ دار كنوز أشبيليا ،المملكة
العربية السعودية .
-2اإلجماع.البن المنذر محمد بن إبراهيم النيسابوري (ت318 :هـ)
ال َّطبع��ة الثانية ،دار الدَّ عوة ،اإلس��كندرية1402 ،هـ تحقيق :فؤاد أحمد. -3االختي��ار لتعلي��ل المخت��ار .لعب��د اهلل ب��ن محم��ود ب��ن م��ودود
الموصل��ي(ت683 :ه��ـ ) نش��ر دار الكت��ب العلمي��ة ،بي��روت ،لبن��ان، 1426هـ الطبعة الثالثة ،تحقيق :عبد اللطيف محمد عبد الرحمن.
-4االستذكار ،ألبي عمر يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري(،ت:
463هـ ) الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية ،بيروت 2000 ،م .
-5األسواق المالية والنَّقدية ،ألبو موسى ،رسمية أحمد ( معاصر)..
طبعة أولى ،دار المعتز ،عمان1424 ،هـ 2004م.
-6األس��واق المالية والنقدية ،لجمال جويدان الجمل ( ،معاصر )
طبعة أولى ،دار صفاء ،عمان1422 ،هـ.
149
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
-7اإلنصاف .للمرداوي ،علي بن سليمان ( ت885 :هـ ) طبعة دار
إحياء الرتاث ،لبنان بيروت.
-8أس��نى المطال��ب ش��رح روض ال َّطالب ،لألنص��اري ،زين الملة
والدين أبو يحي زكريا ( ت926 :هـ ) نشر دار الكتب العلمية ،بيروت،
1422هـ الطبعة األولى ،تحقيق :د :محمد محمد تامر.
-9إعالم الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب
الزرع��ي الدمش��قي ،المعروف باب��ن القيم الجوزية ،أبو عبدا هلل ش��مس
الدين ( ت 751 :هـ ) نش��ر دار الجي��ل ،بيروت 1973 ،م ،تحقيق :طه عبد الرؤوف سعد .
الرائ��ق ش��رح كنـ��ز الدقائ��ق ،لزي��ن العابدي��ن إبراهيم، -10البح��ر َّ
المع��روف باب��ن نجيم الحنف��ي ( ت970 :ه��ـ ) ال َّطبعة الثانية ،نش��ر دار المعرفة ،بيروت البنان.
-11بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع ،ألبي بكر عالء الدين الكاساين(
ت 587 :هـ) نشر دار الكتاب العربي ،الطبعة الثانية ،بيروت1982 ،م.
-12بداي��ة المجته��د وهناي��ة المقتص��د لمحمد بن أحمد ابن رش��د 150
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المالكي( ،ت595 :هـ) نشر دار الفكر ،بيروت. الس��حب النق��دي ،لمنظ��ور أحم��د حاج��ي األزهري، -13بطاق��ة َّ
منش��ور ضمن أعمال مؤتمر األعمال المصرفية اإللكرتونية بين الشريعة
والقانون ،دبي1424 ،هـ
-14بطاقات االئتمان المصرفية ،لعبد الحميد البعلي ،منشور ضمن
أعمال مؤتمر األعمال المصرفية اإللكرتونية بين الشريعة والقانون ،دبي
1424هـ .
الصاوي ( -15بلغة الس��الك ألقرب المس��الك ،ألحمد ب��ن محمد َّ
ت1241 :هـ ) نش��ر دار الكتب العلمي��ة ،لبنان ،بيروت ،الطبعة األولى،
1415هـ تحقيق :محمد عبد السالم شاهين.
-16البهج��ة يف ش��رح التحف��ة ،ألبي الحس��ن علي بن عبد الس�لام
التسولي ( ت1258 :هـ ) نشر دار الكتب العلمية ،لبنان ،بيروت ،الطبعة األولى1418 ،هـ تحقيق :محمد عبد القادر شاهين.
