الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة محمد خيضر " بسكرة" كلية اآلداب واللغات
قسم اآلداب واللغة العربية
تشكيـل التـراث في أعمـال محمد مفالح الروائية مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في اآلداب واللُّغة العربية تخصص :سرديات عربية إشـراف األستاذ الدكتـور:
إعـداد الطالبـة:
صـالـح مفـقودة
زهيـة طـرشي
لجنة المناقشة 1 2 3 4 السـنـة الجامـعيـة: 4131/ 4136هـ 0246/0245م
اللهم لك احلمد ملا رزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا ،لك احلمد باإلميان ولك احلمد باإلسالم ولك احلمد بالقرآن،ولك احلمد باألهل واملال و املعافاة. اللهم إذا أعطيتنا جناحا فال تأخذ منا تواضعا وإذا أعطيتنا تواضعا فال تأخذ منا اعتزازنا بكرامتنا. آمني
شكر و عرفان: الحمد هلل ال أ ار ل لر دلا الم و لالممل و لان رر ن أ اداه ا ا اللا ا لار ز ا ا الممل البحث ال ين ان يكلن خ لص لل هه الكليو. لد الفضل ألا ه ال يسمري إالّ ان اتقدو ب لشكل ال زيل لاالمتر ن من ب ا ّ إلأ است أ الف ضل "الدكتور مفقودة صالح" ،ال أ تمهدري بلن يته الم ميو ، لتفضل ب إلشلاف ن أ م كلة الم ستيل،
لال تل يه ته السديدة لرص ئحه
نز الم ميو ،لصبله لسمو صدله ممي ،لم انط ري ّإي ه من لقته الثمين بمد اهلل ّ
ل ّل ،لم اكتمل بري ن ا ا الممل ،لظهل ن أ صللته الح ليو،
زاه اهلل نري
لنن طالا المالو خيل زاه قي الدري لاآلخلة. مد لي يد الملن لالمس ندة من األس ت ة كم اتقدو ب لشكل لالتقديل لكل من ّ او البحث لمت نبه ب ل هد الكلاو ،لالزميالت لاسلتي الكليمو ،لكل من ش لكري ّ
لالدن ه.
مقـدمة
بات من المعلوم اليوم أن الرواية من أكثر األجناس األدبية انفتاحا على التجريب المتواصل الذي ال يستقر أبدا وال يهدأ .فقد شهدت من التحول والتطور ما جعلها في بحث ال ينتهي عن جديد األساليب وحديث األشكال ،والرواية الجزائرية أيضا كغيرها من الروايات األخرى استطاعت أن تحقق ثراء فنيا كبي ار خالل فترة زمنية محدودة ،إذ استطاعت أن تتجاوز المحلية لتلتحق بمصاف العالمية وذلك على يد جيل طموح أكد ذاتيته من خالل كتابات روائية تشربت منابع التراث التي ال تنضب وال تنتهي. والتراث مصطلح شامل نطلقه لنعني به عالما متشابكا من الموروث الحضاري والبقايا السلوكية و القولية التي بقيت عبر التاريخ انتقلت من بيئة إلى أخرى ،فهو إذن يضم الممارسات الشعبية السلوكية ،ويضم أيضا ما أبدعه الضمير اإلنساني من تراث إسالمي أو محلي شعبي ،بل قد ينهل أحيانا من التراث األجنبي بمختلف تفرعاته. لقد استثمرت الرواية الجزائرية التراث بشكل كبير ،إذ وسمت الخطاب الروائي بسمات مختلفة .حيث نجد في هذا المجال مجموعة من المبدعين الذين اهتموا بالتراث قلبا وقالبا كالروائي" واسيني األعرج" في نصه "نوار اللوز" ،و"عبد الحميد بن هدوقة" في نصه " الجازية والدراويش" وهي تبرز مدى احتفاء الخطاب الروائي الجزائري بالتراث، دون أن ننسى الروائي " الطاهر وطار" التي حفلت أعماله بالزخم الهائل من التراث بأشكاله المختلفة وألوانه المتباينة بدءا من "الالز" وانتهاء "بالولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" ،...وعلى هذا الدرب سار أيضا جيل جديد تأثر بهذا النهج الذي سلكه مؤسسو الرواية الجزائرية ،ومن بينهم " محمد مفالح" هذا الروائي الذي اعترف بتأثره الكبير باألسماء الروائية الجزائرية الالمعة وخصوصا "بن هدوقة" و "الطاهر وطار" ،مما يحيلنا بال شك على الرغبة في االطالع على التجربة المفالحية ومدى غناها هي األخرى بما خلفه التراث من رصيد أدبي وديني وشعبي وغيره ،ومحاولة التعرف أوال والتعريف ثانيا بموهبة من المواهب الجزائرية المعاصرة التي اكتسحت األدب وغمرته بأعمالها الروائية واألدبية. أ
فالروائي "محمد مفالح" حاول وعلى مدار سلسلته الروائية واإلبداعية معالجة قضايا تركز بالدرجة األولى على الكيان الجزائري بكل ما يحمله من هموم ووقائع أثقلت كاهله باألمس إبان الثورات التي عرفها تاريخها العريق بدءا باالحتالل اإلسباني في "شعلة المايدة" ،ومرو ار بما عاشته من واقع أليم في سبيل نيل حريتها عبر روايات نذكر منها: "خيرة والجبال" ،و"هموم الزمن الفالقي" ،و"زمن العشق واألخطار" ...الخ .وصوال إلى ثورة البناء والتشييد التي عرفتها جزائر االستقالل منذ 6912والى يومنا هذا .وكل ذلك في سبيل المحافظة على كيانها وحرية شعبها ،وألن التراث يمثل الهوية واألصالة فقد كان حضوره في روايات "محمد مفالح" بمثابة الدعامة والركيزة األساسية التي يعول عليها الروائي في عمله اإلبداعي.ونظ ار لألهمية الكبرى التي يحظى بها التراث بكل أنواعه وجدتني أتوجه لدراسته و التنقيب عنه وعن أثاره داخل المتن الروائي ،شأني في ذلك شأن عالم اآلثار الذي يبحث عن معالم الحضارات اإلنسانية التي حاول الزمن أن يطمسها. حيث وجدت "روايات مفالح" هي األخرى تخدمني وتخدم موضوعي ومن هنا جاءت فكرة الموضوع ،والذي تجسد في عنوان هو " تشكيل التراث في أعمال محمد مفالح الروائية". وعبر هذا الثراء المعرفي و التشعبات التي يأخذها التراث في إبداعات الروائي،سوف نحاول من خالل هذا البحث دراسة كيفية استثمار التراث الشعبي واستلهامه وتوظيفه في روايات محمد مفالح ،وهذا ما يجعلنا نطرح مجموعة من األسئلة أهمها: ما هو التراث؟كيف وظف الروائي هذا التراث؟ وهل كان لصالح اإلبداع الروائي من حيث بناء الشخصية وخدمة المعنى وتطوراألحداث؟ -هل جاء توظيفه لغرض جمالي ،أم كان بهدف إحيائه والحفاظ عليه من الضياع ؟
ب
هي أسئلة يمكن اإلجابة عنها من خالل هذا البحث الذي اقتضت منهجيته :مقدمة وفصوال وخاتمة ،ابتداء (بمقدمة) عن أهمية الموضوع ومنهجه ،وايضاح خطة البحث وانتهاء (بخاتمة) ألهم النتائج والتوصيات .لكن قبل أن يأخذ هذا البحث مستواه اإلجرائي على روايات مفالح ،وجدت أن منطقية البحث العلمي تستدعي (مدخال) نظريا حول أهمية التراث لغة واصطالح ،و إلى تجلياته في الرواية العربية والجزائرية. وبعد هذا المدخل جعلت البحث في فصلين حرصت في كل واحد منهما على إيراد تمهيد مختصر يتضمن أهم القضايا المتصلة به. تناول الفصل األول بعنوان (مالمح التراث األدبي عند مفالح) ،و قسم إلى مبحثين تضمن المبحث األول (توظيف النصوص الشعرية والنثرية) ،أما المبحث الثاني المعنون (بحضور التراث الشعبي) ،فأفرد لدراسة األدب الشعبي من أمثال ،وشعر شعبي ،وحكايات شعبية ،ثم توظيف العادات والتقاليد والمعتقدات. أما الفصل الثاني فقد تناولت فيه (تمثل التراث التاريخي والديني في روايات مفالح) ،بني على مبحثين أيضا ،تضمن األول( :استغالل التاريخ وتوظيف أحداثه) ،أما المبحث الثاني ،فخصص للحديث عن (استلهام التراث الديني)؛ من قرآن ،وحديث نبوي شريف ،وبعض الطقوس الدينية .وأنهيت الدراسة بخالصة تضمنت أهم النتائج التي وصل إليها البحث ،وملحقا للتعريف بالروائي ،وقائمة للمصادر والمراجع ،وفهرسا تفصيليا للموضوعات. وأود اإلشارة إلى أن هذه الدراسة تطبيقية أكثر منها نظرية ،لذا لم أتوسع في عرض القضايا النظرية؛ حتى ال يخرج البحث عن الهدف الذي توخاه منذ تحديد فكرته ،دون أن أنكر طبعا أن التنظير يبقى خلفية تساعدنا على الولوج إلى ميدان التطبيق.
ج
وقد اعتمد البحث في طرح إشكاالته وتقديم مضامينه على ما يعرف بالمنهج التكاملي، حيث حللنا توظيف مفالح للتراث من عدة جوانب منها :التاريخي فكان المنهج تاريخيا، واألدبي فكان وصفيا ،والديني فكان نفسيا تحليليا. وفيما يخص المصادر الروائية التي استندت إليها في هذه الدراسة،فهي تخص تحديدا أعمال "محمد مفالح الروائية" المذكورة في قائمة المصادر والمراجع .و عن أهم المراجع المعتمدة في إنجاز هذا العمل نذكر منها: "التناص التراثي،الرواية الجزائرية أنموذجا"لسعيد سالم". "دراسات في الرواية الجزائرية وتناصها مع األمثال "لسعيد سالم". "الهامش والصدى،قراءة في تجربة "محمد مفالح "الروائية"لعبد الحفيظ ابن جلولي". "توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة"لمحمد رياض وتار". "التناص التاريخي في رواية شعلة المايدة" "لسهام بولسحار". "تفسير القرآن العظيم "البن كثير القُر ِيشي". وككل دراسة فقد اعترضننا مجموعة من الصعوبات أهمها: تشعب الموضوع وهذا راجع إلى تناولنا لجميع أعمال "مفالح" الروائية. تداخل بعض المواضيع التي تناولت قضية التراث. تشابك بعض األفكار التي تخص التراث. صعوبة الحصول على جميع روايات محمد مفالح. صعوبة الحصول على المراجع التي تخدم الموضع بصفة مباشرة .باستثناء ما وجدناه لدى كل من "عبد الحفيظ ابن جلولي" في "الهامش والصدى" وما قدمته "سهام بولسحار" من دراسة بعنوان "رؤية التاريخ في رواية شعلة المايدة".
د
خداع العناوين فكثي ار ما أظنني وجدت منالي ،فإذا بي أمام كتاب بعيد عن ما أبحث عنه. لكن بفضل اهلل سبحانه وتعالى ودعم أستاذي المشرف "صالح مفقودة" استطعت التغلب على هذه الصعوبات. وفي األخير فإنني أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أسهم في مد بيد العون ،وعلى أمل أن يكون هذا البحث خادما لكل عمل يسعى إلى دراسة التراث وتوظيفه في العمل الروائي بما يمكن أن يكون إسهاما في خدمة المنجز اإلبداعي في األدب الجزائري على وجه الخصوص.
ه
مدخـل: واقع التراث في الرواية العربية. أوال :ماهية التراث. ثانيا :تجليات التراث في الرواية العربية. ثالثا :حضور التراث في الرواية الجزائرية.
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل: أوال :ماهـية التـراث:
إن النظر إلى التراث باعتباره مسألة لها صلة بتفاعل اإلنسان والمعرفة وعالقتها بالزمان والمكان لمن القضايا التي أخذت حي از كبي ار من االهتمام لدى الدارسين في مختلف العلوم .كما أن التراث كان أحد أولويات شروط النهضة واالنبعاث ،في ضوء جدل األصالة والمعاصرة؛ لذلك فإنه من قواسم اهتمام العلماء واألدباء وغيرهم ممن اشتغل بدور التواصل الحضاري في بناء األفكار والمفاهيم .وان كان كل فريق بطبيعة اختصاصه له وجهة نظر مغايرة؛ حيث إن العودة إلى التراث تختلف طبيعةً وهدفاً ومنهجاً
باختالف مشارب هؤ ِ عجب ،والحا ُل على ما تم وصفُه ،أن يكون الء واهتماماتِهم .فالَ َ ِ حضور التر ِ اإلبداعية كبي اًر ،وال سيما الروائية منها ،فقد « أخذت دراسة اث في الكتابات التراث مساحة واسعة ومهمة في الدراسات النقدية واألدبية الحديثة عربيا وعالميا ،انطالقا األساس المتين للحاضر والمستقبل ،والتاريخ العربي واإلسالمي تاريخ من أن الماضي هو ُ عريق ،به من القوت التراثي والثقافي ما يشبع َنهَ َم المتلقي ويسد رمق روحه ثقافة ،لذلك لجأ المحدثون إلى هذا التاريخ ،لينهلوا منه سطور المجد والخلود من خالل السير على
طريق التراث اإلنساني عامة ،باالعتماد على تالقح الثقافات وتالقيها».
()1
األمم إلى وباعتبار أن الماضي هو الذي يحدد وجودنا من عدمه ،وهو الذي يدفع َ التطور والتقدم ،فقد ركز الدارسون والباحثون ،خاصة العرب منهم ،على در ِ اسة التراث الذي ُي َعد ُهوية األمم والدليل القاطع على وجودها. فقد أضحت دراسته في الرواية العربية من أهم الموضوعات التي انصب عليها اهتمامهم ،لِ َما له من أهمية بالغة في العمل الروائي « .فالطريقة التي يختارها المؤلف
()1
عمر ربيحات ،األثر التراثي في شعر محمود درويش( ،د ط) ،دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع ،األردن ،عمان،
سنة 9002م ،ص.00 -8-
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
لتشكيل األحداث وترتيبها وتحديد عالقاتها بالزمان والمكان والشخصيات بغية الوصول من خاللها إلى أقصى الغايات الجمالية والموضوعية تلزمه في الكثير من األحيان اللجوء إلى التراث الشعبي»( ،)1كما يمكن االستلهام من التراث الشعبي و تحميله دالالت معاصرة جديدة في األعمال الروائية
التي
أثبتت قابلية الصدق الفني
والموضوعي لديه ،إذ أحسن األدباء توظيفه ،فجعلوه يعكس هموم العصر وقضاياه المختلفة بطرح لألحداث دون إهمال للجانب الجمالي في أعمالهم باعتبارها نتاجاً أدبياً.وقبل الحديث عن التراث ،باعتباره مادةً أنتجتها الشعوب القديمة يستغلها الروائي في أعماله .نتطرق بداية إلى تعريفه لغة واصطالحا:
أ-لغة :التراث اسم مشتق من ِ ث " .ولشرح معناه ،كان ال بد من الرجوع مادة " َوَر َ
إلى بعض المعاجم العربية ،أهمها " :لسان العرب " البن منظور والقاموس المحيط "
للفيروز بادي و " تاج العروس من جواهر القاموس " للزبيدي؛ مع االستناد أيضا إلى كل من النص القرآني و وكذا الحديث النبوي الشريف. « إن لفظ " التراث" في اللغة العربية من مادة " َوَرث" ،وهي صفة الزمة من صفات
اهلل عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث الخالئق ويبقى بعد فنائهم »( ،)2وهذا ما تؤكده .)3(﴾ اآلية الكريـمة ﴿
ت فُالًَنا َماالَ أ َِرثُهُ ِوْرثًا َوَوْرثًاَ ...و ِ ويقالِ « : ت ِفي َمالِ ِه :أ َْد َخ َل فيه من ليس ورثْ ُ ورثْ ُ
من أهل الوراثة »(.)4
()1
بلحيــا الطــاهر ،الت ـراث الشــعبي فــي الروايــة الجزائريــة( ،د ط) ،منشــورات التبيــين الجاحظيــة الج ازئــر ،ســنة 9000م،
ص.92 ()2 ()3
ث ،دار صادر بيروت ،سنة ،9220ص .4994 ابن منظور ،لسان العرب ،ط ، 9الجزء ،9من مادة َوَر َ
سورة آل عمران ،اآلية .980
()4
ابن منظور ،المرجع السابق ،ص ن. -9-
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
يكسبه اإلنسان من نصيب مادي أو معنوي فمعاني هذه المفردات تشير إلى ما ُ
باعتباره ميراثا يتركه سابقوه المقربون ،إذ تُ َخوله صلةُ القرابة الحصول على ذلك
واالستيالء عليه.
وفي القاموس المحيط:
ِ ِ « تضمنت َم ْعَنى َوِر َ ث أََباهُ م ْنهُ بِ َك ْس ِر الراءْ ، أي َي ِرثُهُ أ َُبوهُ ث :الباقي بعد ِ فناء ا ْل َخ ْل ِ ق ،وفي الدعاء « َوَرثَتِ ِه ،والو ِار ُ
َوأ َْوَرثَهُ أ َُبوهَُ ،وَوَّرثَهُ َج َعلَهُ ِم ْن أَمتِعنِي بسمعي وبص ِري وِا ْجع ْله الو ِار َ ِ أموت »(.)1 َي أ َْب ِق ِه معي َحتى ُ ث مني» ،أ ْ ْ ْ َ َ َ كما وردت كلمة " التراث "في القرآن الكريم بنفس المعنى الذي أشار إليه
"
.)2( ﴾ الزبيدي" ،أي المال ﴿ فلقد كان الناس في الجاهلية يأكلون ميراث الميت أكال شديدا ،مسرفين في إنفاقه، ولم يكونوا يسألون أحالل أم حرام ؟ ويقول الرسول-صلى اهلل علي وسلم -في حديث الدعاء "وِاليك مآبي ولك تراثي"، فيعلق عليه ابن منظور بقوله :إن التراث ما يخلفه الرجل لورثته ،ويذكر معنى آخر للتراث ،بأنه ارث قديم يتوارثه اآلخر عن األول ،وهو بهذا المعنى ينطبق على استعمال الحديث الًنبوي لهذا المصطلح.
()1
()3
مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد بن إبـراهيم الفيـروز بـادي الشـيرازي الشـافعي ،القـاموس المحـيط ،طبعـة جريـدة
لون ــان ،الج ــزء " ،9مـــادة الث ــاء " منش ــورات محمـ ــد ب ــن بيض ــون ،دار الكت ــب العلمي ــة بيـــروت -لبنـــان ،س ــنة -9222 9490هـ ،ص.932 ()2
سورة الفجر ،اآلية .92
()3
ينظر :سعيد سالم ،التناص التراثي ،الروايـة الجزائريـة أنموذجـا ،ط ،9عـالم الكتـب الحديث،اربـد -األردن9090 ،م-
،9439ص.99 - 10 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
وقد أجمع اللغويون على أن التراث هو ما يخلفه الرجل لورثته «،وأن تاؤها أصلها الواو ،أي الورث وله نظائر في كلمات أخرى منها :التجاه أصلها الوجاه أي الجهة .ومنها التكالن أصلها الوكالن أي االعتماد على وكيل »(.)1 أما في الفقه اإلسالمي« فقد تداول الفقهاء في باب الفرائض كلمات (الميراث)، تركة اله ِ ارث) و(الورثَةُ)...وهذا عند توزيع ِ ِ الك الو ُ ث) ،و(َي ِر ُ ور َ ََ و( َ ث) و(وْرث) و(تَ ْوِريث) و( َ على ورثته حسب ما جاء في القرآن »(.)2
وجوده إذا ما بحثنا عنه في مختلف غير أن مدلول هذا المصطلح قد تضاءل ُ الحقول المعرفية القديمة كاألدب والفلسفة وعلم الكالم .فلقد ا ْقتُ ِ صر استعماله في أن يحصل المتأخر على نصيب مادي من والد أو قريب أو موص أو نحو ذلك :أي أنه ُ ارتبط بالمفهوم المادي المحسوس لألشياء المتوارثة.
في حين تذهب السياقات اللغوية والفكرية في حقل الدراسات النقدية و اإلنسانية المعاصرة إلى اعتبار التراث « ذلك الموروث الذي تركه األسالف لخالئفهم من بعدهم، وهو موروث ذو طابع فكري وثقافي أكثر منه مادي ،أو هو تراكم خالل األزمنة من التقاليد والعادات والتجارب والخبرات وعلوم وفنون شعب من الشعوب ،وهو جزء أساسي من قوامه االجتماعي والخلقي ،يوثق عالئقه باألجيال الغابرة التي عملت على تكوين هذا التراث واغنائه»(.)3
()1
عبد السالم هارون ،التراث العربي(،د ط) ،دار المعارف-9992-كورنيش النيل،القاهرة،ص.5
()2
سعيد سالم ،التناص التراثي،الرواية الجزائرية أنموذجا ،ص.99
()3
جبور عبد النور ،المعجم األدبي(،د ط) ،دار العلم للماليين ،بيروت9281 ،م ،ص.13 - 11 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
ذيوعا في حقل الدراسات النقدية وبهذا أضحت لفظة التراث من أهم المصطلحات ً «
واإلنسانية المعاصرة ألسباب مختلفة ،تتعلق أغلبها بمسائل التحرر والنهوض. فالتراث هو كل ما وصل إلينا من الحضارة السائدة »(.)1
أما ما هو موجود في اللغات األجنبية الحية الحديثة فنجد كلمتي ""Héritage و" ."Patrimoineوتعني كلمة " « "Héritageمجموعة األمالك المكتسبة أو المنقولة عن طريق التسلسل»( .)2و كلمة " "Patrimoineهي أيضا «مجموعة األمالك الموروثة عن األب ،واألم ،أمالك العائلة ،وهي عبارة عن ملك وارث جماعي للمجموعة»(.)3 والموروث الشعبي أو المأثورات الشعبية مصطلح استخدم بوصفه ترجمة دقيقة للمصطلح اإلنجليزي ( )FOLK- LOREالذي يعني حكمة الشعب .وقد اتسع المصطلح في الثقافة العربية والغربية ليشمل التراث الشعبي الحي واإلبداع الشعبي بأنماطه المتعددة والمتنوعة ،مثل « :النثر الفني ،في الحكايات واألمثال واأللغاز والسير الشعبية ،وحتى سائر فنون التعبير األدبية ،سواء أكانت صياغات شعرية أم منظومات ومواويل ،أم فنونا تشكيلية ،أم في العمارة بما تتميز به من زخرفة ونقوش».
()4
فالتراث إذن هو الثقافة الشعبية ،أي هو أحد روافد ثقافة األمة وخالصة الحياة المتوارثة وحصيلة المعرفة والتجارب؛ وهو مرجعية عامة تتفرع عنها شعب كثيرة ،تشمل األدب الشعبي والموسيقى والرقص والعادات والتقاليد والمعارف والحرف الشعبية ،كما ()1
حســن حنفــي ،الت ـراث والتجديــد -موقفنــا مــن الت ـراث القــديم ،-ط ،5المؤسســة الجامعيــة للد ارســات والنشــر والتوزيــع،
بيروت ،سنة ،9009ص .93 Le petit Larousse en couleurs hibraire la rausse (Canada) limitée, édition 1989,
( )2
page:500 Josette rey, DEBov.E ET Alain REY, Nouvelle édition, dictionnaire de la lange Française,
()3
de Paul Robert, Paris, 2004 page:1872. l ()4
شمس الدين موسى (،الفنون الشعبية ...ثقافة وحضارة ) (،دط) ،جريدة الفنون ،يونيو ،9009ص .10 - 12 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
تشمل أيضا التراث الرسمي :تراث اللغة العربية الفحصى من تفسير وطب ونحو... وغيرها. وبهذا ،خرج التراث من تلك التحديدات المعجمية البسيطة إلى مفهوم أوسع ،إذ أضيفت له صفة الفاعلية والتأثير والشمول... ب-اصطالحا :لقد أصبح التراث -باعتباره مصطلحا ،-منبعا ثرًيا ال يستقر على
داللة واحدة ،بل تعددت دالالته وتباين مفهومه ،واختلف الدارسون في تحديد وجهته وتبيين معناه .فكلمة " تراث " لم تستخدم بالمعنى االصطالحي إال في العصر الحديث ، إذ لم يكن لها وجود في الخطاب العربي القديم كما ذكرنا سابقا ،بل تحدد ظهورها داخل الفكر العربي المعاصر ،وتباين مفهومها من باحث إلى آخر تبعا لمواقفهم. فإن كان الباحثون يتفقون على أن التراث ينتمي إلى الزمن الماضي ،فإنهم اختلفوا حول تحديد الفترة الزمنية التي ينتمي إليها أفي الماضي البعيد أو داخل الحضارة السائدة. اضحا له ،فهو يرى أنه « مجموعة التفاسير ويعطينا الدكتور "حسن حنفي " تصو اًر و ً
التي يعطيها ُكل جيل بناء على متطلباته ،خاصة وأن األصول األولى التي صدر منها التراث يسمح بهذا التعدد ،ألن الواقع هو األساس الذي تكونت عليه »(.)1 ونظر "محمد عابد الجابري" للتراث على أنه « الجانب الفكري في الحضارة العربية اإلسالمية ،العقيدة ،الشريعة ،اللغة واألدب ،والفن ،والكالم ،والفلسفة ،والتصوف»(.)2 وقدم الدكتور " جبور عبد النور " تعريفا أشمل وأوسع من ذلك ،فقال « :هو ما تراكم خالل األزمنة من تقاليد وعادات وتجارب ،وخبرات وفنون ،وعلوم ،في شعب من
()1
حسن حنفي ،التراث والتجديد -موقفنا من التراث القديم ،-ص .93
()2
محمــد عابــد الجــابري ،التـراث والحداثــة ،د ارســات ومناقشــات ،ط ،9مركــز د ارســات الوحــدة العربيــة ،بيــروت،9229 ،
ص.45 - 13 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
الشعوب ،وهو جزء أساسي من قوامه االجتماعي ،واإلنساني والسياسي و التاريخي يوثق عالئقه باألجيال الغابرة التي عملت على تكوين هذا التراث »(.)1 التراث ليس ماضيا وحسب ،بل امتلك ميزة أخرى مكنته من االستم اررية في الحاضر والقدرة على الحياة مدة أطول ،فهو عند " حسين مروة "« كائن حي متحرك بصيرورة دائمة هي صيرورة الحياة الواقعية التي ينبثق منها ويحيا فيها ومعها ،وهي بدورها تحيى فيه ومعه ،ولكن بشكل آخر ربما كان شكلها األرقى ،وربما كان شكلها الرافض لها ،وربما كان تعبي ار عن صراعها هي مع نفسها »(.)2 بالرغم من التعاريف المتباينة للتراث إال أنها تشترك في اإلشارة إلى أهميته البالغة والكبيرة ،بوصفه هوية األمة وكيانها ،فهو يطرح نفسه على الجميع بقوة ،وربما هذا ما أراده فاروق خورشيد بقوله« إن مصطلح التراث هو مصطلح شامل نطلقه لنعني به عالما متشابكا من الموروث الحضاري والبقايا السلوكية والقولية التي بقيت عبر التاريخ »(.)3 وهذا ما يجعل المبدع أو الكاتب بحاجة إلى التواصل مع تراث أمته قصد االستفادة منه .فالتراث « بكل أبعاده ومساراته يشكل قضية أساسية ال يمكن تجاهلها ،وبناء ضخما ال يمكن تجاوزه عند دراسة أي قضية ،أو ظاهرة اجتماعية»(.)4 وهذا يوحي إلى أن التراث يدرس كل العالقات القائمة بين األفراد ،فهو يعيش فينا ويسري في عروقنا ،ونحن نتعامل به يوميا في شتى مجاالت الحياة.
()1
جبور عبد النور ،المعجم األدبي ،ط ،9دار العلم للماليين ،بيروت9282 ،م ،ص.13
()2
حسين مروة ،دراسات في ضوء المنهج الواقعي،د-ط ،مؤسسة األبحاث العربية ،بيروت ( ،د-ت ) ،ص.414
()3
فاروق خورشيد ،الموروث الشعبي ،ط ،9دار الشروق ،بيروت -لبنان ،9229 ،ص.99
()4
حمودي العودي ،التراث الشعبي وعالقته بالتنمية في البالد النامية ،دراسة تطبيقية عن المجتمع اليمني ،ط ،9عالم
الكتب ،القاهرة ،9289 ،ص.909 - 14 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
فمسألة التراث أضحت من القضايا الفكرية التي بقيت الشاغل األكبر لمفكري عصر النهضة طوال الفترة الزمنية التي ُحددت بـ " األدب العربي الحديث " ،وكانت أيضا المشكلة األبرز في كيفية التعامل معه واستحضاره ،خاصة « بعد االنقطاع الذي حدث
بين التاريخ العربي وتاريخ الثقافة الغربية في فترة التسلط االستعماري على األمة العربية»(.)1 وقد تََولد نتيجة ذلك « اتصال المجتمع العربي بالغرب الذي أيقظ المجتمع العربي من سباته الطويل ،ووضعه في مواجهة أسئلة متعددة تتعلق بماضيه ،وحاضره ومستقبله»( .)2إال أن الحديث عن اهتمام رواد "عصر النهضة" ببعث التراث والحاقه بركب الحضارة الغربية ،يقودنا إلى التطرق في بشكل عام إلى مختلف المراحل التي مر بها .فلما كان المجتمع الغربي يعيش طََب ِقية تفصل بين أفراد مجتمعه نتيجة الظروف تبايناً أسفر بروز تمايز بين التاريخية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية السائدة ،أنتجت ُ الثقافة الرسمية التي كانت تصب اهتمامها في خدمة احتياجات الفئات الراقية وبين الثقافة
الشعبية التي عبرت عن تجارب العامة من الناس .فهو تمايز حددته الفوارق في المستوى المعيشي بين طبقات المجتمع وفي اللون الثقافي الخاص بكل منها. لكن بعد الثورات التي عاشها المجتمع الغربي والتي حاربت هذه الفوارق ،أصبحت الثقافة الشعبية « متفوقة على الثقافة الرسمية التي انحصرت في قراءة النصوص المقدسة
()1
محمــد ريــاض وتــار ،توظيــف التـراث ،فــي الروايــة العربيــة المعاصـرة (،د ط) ،منشــورات اتحــاد كتــاب العــرب ،دمشــق،
9009م ،ص.92 ( )2المرجع نفسه ،ص.95 - 15 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
ومعرفتها وراء الطبيعة إال أن هذه الثقافة مع ذلك كانت في مواجهة تنافس شديد أكثر مع الثقافة الكتبية»(.)1 وفي القرن الثامن عشر ( ،)98ظل المأثور الشعبي مقي ًدا بالظروف التاريخية التي
دور كبي ار في التعاطف مع الطبقة الدنيا .لذلك فضل أدباء تأثر بها في الغرب؛ فقد لعب ًا فرنسا وبريطانيا التعبير الشعبي البسيط القائم أساسا على الحكايات واألغاني ومعتقدات الشعوب وعاداتها؛ بينما قامت في ألمانيا بدراستِه تجسيدا لفكرة إعادة بناء دولتها. أما الموروث الشعبي العربي « ،فقد مر بمرحلتين وربما يجوز لنا أن نسمي المرحلة األولى بمرحلة الريادة والتدوين ،والمرحلة الثانية التي بدأت منذ فترة ال يزيد عمرها على أربعين سنة ،بمرحلة األبحاث والدراسات التي عالجها وال يزال يعالجها الكثيرون »(.)2 إن ما ميز الموروث العربي هو « محاولة عبد الرحمن ابن خلدون في العصر الوسيط التي أراد بها أن نتعرف على أدب اللهجات الدارجة من الموشحات واألزجال التي كثرت في زمانه في األندلس »(.)3 غير أن ابن خلدون قد خالف أهل زمانه واهتم بالدراسات األدبية الشعبية ،إذ َج َم َع رصيداً من أشعار ِ السي ِر ال سيما السيرة الهاللية. وفي عصر النهضة السالفة الذكر ،كان االهتمام بالتراث َّ محد ًدا في الدعوة إلى استرجاع الهُوية ،التي حاول طمسها االستعمار الغربي المتواصل للبلدان العربية .إذ أصبح التراث وسيلة دفاع « ،ألن العودة إلى التراث في حياتنا المعاصرة هي جزء من ()1
عبد الحميد بوسماحة ،توظيف التراث الشعبي في رواية عبد الحميد ابن هدوقة ،رسـالة ماجسـتير ،معهـد اللغـة
و
األدب العربي ،جامعة الجزائر 9229،922 ،م.02، ()2
روزلين ليلى قريش ،القصة الشعبية الجزائرية ذات األصل العربي(،د ط) ،ديوان المطبوعات الجامعيـة ،9000 ،ص
.99 ()3
عبد الحميد بوسماحة ،توظيف التراث الشعبي في رواية عبد الحميد ابن هدوقة ،ص.02: - 16 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
عملية الدفاع عن الذات ،وهي عملية مشروعة ،وتشترك فيها جميع شعوب األرض .تبقى بعد ذلك كيفية التعامل مع التراث في العودة إليه ،وحدود توظيفه ] [...أما الموقف الثاني الذي يجعل التراث ضرورة من ضرورات حياتنا المعاصرة ،فيتعلق أساسا بمواجهة الذات نفسها .إن االرتفاع إلى مستوى الحياة المعاصرة ،في المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية كافة ،من جملة ما يتطلب إعادة بناء الذات نفسها ،واعادة بناء الذات من إعادة ازة مع تلك الجهود ،استطاعت الجزائر أيضا أن تحافظ على بناء التراث »( .)1وبالمو ا ثقافتها عن طريق الزوايا والكتاتيب التي كانت تنتشر في األرياف؛ أما في المدن ،فقد كان ذلك في عدد محدود من المدارس.ومع ذلك ،لم تكف العامة عن تداول موروثها من خالل السماع ومن خالل ما تمارسه من عادات وتقاليد. فالترث يشمل اإلنتاج المادي والنتاج الفكري الذي تركه األسالف ،والذي نذكر منه ا مدونة التراث الشعبي الذي وظفه الروائي ،في نصوصه الروائية التي إخترناها ً
ذات أبعاد فنية وفكرية بينها وبين الموروث لدراستنا،وهذا التوظيف أدى إلى نشوِء عالقة َ الشعبي .
()1
محمد عابد الجابري ،التراث والحداثة ،ص.959 - 17 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل: ثانيا :تجليات التراث في الرواية العربية:
الرواية عمل نثري ينتمي إلى مجموع األجناس األدبية ،ينجز بلغة تصاغ بأساليب جمالية تعكس الجانب الفني للنص الروائي القائم بناؤه أساسا على الزمان والمكان والشخصيات و األحداث. الرواية سردا ألحداث في قالب فني فاعلوها أشخاص ،حيث كما يمكن اعتبار ً
تتمازج هذه األحداث بين الخيال والواقع؛ في أزمنة مختلفة وفي بيئة اجتماعية يختارها يخد ُم عمله الروائي. الروائي كمسرح لها موظفا من تُراثها ما ُ إذن ،ما عالقة الرواية ونشأتها بالتراث؟ الرواية شكل أدبي « ظلت حتى أواسط القرن التاسع عشر ثقافة تقليدية ،تضم في سلسلتها األجناس األدبية والثقافية التقليدية كالشعر ،والمقامة والرسائل ،والخطب، والبالغة»(.)1
فقد ظهر هذا الشكل األدبي مكرسا لنفسه خصوصية طرحه لمواضيع وقضايا اجتماعية في زمن معين ماض أكان أم حاضر.ولعل أحد أسباب نجاحه هو تمكنه من التعبير عن الحاضر دون فصله عن الماضي واستخدام التراث بوصفه مخزونا معرفيا تتوارثه األجيال. ولقد ساهمت الرواية العربية – على غرار قريناتها في المجتمعات األخرى -في المجتمعات العر ِ ِ بية باعتباره « ما يبقى من الماضي ماثال في الحاضر الذي حفظ تُراث انتقل إليه ويستمر مقبوال ممن آل إليهم ،وفاعال فيهم لدرجة تجعلهم يتناقلونه بدورهم على مر األجيال»( ،)2وعلى هذا األساس طفق الروائيون العرب ينهلون من منابع التراث التي ()1
محمد كامل خطيب ،تكوين الرواية العربية( ،د ط) ،و ازرة الثقافة ،دمشق ،9220 ،ص.05
( )2بيــار بونــت ،و ميشــال ايـزار وآخــرون ،تــر :د .مصــباح الصــمد ،معجــم اإلثنولوجيــا و األنتروبولوجيــا (د ط) ،المؤسســة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع "مجد" ،بيروت ،لبنان ،9001،ص.311 - 18 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
تخدم موضوعاتهم المستوحاة من الواقع المعيش لإلنسان ،وهذا ما زاد من أصالة أعمالهم الروائية دون خلوها من قواعد الفن الكتابي و جمالياته. وقد عر ِ فت الرواية العربية في بدايتها مرحلة مخاض تميزت بالس ْي ِر على نهج ََ
القدماء في الشعر وفي النثر على حد سواء ،ومثال ذلك إبراهيم اليازجي في كتابه "مجمع البحرين " ،مقتديا بمقامات بديع الزمان الهمذاني .لذلك اتُ ِخذ هذا الفن النثري، السردي ،في بداياته األولى ،لغاية التعليم والوعظ واإلرشاد والتوجيه ،فأصبح مزيجاً من ت هذه الفترة " ليالي سطيح " و" حديث القصة والمقامة .ومن أهم تلك األعمال التي مثلَ ْ
تأثرُهم بأسلوب عيسى ابن هشام " لـ "محمد المويحلي " و" علم الدين " لعلي مبارك ،فََب َدا َ فيه عدد كبير من المفردات الغريبة واألشعار القديمة و بتوظيف بطل ذو حيلة.
()1
وال يمكن أن َن ُعد هذه األعمال كتابةً روائي ًة ناضجةً ،فقد كانت تجرب ًة بسيط ًة تجمع
بين الفن القصصي واألدب التعليمي .ومثلما توجه هؤالء إلى فن المقامة ينسجون على منواله ،توجه آخرون إلى الت ِ عاطي مع نوع آخر من األدب الشعبي :إنها " السيرة الشعبية "؛ ذلك أن األدب العربي القديم كان قد تولد من " المسامرات " ومن تداو ُل القصص ِ العرب في الماضي ومجد دورهم التاريخي. الشفهي الذي صور أيام
وهكذا ،أصبح لألدب الشعبي مكانةً يحظى بها في تأكيد ُهويته وحضوره؛ ووجد
بعدا جمالياً مشوقًا، الكاتب في التراث الشعبي – إضافة إلى العادات والتقاليد وغيرهاً -
حاول أن يستغله في كتاباته قصد التأثير على متلقيه لمراجعة التاريخ واستنهاض الهمم وتنبيه الغافلين.
()1
()2
ينظــر :مفقــودة صــالح( ،نشــأة الروايــة العربيــة التأســيس والتأصــيل) ،محاضـرات فــي مقيــاس :الســرديات العربيــة لطلبــة
السنة األولى ماجستير ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية واالجتماعية،قسم األدب العربي ،بسكرة9099 ،م ،ص.9 ()2
ينظر :مخلوف عامر ،توظيف التراث في الرواية ،ط ،9منشورات دار األدبي 9005 ،م ،ص.91 -95 - 19 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
فقد كتب « جرجي زيدان " غادة كربالء " ،كما كتب " سليم البستاني "« الهيام في جنان الشام » ،وكتب "أحمد فارس الشدياق " " ،الساق على الساق فيما هو التُرياق" باإلضافة إلى "تخليص األبريز في تلخيص باريز " لرفاعة رافع الطهطاوي ،ويتضح من العنوان المسجوع اختيارهم لألسلوب العربي التقليدي »(.)1 وبهذا نجد روايات المرحلة الجنينية قد « بنت أحداثها وفق الطريقة التي بنيت عليها األحداث في القصص الشعبية من حيث اعتمادها المغامرات والعجائب والغرائب والمصادفات والتوسل بالحيل لبلوغ الغايات » (.)2 ولعل أهم مرجعية تراثية شكلت قاسماً مشتركاً لعدد كبير من الروايات تمثلت في مجموعة حكايات "ألف ليلة وليلة" « :حكايات خيالية وضعت بين القرن الثالث عشر والرابع عشر ،تحكيها السلطانة شهرزاد ألختها دنيا ازد في حضرة الملك شهريار خالل ألف ليلة وليلة سمر»( .)3فلقد تعددت طرق الروائيين في توظيفها « ،فبعضهم أقام بناء روايته على بناء ألف ليلة وليلة ،ووظفها بشكل كلي ،كما فعل نجيب محفوظ في روايته " ليالي ألف ليلة " ،وبعضهم ضمن روايته حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة ،كرواية " سلطان النوم " و " زرقاء اليمامة " لمؤنس الرزاز ،في حين اكتفى الروائيون باإلشارة إلى بعض الصور والموضوعات»(.)4 كما أن بعضا من ال ُكتاب قد لجأوا إلى كتابة الرواية التاريخية ،كما فعل " جرجي زيدان " ،ذلك ما أدى إلى غلبة الجانب التاريخي على الجانب الفني في العمل الروائي،
()1
مخلوف عامر ،المرجع السابق ،ص ن.