-17ت��اج العروس من جواهر القاموس ،لمحمد مرتضى الحس��يني
الزبيدي( ت ) 1205نشر دار الهداية ،تحقيق :مجموعة من المحققين. 151
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
-18التعريفات،لعليبنمحمدبنعليالجرجاين(ت816:هـ)نشردار
الكتاب العربي ،بيروت ،الطبعة األولى1405هـ تحقيق :إبراهيم األبياري. -19التلخيص الحبير يف أحاديث الرافعي الكبير،ألحمد بن علي بن
حجر العس��قالين ( ت852 :هـ ) نشر المدينة المنورة1384 ،هـ تحقيق:
عبد اهلل هاشم اليماين المدين.
-20التمهيد لما يف الموطأ من المعاين واألسانيد ،ألبي عمر يوسف بن
عبداهللبنعبدالربالنمري(ت463:هـ)نشروزارةعموماألوقافوالشؤون
اإلس�لامية ،المغ��رب1387 ،هـ تحقي��ق :مصطفى بن أحم��د العلوي . -21الجامع الصحيح المختصر ،لمحمد بن إس��ماعيل البخاري( ،
ت256 :هـ ) نشر دار بن كثير واليمامة ،بيروت ،الطبعة الثالثة1407،هـ
تحقيق :د /مصطفى ديب البغا.
-22الجام��ع الصحي��ح (المع��روف بس��نن الرتمذي ) ألبي عيس��ى
محمد بن عيسى الرتمذي ( ،ت279 :هـ ) نشر دار إحياء التُّراث العربي، بيروت ،تحقيق :أحمد محمد شاكر وآخرون.
-23حاشية الدس��وقي على الشرح الكبير،لمحمد عرفة الدسوقي ( 152
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
ت1230هـ ) نشر دار الفكر ،بيروت ،تحقيق :محمد عليش. -24حاش��ية رد المحتار على الدر المختار ،لمحمد أمين بن عمر بن
عابدين ( ،ت1252 :هـ ) نشر دار الفكر ،لبنان بيروت 1421 ،هـ .
-25حاش��ية على ش��رح المنهاج ،لزكريا األنصاري الشافعي ( ،ت:
1204هـ ) نشر دار الفكر ،بيروت.
-26الح��اوي الكبي��ر ،لعلي ب��ن محمد بن حبيب الم��اوردي ( ت:
450هـ ) نشر دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى1419،هـ تحقيق :علي محمد معوض ،وعادل أحمد عبد الموجود.
-27حواش��ي الش��رواين على تحف��ة المحتاج بش��رح المنهاج ،لعبد
الحميد الشرواين ،نشر دار الفكر ،بيروت.
-28درر الحكام شرح مجلة األحكام ،لحيدر علي ،نشر دار الكتب
العلمية ،لبنان بيروت ،تعريب المحامي فهمي الحسيني .
-29الذخيرة ،لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرايف ( ت684 :هـ)
نشر دار الغرب ،بيروت1994 ،م ،تحقيق :محمد حجي.
-30روض��ة الطالبين ،ليحي بن ش��رف النووي ،الطبع��ة الثانية(،ت 153
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
676هـ ) المكتب اإلسالمي ،بيروت1405 ،هـ. -31سنن أبي داود ،لسليمان بن األشعث السجستاين( ،ت 275هـ)..
نشر دار الفكر ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد.
-32سنن الدار قطني ،لعلي بن عمر الدار قطني ( ت385 :هـ ) نشر
دار المعرفة،بيروت1386 ،هـ تحقيق :السيد عبد اهلل هاشم يماين.
-33شرح الخرش��ي على مختصر خليل ،لمحمد بن علي الخرشي
(ت1101 :هـ ) .دار صادر بيروت.
-34شرح صحيح البخاري ،ألبي الحسن علي بن خلف ،المعروف
بابن بطال( ،ت449 :هـ) نشر مكتبة الرشد ،الطبعة الثانية ،تحقيق :ياسر إبراهيم ،السعودية ،الرياض 1423هـ .