()2
محمد رياض وتار ،توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة ،ص.92
()3
قــاموس المصــطلحات اللغويــة واألدبيــة ،عربــي-انجليــزي-فرنســي ،اميــل يعقــوب وآخــرون ،ط ،9دار العلــم للماليــين،
بيروت ،لبنان ،9280،ص.80 ()4
محمد رياض وتار ،توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة ،ص.90 - 20 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
نتج عنه افتقار إلى األساليب الجمالية .فقد « كتب عن شخصيات وجدت فعال في التاريخ مثل :الحجاج بن يوسف ،عبد اهلل الزبير ،وتوجد في النص على نحو مستقل عن الراوي أو الكاتب ،ولذلك شاع فيها استعمال ضمير الغائب ،وتبقى مرتبطة بزمن معروف ومحدد »(.)1 ويتم إدخال النص التاريخي في الرواية « إما بشكل خارجي ال يتجاوز االفتتاحية أو المقدمة أو األجزاء أو األقسام ،أو الهوامش ،أو إما يدرج في المتن ،وفي الحالة األخيرة بحرفيته و إحالته ،ويدنس النص بشكل غير مباشر قد يحافظ الكاتب على النص المنقول ْ إلى حد أنه يصعب على القارئ اكتشافه »(.)2
في حين ،اتجه مؤلِفون آخرون إلى توظيف النصوص الدينية ،وهو ما نجده في مجموعة ال يمكن تجاهلها من الروايات ،حتى أن عناوينها تشير إلى المرجعية الدينية. ويأتي توظيف هذا النوع من النصوص خارج السياق وداخله كما حدث مع توظيف النص التاريخي ،وخير مثال نقدمه رواية « التغير والقيامة » و رواية " التبر " للكاتب الليبي " إبراهيم الكوني ". كما كان للقصص الديني نصيب في أعمال الروائيين ،ويظهر ذلك بشكل واضح اهيم مع ابنه إسماعي َل، في رواية " الربيع والخريف" لحنا مينة"؛ التي وظف فيها قصة إبر ُ إلى جانب توظيف واسيني األعرج قصة أهل الكهف في رواية " رمل الماية ،وفاجعة الليلة السابعة بعد األلف ". فقد أصبح الروائيون ،بداية من القرن العشرين ،يأخذون من مخزون التراث الشعبي مالمح وقصصا وأساطير وخرافات وسير شعبية وغيرها .زيادةً على ذلك ،بنية الرواية وطريقة كتابتها وتعدد مواضيعها التي ال يمكن فصلها عن مختلف الجوانب االجتماعية
()1
مخلوف عامر ،توظيف التراث في الرواية ،ص.90
()2
المرجع نفسه ،ص.98 - 21 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
والفكرية والثقافية والحضارية لمجتمع ما له ماض ويعيش حاضره لبناء مستقبله ،إذ تُقَدم –الرواية -شخصيات من المجتمع ،فتندمج معها لتعرفنا بجوانبها النفسية واألحداث التي تعيشها ومصيرها في وسط مفعم بالعادات والتقاليد ،مما جعل من حضور التراث في العمل الروائي شيئا مهما ،كما أن هؤالء الشخوص يستعملون في حياتهم لغ ًة تحدد هويتهم وانتماءهم ،ولهم فكر نابع من تراثهم ومتأصل فيهم. اضحا في كثير من الفنون المعاصرة، ولقد أصبح توظيف التراث الشعبي توجهًا و ً
والرواية واحدة منها؛ فالرؤية الجديدة للتراث ساعدت على توظيفه في األعمال الروائية، وقد ساعدت تلك « الطبيعة الرمزية للتراث الشعبي على هذه العودة ،فهو غابة من الرموز المتشابكة التي من شأنها أن تتحول في َي ِد الفنان المعاصر إلى غرس جديد يستوعب
تجارب فنية رائدة »(.)1
وهو ما يجعلنا نتساءل :هل توجد عالقة بين التراث الشعبي القديم وفن الرواية المعاصرة؟ إننا في بحثنا هذا نفترض وقوع الرواية تحت تأثير " األشكال التراثية " ،إذ نرى أن ِ نصرين اثَْن ْي ِن ُهما هذه األخيرة لها صلة أساسية بالرواية ،ويتجلى ذلك من خالل ُع َ ِ حكايات األجداد ومما كان يروى البط ُل" .فقد استفاد الروائيون العرب من "الح َكايةُ " و" َ
في الماضي؛ «وبما أن الحكاية تعبر عن موروث شفهي موغل في القدم وشبه عالمي»( ،)2والتي كان لها الفضل في أن مهدت لبروز الرواية .لذلك يمكن القول أن هذه األخيرة –الرواية -تستمد أشكال التراث من الحكاية ،وتشتركان في جميع عناصره
()1
صبري مسلم حمـادي ،أثـر التـراث الشـعبي فـي الروايـة العراقيـة الحديثـة ،ط ،9المؤسسـة العربيـة للد ارسـات والنشـر،
9280م ،ص.91 ()2
بــول آرون و دينــيس ســان-جــاك وآالن فيــاال ،معجــم المصــطلحات األدبيــة ،تــر .الــدكتور محمــد حمــود ،ط ،9مجــد
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،9099 ،ص.445 - 22 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
الم َو َّحدة التي تجعل كل واحدة منها ترتبط باألخرى ارتباطاً وثيقا .كما أن وخصائصه ُ الحكاية القديمة والرواية تستند كل منهما على« تمجيد أفعال األجداد واألبطال ،كما تعمل على حفظ التداول الفني لألساطير القديمة لتسجل في نهاية األحداث اليومية للكائن البشري »(.)1 فعلى هذا األساس تَبني الرواية وجودها وتتطور بفضل ما ِ ورثته من األجيال السابقة من األحداث والمغامرات والتي كثي ار ما لها مغزى أخالقي؛ فتُثري بها موضوعاتها وقضاياها التي تطرحها .فالعالقة بين الحكاية والرواية تعد أساسية ومتينة ،توفر مادةً
يستثمرها الروائي في كتاباته تحدد الهوية واالنتماء. ُ
ِ ِ ط ُل الروائِي» .ففي الب َ أما العنصر الثاني الذي يؤكد صلةَ التراث بالرواية فهو « َ ِ ِ الضعيف. اإلنسان الماضي كان البطل في الرواية أسطوريا ،إلها أو شبه إله ،يدافع عن الم ْلحمي قوي البنية ،كامل الجسد وجميل الشكل ،يعكس إرادةَ اإلنسان الب َ بعدها جاء َ ط ُل َ ًّ عاديا ،لكنه َب ْين َب ْين ذا التي تريد مقاومة الطبيعة .فالبطل الملحمي ليس إلها وال إنسانا قدرات خارقة؛ وهو ما مهد لظهور البطل الروائي الجديد ،اإلنسان العادي ،إنسان
ذو
طاقات بشرية عادية يواجه بها الواقع االجتماعي المتناقض .وتبقى النهاية السعيدة التي ِ تنتهي بها مغامرات البطل خير دليل على الص ِ القائمة بينها وبين الحكايات القديمة. لة ومنه ،نالحظ أن اإلنسان اآلن أصبح وكأنما يعيش حياته بنفس النمط الذي به عاشها أجداده « ،فقد صار يواجه الحياة مرة أخرى بنفس الوجه الذي رآه به في البداية
()1
محمد بن مرزوقة ،أثر التراث الشعبي في بناء الرواية الجزائريـة ،رسـالة ماجيسـتير ،كليـة اآلداب قسـم اللغـة العربيـة،
جامعة عين الشمس ،القاهرة ،مصر ،9282 ،ص.39 - 23 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
أحس اإلنسان المعاصر بحاجته إلى المنهج كبير ًّا لغز ًا يوم بدت له ًا هيبا ،وعند ذلك َّ وسر ر ً األسطوري القديم في وضع المعادلة الجديدة التي تجعل الحياة بالنسبة إليه مقبولة»(.)1
هذا ما يؤكد استثمار العديد من القصص والحكايات الشعبية القديمة « كمضمون ثري يعطي جماال وثقال للرواية والقصص الحديث ،فعلى سبيل المثال" طه حسين" (أحالم شهرزاد) " ،عبد الرحمن الخميسي " (ألف ليلة الجديدة ) ،و"طه حسين" و"توفيق الحكيم " ( القصر المسحور) ،فاروق خورشيد ( سيف بن ذي يزن ) ،و" فريد أبو حديد " (الوعاء المعمري ) .المستوحاة من قصة ( سيف بن ذي يزن ) ،و ( زنوبيا ملكة تدمر)، و (أبو الفوارس عنترة بن شداد ) ،و ( والمهلهل بن ربيعة ) ،و ( جحا في جانبوالد ) و( آالم جحا )» (.)2 وبناء على ما سبق ذكره من العناوين ،يظهر وبشكل جلي توظيف األدباء للتراث القديم من خالل ذكر أسماء الشخصيات التراثية المشهورة والمعروفة .ونظ ار للحصار الفكري الذي عانى منه الروائي في البدايات األولى -وقد ال يزال يعاني منه اليوم -دفع به إلى أن يلجأ إلى االستعانة بالرمز واإليحاء بدل التصريح بشكل مباشر ،وذلك عن طريق استغالل التراث لتحرير أفكاره « ،فنجد جمال الغيطاني في رواية (خطط الغيطاني) يلجأ إلى التاريخ المصري القديم ( أي ما قبل أربعة آالف سنة) ،حيث يتخذ من أحداثه سبيال للسخط على واقعه ،وأداة للتعبير عن إدانته الرهيبة ،ويجري مزاوجة ما بين العلم والكابوس؛ أي ما بين الماضي والحاضر»(.)3
( )1عـز الـدين إسـماعيل ،الشـعر العربـي المعاصـر(،د ط) ،دار الكتـب العربـي للطباعـة والنشـر ،القـاهرة ،مصــر،9210 ، ص.994 ()2
أنموذجا ،ص.35 سعيد سالم ،التناص التراثي ،الرواية الجزائرية ً
()3
المرجع نفسه ،ص.30 - 24 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
كما ورثت الرواية في العصر الحديث « الملحمة والسيرة ،فالرواية هي النوع األدبي المرتبط ،في نشأته ونضجه بدور الطبقة الوسطى ،ونضج مثالها الثقافي ،هذا النوع الذي يستلهم مالمح أبطاله من صفات أوساط الناس ،أو من العاديين »(.)1 واستخدام التراث الشعبي في الرواية يكون بكيفية تتماشى والموضوعات المطروحة والقضايا المعالجة مع األخذ بعين االعتبار الجانب الفني في التقديم لهذا الموروث« ، فالروائي المعاصر ال يورد لنا التراث الشعبي كما هو بل يعيد صياغته ويضيف إليه أبعادا جديدة من شأنها أن تعيد إليه الحياة ،بحيث ينسجم مع العصر ،ويستجيب لطبيعة ً الهموم التي يعانيها إنسان العصر الحديث »(.)2 وال ُيقتصر استثمار هذا الموروث على ما سبق ذكره؛ بل قد تختلف أساليب تعامل
الروائي معه وذلك تبعا الختالف ظروف التأثر به .وأبرز ما يواجه في هذا الشأن « هو أن الروائي قد يأخذ التراث الشعبي فيجعله نسيج الرواية كلها ،حيث يدخل هذا التراث في شكل الرواية ومضمونها ،وقد يأخذ الكاتب جزئية صغيرة تبدو في الرواية كلمسة فنية صغيرة تكسب الرواية ًّ فنا وقد توحي بعمق جذور الرواية في بيئتها المحلية»(.)3 و يصل حجم التأثر بالتراث الشعبي قمته في الروايات العربية من حيث الشكل والمضمون ،فما الشخصيات واألحداث في الرواية إال صور عاكسة لشخصيات وأحداث شكلت التراث .وقد كان لهذا التأثر امتداده في األدب المغربي عامة وفي األدب الجزائري بعدا ثقافيا .فقد َع َمد الروائيون الجزائريون إلى توظيفه خاصة باعتبار أن للتراث الشعبي ً
بمختلف أصنافه ،وهذا ما سيرد ذكره في ما سيأتي.
()1
صبري مسلم حمادي ،أثر التراث الشعبي فر الرواية العراقية الحديثة ،ص.93 -99
()2
المرجع نفسه ،ص.90
()3
نفسه ،ص.89 -89 - 25 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل: ثالثا :حضور التراث في الرواية الجزائرية:
إن الروايةُ الجزائريةُ عينةً من الرو ِ اية العربية ،فهي جزء من كل؛ وما ُيطرح من
حض ُر في نظيرتها الجزائرية .والرواية الجزائرية حديثة النشأة إِ ْشكال في الرواية العربية َي ُ أيضاً؛ إال أن ذلك لم يمنع الروائي من أن يطرح مختلف المواضيع التي تعالج شتى أشكال الحياة اليومية االجتماعية والنفسية لألفراد في محيط تحكمه العادات والتقاليد ،وكل ما ورث عن السلف بصمة واضحة فيه لم يغفل –الروائي عن توظيفها كطريقة لتحديد الهُوية واالنتماء .فكيف ُوظف التراث في الرواية الجزائرية؟ وما مدى حضوره في السرد الروائي؟ توظيف التراث في الرواية الجزائرية الحديثة ،من أبرز الظواهر الفنية الالفتة ُيعد ُ
لالنتباه؛ تمثلت في ذلك التفاعل العضوي بين العناصر التراثية الذي َاز َد الرواية داللةً
وعمقًا .ومما ال شك فيه أن التراث هو « مجموعة المعارف والمهارات والقيم التي تنتقل من جيل إلى آخر»( ،)1في أية أمة .فاألمة التي ال تراث لها هي أمة بال جذور تصلها بماضيها ،وقد تكون بال مستقبل؛ فالحفاظ على التراث هو حفاظ على الهوية ،وتَنا ُقلُه واالستفادة منه أمر يساعد على بقائه وديمومته ،وذلك باقتناء العناصر التراثية التي تمتلك صالحية البقاء والتفاعل مع متغيرات الحاضر. ولقد « بدأ األدباء في الجزائر يتعرفون على قيمة التراث منذ زمن قريب ،و ساعدهم ذلك على ترسيخ تجربتهم في الرواية ،ونشوء وعي بالتمييز اتجاه األعمال األدبية األخرى في العالم العربي ،وكان ذلك باالستفادة من قاموس التراث ،وتغيراته اللغوية الثرية بدالالتها وايماءاتها وارتباطها بالحس الشعبي العام »(.)2
()1
بول آرون ودينيس سان-جاك آالن فياال،معجم المصطلحات األدبية ،ص.310
()2
عبد الحميد بوسماحة ،توظيف التراث الشعبي في روايات عبد الحميد ابن هدوقة ،ص.31 - 26 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
واستطاعت الرواية الجزائرية رغم تأخرها في الظهور من أن تتميز في الفضاء العربي وحتى العالمي؛ وهذا بفضل االهتمام الذي َح ِظيت به من قبل المترجمين
والباحثين ،كما اهتمت ،منذ نشأتها ،بالواقع االجتماعي المعيش فكانت تُرجماناً صادقاً له .ولقد سايرت أيضاً كل التغيرات وواكبت كل األحداث في طرحها مغترفةً من التراث الذي كان دائماً دليل ُهويتها وانتمائها .إال أنه « اختلفت أساليب تعامل كتاب الرواية الجزائرية مع التراث تبعا لطبيعة المرحلة التاريخية التي وجدوا فيها ،وهي تنقسم إلى
طورين أساسيين أحدهما يتمثل في عهد االستعمار الذي ارتبطت الرواية الجزائرية فيه من خالل محاوالتها األولى بتصور الكاتب ألوضاع شعبه التي آلت إلى التدهور بسبب االستعمار»(.)1 هذا وقد ُعرف الطور األول بـ " مرحلة ما قبل السبعينات " « حيث ظهرت الرواية
التأسيسية األولى كالطالب المنكوب لعبد المجيد الشافعي ( )9259وغيرها من األعمال التي وظفت التراث المحلي»( .)2مثل أعمال أحمد رضا حوحو ،ومالك حداد. وقد اتسمت هذه المرحلة بعدم وعي الروائي الجزائري وقدرته على استيعاب األشكال التراثية ،فارتبطت الرواية بالموروث الشعبي لحماية هويتها الوطنية ومقاومة سياسة االندماج. « لكن ما هو الواقع الذي استوعبته الرواية وأخذت تصنفه وتركبه وتهيكله؟ والجواب بأن اللغة الروائية عن هذا السؤال يحتم علينا أن نربط الواقع بالتاريخ ،خاصة وكلنا نعلم ً
()1 ()2
عبد الحميد بوسماحة ،المرجع السابق ،ص .30-31 أنموذجـا" ،مـذكرة جوادي هنية ،المرجعية الروائية فـي روايـات األعـرج واسـيني "،مـا تبقـى مـن سـيرة لحمـر حمـروش"- ً
ماجيستير في األدب العربي -تخصص األدب الجزائري ،قسـم األدب العربـي جامعـة بسـكرة ،إشـراف د /مفقـودة صـالح، ،9000 -9001ص.930 - 27 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
ليست إال المحور الذي يتبلور فيه التاريخ بأسره :أي التاريخ الفردي (أو الحميم) ثم تاريخ المجتمعات المختلفة ثم تاريخ اإلنسانية جمعاء »(.)1 لقد رب ِ طت الرواية الجزائرية سرد حوادثها في الخمسينيات بفترة االحتالل الفرنسي و ََ
حرب التحرير؛ أين أبرز الروائيون وظيفتها األساسية في أعمالهم التي ارتبطت بالتاريخ الوطني والثورة الجزائرية وكذا تميزها بالواقعية. ولم تكن اللغة العربية وسيلة التعبير الوحيدة في الرواية الجزائرية ،بل كانت الرواية المكتوبة بالفرنسية سابق ًة لنظيرتها المكتوبة بالعربية ،وذلك على يد كوكبة من الروائيين الجزائريين الذين تعلموا في المدرسة الفرنسية ،اتخذوا من الفرنسية لغة كتاباتهم الروائية. فكتبوا قبل الثورة ،ولما اشتعلت نيران الحرب بدأ عهد جديد «،فتحرر الوعي الوطني وتفجر معه أدب ثوري اتخذ من الثورة الجزائرية منهال عذبا يستقي منه»(.)2
لذلك نجد أن ُجل أعمالهم قد اندرجت ضمن الكتابات الثورية الواقعية التي عملت مضامين أعمالِهم على تصوير و نقل التحوالت التي جرت في المجتمع؛ إذ ترجمت َ ُشعورُهم بالحسرِة و ِ األلم على الوطن .وعن هؤالء الكتاب ،إن« أفضل ما يمكن أن نصفهم َُ
به أنهم كانوا شمعة تحترق في سبيل اإلضاءة لقضية بالدهم فعبروا عن واقعه المرير بما فيه من بؤس ،وفقر وحرمان ،فكانت رواياتهم(الثالثية) لمحمد ديب( ،الدروب الوعرة) لمولود فرعون( ،األفيون والعصا) و (الهضبة المنسية) لمولود معمري و (نجمة) لكاتب تصوير دقيقا وصادقا للمجتمع المضطهد ،بل كان لها طابعها الخاص النابع ًا ياسين كانت
من روح الجزائر نفسها ألن األديب الجزائري ،كغيره من األدباء يواكب المسيرة األدبية
()1
رشـيد بوجـدرة (،واقـع الروايـة فـي القـرن العشـرين ) ،الرؤيـا ،مجلـة فصـلية تعنـى بشـؤون الفكـر ،يصـدرها اتحـاد كتــاب
العرب الجزائريين ،العدد األول ،ربيع ،9289ص.99 ()2
محمد مصايف ،النقد األدبي الحديث في المغرب العربي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،ص .999 - 28 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
ويتحول معها من عصر إلى آخر»( ،)1دون أن ننسى مولود فرعون بروايته " ابن الفقير" و" رشيد بوجدرة "«الذي ترجم نصوصه من العربية إلى الفرنسية ،و من الفرنسية إلى العربية ومن أهم رواياته" التفكك" ،9289يوميات امرأة آرق ،9225معركة الزقاق 9281 وغيرها ،وهي روايات كتبها بالفرنسية قبل أن يترجمها الروائي نفسه إلى العربية »(.)2 نالحظ أن هذه األعمال الروائية قد اشتركت في اللجوء إلى تاريخ الجزائر ،والى تراثها الذي تجسد في تفاصيل األحداث ،والمشاهد التي عاشتها شخصيات كل رواية من الروايات السابقة الذكر. ولقد حرص كل روائي منهم على صدق التعبير ،إذ عكست هذه األعمال ،في كثير من األحيان ،صو ار من حياة الروائي الشخصية؛ خاصة وأنه عاش نفس الظروف والمشاكل التي عانى منها أفراد مجتمعه .فبطل رواية " الدار الكبيرة " " ،عمر " الذي عاش حياة مليئة بالبؤس والشقاء ،هي نفسها المصاعب التي واجهت بطل" محمد ديب " في "الثالثية" .كذلك الحال مع بطل رواية " ابن الفقير " " فرولو " ،الذي هو جزء من اسم ولقب "مولود فرعون" ،كما يجسد أيضا ظاهرة االغتراب التي نجدها في رواية "األرض والدم ". كبير بين الدارسين غير أن هذه الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية أثارت جدالً ًا
والنقاد حول انتمائها إلى األدب الجزائري ،و إذا ما كانت تدخل في إطار األدب الفرنسي أم الجزائري. ومن هؤالء الذين تحدثوا في ذلك " محمد طمار " الذي يرى « أن األديب ال يفكر تفكي اًر يتصل بالمشكالت الواقعية واالجتماعية إال إذا كانت في إطار قومي ،وال يؤدي ()1 ()2
محمد مصايف ،المرجع السابق ،ص .990 رمضــان حمــود ،عــن جعفــر بــابوش ،األدب الج ازئــري الجديــد" ،التجربــة والمــال"(،د ط) ،منشــورات مركــز البحــث فــي
األنتربولوجيا االجتماعية والثقافية الجزائر ،9000-ص.05 - 29 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
أفكاره وأحاسيسه تأدية خالصة صادقة كل الصدق إال باللغة القومية »( .)1وكرد مخالف، نجد رأي " مراد بربون " الذي يعارضه حين يصرح بأن « اللغة الفرنسية ليست ملكا خاصا بالفرنسيين ،وليس سبيلها سبيل الملكية الخاصة ،بل إن أية لغة إنما تكون ملكا ً لمن يسيطر عليها ويطوعها للخلق األدبي ويعبر عن حقيقة ذاته القومية»(.)2
إذاً ،ما يمكن قوله في هذا المجال هو أن الرواية المكتوبة بالفرنسية شكلت ظاهرة ثقافية ولغوية متميزة ،إال أنها – كما يراها كثيرون -غير بعيدة عن نظيرتها المكتوبة بالعربية من حيث مضامينها وقيمها وفي تعبيرها عن قضايا المجتمع الجزائري ونقلها لصور صادقة عنه .واللجوء إلى تبني اللغة الفرنسية في الكتابة له من األسباب العديدة، « حيث ظهر كتاب وطنيون يؤمنون بحق الشعب ويعيشون واقعه ،ويحسون بالمشاكل التي كان يعانيها من جراء االستعمار .لم يجدوا وسيلة للتعبير عن هذا الواقع االجتماعي سوى اللغة الفرنسية التي تعلموها.)3( ». فأعمال "مالك حداد" مثال وغيره من الروائيين الذين كتبوا باللغة الفرنسية أعتُبِرت
مرجعاً تار ًّ يخيا جد مهم ،حيث تجلى التراث فيها بطريقة واضحة أعطت صورةً معبرة لحالة شعب كان يعاني من بطش االستعمار الذي سعى جاهدا إلى طمس ُهويته من جهة و لظروفه االجتماعية المزرية من جهة أخرى.
فكانت الرواية الشكل األدبي المناسب للتعبير عن حياة الفرد الجزائري وظروفه االجتماعية وحالته السيكولوجية ،وكانت أيضاً ميدانا استَثْ َمر فيه الروائيون التراث لتأكيد
ُهوية هذا الفرد وانتمائه .كما اعتبر بعضهم فترة االستعمار وسنوات ثورة التحرير منهال ()1
محمــد طمــار ،الــروابط الثقافيــة بــين الج ازئــر والخــارج (،د .ط) ،الشــركة الوطنيــة للنشــر والتوزيــع ،الج ازئــر،9283 ،
ص.989 ( )2المرجع نفسه ،ص ن. ()3
عبد اهلل الركيبي ،القصة الجزائرية القصيرة ،ط ،3دار العربية للكتاب ،ليبيا -تونس ،9200 ،ص.90 - 30 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
خصبا لكتاباته ،إذ شكلتَا رصيداً ال بأس به َز َاد من اإلنتاج الروائي على امتداد فترة ما قبل االستقالل.
أما المرحلة الثانية تمثلت في فترة السبعينات والثمانيات" أو"عهد االستقالل" هذه الفترة التي شهدت تغيرات جذرية طرأت على األوضاع السائدة للمجتمع في كل أبعاده االقتصادية واالجتماعية والفكرية والسياسية ،مما دفع بالروائيين إلى إعادة النظر في ثقافتهم .فاتخذوا من الرواية ،والسيما في السبعينات ،عالما خصبا استهدفوا من ورائه إعادة بناء الواقع اعتمادا على معطيات جديدة تتماشى ومواقفهم وأرائهم اإليديولوجية(.)1 وعلى حد تعبير "عبد الحميد بو اريو" « إن الروايات الجزائرية شهدت وبشكل كبير التناص مع التراث كروايات "عبد الحميد بن هدوقة" و"الطاهر وطار" كما أكد أن هذه الخاصية مالزمة ألغلب الكتاب والروائيين الجزائريين»
()2
أمثال "واسيني األعرج" و"عبد
المالك مرتاض" وغيرهم .فأغلب رواياتهم كانت ناجحة باعتمادها على توظيف التراث ِ الحاضر والماضي ،فكان من شأنها خلق ألنها جعلت من نفسها همزةَ وصل بين التواصل بين األجيال .وبالرغم من أن الراوية الجزائرية حديثة العهد في الظهور ،إال أنها ا ْقتَ َحمت الساحة األدبية وفرضت نفسها بشكل قوي؛ « فالنشأة الجادة لرواية فنية ناضجة ارتبطت برواية "ريح الجنوب" ،وقد كتبها "عبد الحميد بن هدوقة" في فترة كان الحديث السياسي جاريا بشكل جدي ،وهي فترة الثورة الزراعية».
()3
()1
ينظر:عبد الحميد بوسماحة ،توظيف التراث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة ،ص 30
()2
عبــد الحميــد بو اريــو ،أكـادميون وأدبــاء يسـبرون تجربــة التنــاص مــع المــوروث الشــعبي فــي الروايــة الجزائريــة ،الهدهــد:
صحيفة الكترونية ،متاح على الموقع:
./ htmlhttp://www.hddhod.com
تاريخ اإلنزال9095 /05/03:م. ( )3عمــر بــن قينــة ،فــي األدب الج ازئــري الحــديث ،تأريخــا ...وأنواعــا ...وقضــاها...وأعالمــا( ،د ط) ،دي ـوان المطبوعــات الجامعية ،الجزائر ،9225 ،ص.928 - 31 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
فإلى جانب أسلوب الرواية التاريخية ،عمد الروائي في الرواية الجزائرية إلى تقديم معلومات تاريخية غلب فيه الجانب المرجعي على الجانب المتخيل ،فكانت مأخوذة من التراث لغرض التذكير؛ وهو ما نجده فيما كتب "عبد الحميد بن هدوقة" في روايته "ريح الجنوب" « :وكان البون هذا من أعوام الحرب العالمية الثانية ،وعملية تقسيط بيع المواد الغذائية على السكان امتدت من حوالي 9249إلى سنة .» ...9242
()1
فلم تكن معاناة الشعب الجزائري محدودةً فقط في وجود االستعمار الفرنسي على
أرضه واستغالله الالمتناهي لخيراتها؛ بل تعدت إلى ِ دفع الجزائريين عن غيرهم ثمناً باهضاً ات سنو ُ
وكساء
لتغطية تكلفةَ َح ْرَب ْين َعالَ ِ ميتن أُ ْق ِح ُموا ِفيها ُعنوةً؛ ونتيجة لذلك تَ َخللت هذه الفترة ِ إمساك ِه لمختلف المواد األساسية من غذاء المسعتمر إلى مجاعةَ ،ع َم َد فيها ُ عن الجزائريين واعتماد سياسةً مجحفةً في بيعها؛ ذلك ما زاد من ِ ألم ومعاناة
الشعب عامة وسكان القرى والمداشر بشكل خاص ،فزيادة إلى معاناتهم في بعدهم عن المدينة وعيشهم في عزلة؛ معاناتهم أيضا من قساوة الطبيعة التي يعيشون فيها؛ ذلك ما جعل منها مادة استغلها الروائي في كتاباته الروائية بذكر األحداث والتواريخ بكل تفاصيلها ،والبيئة القروية بكل جوانبها؛ بيئة قروية ال زال للتراث فيها مكانة معتبرة في دور أساسيا في حياتهم؛ « "فعبد الحميد بن هدوقة" عندما يتخذ من القرية ثقافة الناس و ًا موضوعا لعمله الروائي ويختار التكنيك وقطاعا من حياة القرية مسرحا ألحداث روايته، ً ً ً إطار يقدم من خالله مادته الروائية ،يكون قد أفسح المجال أمام التراث الشعبي الواقعي ًا
هاما يقوم عليه تطور البناء الفني في ليقوم بدوره في تطوير الحدث ،ويكون أساسا ً
رواية»(.)2
()1 ()2
عبد الحميد ابن هدوقة ،رواية ريح الجنوب(،د ط) ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ،ص.95 عبــد الحميــد بو اريــو "،توظيــف التـراث الشــعبي فــي بنــاء الروايــة الجزائريــة" ،مجلــة آمــال ،العــدد ،59الشــركة الوطنيــة
للنشر والتوزيع ،الجزائر ،9280ص.903 - 32 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
واألمر ذاته في رواية " نار ونور " لعبد المالك مرتاض" ،فلقد جرت أحداثها هي األخرى في فضاء ريفي ،إذ قام الروائي بوصف بعضا من أدوات الصناعات التقليدية المستعملة والتي تصور جانبا من حياة السكان البسيطة المتأصلة في العادات والتقاليد وفي كل ما أخذ عن السلف ،فكان حضور التراث واضحا في تتابع أحداث الرواية .وهو ما نجده في رواية " ريح الجنوب " ،العجوز " رحمة " تصنع أواني الفخار يبتاعها منها بعضا من األحداث التي رسوما تسجل من خاللها أهل القرية لينتفعوا بها؛ فتجعل عليها ً ً
تروي تاريخ قريتها وما عايشه سكانها .ما تصادفنا أيضاً شخصية العجوز" رحمة " في ""نار ونور" التي أعطت لألواني الفخارية أبعادا تعبر عن قيم الجماعة وتطلعاتها من خالل تلك الرسوم والزخارف التي أرخت ألحداث ثورة التحرير المجيدة وصورت جملة من وقائعها. باإلضافة إلى استخدام المؤلف في أعماله األدب الشعبي وال سيما األمثال و األساطير ،غير أن استلهامه من الرصيد الشعبي لم يقم كثي ار على النظر في رموزه ضمن ما يتطلبه الحس العميق بالتاريخ(.)1 فمن خالل دراستنا هذه ،اتضح لنا أن الرواية الجزائرية لم تستغن عن التراث الوطني في سرد أحداثها ،بالرغم من وجود اختالف بين ال ُكتاب من حيث االستيعاب
والرؤية والتعبير وال َك ْيف ،فبفضل وعيهم ،استطاعوا أن يقهروا خوفهم واكتسبوا جرأة مكنتهم
من تصوير واقع مجتمعهم وما يعيشه من ظلم وقهر؛ كما استخدموا في بعض األحيان وجهات العناصر التراثية كوسيلة إثبات للهوية واالنتماء ،وكقناع ُي ْخفُون من ورائه َ
ويبدون من خاللها مواقفهم دفاعاً عن ما يعترض أفراد المجتمع من ظروف نظرهمُ ، قاسية.
()1
ينظر :عبد الحميد بورايو ،المرجع نفسه ،ص.904 ،903 - 33 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
لذا قامت رواية " الالز" " للطاهر وطار " بطرح مختلف المفارقات في تاريخ الثورة ِ ورسم شخصياته ،ال سيما المؤلف بالتراث الشعبي لطرِح أفكاره الجزائرية ؛ وارتبط تأثر ُ
شخصية " الالز"
الذي ُيمثل الطبقة الكادحة وذلك بشهادة زيدان -أحد شخصيات
الرواية -عندما قال عنه « :الالز والشعب شيء واحد» (.)1
وبهذا أعلن "الطاهر وطار "عن ظهور الواقعية االشتراكية التي ارتبطت باألشكال التراثية واعتبرتها جانبا حضاريا إنسانيا يقوم على مبدأ االختيار بين اإليجابي والسلبي منه. فإلى جانب الرواية الجزائرية ذات االتجاه الواقعي ودورها في تفسير الظواهر االجتماعية واالقتصادية ،استفاد الروائيون من التراث في أعمالهم الفنية ،في نظيرتها ذات االتجاه " الرومانسي " ،فقد جاءت تعبر عن « المقاومة الشعبية للغزو األجنبي ،وهذا ما نجده في رواية " دماء ودموع " لعبد المالك مرتاض" التي تناولت قضية حرب التحرير من خالل تضمين مجموعة من األمثال واألساطير التي كانت مصد ار للقيم االجتماعية والسياسية[ ]...غير أن الوعي الرومانسي الذي انعكس على الرواية حال دون االستغالل السليم لهذا التراث »(.)2 و من بين الروائيين الج ازئريين ،تميز الروائي "واسيني األعرج " بتجربته الفريدة في كتاباته الروائية؛ فالرجوع إلى متونه الروائية ،نجده يستخدم التناص التراثي في جل رواياته ،كرواية"حارسة الظالل " و"فاجعة الليلة السابعة بعد األلف" و" رمل المايدة"
()1
ينظر :عبد الحميد بوسماحة ،توظيف التراث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة ،ص.40
()2
المرجع نفسه ،ص ن. - 34 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
و"سوناتا ألشباح القدس" « .وقد تنوعت أغراض التناص ووظائفه من موقع إلى آخر، فمنه ما كان لغاية فنية جمالية ،ومنه ما كان استجابة القتناع إيديولوجي»(.)1 ففي رواية " رمل الماية " وظف الروائي التراث بطريقة فنية جمالية ،إذ َجمع فيها
عدة نصوص تراثية .و يظهر اشتغاله المكثف بتقنية التناص في استثماره « لنص ألف ليلة وليلة ،واختراقه بحثا عن سحر جديد للحكاية من خالل التراث »( .)2واستثماره لسيرة " الموريكسي " التي حملت تداخالً مع السيرة الذاتية للكاتب وغيره من أنواع التراث المختلفة. ولقد زاوج " واسيني األعرج " بين مادتين حكائيتين في روايتي "نوار اللوز" وتغريبة صالح بن عامر الزوفري " فاألولى هي " تغريبة بني هالل" وهي مادة حكائية أصيلة؛ أما الثانية هي " تغريبة بن عامر " ،وهي مادة روائية متخيلة مرتبطة بالواقع. وهي شخصية تعيش في جزائر االستقالل « وهو ما يفيد امتداد فعل التغريب في التاريخ واستم ارره ،كما وظف المؤلف في السياق ذاته شخصية الجازية الهاللية " ذات الجمال البارع ليرمز بها إلى جزائر االستقالل ،الحلم الجماعي لكل الوطنيين الذين يطمحون إلى تحقيق حياة أفضل وأال يتواصل بؤس زمن االستعمار»(.)3 أما في فترة التسعينات ،والتي تسمى " العشرية السوداء " ،برزت فيها مجموعة من ُكتاب الجيل الحديث نذكر منهم " أحالم مستغانمي " ( ذاكرة الجسد) و أمين الزاوي رواية ()1
كمال الرياحي ،إستراتيجية التنـاص وحياديـة الكاتـب ،ديـوان العـرب ،متـاح علـى الموقـعhttp://www.diwana :
، larab.comتاريخ اإلنزال .9094/05/95 ()2
بن جمعة بوشوشة ،سردية التجريب وحداثة السردية في الرواية العربية الجزائرية ،ط ،9المطبعة المغاربية ،تونس،
،9005ص.40 ()3
الطاهر رواينية( ،الرواية والتراث ،البحث عن أفق حداثي في الكتابة) ،مجلة اآلداب تصدر عن معهد اآلداب واللغة
العربية ،العدد الثاني ،جامعة قسنطينة9491 ،هـ9225 -م ،ص.923 - 35 -
واقع التراث في الرواية العربية
المدخل:
(يصحو الحرير) والطاهر وطار ( الشمعة والدهاليز) و واسيني األعرج ( سيدة المقام) و رشيد بوجدرة ( تيميمون) و مرزاق بقطاش ( دم الغزال) ،لقد عمل هؤالء الروائيون ،بكل جرأة وبدون تملق ،على طرح مختلف القضايا و كشف النقاب عن المشاكل والمعاناة التي شكلت الحدث طوال هذه الفترة والتي كانت نقطة تحول في تاريخ الجزائر .حيث كتبوا عن حقائق سكتت عنها الخطابات األخرى خاصة السياسية منها .كما حرصوا على تناول مرحلة العنف التي عايشتها األمة الجزائرية في فترة التسعينات ،فأغلب هذه الروايات استخدمت قالب الكالم اليومي الذي أعطى الشخصيات هويتها المتميزة التي تحاول استرجاع الذكريات المفقودة جراء العنف واالعتداءات. والغرض من
()1
توظيف التراث الشعبي هو تَ ِ حميلُهُ دالالت جديدة و معاصرة ،
وبالرجوع إلى مختلف التجارب التي عملت في هذا اإلطار نجد أنها نجحت في ذلك وأثبت قابليته إلنتاج إضافات داللية .و مما ال شك فيه أن التراث بهذه الصفة قد حقق للروائي الكثير ،حين أغنى مضامينه ببعض من المضامين الشعبية التي تمتد بذورها إلى أعماق تاريخ اإلنسان من جهة .وحين استمد أدواته وعناصره من التراث ليعبر بها من طوُر فنه الروائي. جهة أخرى .ويصبح بذلك قد حقق انجازات تُ َ هذا ما فعله " محمد مفالح " في جل أعماله الروائية ،حين عمد على توظيف التراث الشعبي بمختلف عناصره من أمثال وحكايات شعبية وأغان بدوية؛ باإلضافة إلى التراث الديني والتاريخي ،والتي سنتطرق إلى دراستها .من خالل ما تم استلهامه من منابع للتراث الشعبي في أعماله الروائية.
()1
ينظر :رشيد بوجدرة ،واقع الرواية في القرن العشرين ،الرؤيا ،ص.93 -99 - 36 -
الفصل األول: مالمح التراث األدبي عند مفالح
المبحث األول :توظيف النصوص الشعرية والنثرية المطلب األول :النصوص النثرية. المطلب الثاني :النصوص الشعرية. -المطلب الثالث :الشخصيات التراثية.
المبحث الثاني :توظيف التراث الشعبي. المطلب األول:األدب الشعبي. -المطلب الثاني :توظيف العادات والتقاليد والمعتقدات.
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
المبحث األول :توظيف النصوص الشعرية والنثرية: إن التراث بكل ما يحمله من أهمية وقيمة؛ هو موضوع يستحق الدراسة ال محالة خصوصا إذا ما تعلق األمر بما يحويه من قيم تمثل الهوية الحقيقية لكل أمة بعاداتها وتقاليدها ،وما خلفه أبناؤها من رصيد علمي وأدبي مشرف ،وجب الحفاظ عليه ،وال يتأتى ذلك إال من خالل إحيائه في كل عمل فني ،ومن هنا جاءت فكرة توظيف التراث بشتى أنواعه .والتي من بينها التراث األدبي الذي هو محط دراستنا هذه ،فنحن «...ال نستطيع معرفة دور أمة ما إال بإحياء تراثها ودراسته وعرضه على األجيال الحاضرة» ( ،)1وهذا ما يفسر سبب اهتمام الباحثين األدباء بقضية التراث وكيفية استغالله وتوظيفه في مختلف األعمال األدبية .وفي السياق ذاته تجدر اإلشارة إلى أن األديب حين يكتب ال ينطلق من العدم ،بل أكيد ينطلق من وراء مرجعية ثقافية وتراثية ،تبرز هويته وهوية األمة التي ينتمي له ا وفي الوقت ذاته فإننا نجد أن التراث حينما يرمي بضالله على أي عمل أدبي، يمنحه األصالة في صورة تجمع بين الماضي والحاضر ،غير أنها قد تكون جميلة وقد ال تكون كذلك وهذا بحسب طريقة توظيف األديب لهذا التراث الجميل بكل ما فيه «:إن التراث يستدعي الحاضر ويصبغه بلونه المتميز ،فيلتحم الصراع في الماضي بالصراع في الحاضر ،ضمن لحمة واحدة من أحداث الرواية وصياغتها للتعبير في النهاية عن نفس حضاري واحد».
()1
()2
شوقي ضيف ،في التراث والشعر واللغة( ،د.ط) ،دار المعارف ،111 ،كورنيش النيل ،مكتبة الدراسة األدبية،
لقاهرة ،ص.46 ()2
عثمان حشالف ،التراث والتجديد في شعر السياب ،دراسة تحليلية( ،د ط) ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،
ص .11 - 38 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وفي هذا اإلطار نجد الباحث طارق زيادة يرى«:أن التراث هو حضور األصل أي األدب ( الماضي /السلف) في االبن ( الحاضر /الخلف)».
()1
وفي إطار الحديث عن فكرة حضور التراث في العمل األدبي ،نجد أن البعض يحصره في الكم الهائل من الكتب القديمة واألعمال التي وجب توظيفها .في حين نجد أن هناك فئة أخرى ترى أن «التراث ليس الكتب والمحفوظات واالنجازات التي نرثها عن الماضي وانما هو القوى الحية التي تدفعنا باتجاه المستقبل».
()2
ومما يجدر اإلشارة إليه هنا هو أن فكرة توظيف التراث األدبي تقودنا ال محالة إلى الحديث عن موضوع شديد األهمية يصب في سياق هذه الدراسة أال وهو موضوع التناص. و« التناص مصطلح نقدي أطلق حديثا وأريد به تعالق النصوص وتقاطعها ،واقامة الحوار فيما بينها».
()3
يتضح جليا من وراء هذا التعريف؛ أن التناص يمثل شكال من أشكال توظيف التراث ،ذلك أن المصطلح النقدي الذي يرتبط باسم باحثة وناقدة جادة ومتميزة في العصر الحديث تدعى " جوليا كرستيفا" ،يبحث في األساس عن تداخل النصوص واألعمال األدبية ،فيما بينها مما يسمح لها بإقامة الحوار الذي يخولها لالنفتاح على اآلخر ،كون كل نص يمثل مرجعية تراثية لمؤلفه ،وتداخل النصوص فيما بينها يعني انفتاح الحضارات ()1
طارق زيادة ،إشكالية األصالة والمعاصرة ،ص.29نقال عن بو جمعة بوبعيو ،حسن مزدور ،السعيد بو سقطة،
توظيف التراث في الشعر الجزائري الحديث ،مطبعة المعارف ،ط ،1عنابة ،7002،ص.10 ()2بوج معة بوبعيو ،حسن مزدور،السعيد بو سقطة ،توظيف التراث في الشعر الجزائري الحديث ،ص 10نقال عن .:أمل دنقل ،بين التراث والتجديد ،رسالة ماجستير ،مخطوط جامعة اإلسكندرية1111 ،م ،ص.71 ()3جمال مباركي ،التناص وجمالياته في الشعر الجزائري المعاصر ،د-ط ،إصدارات رابطة إبداع الثقافية ،الجزائر، 7002م ،ص.22 - 39 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
على بعضها« :كل نص يتعايش بطريقة من الطرق مع نصوص أخرى ،وبذلك يصبح كل نص عبارة عن تناص».
()1
ولتوضيح فكرة انفتاح الحضارات بفعل النصوص نقول« :إن السيميائيين اتفقوا على التسليم بوجود بنية ظاهرة وبنية عميقة في النص األدبي: / 1البنية الظاهرة :تتركب من الصياغة التعبيرية ،فيحلل الدارس خصائص الشكل األدبي والخصائص األسلوبية. /7البنية العميقة :تتركب من العوامل الخارجية التي تساهم في خلق النص األدبي سواء كانت اجتماعية أم ثقافية أم نفسية .ويهدف هذا االتجاه إلى التعمق في المنهج االجتماعي».
()2
أي إن التقاء النصوص يكون على صعيد البنية العميقة التي تمثل المرجعية الثقافية للمؤلف ،وليست البنية الظاهرية ،ألنه لكل أديب أسلوبه الخاص في الكتابة؛ وهذا ما تعمل األسلوبية على تأكيده .كما أننا لمسنا حضور هذا المصطلح (التناص) في تراثنا العربي القديم تحت أسماء عديدة مثل" السرقات الشعرية ،االحتذاء ،االقتباس ،...والحديث عن هذا المصطلح النقدي طويل ومتشعب ،وما يهمنا في هذا اإلطار هو التناص التراثي األدبي ،الذي يعد أحد أنواع التناص التي نذكر منها :األسطوري ،الديني، التاريخي...الخ.
( )1عز الدين لمناصرة :علم التناص المقارن " نحو منهج عنكبوتي تفاعلي" ،ط ،1دار مجدالوي للنشر والتوزيع ،عمان األردن7004 ،م ،ص.161 ( )2سمية حطري (السيدة بوتفليقة) ،التناص في الشعر النسوي الجزائري( ،د .ط) ،دار الغرب للنشر والتوزيع ،وهران، الجزائر7012 ،م ،ص.17 - 40 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
يقول سعيد يقطين « :تدخل في المتفاعالت النصية األدبية كل البنيات المتصلة باألدب ،في جانبه الشفوي أو الكتابي ،وسواء كان هذا األدب ساميا أو منحطا ويندرج ضمنه وفق هذا التحديد ما هو شعري أو نثري .سواء كان واقعيا أو متخيال».
()1
حيث يعتبر التناص التراثي ،من الظواهر الالفتة لالنتباه ويمكن حصره في ثالثة مجاالت: /1النصوص الشعرية والنثرية /7،الشخصيات التراثية التي تتراوح بين الواقع والخيال/2 ،
التراث الشعبي بما فيه ( الحكايات الشعبية ،األمثال ،)...وفي سبيل
الخوض في العمارة األدبية الروائية للروائي "محمد مفالح" ،الذي يملك من الثقافة والزاد المعرفي ما يؤهله بجدارة ليكون أديبا فحال ،يحكي ويحاكي الهوية واألصالة بكل واقعية ومصداقية .ويعبر عن خلفيته ومرجعيته التراثية التي انطبعت في مختلف أعماله الروائية، لتكشف عن شخصية هذا األديب .وعن الزخم الثقافي الذي تزخر به مختلف رواياته التي نثر نستخلص ما يلي : نهلت من منابع التراث وتشربت منها سواء كانت شع ار أم ا المطلب األول :النصوص النثرية: لما كانت الرواية من أرقى األنواع األدبية؛ كان البد للدراسات النقدية أن تهتم بجانب مضمونها ،فأعمال " مفالح" الروائية هي كغيرها من الروايات التي يقال إنها «جنس أدبي يتسع لقطاع عرضي للحياة؛ بكل ما تحمله من هموم ،وهواجس فكرية،
()1
سعيد يقطين ،انفتاح النص الروائي (النص والسياق) ،ط ،7المركز الثقافي،الدار البيضاء،المغرب7001 ،م،
ص.102 - 41 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: واهتمامات إيديولوجية».
()1
ومن هذا المنطلق سنحاول الكشف عن بعض التوظيفات
األدبية التي استعان بها " مفالح" سواء تعلق األمر بالتراث العربي أو األجنبي. /1التراث المحلي الجزائري: لقد تواصل "محمد مفالح" عبر رواياته مع التراث الجزائري ،ويتجلي ذلك من خالل روايته " بي ت الحمراء" ،التي وأثناء قراءتنا لها استحضرنا " ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة ،فقد اتفق الروائيان على نفس الرؤية التي يطمحان إليها ،إذ توجه كالهما صوب الواقعية؛ لخلق حدث روائي متميز ومتنوع ،يجسد الهروب من الواقع المرير إلى المستقبل المشرق ،وبما أن " ريح الجنوب" هي السباقة بالظهور على الساحة األدبية؛ فقد تركت صداها في نفسية " مفالح" ،فنراه يمتص من هذا النص األدبي ما شاء له ،لينسج على منواله رواية " بيت الحمراء" ،ولكن بثوب جديد ،نلمس فيه نوعا من التراص لمجموعة من األحداث المشتركة مثل الحدث المتصل بالثورة الزراعية وبالتأميم وكذا الحديث المبرر عن بعض األوضاع االجتماعية ،في قالب إبداعي فني تراوح بين المونولوج واالرتداد والحوار والسرد. إلى جانب اشتراكهما في الحدث الروائي "فبيت الحمراء" و " ريح الجنوب" هما من الروايات التي عرفت في عالم ما بعد االستقالل. كما قام " مفالح" في رواية االنفجار بتتبع جميع التحوالت العميقة التي تعرض لها المجتمع الجزائري ،حيث نلمح فيها اغترافا كبي ار " لالز" ،يتجلى أكثر على المستوى الفني واإلبداعي معا ،هذا من جهة ،من جهة أخرى نجد مفالح قد ضمن روايته "االنهيار" بشخصية روائية حملت اسم " الالز" ،ساهمت في تغيير مجرى األحداث ( )1إبراهيم عباس ،الرواية المغاربية ،الجدلية التاريخية والواقع المعيش ،دراسة في بنية المضمون، ط) ،منشورات المؤسسة الوطنية لالتصال و النشر7007 ،م ،ص .4 - 42 -
(د
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
« وقف النادل (محمد الالز) بأدب أمام طاولة كانت منزوية في ركن المقهى اتخذه منصور منذ سنوات مكانا له».