-35ش��رح العناي��ة على الهداي��ة ،لمحمد بن محم��ود البابريت ( ت:
786هـ ) مطبوع مع فتح القدير ،الطبعة الثانية ،دار الفكر ،بيروت.
-36الشرح الكبير على مختصر خليل ،ألبي الربكات أحمد الدردير،
(ت 1201هـ) طبعة دار الفكر ،بيروت.
-37ش��رح منته��ى اإلرادات المس��مى دقائ��ق أول��ي النه��ى لش��رح 154
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المنته��ى ،لمنص��ور بن يونس ب��ن إدريس البهويت ( ت1051 :هـ ) نش��ر
عالم الكتب ،بيروت ،1996 ،الطبعة الثانية.
-38صحي��ح اب��ن حبان برتتيب ابن بلبان ،لمحمد بن حبان البس��تي
(ت354 :هـ) نش��ر مؤسس��ة الرس��الة ،بيروت 1414هـ الطبع��ة الثانية،
تحقيق :شعيب األرنؤوط.
-39صحيح مس��لم ،لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ( ت:
261هـ ) نشر دار إحياء الرتاث العربي ،بيروت ،تحقيق :محمد فؤاد عبد
الباقي.
-40طبقات الش��افعية الك�برى ،لتاج الدين بن عل��ي بن عبد الكايف
للس��بكي (ت771 :هـ) نش��ر دار هجر القاهرة ،الطبعة الثانية1413 ،هـ
تحقيق :د .محمود الطناحي ،ود .عبد الفتاح الحلو.
-41غمز عيون البصائر ش��رح كتاب األشباه والنظائر ،ألبي العباس
ش��هاب الدين أحمد بن محمد بن نجيم الحموي ( ت1098 :هـ ) نش��ر دار الكتب العلمية ،لبنان بيروت ،الطبعة أولى1405،هـ.
-42فتح الباري ش��رح صحيح البخ��اري ،ألحمد بن علي بن حجر 155
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
العسقالين ،نشر دار المعرفة ،بيروت ،تحقيق :محب الدين الخطيب. -43الفقه اإلسالمي وأدلته ،لوهبة الزحيلي ،نشر دار الفكر ،دمشق،
الطبعة الثالثة1409 ،هـ
-44ق��رارات وتوصي��ات ن��دوات الربكة لالقتصاد اإلس�لامي (من
1426–1403هـ الطبعة السابعة1426 ،هـ جدة ،مجموعة د َّلة الربكة.
-45قواع��د الفقه ،لمحمد عميم اإلحس��ان الربكتي ،نش��ر الصدف
ببلشرز ،كراتشي ،الطبعة األولى1407 ،هـ.
-46القواني��ن الفقهي��ة ،لمحمد بن أحمد اب��ن جزي( ،ت741 :هـ)
ال َّطبعة الثانية1989،م ،دار الكتاب العربي ،بيروت .
-47الكايف يف فقه أهل المدينة ،ألبي عمر يوسف بن عبد اهلل بن عبد
الرب النمري ،الطبعة األولى 1407،هـ دار الكتب العلمية ،بيروت .
َّ -48 كش��اف القن��اع عن متن اإلقناع ،لمنصور ب��ن يونس بن إدريس
البه��ويت ( ت1051 :ه��ـ ) نش��ر دار الفكر ،بيروت1402 ،ه��ـ ،تحقيق: هالل مصيلحي.
-49لسان العرب ،لمحمد بن مكرم بن منظور ( ،ت711 :هـ ) نشر 156
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
دار صادر. -50المبس��وط ،لش��مس الدين أبو بكر محمد بن س��هل السرخسي
(ت409 :هـ) نشر دار المعرفة ،بيروت.
-51المجموع ش��رح المهذب ،ليحي بن ش��رف النووي ،نش��ر دار
الفكر ،بيروت1997 ،م.
-52محاس��بة البنوك ،لعبد الحليم محم��ود كراجة ،الطبعة األولى،
لعام 1420هـ دار صفاء ،عمان األردن .
-53محاسبة المنشآت المالية ،لعبد الرزاق الشحادة ،الطبعة األولى،
عام 1418هـ دار المسيرة ،عمان ،األردن .
الرازي ( ،ت: -54مخت��ار الصحاح ،لمحمد بن أبي بكر عبد القادر َّ
666هـ ) الطبعة الثانية ،مطبعة اليمامة ،دمشق 1987م.
-55المدون��ة الك�برى ،لمال��ك بن أنس األصبح��ي ( ت 179هـ ).
نشر دار صادر ،بيروت.
-56المس��ند ،ألبي عبد اهلل أحمد بن حنبل الش��يـباين (ت241 :هـ)
نشر مؤسسة قرطبة ،مصر.
157
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
-57مصنف ابن أبي شيبة ،أبو بكر عبد اهلل بن محمد (ت235 :هـ) .يف
األحاديث واآلثار .نشر مكتبة الرشد ،الرياض ،الطبعة األولى1409،هـ
ت /كمال يوسف الحوت.
المقاص��ة وآثاره��ا يف القانون الم��دين مقارنة بأحكام -58مضم��ون َّ
الفقه اإلسالمي ،د /إبراهيم الصالحي .
-59مطالب أولي النهى يف شرح غاية المنتهى ،لمصطفى الرحيـباين،
السيوطي ( ت1243 :هـ ) نشر المكتب اإلسالمي ،دمشق1961 ،م.
-60المعايي��ر الش��رعية ،لهيئة المحاس��بة والمراجعة للمؤسس��ات
المالية اإلسالمية ،البحرين ،المنامة1425 ،هـ.
-61معرفة الس��نن واآلثار عن اإلمام أب��ي عبد اهلل محمد بن إدريس
الش��افعي ،ألبي بكر أحمد بن الحس��ين البيهقي ( ت458 :هـ ) نشر دار
الكتب العلمية ،لبنان ،بيروت ،تحقيق :سيد كسروي حسن.
-62المغني يف فقه اإلمام أحمد بن حنبل الش��يباين ،ألبي محمد عبد
اهلل بن أحمد بن قدامة المقدسي ( ،ت 620 :هـ ) الطبعة األولى1405،هـ نشر دار الفكر ،بيروت . 158
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
-63مغن��ي المحت��اج إلى معرفة مع��اين ألفاظ المنه��اج ،لمحمد بن
أحمد الخطيب الشربيني ( ،ت977 :هـ ) نشر دار الفكر ،بيروت.
المقاص��ة يف الفق��ه اإلس�لامي ،لمحمد س�لام مدكور ،نس��خة -64 َّ
مصورة قبل الطبع ،بدون معلومات .
-65من��ار الس��بيل يف ش��رح الدلي��ل ،إلبراهي��م بن محمد بن س��الم
ب��ن ضو َّي��ان (ت1353 :هـ) نش��ر مكتب��ة المع��ارف ،الري��اض ،الطبعة الثانية1405،هـ تحقيق :عصام القلعجي.
-66المنث��ور يف القواع��د ،لمحم��د بن هبادر بن عبد اهلل الزركش��ي (
ت794 :هـ ) نشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،الكويت،الطبعة الثانية1405 ،هـ تحقيق :تيسير فائق أحمد محمود.
-67منح الجليل ش��رح على مختصر س��يد خليل ،لمحمد عليش( ،
ت1299 :هـ ) نشر دار الفكر ،بيروت1409 ،هـ.
-68المه��ذب ،ألب��ي إس��حاق إبراهي��م ب��ن عل��ي الش��يرازي ( ت:
476هـ) تحقيق :د .محمد الزحيلي ،طبعة 1417هـ دار الفكر دمشق.
-69الموس��وعة الفقهية ،لوزارة األوق��اف الكويتية ،الطبعة األولى، 159
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
1419هـ . -70نص��ب الراي��ة ألحاديث الهداية ،لعبد اهلل بن يوس��ف الزيلعي (
ت762 :هـ ) نش��ر دار الحديث ،مصر1357 ،هـ تحقيق :محمد يوسف
البنوري .