()1
إن استخدام وتوظيف " مفالح" لشخصية " الالز" في نصه الروائي " االنهيار" ،يأتي في إطار إدراكه للدور الفعال لرواية "الالز" ،التي ساهمت في تغيير نظرة األديب وكذا أسلوبه حينما سعت لمناقشة وحل قضايا المجتمع الجزائري ،وهذا التوظيف يدل على مخزون ثقافي وفكري للمبدع ،من خالل قراءاته المسبقة للنصوص المكتوبة ،وتأثره الكبير بمؤسسي الرواية الجزائرية خاصة "بن هدوقة" و" الطاهر وطار" ،وفي سياق هذا الموضوع يصرح مفالح قائال ...« :وال أدري بالضبط كيف ملت إلى كتابة الرواية، ولكني بعد إطالعي على ريح الجنوب للروائي عبد الحميد بن هدوقة ثم (الالز) للروائي "الطاهر وطار" شعرت برغبة جامحة النجاز عمل يكون في نفس األجواء الواقعية التي كتب بها األديبان الكبيران.»...
()2
كما نجده يستشهد بأعمال جزائرية خلدها الزمن ،وهي " نجمة" لكاتب ياسين، "الحريق" لمحمد ديب"" ،ابن الفقير" "لمولود فرعون"" ،التطليق" "لرشيد بوجدرة"، "الالز" "للطاهر وطار" ،و"ريح الجنوب" "لعبد الحميد بن هدوقة""،وكل هذا في روايته "االنكسار" قائال«:اهتم باألدب الجزائري فق أر روايات نجمة ،الحريق ،ابن الفقير ،التطليق، الالز ،ريح الجنوب ورغب بدوره في تأليف رواية يؤرخ فيها لمرحلة الثورة الزراعية وللحلم االشتراكي الذي قتله -في نظره -االنتهازيون واألثرياء الجدد».
()3
( )1محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنهيار) ،ص.21 ( )2محمد مفالح ،شعلة المايدة وقصص أخرى(،د.ط) ،أيدكم للنشر والتوزيع ،قسنطينة ،الجزائر7012 ،م ،ص-421 .424 ( )3محمد مفالح ،رواية االنكسار ،دار طليلة للنشر والتوزيع 7010 ،م ،ص .14 - 43 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
نلمس أن الروائي قد عمد من وراء هذا التوظيف األدبي إلى الحديث عن مؤسسي الرواية الجزائرية ،التي وجب قراءة أعمالهم كمرحلة وخطوة أساسية لكل أديب ،ليأخذ منهم بعض الخبرة ،أضف إلى ذلك أن هذه األعمال تحكي الواقع الجزائري كالثورة التحريرية والثورة الزراعية وغيرها من المحطات الهامة التي عرفتها الجزائر. كما نجده أيضا قد وظف بعض الروايات العربية لكبار األدباء العرب من الدول الشقيقة ،من مثل ثالثية "نجيب محفوظ" قائال « :ولما يقلب صفحات ثالثية نجيب مح فوظ يشعر بالرعب ويسب نفسه..وفي لحظات اليأس كان يدور في غرفته الفسيحة وهو يصيح بصوت مهزوم ":ما الذي جرى لي؟ "».
()1
إن توظيف " مفالح" لهذا الموروث األدبي ألديب كبير ومبدع حائز على جائزة نوبل لآلداب عام ،1111وله من األعمال ما يشهد لها التاريخ بالقيمة والعظمة، وخصوصا ثالثيته الشهيرة " بين القصرين ،السكرية ،قصر الشوق" ،يأتي في سبيل تثمين الجهد الذي بذله " نجيب محفوظ" لكي ينتج لنا هذه األعمال التي هي مفخرة ،وخصوصا بعدما وظفها في إطار سرده لمحاوالت " عمار الحر" للولوج إلى عالم الكتابة ،حيث يخبرنا الروائي هنا أنه ليس من السهل أن يصبح أي إنسان أديبا لمجرد رغبته أن يكون كذلك ،وفي الوقت نفسه نلمس أن " مفالح" ال يخفي إعجابه باألديب الكبير " نجيب محفوظ" الذي عمد على تصوير الواقع في معظم الكتابات التي أصدرها ،فهو واقعي بامتياز وهذا أكثر ما يعجب مفالح حيث يصرح بهذا قائال « :غير أنني ال أخفي إعجابي بالرواية الواقعية التي أجد فيها المعرفة والمتعة...هذه الواقعية التي ما زالت تنجب كل
()1
محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة( ،على هامش مقتل األرملة الثرية) ،دار الحكمة للنشر والترجمة ،السداسي
الثاني 5002م ،ص.20 - 44 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
سنة العديد من المبدعين الذي نال بعضهم جوائز عالمية» ( .)1ونجيب محفوظ واحد منهم. كما وظف الروائي اسم أديب آخر هو" إحسان عبد القدوس" ،واختار اسمه إلى جانب " نجيب محفوظ" في رواية " عائلة من فخار" حين قال« :كما كانت تطالع أحيانا المجالت المصورة وروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وبعض قصص أقاثا كريستي البوليسية» ( .)2ويعد األديب " إحسان عبد القدوس" أيضا واحدا من األسماء كنوز أدبية مثل " :اللون اآلخر ،ثقوب في الثوب األسود، ا الكبيرة التي تركت للتراث رصاصة واحدة في جيبي ،ورائعة لن أعيش في جلباب أبي" ،فنالحظ هنا أن "مفالح" ال يترك فرصة إال ويغتنمها بذكر أديب أو عمل ما ،فلوعدنا للمقام الذي ذكرت فيه هذه األسماء الالمعة في رواية عائلة من فخار ،لوجدنا أنه ذكر ثلة ال بأس بها من األسماء األدبية والفنية التي كانت خروفة تستمتع بقراءتها أو سماع أغانيها في غرفتها بالحي الجامعي ،في وقت التكنولوجيا والعصرنة حيث يفضل شباب وشابات اليوم أن يستغلوا جل وقتهم بين أحضانها كمشاهدة األفالم أو الجلوس على النت أو استعمال الهاتف، وعليه فاختيار " مفالح" لمجالس األدب والفن األصيل هو ال محالة رغبة في الحفاظ على األصالة التي ال تنفك تنشر بظاللها على أعمال هذا األديب؛ فخ ار وعرفانا بهذا الزخم األدبي العظيم. إلى جانب تطلعات " مفالح" الروائية لما جاد به التراث العربي من أعمال نجده يتلذذ بذكرها بين الفينة واألخرى على صفحات رواياته ،وكذلك هو الحال للتراث األجنبي.
( )1محمد مفالح ،شعلة المايدة وقصص أخرى ،ص.421 ( )2محمد مفالح ،عائلة من فخار( ،مسار المتقاعد صاحب الخيزرانة) ،دار الغرب للنشر والتوزيع 7001،م ،ص.41 - 45 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: /2التراث األجنبي:
لقد كان حاض ار هو اآلخر في أعمال " مفالح" الروائية ،حيث وظف ثلة ال بأس بها من األسماء الالمعة في الغرب وما خلفوه من موروث أدبي قيم ويتجلى ذلك في رواية " "االنكسار" ،التي نلمح فيها حضو ار مكثفا لهذا النوع من التراث ،وذلك في فقرة يقول فيها: « ق أر روايات كثيرة كانت تحتفظ بها زوجته في مكتبة قديمة ،و منه "البؤساء"" ،األحمر واألسود"" ،مدام بوفاري" واطلع على أعمال "كاموو" "سارتر" و"كافكا".»..
()1
إن هذا التوظيف األدبي يتسم بطابع القوة ،خصوصا حينما يتعلق األمر بأعالم في عالم الكتابة الغربية مثل البؤساء لألديب الكبير" فيكتور هيجو" ( ،)1111-1107الذي سطع نجمه في سماء فرنسا ،إلى جانب " غوستاف فلوبير" ( )1110 ،1171صاحب رواية " مدام بوفاري" ،إلى جانب ذكره للفيلسوف الوجودي " جون بول سارتر"، كافكا...وغيرهم ،جاء هذا التوظيف في إطار حديثه عن العزلة التي قرر" بغداد البخلوني" الدخول فيها هروبا من الواقع السياسي الذي عاشته الجزائر آنذاك. وما نلحظه في هذا اإلطار هو التصريحات التي كان يدلي بها " مفالح" في مختلف الروايات وذلك في ال وعيه وبطريقة غير مباشرة ،مستعينا في ذلك بتوظيف شخصية "بغداد البخلوني"التي اتخذها منب ار يعبر فيه عما يساوره من أفكار أثناء قراءته لمختلف األعمال الغربية ،حيث يقول «:ولكنه لم يستطع قراءة " البحث عن الزمن الضائع"، و"عوليس" واهتم باألدب األمريكي ،فق أر بمتعة " عناقيد الغضب" و" معركة مريبة" و ظل يتحدث عنهما بإعجاب كبير .)2( »...لقد عمد " مفالح" إلى القول أنه عجز عن قراءة "" البحث عن الزمن الضائع" لـ" مارسيل بروست"،و " اوليس" لـ " جيمس جويس" ،في
( )1محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص.11 ( )2المصدر نفسه ،ص ن. - 46 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
الوقت الذي كان يحس فيه بمتعة كبيرة عند قراءة أعمال تندرج ضمن األدب األمريكي مثل " عناقيد الغضب" لـ شتاينبك" ،و" معركة مريبة" ،إلى درجة اإلعجاب الكبير بهما، وقد جاء هذا التوظيف األدبي ألغراض أهمها أنه أراد أن يأخذنا في نزهة أدبية بعيدة كل البعد عن عالم السياسة ،وهذه من أهداف الوصف حيث يستعان به في األدب لغرضين: "االستراحة والمتعة" ،وكما أنها كانت فرصة ليتحاور فيها الروائي مع قراءه ،بشكل غير مباشر حول انطباعاتهم األدبية بعد قراءة هذه األعمال ،ومثل هذا األمر نجده يتكرر عنده في قوله «:ولم تعجبه من أعمال هيمنغواي إال رواية " العجوز والبحر" ،ولكنه لم يتفهم انتحار هذا الكاتب الذي كان في أوج مجده األدبي ».
()1
إن فكرة االنتحار هنا لم تعجب (مفالح) ،وقد صرح بذلك على لسان " بغداد البخلوني" ،والسبب راجع إلى أن «االنتحار يمثل انقطاع المشروع وتناقضا جوهريا مع الديمومة التي تتنازع المؤلف ،ولعل هذه االنعطافة في مسار السرد تكشف للقارئ عن مخطط الكاتب ولو على مستوى الالوعي في تحريك الشخوص ومنحها شيئا من الذات.»...
()2
يسعى "مفالح " في إطار توظيفه للتراث األجنبي إلى محاولة توسيع دائرة النقاش األدبي التي شغلت بال شخصياته الورقية ،في الوقت التي كانت تحاول الولوج إلى عالم الكتابة ،فيسقط على هذه الشخصيات المبتدئة أفكا ار يرجح أنها راودته في بداية مشواره الكتابي .واألمر نفسه نلمحه في أعمال أخرى ،ثم يسترسل " مفالح" قائال « :ق أر روايات "فولكنير" التي ولج عالمها الغريب بصعوبة واطلع على الروايات الروسية فق أر " الجريمة والعقاب" التي حيره بطلها " راسكولينكوف" وشعر بالشفقة على " دستويفسكي" المعذب ( )1محمد مفالح ،المصدر السابق ،ص ن. ()2
عبد الحفيظ بن جلولي (،تيمة المراجعة ووجودية الذات في رواية االنكسار) ،دراسات في أدب محمد مفالح(،د.
ت) ،ص .17 - 47 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
ولكنه لم يجد تفسي ار النقالبه على أفكاره التقدمية ،وأشفق على "تولستوي" الذي توفي في محطة قطار هربا من بيته المريح.»...
()1
كما نجده يصرح بقراءته أيضا لروايات "فولكنير" والتي نذكر من أهمها: "الصخب والعنف" ،حيث لم يعقب كثي ار على هذه األعمال ألنه ال يفهمها جيدا وبالتالي يفضل الحديث عن رواية " الجريمة والعقاب" التي وظفها مشي ار إلى دور بطلها "راسكو لينكوف" الذي حيره بتصرفاته وأفكاره الغريبة .وهنا نذكر مقطعا منها:
«
كانت نظرته ملتهبة عنيفة متغلغلة ،وكانت شفتاه ترتجفان بعنف ...وفجأة انحنى بحركة سريعة وارتمى على األرض يقبل قدميها ،فتراجعت ماذا تعمل؟ ماذا تعمل أمامي! يقول راسكو لينكوف :أنني لم أنحن أمامك بل انحنيت أمام آالم البشرية ».
()2
ولكن الشيء الذي يجب التنويه له هنا هو تحفظ " مفالح" المتمثل في اكتفائه فقط بذكر انطباعه الخاص على ما ق أر من أعمال أجنبية دون أية إشارة توحي بأنه يحكم على العمل بالجودة أو الرداءة. كما نجده أيضا يحس بعاطفتي الحسرة واأللم على " دوستويفسكي" و" تولستوي" والحال التي آل إليها اثنان من األعالم الغربية. كما قام بتوظيف رواية " الخميس اللطيف" لـ" جون استنباك" في رواية االنهيار، وذلك في إشارته ألحد مقاطع الرواية قائال ...« :لقد نام على الكرسي وهو يطالع رواية (الخميس اللطيف) "لجون استنباك" لقد رأى نفسه في شخصية الدكتور ..تذكر جيدا اللحظة التي مزج فيها الدكتور الخمر بالحليب ،وكيف سال لعابه متمنيا أن يتذوق مثل ( )1محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص.11،14 ( )2دستويفسكي ،فيدور ،الجريمة والعقاب ،تر ( :فايز نقش الكردي)(،دط) ،منشورات دار مكتبة الحياة ،بيروت ،لبنان، ،1110ص.121 ،126 - 48 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
هذا الشراب الغريب ،وتساءل متأسفا لماذا يمنع نفسه من تناول الخمور؟ ستنسيه الخمرة بعض الهموم وتحفزه على الكتابة ».
()1
لقد استدرج مفالح شخصيته الورقية " محفوظ" إلى عالم الالوعي ( أثناء نومه)، هناك حيث كل شيء مباح ،مهما كان غريبا وممنوعا مثل الخمرة ،فكيف إذا مزج بالحليب ،إن حوار " محفوظ" الداخلي مع نفسه هو في الحقيقة كان بمثابة نقلة نوعية . يجسد فيها مرحلة " االنهيار" األولى " لمحفوظ" التي تمت في الوعيه .ثم يبدأ "باالنهيار" الثاني في وعيه حينما يقرر فيما بعد الذهاب إلى خمارة " بلمريكان" أين تفقد شخصيته المحترمة كل هيبتها بالتدريج. وتأكيدا على أن " مفالح" هو من كان يعطي انطباعاته كقارئ نجده يصرح فعال بقراءته لمعظم ما أورده من روايات قائال « :في هذه العشرية تعددت قراءتي باللغتين العربية والفرنسية فتعرفت على أعمال أدباء كبار ومنهم :كتاب عرب أمثال "نجيب محفوظ" و"حنامينا" و"عبد الرحمن منيف"و"جب ار إبراهيم جب ار""،كاتب ياسين""،مولود فرعون""،مولود معمري""،محمد ديب""،رشيد بوجدرة" ،وكتاب روسيا وبخاصة "دستويفسكي" و"تولستوي" و"تشيخوف" و"تورجنيف" و"غوركي" ،وكتاب أمريكا ومنهم "فولكنير" و"همنغواي" وا"ستنباك" و"دوس باسوس" ،وأدباء من مختلف الدول أمثال" :مورافيا"، "فرجينيا وولف"" ،كافكا""،زوال""،استندال" الخ.»...
( )1محمد مفالح ،األعمال غير الكاملة (االنهيار) ،ص.17 ( )2محمد مفالح ،شعلة المايدة وقصص أخرى ،ص. 421 - 49 -
()2
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: /3تقاطع أعمال " مفالح" مع التراث النثري:
أ /فن السيرة :وهي عبارة عن محكي استرجاعي نثري وهي فن أدبي قديم ظهر مع القديس أوغسطين صاحب كتاب " االعترافات" ،وهذا ما نجده في كتابات "جون جاك روسو" ،والكاتب "مارسيل بروست" في رواية "البحث عن الزمن الضائع" و "جيمس جويس" ،ولقد ورد ذكر هذه األعمال في رواية "االنكسار" كما أسلفنا سابقا ،وهو فن موجود في التراثين العربي والغربي ،كما يدل على ذلك كتاب " المنقذ من الضالل" لـ "أبي حامد الغزالي ،و "حياتي" لـ "أحمد أمين"... ،الخ. ما يميز بعض أعمال " مفالح" هو أنها تشبه إلى حد كبير هذا النوع من الفنون النثرية من مثل رواية " االنكسار" ،حيث تكشف « مستويات الحدث الروائي في رواية "االنكسار" عن دوال تحيل على الذات الناصة ،ليس كيقين مرتب العالقة واألواصر بين ما حدث في الواقع وما يحدث في النص ،ولكن كاحتمال قرائي يستنتج عبر قرائن نصية تتضمن إمكانية اإلحالة على ذات الناص ،ولعل ذلك ما تعنيه الرواية التي تتطعم في جزء منها بالسيرة الذاتية» ( .)1وذلك عندما نلحظ أنها تحاكي وتحكي عن معاناة كاتب في زمن األزمات ،وقد رأينا كيف أن " مفالح" أسقط رصيده الثقافي على شخصية " بغداد البخلوني" ،كما أسلفنا سابقا ،ولكن هذا ال يعني أن رواية " االنكسار" هي عبارة عن سيرة ذاتية ،ألنها تفتقر لكثير من خصائص هذا النوع من الفنون النثرية ،أهمها استخدام ضمير المتكلم ،ولكنها في الوقت ذاته تشبه هذا الفن وتقترب منه من خالل « :انفالتات سير ذاتية تسربت إلى مفاصل الحدث و تماهت في النسج الروائي محدثة تقاطعات معلمية مع ذات الروائي المتحركة في عالم الواقع بتطلعاته وانكساراته».
( )1عبد الحفيظ بن جلولي (،تيمة المراجعة ووجودية الذات في رواية االنكسار) ،ص.21 ()2
المرجع نفسه ،ص(.)21 ،21 - 50 -
()2
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
كذلك هو الحال في رواية " االنهيار" « التي توظف بطال يمتهن الكتابة ومتعة اإلبداع الفني وخاصة إذا كانت هذه الرواية تبتعد عن السيرة الذاتية ».
()1
هي تتحدث عن معاناة كاتب ولكن ليس المقصود هنا " محمد مفالح" صاحب الرواية" ،سأهبك غزالة" لـ" مالك حداد" ،التي نلمس Je t’offrirai une gazelleمثل ما حدث تطابقا نسبيا بين تفاصيل حياة البطل وحياة المؤلف مثل الهجرة ،المدينة ،باريس الحنين إلى الوطن األم ،معاملة الناشر...و هذا ما تفتقر إليه رواية االنهيار « :ال يحدث توظيف لشخصية األديب في الرواية إال إذا كان الغرض من وراء ذلك هو تسجيل سير ذاتية يقوم بها األديب بنفسه بعد حياة كاملة مليئة باإلبداع والمعاناة ».
()2
وعلى هذا األساس نقول أن " مفالح" عمل على توظيف التراث ،بلمسة فيها شيء من التجديد .أي استعان بفن السيرة وأضاف تعديالته الخاصة عليها. ب /الرواية البوليسية: تعتبر الرواية البوليسية فنا من الفنون النثرية الغربية المنشأ حيث يعرفها " محمود قاسم" قائال« :هي القصة التي تدور أحداثها في أجواء بالغة التعقيد والسرية ...تحدث فيها جرائم قتل بشعة أو سرقة أو ما شابه ذلك ،وأغلب هذه الجرائم غير كاملة ألن هناك شخص يسعى إلى كشفها وحل ألغازها المعقدة ،وقد تتوالى الجرائم مما يستدعي الكشف
()1
محمد ساري ،رواية االنهيار( ،الفنان الحائر بين البرج العاجي والسهل المنشرح) ،دراسات في أدب محمد مفالح،
جريدة المساء ،يوم 71سبتمبر ،1112ص .16 ( )2المرجع نفسه ،ص ن. - 51 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
عن الفاعل ويسعى الكاتب في أغلب األحيان إلى وضع الشبهات حول شخصيات قريبة من الجريمة ».
()1
من خالل هذا التعريف ،يمكن لنا أن نشير إلى بعض الروايات " المفالحية" التي تعاملت مع الجريمة منها" :الكافية و الوشام"" ،والوساوس الغريبة" ،بشكل يضفي عليها صبغة بوليسية ،حيث «نسج " مفالح" خيوط رواية قد تدرج ضمن الرواية البوليسية وهي الوساوس الغريبة التي تحطم الكثير من القوالب الجاهزة للحكي المدجن».