-71النظام المحاس��بي يف المنش��آت المالية .لس��رايا محمد السيد،
طبعة دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية2000 ،م.
-72هناية المحتاج إلى ش��رح المنهاج ،لشمس الدين محمد بن أبي
العباس أحمد الرملي ( ت1004 :هـ ) نشر دار الفكر ،بيروت1404 ،هـ. -73ني��ل األوط��ار م��ن أحادي��ث س��يد األخي��ار ،ش��رح منتق��ى
األخب��ار لمحمد بن عل��ي الش��وكاين ( ت1250 :هـ ) نش��ر دار الجيل، بيروت1973،م.
-74الودائع المصرفية ( أنواعها -استخدامها -استثمارها ) ألحمد
حسن أحمد الحسيني الطبعة األولى1420 ،هـ دار ابن حزم ،بيروت.
-75الودائع المصرفية النقدية واس��تثمارها يف اإلسالم ،لحسن عبد
اهلل األمين ،الطبعة األولى1403 ،هـ دار الشروق ،جدة. 160
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
-76الهداي��ة ش��رح بداية المبتدي ،ألبي الحس��ن علي ب��ن أبي بكر
المرغياين ( ،ت593 :هـ ) نشر المكتبة اإلسالمية.
161
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
فهــر�س املـو�ضــــوعات المقدمـة:
الدراسات السابقة
المقاصة ومشروعيتها التمهيد :يف معنى َّ
1
4 7
المبحث األول :تعريف المقاصة المقاصة يف ال ُّلغة تعريف َّ
7
المقاصة يف ال ُّلغة واالصطالح الصلة بين تعريف َّ
9
تعريف الحوالة لغ ًة واصطالحًا المقاص ِة والحوالة الصلة بين َّ تعريف اإلبراء لغ ًة واصطالحًا المقاص ِة واإلبراء الصلة بين َّ المطلب الثالث :يف لفظ الدين
10
المقاصة يف االصطالح تعريف َّ
بالمقاصة المبحث الثاين :األلفاظ ذات الصلة َّ
تعريف ك ٍل من القرض والدين لغ ًة واصطالحًا والفرق بينهما العالقة بين الدين والقرض
7 8 9
10 10 10 10 11 12
المقاصة ومجاالتها ،وفيه ثالثة مباحث 13 الفصل األول :أصل مشروعية َّ المقاص ِة المبحث األول :يف صورة 13 َّ 14 المقاصة المبحث الثاين :مشروعية َّ 162
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاص ِة المبحث الثالث :مجال َّ
20
المقاصة الجربية ،وفيه ثالثة مطالب المبحث األول: َّ المقاص ِة الجربية المطلب األول :يف تعريف َّ المقاص ِة الجربية المطلب الثاين :حكم َّ
21
المقاص ِة ،وأثرها ،وفيه خمسة مباحث 21 الفصل الثاين :أنواع وأحكام َّ
المقاصة الجربية صحة َّ المطلب الثالث :شروط َّ
المقاص ُة االختيارية وفيه أربعة مطالب المبحث الثاين: َّ المقاص ِة االختيارية المطلب األول :تعريف َّ المطلب الثاينُّ : المقاص ِة االختيارية محل َّ المقاص ِة االختيارية المطلب الثالث :شروط َّ المقاص ِة االختيارية المطلب الرابع :حكم َّ
21 22 22 32 32 32 32 33
المقاصة الطلبية ،أو القضائية،وفيه أربعة مطالب 40 المبحث الثالث: َّ
المقاصة الطلبية المطلب األول :تعريف َّ المطلب الثاينُّ : المقاصة الطلبية محل َّ المقاص ِة الطلبية المطلب الثالث :حكم َّ المقاص ِة الطلبية المطلب الرابع :شروط صحة َّ ٍ وصور منها المقاص ِة الباطلة، المبحث الرابـع: َّ
المقاصة يف الصرف الصورة األولى: َّ
40 40 40 43 44 44
163
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
الصورة الثانية :المقاصة يف السلم والمسلم فيه ،وفيها ثالث مسائل 45 المسألة األولى :المقاصة برأس مال السلم
45
المقاص ُة يف رأس مال السلم بعد اإلقالة المسألة الثالثة: َّ
47
المقاص ُة بالمسلم فيه المسألة الثانية: َّ
المقاص ُة ذريعة إلى الربا الصورة الثالثة :إذا كانت َّ
47 48
المقاص ُة يف الزكاة الصورة الرابعة: َّ 51 المقاص ِة يف الوديعة الصورة الخامسة :حكم َّ 51 تعريف الوديعة لغ ًة واصطالحًا المقاص ِة ومدى نقضها بعد إتمامها ،وفيه المبحث الخام��س :أثر َّ 52 ثالثة مطالب 50
المقاصة بعد وقوعها المطلب األول :أثر َّ
52
بالمقاصة تمهيد :يف اتساع التعامل َّ
55
المقاصة بعد وقوعها المطلب الثاين :حكم نقض َّ 54 المقاص ِة المطلب الثالث :ثمرة َّ للمقاصةُ ،وفيه تسعة مباحث 55 الفصل الثالث :التطبيقات المعاصرة َّ المبحث األول :يف عقود التوريد والتحويالت
المبح��ث الثاين :إج��راءات المقاص��ة بين البنوك بإش��راف البنك المركزي
164
53
56 57
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاص��ة الت��ي تج��ري بي��ن البن��وك المبح��ث الثال��ث :حك��م َّ والمصارف التجارية المقاصة اآللية ،وفيه ثالثة مطالب المبحث الرابع :يف َّ المقاصة بالطريقة اآللية المطلب األول :كيفية َّ
61 62
المقاصة اآللية بي��ن البنوك والمصارف التجارية 63 المطل��ب الثاين :أهمية َّ
المقاصة اآللية ،وصفة العالقة بينهم المطلب الثالث :أطراف َّ
64
المقاصة اآللية المسألة الثانية :صفة العالقة بين أطراف َّ
65
المسألة الرابعة :عالقة البنك المركزي بالبنوك التجارية بخصوص المقاصة مسائل َّ
68
المقاصة اآللية المسألة األولى :أطراف َّ
64
المقاصة البنكية بين الديون من العمالت المختلفة 67 المسألة الثالثة: َّ
المقاصة اآلل َّية عن طري��ق بطاقات االئتمان المبح��ث الخام��س: َّ وفيه ثالثة مطالب
المقاص��ة عن طريق بطاق��ات االئتمان، المطل��ب األول :ص��ورة َّ وجهات إصدارها.
69 69
المقاصة عن طريق بطاقات االئتمان 70 المطلب الثاين :خطوات العمل يف َّ المقاص ِة اآللية عن طريق بطاقات االئتمان 71 المطلب الثالث :حكم َّ
المقاص��ة بي��ن البن��ك وعميل��ه يف الدي��ون المبح��ث الس��ادس: َّ المستقبلية ،وفيه مطلبان.
74
165
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
المقاصة بين الطرفين يف المستقبل 74 المطلب األول :المواعدة على َّ
المقاصة يف الديون الناشئة بين المؤسسة والعميل المطلب الثاين: َّ يف البيوع اآلجلة.
74
المحرمة يف تطبيقاهتا المعاصرة ،وفيه مطلبان 75 المقاصة المبحث السابع: َّ ّ المقاص ُة بين الفوائد الدائنة والفوائد المدينة المطلب األول: َّ
75
وأهم النتائج الخـاتمــة ُّ
79
المقاصة يف العقود اآلجلة المطلب الثاين: َّ فهرس المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات
166
76 82 90
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
167
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
168
املقا�صة يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاتها املعا�صرة �أحكام َّ
169