()2
يرى البعض أنه يمكن إدراج رواية " الوساوس الغريبة" ضمن ما يعرف بالرواية البوليسية؛ لما فيها من حيثيات لمعالم جريمة مفادها مقتل امرأة ثرية تدعى " زينب الهنيدي" ،وهذا ما نلمسه في العنوان الهامشي للرواية " على هامش مقتل األرملة الثرية"، وفي إطار هذه القضية نجد المتهم الرئيسي فيها هو الشاعر " عبد الحكيم الوردي" وعليه فمالبسات الجريمة التي خيمت على النص الروائي خصوصا بشكل غامض؛ جعلها تبدو معقدة ،وهذا يدخل ضمن خاصيات الرواية البوليسية .وهي تجربة ومغامرة جديدة للمتن الروائي الجزائري بالنظر إلى غرائبيتها وتقاطعاتها الرمزية ،غير أننا نجد صعوبة في إدراجها في خانة الرواية البوليسية نظ ار للتباين الشديد بين الجنسين ،وان اتفقت كلتاهما في اإلنبناء على الجريمة ،بوصفها تيمة جوهرية في صلب الهيكل الروائي ،وعلى األلغاز أسلوبا. ولكن الرواية البوليسية تخلو من أي لغز غرامي ،ويتوصل الكاتب في النهاية إلى حل لغز الجريمة ،وهذا ما لم يقم به " مفالح" في الرواية .كما أننا لم نلمس أية تتبع ()1
عبد القادر شرشار ،الرواية البوليسية ،بحث في النظرية واألصول التاريخية والخصائص الفنية وأثر ذلك على
الرواية العربية(،د ط) ،منشورات اتحاد كتاب العرب ،دمشق ،7002،ص .11نقال عن :محمود قاسم ،رواية التجسس والصراع العربي اإلسرائيلي ،نهضة مصر للطباعة والنشر ،القاهرة ، 1110 ،ص.42 ( )2وهيبة منداس ( ،تجربة متخصصة سردية ،الوساوس الغريبة) ،دراسات في أدب محمد مفالح ،ص .21 - 52 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
لمسار التحقيق في الجريمة الذي يمنحها مزيدا من اإلثارة والتشويق ،بل نجد " مفالح" يحمل رسالة أخرى حين ركز جل اهتمامه على تتبع مسار " عمار الحر" في عالم الكتابة. وهذه تيمة ال عالقة لها بالرواية البوليسية ،كما أننا نجد الواقع يطغى على "الوساوس الغريبة" من خالل مصداقية الزمان والمكان ،ونكهة التراث واألصالة في الرواية ،أما الخيال فقد كان طيفا في الرواية ليس إال. وعلى هذا األساس نخرج بنتيجة تتركب من احتمالين :إما أن "مفالح" حاول كتابة الرواية البوليسية ولكنه واجه صعوبة نظ ار لطبيعتها .خصوصا أنها غريبة عنا فهي تراث أجنبي «حيث اجتهد الباحثون في إيجاد تلك األسباب التي حالت دون وجود أدب بوليسي عربي مكتمل النضج».
()1
و لعل أكثرها منطقية وواقعية عامل« التعارض والتناقض بين واقعنا اليومي المعيشي والسلوكي ،وأدبنا الذي ال يزال يسلك الطريق الكالسيكي القديم وأن حياتنا تتماشى وفكرنا واقف مكانه ».
()2
واما ألن "مفالح " كتب روايتيه " الوساوس الغريبة" و" الكافية والوشام" بشكل مفعم بمعالم الجريمة .ولكن ليس رغبة منه في مجارات الرواية البوليسية ،بل من باب المتعة والتشويق ليس إالّ .شأنه في ذلك شأن الكثير من الكتاب ألن « األدب البوليسي هو أدب استهالكي بالدرجة األولى» ( .)3يخلق نوعا من الترفيه واللذة لدى القارئ فهو مطلوب، ()1
الخامسة عالوي" ،العجائبية في الرواية الجزائرية " ،رسالة دكتوراه( ،مخطوط) ،كلية اآلداب واللغة العربية ،جامعة
األمير عبد القادر ،قسنطينة ،7001-7001 ،ص.127 ( )2عبد القادر شرشار ،الرواية البوليسية،بحث في النظرية واألصول التاريخية والخصائص الفنية وأثر ذلك على الرواية العربية ،ص.111 ،112 ()3
المرجع نفسه ،ص .171 - 53 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وكذلك يحقق متعة لدى كاتبه وهذا ما صرح بها أحد كتاب الرواية البوليسية قائال «:أنه ال يعتبر نفسه من كتاب الرواية البوليسية الشعبية ،بل " سيمنون" يرى نفسه أديبا حقيقيا يتسلى بكتابة هذا النوع من الروايات ».
()1
والكاتب أيضا هو قارئ قبل كل شيء تستهويه كتابات يحلو له تقليدها أو ذكرها بين الفينة واألخرى كما هو الحال عند " مفالح" لما ذكر " الجريمة والعقاب" "لدستويفسكي" و قصص "أغاثا كريستي" البوليسية والتي نذكر منها " 12لغزا" المشوقة. وفي إطار رغبة الكاتب في ولوج عالم الرواية البوليسية ،نجده يطرح هذا اإلشكال على لسان شخصيته الورقية " محفوظ" قائال «:ما الشيء الذي يمنعه من أن يؤلف مثل األديب دستويفسكي؟ وقال بقلق -":لست مغرو ار" ».
()2
يأتي هذا التوظيف كإشارة لعجز األديب العربي عن مواكبة الغربي في مجال الرواية البوليسية ،ثم يسترسل قائال لست مغرورا ،بمعنى آخر لما ال ،وفي اإلطار ذاته وظف روايات "أغاثا كرستي" التي كانت تقرأها " خروفة بنت الفخار" بحثا عن المتعة ،وعليه فقد جمع "مفالح" من خالله توظيفه "للجريمة والعقاب" "لديستوفسكي" ،وروايات "أغاثا كريستي" خاصيتي اإلبداع الفني واإلمتاع وكليها من خصائص الرواية البوليسية. ج /اليوميات: لقد وظف " مفالح" أيضا شيئا من التراث األجنبي ،الذي نجده بشكل محتشم في الوطن العربي ،أال وهو أدب اليوميات الذي هو من األجناس األدبية السردية التي من أشهرها ( :يوميات "فرجينيا وولف"" ،جال جنييه"" ،كافكا"" ،تولستوي") ،حيث وظف
"
( )1محمود قاسم" :الرواية السوداء ظاهرة القرن الـ "70متاح على الشبكة http: // www-akbarelyom.org : تاريخ اإلنزال 7011/01/74 :م. ( )2محمد مفالح ،األعمال غير الكاملة( ،رواية االنهيار) ،ص.1 - 54 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
مفالح" مقطعا ليومية "تولستوي" « ليس هناك متعة حقيقية تعادل متعة اإلبداع ،ومهما كان الذي ننتجه قلما أو حذاء ،خب از أو طفال ،فال بد من اإلبداع لتوفير المتعة الحقة، وحينما يغيب اإلبداع يقترن العمل بالضيق واأللم أو بالندم والخجل».
()1
لقد جاء هذا التوظيف في إطار حديثة عن مشكل من مشاكل األدب في الوطن العربي هو الكتابة دون جدوى ،وكذلك هو حال " عمار الحر" في رواية "الوساوس يهون الغريبة" هو في بحث مستمر عن اإلبداع ،فكأن "مفالح" من خالل هذا التوظيف ّ
على كاتبه" عمار الحر" ويغرس فيه نفحات اإلبداع ،حيث يصرح مفالح حول هذا الموضوع قائال « :ومهما تكلمنا عن األسباب التي تشد األديب إلى هذه الكتابة الشاقة فأعتقد أن أهم سبب هو متعة اإلبداع ...التي يشعر بها األديب وهو يمارس طقوس الكتابة إلى غاية ابتكار شيء جديد كلية .ويعجبني قول تولستوي ليس هناك متعة حقيقية
تعدل متعة اإلبداع ،ومهما كان الذي تنتجه،قلما أو حذاء...فالبد من اإلبداع لتوفير المتعة الحقة ...بل إن غياب اإلبداع عند الكاتب يكون أكثر إيالما له».
()2
د /المسرح: لقد وظف "مفالح" المسرح أيضا ،الذي هو جنس أدبي نثري وأحيانا شعري ،يعتمد على الحوار والصراع بين الشخصيات ،ويتجلى هذا التوظيف في رواية "االنهيار" حينما وظف شخصية الزوجة الجاهلة التي ترى في عملية اإلبداع والقراءة والكتاب مضيعة للوقت ،وهي نظرة تهدف إلى رسم الصورة التي كانت سائدة في المشرق العربي في النصف األول من هذا القرن لزوجة األديب ودروها السلبي حيث خصص " توفيق الحكيم" مسرحية كاملة إلثبات التناقض بين " أبولون" إاله الفن" و" أفروديت" آلهة الحب والجمال،
( )1محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص.21-20 ( )2ينظر :محمد مفالح ،شعلة المايدة وقصص أخرى ،ص .412 - 55 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
ولم يتزوج إال في سن متأخرة حتى يتحاشى آثار المرأة السلبية عليه و على أعماله األدبية. فيأتي توظيف " مفالح" لهذا الموروث األدبي العربي في سبيل رغبته لتغيير تلك النظرة المجحفة .وربما عرفانا منه بالجميل لدور زوجته ،حيث يجعل "مفالح" شخصية "محفوظ" المحورية في رواية " االنهيار" تنهار بسبب تخليه عن زوجته ومحيطه. وهنا نجد "مفالح" الذي يكتب عن الواقعية بشغف يرد في عمله هذا على أصحاب النظرة والفكر الرومانسي الذين ينشدون الوحدة في سبيل اإلبداع بأنهم على خطأ ،وفي هذا اإلطار نجد " محفوظ" يقول عن زوجته « اللعنة على المرأة .كذب من قال وراء كل عظيم امرأة ،لن يكتب حرفا ما دامت هذه الجاهلة في بيته».
()1
حيث يقوم في نهاية الرواية بالسقوط في هاوية الفشل والندم بدل النجاح واإلبداع. من جهة ثانية نجد "مفالح" قد استعان بخشبة المسرح في " الوساوس الغريبة"، كمكان تم فيه اللقاء الذي جمع بمحض الصدفة بين " عبد الحكيم الوردي" و "زينب الهنيدي" ليطرح قضايا تخص تاريخ منطقة "غليزان" ،وكذلك الواقع السياسي المعيش في الجزائر آنذاك. هناك أين انتفضت "زينب الهنيدي" على ما لمسته من تحريف في الحقائق التاريخية ،ويأتي هذا في إطار رغبة "مفالح" في توعية األديب بأنه يحمل رسالة وأمانة ( ثقافية ،دينية تاريخية) ،ممثل المسرحية حين يغلط جمهوره ،شأنه في ذلك شأن األديب يغلط قراءه وهذا ال يجوز ،ألنه وجب إيصال المعلومة ونشر الواقع والحفاظ عليه للجيل القادم.
( )1محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنهيار) ،ص .11 - 56 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: هـ /األقوال والحكم المأثورة:
لقد وظف مفالح حكمة قالها " علي بن أبي طالب" كرم اهلل وجهه « عش حياتك كأنك ستعيش أبدا واعمل آلخرتك كأنك ستموت غدا» .غير أننا نلحظ أنه وظف فقط الشطر الثاني منها في رواية "االنكسار" حين قال عباس كالمستسلم « فعال إنها دار ابتالء ،اعمل آلخرتك كأنك تموت غدا »....
()1
هنا جاء توظيف هذه الحكمة العربية التي قالها أمير المؤمنين "علي ابن أبي طالب" في اطار تحقيق توازن في حياة المسلم بين التمتع بالدنيا والتفكر في اآلخرة ،لكن " مفالح" وظف الشطر الثاني فقط الذي يخص اآلخرة ،ألن شخصياته الورقية في غنى عن المقطع األول ألنها تتمتع بالدنيا دون تفكير. كما كانت رواية "االنهيار" بمثابة صورة تجسد الدور الفعال للمرأة ،حيث تقوم أساسا على حكمة غربية تقول « :وراء كل رجل عظيم ام أرة» ،هذه الحكمة التي فندها ورفضها محفوظ قائال « :اللعنة على المرأة ،كذب من قال وراء كل عظيم امرأة».
()2
فجاءت هذه
الرواية كما أسلفنا في إطار إعادة االعتبار للمرأة ،التي جعلت "محفوظ" يذرف الدموع عليها في النهاية. و /المذهب الوجودي: إنه مذهب فلسفي ،ضارب في التراث الغربي يبحث عن ماهية اإلنسان ،زعيمه "جون بول سارتر" ،يطرح إشكاليات عن حقيقة الحياة والموت ،حيث نجد بعض معالم هذا المذهب تلقي بضاللها في رواية "االنكسار" ،حيث نجد أن حركة السرد في الرواية
( )1محمد مفالح ،رواية االنكسار،ص .66 ()2
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنهيار)،ص .11 - 57 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
تستدرج من خالل جملتي البداية والنهاية ،فجملة البداية « :استيقظ عباس البري في الوقت الذي تسللت فيه أشعة الشمس إلى حجرة النوم».
()1
وهي بداية جديدة ومشرقة ،ولكنها تنتهي بوفاة خالة " عباس البري" زينب ،التي كانت تمثل له السند الوجداني ،وهي إشارة وجودية إلى ضرورة االعتماد على النفس لتحقيق الوجود ،حيث تختتم جملة النهاية بالمشهد المأساوي لعباس « :هيج الخبر المفجع مواجع قلبه المتعب فانفجر باكيا .إنها المرة األولى التي يبكي فيها بحرقة أمام كل الناس».
()2
يتجلى توظيف مفالح لبعض األفكار الوجودية ،ومن بينها الهاجس الوجودي حيث أن الموت سؤال فلسفي عميق ،لذلك ال يلبث أن يحاصر الذات بخطر النهاية ،ويتفجر إذ ذاك وهم الوجود وماهية الكينونة ،هنا نجد الشخصيات المفالحية تطرح في رواية "االنكسار" أسئلة وجودية ،فنلمس ذلك في تساؤل "عباس البري" « :كيف زحفت فكرة الشيخوخة الرهيبة إلى عقله حتى استولت على نفسه المضطربة وأصبحت تعذبه بقسوة».
()3
تختزن في مضمونها سؤالين مهمين ،سؤال النهاية وسؤال المشروع وهو ما
يزاحم وجودية المؤلف ،الذي هو محاصر على الدوام بتقديم شيء يثبت وجوده ويكرس خلوده ويمنحه انتشا ار على مستوى وعي المتلقي وهنا نجد شخصية " عباس" القلقة في وجوديتها ،وتتساءل عن سبب انتحار الكاتب. « لم يتفهم انتحار الكاتب "همنغواي" الذي كان في أوج مجده األدبي»( ،)4في الوقت الذي كان فيه" بغداد البخلوني" و" عباس البري" يعمالن على إثبات وجودهم ( )1محمد مفالح ،المصدر السابق ،ص .1 ( )2محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .117 ( )3المصدر نفسه ،ص .4 ( )4نفسه ،ص .11 - 58 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
والتغلب على المشاكل التي تواجههم في معترك الحياة ،لكن ما يجدر اإلشارة إليه في هذا اإلطار أن " الوجودية المفالحية" ليست هي ذاتها وجودية "جون بول سارتر" الملحدة، ولوال ذلك ما قال " مفالح " في نفس الرواية " واعمل آلخرتك كأنك ستموت غدا" ،ولكنها تتقاطع معها فقط في طرحها المتواصل لفكرة الموت ودوافعها ،والبحث المستمر عن تحقيق الذات .ولعل السبب الرئيسي في توظيف " مفالح" لمثل هذا التراث األدبي الغربي، راجع إلى بعض الظروف المخزنة التي ألمت بالكاتب مما جعل فكرة الموت تحتل مساحة واسعة داخل المتن الروائي ( االنكسار). وذلك على لسان شخصيته الورقية " عباس البري" ،كقوله « لماذا أصبح مهتما بكل كلمة تقال عن الموت أو الشيخوخة ؟»
()1
وهذه األمور تتوزع على حوالي عشر
صفحات ،ويتراوح أبعادها بين السؤال الفلسفي الغامض وفضاء الكينونة المنتجة. تستمر شخصيات المتن الروائي في طرح إشكاليات فلسفية عن الموت " :تساءل في حيرة عن لغز الموت المتربص بكل كائن حي ،ثم راح يفكر في عذاب القبر الذي سيضمه ربما بعد سنوات قليلة".
()2
بل يتعمق الشعور بالفردية الوجودية حتى على مستوى الموت .والجملة السردية تشكل هذا الهاجس بكل تداعياته الوجودية والفلسفية « فكر في اللحظات التي يتركونك وحيدا في ظلمات القبر».
()3
وفي هذه إشارة إلى سؤال المصير الفلسفي ،بينما يطرح " مفالح" سؤاال مشف ار حينما قال «:ألقى عباس نظرة على ساعته المذهبة».
()4
( )1محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .26 ( )2المصدر نفسه ،ص .61 ( )3نفسه ،ص .66 ( )4نفسه ،ص ن. - 59 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
« ففي عمق التفكير في النهايات و المآالت الغيبية ،يشتغل السرد على تثمين الزمن خالل مفردة الساعة المذهبة ،وهنا يتجلى طرح السؤال الفلسفي سؤال الوظيفة ماذا أتيت ألفعل ؟ فصراع اإلنسان بين الموت والحياة هو الذي يمنح وجودية صاحبه».
()1
المطلب الثاني :النصوص الشعرية: يحظى الشعر بمكانة كبيرة سواء في التراث العربي أو األجنبي ،وهو دليل حي على بقاء األمم ،وهو تبعا ولما يحتويه من زخم هائل من معالم تراثية نجدها متناثرة هنا وهناك بين أطراف القصيدة ،وأحيانا قد تخلق في سماء المعاني حاملة معها كل أطياف الهوية واألصالة ،ولذلك فإن وجود هذا اللون من التراث في "األعمال المفالحية" هو شيء ذواق وفنان أيضا ويتمثل حضور الشعر عند "مفالح" في: عادي ،ألنه ّ /1الشعر العربي القديم: لقد تجلت مظاهر توظيف التراث األدبي الشعري في كثرة ،التضمينات المباشرة المنتشرة بين ثنايا األعمال الروائية ،إال أنها جاءت بشكل مختصر؛ تمثل في بعض األسطر الشعرية أو اكتفائه فقط بذكر بيت بمفرده ،أو حتى جزء منه ،ومن بين ما وظفه " مفالح" هو البيت األول من المية "الشنفرى" بتمامه دون تحويل أو تبديل ،حيث يقول "الشنفرى": أقيموا بني أ ّمي صدور مطّيكم فإني إلى ق ّوم سواكم ألميل
()2
إن توظيف "مفالح" لهذا البيت الذي قاله شاعر فحل من الشعراء القدامى وصاحب الالمية الشهيرة ،التي تعد إرثا أدبيا ال يستهان به ،جاء حامال لداللة مزدوجة ،األولى ()1عبد الحفيظ بن جلولي( ،تيمة المراجعة ووجودية الذات في رواية االنكسار) ،ص ( ،11بتصرف). ( )2محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .24 - 60 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
شخصية قائلها ،والثانية داللة البيت وما فيه من طاقات إنسانية ،فشخصية "الشنفرى" قائل البيت حظيت بقدر كبير من االهتمام لغنى تجربته األدبية ،وما تتكئ عليه من قيم عربية أصيلة ،وهنا نقول أن "مفالح" أسقط شخصية " الشنفرى" التي ترمز للعزة والكبرياء بعد أن قرر هجران الخالن ،بدال من العيش معهم وسط الذل والمهانة .وهنا أصيب بإحباط نفسي ،حيث تم توظيف هذه الشخصية بمعاناتها لتحاكي آالم " عبد الحكيم الوردي" الذي رثى لحاله " عمار الحر" ،وتأسف لتخلي أهله وخالنه عنه في محنته ليعيش غربة قاتلة سببها خيانة األهل كما هو حال "الشنفرى". لقد تعمد الروائي اختيار البيت األول من المية العرب منفصال عن باقي األبيات لإليحاء بأنه بؤرة التضمين الذي تناول من خالله " مفالح" قضايا واقعه وهمومه. كما وظف بيتا آخر لم يذكر اسم قائله جاء فيه: ب كلّها الحياة فما أًعجب تع ٌ
إال من راغب في ازدياد
()1
إن هذا التوظيف األدبي يحمل داللتين ،األولى غياب صاحبها والثاني داللة اليأس رغبة في الموت ،حيث وظف " مفالح" على لسان شخصية تحمل الداللتين معا وهو"الشيخ" فيه مجهول في الرواية تماما كقائل البيت مجهول في الرواية. فعندما سأله " عباس" عن هويته قال « :أنا كنت وكنت .»...
()2
وهذا ما نلمسه في الداللة األولى للبيت ،كذلك داللة اليأس كانت حاضرة في شخصية الشيخ الذي هو على مشارف الثمانين ويتفق مع قول زهير بن أبي سلمى: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حوالً ال أبالك يسأم
( )1محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .110 ( )2المصدر نفسه ،ص .101 - 61 -
()1
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وهنا نحس بمدى براعة " مفالح" في توظيف الموروث األدبي العربي ،بما يخدم عمله ،خصوصا أننا تحدثنا عن بعض شذرات المذهب الوجودي التي ألقت بظاللها على رواية االنكسار ،فها هو مفالح يوظف شخصية بدون ماهية وتتحدث عن فكرة الموت. كما عمد أيضا إلى توظيف نمط آخر من التضمين؛ هو توظيف شطر بيت من نص شعري جاء فيه « :تجري الرياح بما ال تشتهي السفن»
()2
لقد استلهم الروائي هذا
الشطر من البيت الذي يقول صاحبه في شطره األول: ما كل ما يتمنى المرء يدركه
السفن. الرياح بما ال تشتهيه ّ تجري ّ
()3
يدخل هذا البيت في إطار الشعر الوعظي التوجيهي ،استعان به الكاتب كحكمة وظفها للحديث عن الواقع بكل معطياته ،وذلك في سبيل جعل شخصيته " عباس البري" ترضى بما قسمه اهلل تعالى لها فالحياة مقادير ،وواقعية " مفالح" تحرص دائما على توظيف الواقع بكل معطياته دون تحريف أو تزييف. وهنا نرى أن " مفالح" اختار من الشعر " ،قديمه" ،ذلك الموزون المقفى الذي نطق به األولون على السليقة .وهذا وحده دليل على سعيه الدؤوب للمحافظة على التراث والهوية العربية.
( )1معلقة زهير ابن أبي سلمى ،أدب الموسوعة العالمية للشعر العربي،المتاح على الموقع: http://www adab.com/modules PHP ?Name=sh3er&dowahat=isq&shid=252.html. تاريخ اإلنزال.7011/01/02 : ( )2محمد مفالح،رواية الوساوس الغريبة ،ص .174 ( )3قصيد ة أبو الطيب المتنبي ،شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية ،متاحة على الموقع: تاريخ اإلنزالhttp ://www.alfaseeh.com /vb/archive/index. php/t-26263.html.7011/01/02 : - 62 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
/2الشعر األجنبي :لقد حظي الشعر الغربي بنصيبه هو اآلخر في أعمال " مفالح" حيث حاول إسقاط أحاسيس الشاعر " بول فرلين" على معاناة " عمار الحر" .ذلك بتوظيفه مقطع من قصيدة بول فرلين هو «:تتساقط الدموع في قلبي ... كالمطر على المدينة .... ترى ما هو الشعور الكئيب... الذي يمزق قلبي »...
()1
لقد وظف " مفالح" ،هذه القصيدة لـ "بول فرلين" ( 20مارس ،)1114 /1166هذا الشاعر الفرنسي والرمزي بامتياز ،الذي عبر عن معاناته وألمه لما عاشه من أسى بعد فراق صديقه " رامبو" ،حيث كان السجن هو صانع الحدث المرير .وعلى إثره تكون نهاية الصداقة كما هي حال " عبد الحكيم الوردي" و " عمار الحر" هذا من جهة ،ومن جهة ثانية "فبول فرلين" هو شاعر رمزي ،والقصيدة التي بين أيدينا تحمل رمزين :المدينة، رمز للوحدة والضياع واليأس ،في والمطر ،وما هو متعارف عليه أن المدينة طالما كانت ا حين أن المطر رمز للتفاؤل والحياة،وكذلك هي حال " عمار الحر" كما قال مفالح«:متعة ممزوج بالحزن»( ،)2لذلك يأتي توظيف " مفالح" "لبول فرلين" وقصيدته كمحاكاة لحال عمار الحر وأحاسيسه معا. كما وظف " مفالح" شاعر آخر هو " الشاعر رامبو" قائال « :التفت خلفه واختار ديوان للشاعر " رامبو" فتصفح أوراقه الصفراء وشرع في قراءة إحدى قصائده بصوت هامس ثم وضع الكتاب جانبا وعاد إلى األوراق البيضاء». ( )1محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .111 ( )2المصدر نفسه ،ص ن. ()3
نفسه ،ص .22 - 63 -
()3
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
والمعروف عن " رامبو" ( 70أكتوبر 10 -1116نوفمبر )1111أنه شاعر فرنسي رمزي بامتياز ،ولعل توظيف " مفالح" له .يأتي في سبيل المطابقة التي تقع في شخصية " عبد الحكيم الوردي" و " رامبو" ،فنجد " عمار الحر" يحاول االستنجاد بشخصه عله يجد نفس صديقه هناك ،كما أن " رامبو" شاعر معروف بتحرره وانفالته الخلقي،وربما لهذا السبب نجد " عمار الحر" ق أر بعض أبيات "رامبو" في همس ،في الوقت الذي ذكر " مفالح" مقطعا كامال لقصيدة " بول فرلين" وهذا ليس من قبيل الخوف من االنتقاد األدبي ،بل ألن التوظيف على هذه الشاكلة يتناسب مع شخص عمار الحر الهادئ والمحافظ. إن توظيف "مفالح" لنماذج شعرية في رواياته يمنح المتن الروائي شحنات تعبيرية أكبر ،ولكن المعروف أن الشعر الغربي شأنه شأن أي نص يفقد معناه الحقيقي عند خروجه من البيئة واللغة التي كتب بها ،وكذلك هو الحال للقارئ العربي الذي قد ال يفهم في أحيان كثيرة ما قصده " بول فرلين" وغيرهم .وعليه فإن مهمة األديب تكمن في كيفية استفادته من أي مورث مهما كان عربيا أم غربيا« فالمشكلة ال تتصل بمصدر التراث المستعان في العملية اإلبداعية ،وان كانت المصادر غير العربية تشكل مصدر إعاقة عند بعض القراء في استيعاب التجربة الشعرية ...إنما المشكلة تكمن في قاعدة االستفادة منه أي في معايير التوظيف و اإلفادة».
()1
والشيء الذي يجب التنويه إليه في هذا اإلطار أن لجوء األديب إلى االستعانة بالشعر ليس من قبيل عجزه األدبي عن تصوير مشاعر شخصياته وأحاسيسها ،بل جاء هذا التوظيف ليعزز النص ويزيده ثراء ؛حيث يقول عبد اهلل الغدامي نقال عن "جوليا
( )1بوجمعة بوعيو،حسن مزدور ،السعيد بو سقطة،توظيف التراث في الشعر الجزائري الحديث ،ط،1مطبعة المعارف، عنابة،7002،ص.71 - 64 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
كريستيفا" « إن كل نص هو عبارة عن لوحة فسيفسائية من االقتباسات ،وكل نص هو تسرب وتحويل لنصوص أخرى».
()1
كل ذلك يأتي في سبيل إحياء التراث والحفاظ عليه لألجيال القادمة ،ومن بين القضايا األدبية والشعرية التي وظفها مفالح في أعماله هي " نظرية المحاكاة" :وهي فكرة غربية المنشأ وضاربة في التراث األجنبي ،تعود أصولها إلى الفيلسوف"أفالطون" ومن بعده " أرسطو" ،حيث عمد على توظيف تلك األفكار التي نادى بها أفالطون في نظريته. حيث يصف أفالطون الشاعر قائال «:إنه مخلوق خفيف محلق ال يخترع شيئا حتى يوحى إليه فتعطل حواسه ويطير عنه عقله فإذا لم يصل إلى هذه الحالة فإنه ال حول له وال طول وال يستطيع أن ينطق بالشعر»( .)2هنا يشير"أفالطون" إلى أن الشعراء مجانين وال يقاس على كالمهم ،فهم في نظره « ليسوا فنانين متعقلين ألنهم ال يمتلكون السيطرة على ما يقولون ،بل هم في الحقيقة مجانين ومعفون من المسؤولية».
()3
وهذا ما نراه يتجلى في توظيف " مفالح" لهذا الجانب من النظرية في " الوساوس الغريبة" ،حين قالت جميلة عن زوجها الشاعر " عبد الحكيم الوردي" « هو ال يعلم أننا ال نعيش بكالم الشعراء ...أليس كذلك ؟.وسكتت برهة ثم أردفت قائلة بسخرية ... :يا له من شاعر غريب األطوار إنه مجنون فعال»
()1
()4
عبد اهلل الغدامي ،الخطيئة والتكفير ،النادي األدبي الثقافي جدة ،السعودية ،ص ،271نقال عن :جمال مباركي،
التناص وجمالياته في الشعر الجزائري المعاصر.ص.21 ()2
شكري عزيز ماضي ،في نظرية األدب ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،ص .71
()3
المرجع نفسه ،ص ن.
( )4محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .111-111 - 65 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
كذلك قالت " زينب الهنيدي" لعبد الحكيم الوردي في حوار دار بينهما « :أنت شاب حالم حقا ...أال تعلم أن الناس في هذا الزمن ال يهتمون بالشعر؟ ...بل أصبحوا يسخرون من كل إنسان يقضي وقته في البحث عن الكلمات ...أال تعلم ذلك ؟».
()1
إن هذه التصريحات الساخنة التي أدلت بها شخصيات " مفالح" .تهين وتدين الشاعر ،عندما تجعله محط سخرية واستخفاف بل و أكثر من ذلك تتهمه بالجنون ،ضف إلى ذلك الحالة المزرية التي عاشتها شخصية " عبد الحكيم الوردي" ،وعليه فتوظيف " مفالح" لفكرة "أفالطون" تقصد من ورائها حال الشعر اليوم ،ألن شاعر األمس كانت له قيمة أين كانت تقام األفراح والمذابح احتفاء بهذا الشاعر شأنه في ذلك شأن والدة مهر جديد فكالهما رمز للهوية والتراث العربي ،وهذا ما جعل زينب الهنيدي تقول « :أال تعلم أن الناس في هذا الزمن ال يهتمون بالشعر ،بل أصبحوا يسخرون »...وهذه إشارة للفرق بين شاعر األمس واليوم. /3الحداثة: هذه الفكرة الغربية التي جاءت إلى عالمنا العربي نتيجة لذلك الصدام الحضاري بين الشرق والغرب خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية ،ويأتي هذا التوظيف"المفالحي" لقضية الحداثة في سبيل طرحه للسبل األنجع الستغالل هذا التاريخ الغربي أحسن استغالل ،بشكل يخدم األدب دون أن يهدد التراث ومقومات الهوية العربية اإلسالمية الجزائرية ،فنجده يتحدث عن الحداثة اإليجابية تلك التي فصل فيها قائال ...«:سيكون كتابه مناسبة للتعبير عن آ ارئه في موضوع الحداثة وقضايا أخرى .لقد تعامل عبد الحكيم الوردي مع الحداثة ككلمة سحرية ال عالقة لها بالواقع وتطوره الطبيعي...ولكن "عمار الحر" يرى أن للحداثة أكثر من مفهوم ،يتبنى المفهوم المندرج ضمن السياق التاريخي ()1محمد مفالح ،المصدر نفسه ،ص .44 - 66 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
الذي تتحقق به هذه الحداثة»( .)1حاول "مفالح" في هذا اإلطار أن يناقش واقع القصيدة العربية اليوم التي باتت تتخبط بين تيارات تتراوح بين التقليد والتجديد ،وهنا يشير قائال أن « الحداثة التي يريدها ال تلغي خصوصية المجتمع الجزائري».
()2
ويريد بذلك الحداثة التي ترفع األدب الجزائري وتحافظ على التراث والهوية الجزائرية، وعن التوظيف األنجع للحداثة يقول رائدها األول في الوطن العربي "أدونيس" « :عن الحداثة في الشعر وضع "أدونيس" التراث كله في إشكالية مع البنية الحديثة التي تؤسس وجودها على ثالثة مستويات: /1االنفصال عن قيم الماضي لتأكيد قدرة الذات على اإلبداع الجديد . /7إسقاط التراث عن الذاكرة التاريخية حين تفقد عناصره صفة الحياة. /2انتقاء الرموز الصالحة من التراث».
()3
وعليه نجد " مفالح" قد وصف الحداثة ليس كتراث أجنبي ،بل كفكر غربي وجب التعامل معه بشكل صحيح.
/4إشكالية الكتابة واإلبداع: عالج مفالح من خالل " االنهيار" و" الوساوس الغريبة" إشكالية عويصة في األدب العربي ،وهي قضية الكتابة التي تعاني في ظل مختلف األزمات ،مما جعلها تناشد ( )1محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .77 ( )2المصدر نفسه ،ص ن. ()3
عن مجلة عالم الفكر ،م ،1ع ،2أكتوبر نوفمبر ديسمبر ،1111ص .721نقال عن بوجمعة بوبعيو ،حسن
مزدور،السعيد بو سقطة ،توظيف التراث في الشعر الجزائري الحديث،ص.71 - 67 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
اإلبداع فال ترتقي إليه في كثير من األعمال ،فالكاتب في " االنهيار" ،والشاعر في الوساوس الغريبة ،في بحث مستمر عن اإلبداع الذي تحاصره السياسة بهمومها ،والثقافة بآرائها المتناقضة ،والمجتمع بعاداته وتقاليده ،حيث يقول في هذا السياق في افتتاحية رواية االنهيار« الكتابة والدة عسيرة »( ،)1وفي معظم أحداث الرواية يسعى محفوظ إلى الولوج إلى عالمها ،ولكن "مفالح" ال يصف عجز شخصياته عن الكتابة وهي " محفوظ" في "االنهيار"" ،عبد الحكيم الوردي" في "الوساوس الغريبة"،بل يطمح إلى أكثر من ذلك إنه اإلبداع الذي أصبح هاجس األديب في الوطن العربي ،حيث يقول في رواية "االنهيار"«واكتشف فيما بعد أنها مجرد قصة ال إبداع فيها»(.)2 كما تحدث عنهما معا في "الوساوس الغريبة" قائال « :تشجع الجيل الصاعد على خوض غمار الكتابة واإلبداع»( ،)3كذلك في االنكسار حينما قال « :واعترف للروائيين بالموهبة وبالجهد الكبير الذي يبذلونه النجاز أعمالهم األدبية بعدما اكتشف صعوبة الكتابة اإلبداعية»(.)4 لقد حاول " مفالح" على مدار أعماله السالفة الذكر ،توظيف هذه اإلشكالية األدبية في محاولة منه للبحث عن الحلول األنجع لالرتقاء بعالم الكتابة سواء شع ار أو نث ار إلى مستوى اإلبداع ،حيث يصرح " مفالح " قائال عن الكتابة واإلبداع « :إن غياب اإلبداع شعور بالفراغ المهول أو قل بمواجهة ا عن الكاتب يكون أكثر إيالما له ،إذ يمأل حياته العدم».
()5
( )1محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنهيار) ،ص .4 ( )2المصدر نفسه ،ص .1 ( )3محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .71 ( )4محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .14 ( )5محمد مفالح ،شعلة المايدة وقصص أخرى ،ص .412 - 68 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وهذا ما يجعل أغلب شخصيات " مفالح" التي تسعى للكتابة تعاني من الفراغ حيث يقول عن " محفوظ" في رواية "االنهيار": « أصبح يعيش فراغا مفزغا»( ،)1وعن "عبد الحكيم الوردي" « ألم يكن عبد الحكيم الوردي من ضحايا هذا الفراغ المفرغ ؟ .لهذا ربما كان الفن وكانت الكتابة لمواجهة الفراغ المهول»(.)2 وفي مقام آخر « :واعتبر مبادرته عمال مهما في مرحلة سادها الفراغ الثقافي المهول».
()3
ومن هذا المنظور نجد أن " مفالح" يعتقد أن " الفراغ" الذي يخيم على عالم
الكتابة ،هو نتيجة لغياب معالم اإلبداع فيها ،وحتى ينتصر األديب على الفراغ عليه أن يكتب دون ملل ،فيبدع كما فعل " عمار الحر" في نهاية الوساوس الغريبة « لن يسمح للملل أن يستولي على نفسه سيقاومه حتى ينجز عمله وواصل الكتابة بمحبة كبيرة»
()4
*األبعاد الفكرية والجمالية لتوظيف التراث: /1األبعاد الفكرية: الزخم الثقافي والرصيد المعرفي لألديب الذي يعكس طابعه الذواق لمختلفصنوف الفكر واألدب. نثر .أما الشعر فقد وجد بشكل محتشم ،مما ينم عن هيمنة معظم توظيفه كان االجانب النثري على القراءة المفالحية ،ضف إلى ذلك توظيفه للنص العربي أكثر من األجنبي وفي ذلك: ( )1محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنهيار) ،ص .12 ( )2محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص.11 ( )3المصدر نفسه ،ص .71 ( )4نفسه ،ص .141 - 69 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
نلمس خاصية احترام القارئ العربي البسيط الذي يحسب له "مفالح" حسابا يتجلىذلك في طريقة توظيف قصيدة " بول فرلين" باللغة العربية بدال من اللغة الفرنسية. ميله لتوظيف الشعر الموزون والمقفى يدل على رغبة "مفالح" في الحفاظ علىهيكل القصيدة القديمة ،واستنجاده بالشعر العربي القديم ينم على عقليته المحافظة وتقديسه للتراث واألصالة. أحيانا يأتي على ذكر أسماء األعمال التي وظفها وأحيانا ال .وفي هذا إحالة علىفكره المشغول دوما بقول المفيد أكثر من التأريخ و اإلشهار بأصحاب األعمال ،وهذا يدخل في إطار طبعه المتمثل في اإليجاز واالختصار. توظيفه لمختلف صنوف الفنون ال يكون مطابقا لها ،بل يضيف لمسته المفالحيةالخاصة ،وهذا ما لمسناه في " الوساوس الغريبة" و " الكافية و الوشام" واقترابهم من فن الرواية البوليسية. كل األبعاد الفكرية المذكورة سالفا تخدم القارئ البسيط الذي يبغي " مفالح"الوصول إلى درجة إفهامه ،ثم الصعود في حركة بطيئة إلى القارئ النموذجي والضمني القادر على فهم ما وراء السطور. /7األبعاد الجمالية: إن التراث األدبي بمختلف صنوفه النثرية والشعرية يمنح أي عمل إبداعي لمسة جمالية وفنية رائعة تستقطب القارئ المتعطش دوما لكل ما هو مختلف عن العادي والمألوف هذا ما صرح به "عبد اهلل الغدامي" نقال عن "كرستيفا" قائال «:أن كل نص هو
- 70 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
عبارة عن لوحة فسيفسائية من االقتباسات ،وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى».
()1
ويأتي نهل "مفالح" لمنابع التراث أيضا في سبيل تحقيق موازنة بين الجانب الفني والجانب الواقعي الذي يناشد الرسالة السامية التي يسعى " مفالح" إلى إيصالها للقارئ، وهذا هو الهدف الحقيقي في أي عمل إبداعي وجميل «المسألة األساسية في علم الجمال،هي عالقة الفن بالواقع»(.)7 نحس أن النماذج التي استعانت بها الرواية المفالحية ،كانت في مستوى الدورالمنوط بها ،مما جعل المتن عبارة عن لحمة واحدة كيف ال ،و " أبو نواس" يحاور "محفوظ"" ،رامبو" يتشارك األفكار مع " عبد الحكيم الوردي"،و " بول فرلين" يبكي مأساة "عمار الحر". لم يهتم " مفالح" بوصف الشخصيات الحكائية من الخارج بقدر ما كان يهتمبوصفها من الداخل ،طرح قضاياها وأفكارها عبر ما يسمى بالحوار الداخلي أو ما يعرف با لمونولوج ،ويعود ذلك في أن " مفالح" يحول الخطاب من المستوى الحسي المجرد إلى المستوى النفسي والعقلي المجرد وهذه خاصية جمالية من خصائص المذهب الواقعي. جمال التراث الذي استعان به "مفالح" هو الجانب الرمزي فيه .الذي يحمل بينثناياه معان وحقائق يفسرها كل حسب خياله وهذه قوة اإلبداع المفالحي « يمكن القول أن
( )1عبد اهلل الغدامي ،الخطيئة والتكفير ،ص .271نقال عن جمال مباركي،التناص وجمالياته ،في الشعر الجزائري المعاصر ،ص.21 ()7
شفيق يوسف البقاعي ،نظرية األدب ،ط ،1منشورات جامعة السابع ،أبريل ،بنغازي ،ص ،116نقال عن عبد
الحفيظ ابن جلولي ،الهامش والصدى ،قراءة في تجربة محمد مفالح الروائية ،ص.76
- 71 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
القوة الثالثة لألدب ،قوته السيميائية بصفة خاصة ،هي أن نلعب العالمات بدل أن نهدمها».
()1
المطلب الثالث :الشخصيات التراثية: إن التراث هو تاريخ صنعه اإلنسان بنفسه وطعمه بمختلف األفكار التي جادت بها مخيلته ليترك للجيل الصاعد موروثا حضاريا وفكريا يفتخر به ويعينه في معترك الحياة. وألن " مفالح" واحد من أبناء هذا الجيل أبى إالّ أن يستحضر هذه الشخصيات التي تنعمت بخيراتها البشرية. -1حضور الشخصيات األدبية والفكرية: لقد وظف " مفالح" على مدار سلسلة من رواياته مجموعة ال يستهان بها من الشخصيات األدبية ،وبعض إصداراتها المتخمة بعمق الفكر البشري والتي نذكر منها: "ابن خلدون" الذي ذكر كتابه " كتاب العبرو ديوان المبتدأ و الخبر" كذلك في رواية "االنكسار" خصص له صفحتين وذلك في أثناء حديث "بغداد البخلوني" الشخصية السياسية في الرواية عن كتاب " ابن خلدون" ويأتي هذا التوظيف في إطار أن "بغداد البخلوني" سياسي ومثقف يحاول النجاح ومثله األعلى في ذلك " ابن خلدون" هذا الرمز التاريخي األدبي العظيم رجل السياسة ،والفكر ،وعالم االجتماع وكل ذلك نجده حاض ار بقوة في كتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر »(.)2
( )1فانسان جوق ،روالن بارت واألدب ،تر:محمد سويتي ،إفريقيا الشرق ،1116،ص ،106نقال عن عبد الحفيظ بن جلولي ،الهامش والصدى ،قراءة في تجربة محمد مفالح الروائية( ،د ط) ،دار المعرفة ،باب الوادي ،الجزائر،7001 ، ص .10 ( )2محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .20 - 72 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
الذي عنوانه الكامل هو « :كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر،ومن
عاصره
من
السلطان
ذوي
األكبر،)1(»...
وباستحضار
"مفالح" لهذا الصرح األدبي حاول أن يعقد مقارنة بين ما خلفه األولون من تراث أدبي هام ،وبين معاناة أديب اليوم في ظل األزمات السياسية واالقتصادية التي تطرقت إليها رواية "االنكسار" ،واألزمات الثقافية واالجتماعية في "الوساوس الغريبة" ،وكذلك ذكره لثلة ال يستهان بها من أمهات الكتب ،مثل كتاب "األغاني" ألبي "الفرج األصفهاني" وهو أيضا قوة فكرية وميراث أدبي ال يستهان به. كما وظف ثلة من الشخصيات األدبية الدينية من مثل "أبي حامد الغزالي" وهو واحد من أئمة الفكر العربي واإلسالمي صاحب كتاب " إحياء علوم الدين" وذكره لشيوخ وأئمة زوايا منطقة غليزان وذلك في رواية " شعلة المايدة" .غير أن توظيفه للشخصيات األدبية والفكرية المذكورة سالفا جاء بغرض طرح إشكاليات حول األسباب التي تحول بين كاتب اليوم واإلبداع .علما أن الظروف التي عاشها األولون من أمثال " ابن خلدون"،و "األصفهاني" وغيره لم تكن أحسن حاال من الظروف التي يعيشها أديب اليوم ،ومع ذلك فإننا نقول شتان بين األديبين .واألسباب تبقى رهينة البحث المفالحي وغيره من الروائيين العرب. كما نجد توظيفا مكثفا للشخصيات التي قالت كلمتها بقوة في مجال الشعر والتي نذكر منها: المتنبي :الذي فكر " عمار الحر" في تقليد أسلوبه وهذا ما أشار إليه " مفالح" في الوساوس الغريبة قائال «:لقد أعجبه كتاب عن الشاعر المتنبي فق أر منه بعض الفصول..
( )1خليل شرف الدين،ابن خلدون ,مكتبة الهالل( ،د ط) ،بيروت ،د ت ،ص .61 - 73 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وفكر في تقليد أسلوبه في الكتابة ،)1( »...نجد أن "مفالح" رأى في أسلوب " المتنبي" وشخصيته القوة التي يحتاجها األديب ويبحث عنها .لما رأى فيه من تحد و مجابهة للموت ،وال بأس هنا من أن نستحضر بيته الشهير الذي يقول فيه: الخيل واللّيل والبيداء تعرفني والسيف و الرمح والقرطاس والقلم فشجاعة "المتنبي"األدبية والشخصية ،جعلته صاحب موقف وله دوما على ما يقول دليل حجة « حتى أنه لم يسأل عن شيء إال استشهد له من كالم العرب من نظم ونثر».
()2
ولقد جاء توظيف " مفالح" للمتنبي في إطار بث العزيمة وشحذ همم األديب "عمار الحر" ،وغيره ممن أصابهم الخمول والوهن. كما وظف " مفالح" أيضا شخصية " أبو نواس" التراثية في رواية" االنهيار"
حينما
حاول " محفوظ" الذي تحول إلى سكير بامتياز ،بحثا عن السعادة التي قال "أبو نواس" أنها توجد مع كل كأس يتجرعه المرء .هنا نستحضر قول " مفالح" في رواية "االنهيار" «"شرب الخمرة حتى شعر باالنتشاء ...وتذكر ما قرأه عن الشاعر أبي نواس ،فخاطب نفسه قائال :هل أنت سعيد يا محفوظ ؟».
()3
نقول إن توظيف "مفالح" للخمر بحثا عن السعادة يستدعي مباشرة الموروث الشعري وما عرف عن "أبو نواس" من خمريات وخصوصا بيته هذا: ( )1محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .101 ( )2المتنبي ،الديوان ،دار بيروت للطباعة و النشر ،1112 ،ص .1 ( )2محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنهيار) ،ص .14 ( )3المصدر نفسه ،ص.1 - 74 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: صفراء ال تنزل األحزان ساحتها
لو مسها حجٌر م ّسته صراء.
()1
وعليه فإن المطابقة النفسية للحالة الشعورية بين "محفوظ" و"أبو نواس" هي السبب في توظيف " مفالح" لشخصية "أبو نواس" التراثية. وكذلك وظف "مفالح" من التراث المحلي الجزائري أسماء لشعراء يشهد لهم التاريخ بالكفاءة مثل "مفدي زكريا" و "محمد العيد آل خليفة" المشهود لهم بتمجيدهم للتراث الجزائري والثورة المجيدة ،التي حاك لها "مفدي زكريا" ديوانا كامال ،وتغنى" محمد العيد آل خليفة" ببطوالت هذا الشعب الجزائري .كما وظف شعراء من التراث الشعبي بشخصياتهم من مثل" «:سعيد المنداسي"" ،ابن سويكت السويدي"" ،سيدي لخضر بن خلوف" ،وذكرت له شعراء آخرين من بينهم ""عبد القادر الخالدي" و"محمد بالفوضيل"»
()2
وقد ورد توظيف
هذه الثلة األدبية من التراث الغليزاني والجزائري من باب التفاخر بأعالم األدب في مسقط رأس األديب " محمد مفالح". كما استحضر ثلة من األدباء الغربيين ولعل أكثرها كانت شخصية " رامبو" الشاعر الفرنسي المتمرد ،التي انتحلها " عبد الحكيم الوردي" والذي عرف دوما بأنه من الطائشين المتحررين من األخالق والعادات ،وكذلك هو حال "عبد الحكيم الوردي "في نظر من عرفوه حيث يقول "مفالح" في "الوساوس الغريبة" «:واعتبره بعضهم "رامبو" الجزائر المعاصرة»
()3
.
( )1ديوان أبو نواس ،أدب الموسوعة العالمية للشعر العربي،المتاح على الموقع: http://www adab.com/modules PHP ?Name=sh3er&dowahat=isq&shid=210.html. تاريخ اإلنزال7011-01-02:م ( )2محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة.47 ، ()3
المصدر نفسه ،ص.70 - 75 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وبذلك تكون النصوص والشخصيات العربية األجنبية (قديمها وحديثها) قد تفاعلت مع نصوص " مفالح" الروائية في رحلتها للبحث عن إشكاليات الكتابة التي أرقت أديبنا فاتخذها معوال للقضاء على هذا الفراغ المهول الذي ظل مخيما على الساحة األدبية. األبعاد الفكرية والجمالية للشخصيات األدبية: /1األبعاد الفكرية: إن توظيف الروائي للشخصية التراثية يختلف باختالف الهدف الذي يسمو إليهاألدب .ألن لكل شخصية أبعادها ودالالتها التي تخدم األديب بطريقة ما: مثال :استدعاؤه لشخصية "نجيب محفوظ" و"غوستاف فلوبير" لم يكن خبط عشواء، بل هناك أبعاد فكرية ترمي بظاللها على المتن المفالحي ،فهو يناشد الواقعية في معظم أعماله ،وهذا يتجلى حتى على صعيد الشخصيات التراثية التي اختارها مثل "نجيب محفوظ" فهو واقعي ينهل من الواقع و يحاكيه بكل تفاصيله ،كذلك " مدام بوفاري" تستدعي " غوستاف فلوبير" الذي مهد للواقعية النقدية رفقة " ايميل زوال" هذه الواقعية التي تيمت " مفالح" حيث « يرتكز المشروع الروائي عند مفالح على الواقعية ،موظفا لغة بسيطة متوائمة مع متداول الواقع»( ،)1وكذلك فعل " مفالح" مع " بيت الحمراء" التي تحاكي صراع قطبين رأسمالي واشتراكي ،نتج عنهما انفجار أكتوبري في متأزم الصراعات .في حين أن " مدام بوفالي " التي تحكي عن مفاسد العالم الرأسمالي وأخالقياته فكانت سببا في محاكمة "غوستاف فلوبير". استحضار ( بول فرلين" ،رامبو") أيضا لم يكن من باب الصدفة ،بل اختيارهممن بين الشعراء األجانب جاء نتيجة لرؤية " مفالح" العميقة ونظرته الثاقبة للدعم األدبي ()1عبد الحفيظ بن جلولي ،الهامش والصدى ،قراءة في تجربة محمد مفالح الروائية ،ص .11 - 76 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
الذي يحققه حضور معلمين من الشعراء الرمزيين ،إضافة إلى إلمامه برابط الصداقة التي فرقها السجن بين ملك الشعراء" بول فرلين" "ورامبو" .هذا من جهة ومن جهة ثانية حضور شخصية "رامبو" تعكس النفسية الطائشة والمتمردة التي تخيم على "عبد الحكيم الوردي". انطالقا من استدعاء هذه الشخصيات التي تناسب أحاسيس وأفكار األديب ،نجدأن " مفالح" يستدعي في الوعيه فعال موروثه األدبي الذي تستحضره أعماله الروائية إن « الرواية تفعل في أنفسنا ،ألنها تثير شخصيات األساطير الكامنة في ال وعي اإلنسانية كلها».
()1
توظيف " مفالح" لشخصية "أبي نواس"في "االنهيار" ،التي جعلت الخمر حاض اربقوة تدل على أنه ال ينظر لألدب واألديب كوعاء ثقافي نستدعيه كشيء مادي ،ولكنه تعامل مع بيت "أبو نواس" واستحضره بشكل غير مباشر بلمسة تجديدية ،إضافة إلى أنه لم يبال بالنظرة الهامشية لألدب ،خصوصا في وجود الخمر فعمل على توظيف "أبونواس" دون إخضاعه وبيته للمعايير األخالقية أو الدينية التي ال يتفق جوهرها مع جوهر األدب وخصائصه. /2األبعاد الجمالية: لقد تواشجت الشخصيات التراثية مع الواقع االجتماعي في التجربة المفالحيةإلنتاج شخوص تحمل في سلوكاتها ومواقفها صراعا نفسيا واجتماعيا تعانيه طبقة من المثقفين وأخرى من المجتمع بمختلف شرائحه. ()1جب ار إبراهيم جبرا ،الرحلة الثامنة ،ص .24نقال عن والت حسن محمد ،النص اآلخر في عالم جب ار إبراهيم جب ار الروائي،رسالة جامعية مقدمة لنيل درجة الماجستير في اآلداب والعلوم اإلنسانية ،الدراسات األدبية،قسم اللغة العربية-1111،م،1111جامعة دمشق،ص.711 - 77 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
إن طغيان الشخصيات العربية بمختلف شرائحها على الشخصيات األجنبية منجهة ،وتالحم نصوصها من جهة ثانية يمنح المتن لروائي المفالحي قيمة أدبية عربية تفتك بجدارة لقب "الموسوعة الثقافية". عندما يوظف " مفالح " ما جادت به الذاكرة اإلنسانية من صناع الحضارةالعربية والغربية؛ فإنه يقوي روابط المآخاة ويشحذ همم القراء لمواكبة الركب الحضاري في صورة جميلة من صور التعاون الخيري بين البشر.
المبحث الثاني :توظيف التراث الشعبي: تعد الثقافة الشعبية من مواد التّراث الشعبي األكثر انتشا ار في النصوص الروائية؛ وما نقصده بالتّراث في هذا المقام :هو ذلك الموروث الذي يعد صوت الشعب والمحدد لهويته ،فهو نتاج المجموعة البشرية والمنتقل جيالً بعد جيل على مر العصور واألزمنة، يتميز بثقافته الشعبية التي تنتجها اللغة. بمعنى أنه وليد الحياة الشعبية لمجتمع ّ فقد نال التّراث حظه الوافر من التوظيف لدى الكتاب الجزائريين والحضور في نصوصهم الروائية ،حين تعلق باألدب واتخذه كمرجعيةً تم تحويرها لبلوغ آفاق أكثر استيعابا للدالالت االجتماعية. يهمنا هنا هو كيفية توظيف التّراث وجعله نافذةً يطل القارئ من خاللها على وما ّ
الروائي .مما يفسح له المجال لالنفتاح أكثر فأكثر على التراث الجزائري .فال تكاد المتن ّ
تخلو رواية من طقوس وعادات وتقاليد ،وال من أغاني وأمثال وحكايات يتميز بها المجتمع الجزائري ؛وهذا مادفع بها للمساهمة في الحفاظ على الهوية واألصالة الجزائرية. وبناء على ذلك ،سوف نقوم بدارسة هذا التّراث الذي تشرب من منابعه مفالح انطالقا من النصوص الروائية التي بين أيدينا وذلك على النحو اآلتي:
- 78 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
المطلب األول:األدب شعبي :ونتناول فيه مدى انفتاح النصوص الروائية على المثل الشعبي والغناء الشعبي،والحكاية الشعبية. المطلب الثاني :العادات والتقاليد :وسنتناول فيه الطقوس المتعلقة بزيارة أضرحة ما يطلق عليهم باألولياء الصالحين وما يمارس فيها من طقوس يعتقد خطأ أنها من الدين، وكذا مختلف العادات والتقاليد الخاصة باألعراس واألفراح وطرق التحضير لها. المطلب األول :األدب شعبي: أوال/األمثال الشعبية: نالت األمثال الشعبية نصيبها الوافر من االهتمام .إذ نجد أن الكثير من األدباء الجزائريين وظفوها في شتى فنون األدب ،خاصة الرواية منها ،ولكن بشكل مختلف. ويكمن االختالف في طبيعة توظيف هذا العنصر من التراث؛ فلكل أديب تصوراته الفكرية وتوجهاته ومواقفه وطريقته في الكتابة. فمعظم األدباء لم يوظفوا أنواعا محددة من األمثال في رواياتهم؛ بل أخذوا من الرصيد المتنوع والمتعدد من األمثال الشعبية ،ومن بين هؤالء نذكر" :الطاهر وطار" (الالز) ،و "واسيني األعرج" في ("نوار اللوز)،و "ابن هدوقة" في (ريح الجنوب) وغيرها من األعمال الروائية التي شغلت حي اًز مهما عند مبدعيها ،وكمثال على ذلك أعمال "محمد مفالح" التي حاولنا في دراستنا هذه أن نستخرج أهم األمثال الموظفة فيها .فقد استثمر "محمد مفالح" العديد من األمثال الشعبية في كتاباته والتي كان لها دور كبير في إيصال المعنى للقارئ ،كان قد استمدها من اإلرث االجتماعي و المرتبطة « خصوصا بما تعيشه الطبقة الشعبية البسيطة التي ينتمي إليها الكاتب في مدينة غليزان وضواحيها».
()1
وقد جاءت مضامينها لتعبر عن تجارب،أوردها الكاتب في نصوصه
( )1سعيد سالم ،دراسات في الرواية الجزائرية وتناصها مع األمثال ،ط ،1دار التنوير للنشر والتوزيع5015 ،م ،ص .25 - 79 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
«نافثا فيها روحا عميقة منطوية على مهارة الفنان الذي خبر مواطن الجمال ،في كالم األسالف ،فكانت له نعم المعين في استعمال المشاهد والصور التي عجز قلمه عن التعبير فيها كما سنرى».
()1
تعددت موضوعات األمثال المستحضرة في رواياته ،وتباينت مضامينها كما ّ فعكست البيئة االجتماعية والطبيعية للرواية ،وجسدت مهارات المبدع « وقدرته على المزج بينها في جنس إبداعي سردي جديد استلهم المثل كبنية سردية موروثة تحمل طابعا خاصا أساسة الترميز والقناع وهدفه المغزى والحكمة واالتعاظ ألجل تحقيق غايات سامية منطلقها تغيير الواقع».
()2
وبما أن المثل يأتي متعدد األغراض في كثير من األحيان ،فقد ارتأينا أن نصنفه تبعا للفكرة الغالبة حسب السياق في العمل الروائي .ومنه ،فقد خلصنا إلى التصنيف اآلتي: أ /المثل اإلجتماعي: « -1اليوم أصبح زيتنا في بيتنا»
()3
،كما يقال بصيغة أخرى وهي «سمنا في
دقيقنا»؛ ويضرب هذا المثل عند تسوية األمور بين أفراد األسرة أو بين األقارب للحيلولة من تدخل الغرباء ،وذلك حفاظا على األسرار العائلية. ويصاغ أيضاً لتبرير الزواج بين األقارب على وجه الخصوص ،بحجة الحفاظ على العالقات األسرية وتقوية أواصرها وديمومتها عن طريق زواج األقارب ودعما لفكرة القريب أولى من البعيد؛ وكل ذلك سعيا إلى تحقيق منفعة خاصة ذات أوجه متعددة ،إلى درجة ( )1سعيد سالم ،المرجع السابق ،ص ن . ( )2نجوى منصوري ،الموروث السردي في الرواية الجزائرية" ،روايات الطاهر وطار و واسيني األعرج" أطروحة مقدمة لنيل دكتوراه العلوم في األدب الحديث ،كلية اآلداب واللغة العربية ،باتنة ،5015-5011 ،ص .84
( )3محمد مفالح ،شعلة المايدة( ،دروب العودة إلى وهران) ،دار طليلة للنشر والتوزيع1840 ،هـ5010-م، .25 - 80 -
ص
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
أن الكثير من األسر تعتبره حق كزواج الرجل من ابنة عمه أو خاله أو العكس .والدليل على ذلك أنه كثي ار ما يأتي هذا المثل على ألسنة األمهات كحجة يقنعن به أبناءهن يضمن الرعاية عندما يتقدم بهن السن. ليدفعن بهم إلى الزواج من أقاربهن مثالً؛ حتى ّ
وفي الرواية يعبر"راشد" لوالدته عن مشاعره الرقيقة نحو زوجته "مهدية" ابنة عمه ،فهي لم تعد الطفلة النحيفة التي كان يشاهدها بخيمة والديه ،أصبحت ناضجة ومثيرة ،وحين ناول أمه الرغيف ،قالت له: اليوم أصبح زيتنا في بيتنا يا بني.« -5ما يحكك إال ظفرك وما يبكيه إال شفرك»( .)1يختلف النطق بهذا المتناص من جهة ألخرى ،فيقال «ما يبكيلك ًإال شفرك ،وما يخبشك ًإال ظفرك»؛ ويضرب هذا المثل المستشهد ،من باب االعتماد على النفس دون الغير ،واألخذ بزمام األمور وعدم التواكل؛ إذ يسوق هذا المثل في معناه نصيحة أن ال أحد يمكن أن يتدبر شؤوننا كما ينبغي ،إال إذا قمنا نحن بذلك؛ فال شيء أفضل من أن يخدم اإلنسان نفسه بنفسه .ونجد في مضمون هذا المثل قيمة أخالقية مهذبةً لسلوك اإلنسان؛ فهو يدعو إلى سلوك محمود. كما أن حياة األفراد ال تخلو من مواقف كثيرة قد ال يحسن هؤالء مواجهتها فيأتي المثل الشعبي بغرض النصح والتوجيه. وقد دار هذا المثل داخل الرواية في حوار بين "عباس" وصديقه "جمال الخبير" ،هذا األخير الذي ال يستطيع أن يضع الثقة في أي شخص خاصة في هذا الوقت؛ وأن الحياة علمته إنجاز عمله في وقته دون االعتماد على اآلخرين .فمهنته ككاتب عمومي تتطلب منه الصبر والتركيز والتنظيم ،وهي في الحقيقة مهنة مرهقة.
( )1محمد مفالح ،االنكسار ،ص .80 - 81 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
« -4زواج ليلة تدبيره عام»( ،)1يضرب هذا المثل في أمور تتعلق بالتهيؤ للعرس معنويا وماديا .ويقال أيضا للنصح بعدم التسرع في الزواج والتريث في اختيار الشريك لضمان بناء أسرة على أساس المودة والرحمة وقبول الطرفين كل منهما اآلخر .فقد يكون أحدهما عاش في بيئة تختلف عن بيئة الثاني ،فيظهر في تباين رغباتهما ودوافعهما ،وقد يتجلى ذلك أيضا في السلوك والتعاط ي مع مختلف المواقف والظروف .ذلك ما قد يخلق تباينا كبي ار ال يتماشى مع ما اعتادت عليه أسرتا الطرفين ،فيجد كل منهما نفسه أمام وضعية جديدة ،تتطلب منهما التريث في وضع األحكام .وال يقتصر األمر على ما ذكر، بل أن للجانب المادي دو ار ال يقل أهمية عن الجانب المعنوي .فقد يتعسر على الرجل فالتحضير الجيد للعرس وما بعده من مسكن وتلبية مختلف المطالب بسبب الحاجة. ومنه ،فقد يصحب الفارق المادي معه شرخا يالزم البيت الزوجية .وأمام هذا كله ال بد من التفكير مليا. والمناسبة التي أدت إلى صدوره ،هو بطل الرواية "عمار الحر" كان يخشى أن يمنعه الزواج من المعلمة "فوزية" من تحقيق مشروعه "فكرة الكتابة عن صديقه الشاعر"، وخاصة أن هذا المشروع سيستغرق شهو ار طويلة إلتمامه. «-8فولة وانقسمت على اثنين»( ،)2وهو مثل معروف في أوساط المجتمع الجزائري وكثير التداول ،ويضرب على شيئين متشابهين إلى درجة التطابق والى حد يصعب التمييز بينهما .ففي الرواية يتذكر "محمد" طريق مدرسة "زموشي" التي كان يدرس فيها. سألته "خيرة" مرة عندما كانت جالسة أمام عتبة المنزل ،عما إذا كان أبوه هو "المهدي شاقور" .فيجيبها بتعجب عن معرفتها له .فقد استطاعت أن تتعرف عليه من خالل ذلك
( )1محمد مفالح ،الوساوس الغربية ،ص . 24 ( )2محمد مفالح ،خيرة والجبال ،المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائريين ،الجزائر1245 ،م ،ص .24 - 82 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
التشابه الموجود بين الولد وابنه في المالمح والصفات والطبائع .فأجابته بهذا المثال المذكور الموجز في ألفاظه والبليغ في عباراته. « -5بيت بال ولد هو قبر مخيف»( ،)1فاألبناء زينة الحياة الدنيا ،وفرحة الوالدين والنور الذي يضيء كل زوايا البيت؛ فهم الذين يملؤون أرجاءه حركية ونشاطا ويبثون فيه السعادة واالطمئنان .فقد أدرك اإلنسان هذه الحقيقة ،وحاول أن ينقلها في عبارة مختصرة يسوق في طيها معنى بليغ يبرز ما يخلفه العقم من معاناة األزواج الذين لم يقدر لهم اإلنجاب. وجاءت مناسبة قول "المتناص" في الرواية جراء الخوف الذي سكن زوجة "محمد الطالب" ،في لحظة قاسية تألمت فيها كثي اًر ...فلم تجد حالا لمشكلة اإلنجاب ،وأصبحت تبحث عن أي شيء يخلصها من أوهامها الكثيرة ويعيد لها الثقة في نفسها ،فقالت له: "بيت بال ولد هو قبر مخيف" ،ولما أصبح لها أمل في اإلنجاب ،انبسطت مالمح وجهها، وسألت زوجها هامسة :أي اسم تختاره البنك؟ فكانت إجابته مختصرة في المثل اآلتي: « -6حتى يزيد وسميه سعيد»( ،)2وهو مثل يراد من ورائه الحث على التريث والصبر وعدم التسرع واستباق األمور وانتظار حدوثها في الوقت المقدر لها .و للتعبير عن ذلك وايصال المعنى المراد ،كان اإلنجاب في هذا المثل الصورة األوضح لتبليغ المقصود؛ إذ أنه ال يمكن تسمية المولود إال إذا ولد وعرف جنسه أذكر أم أنثى ليعطى له االسم المناسب. « -7ولية و مقطوعة من شجرة»( ،)3هذا المتناص يبقى مجرد تعبير عن حالة تذمر يكثر تداوله عند النساء اللواتي يتدبرن شؤونهن بأنفسهن بسبب غياب الزوج ( )1محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة (رواية هموم الزمن الفالقي) ،ص .480 ( )2المصدر نفسه ،ص ن. ( )3محمد مفالح ،الكافية والوشام ،منشورات إتحاد كتاب الجزائريين ،الجزائر ،ط5005 ،1م ،ص .84 - 83 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
أو األبناء أو األهل لظرف من الظروف ،فينتج لدى المرأة عموما من جراء ذلك الشعور بالوحدة والحاجة القصوى إلى الدعم والسند ،وقد تكون حاجتها للحماية من بطش أقرب الناس إليها دون أن تجد من يذود عنها .إذن فهو وضع يدرك الفرد من خالله أهمية القرابة الدموية سواء كانت من جهة األب أو من جهة األم. وأما المناسبة التي دعت "مريم" أن تستشهد بهذا المثل ذلك أنه عقب الصدمة التي لم تعد تتحملها ،بعدما أصبح زوجها "حميدة" عصبيا وعنيفا ويهددها في كثير من األحيان بالخنق إذا ما حاولت صده عن مغامراته الخطيرة ،لذلك أصبحت تخشاه« ،وهي امرأة ولي لها وال معين ،في هذه ضعيفة "ولية مقطوعة من شجرة" كما تقول عن نفسها ال ّ ()1 الحياة القاسية». « -8وراء كل عظيم امأرة»(،)2والصيغة المعروف بها هي «وراء كل رجل عظيم امرأة» .إن المعنى الذي يسوقه هذا المثل يحمل في مضمونه ،زيادة على الرابط المقدس بين الرجل والمرأة كزوجين ،فقد اهتم أيضاً بالحاالت السلوكية في تعامل كل منهما مع اآلخر ،وبتلك الرغبة النفسية المشتركة بينهما ،ما يؤكد على تجذر صفة التعاون داخل الوسط األسري .فالمرأة ،زيادة على دورها كمربية وما تقوم بأعمال منزلية ،تقف جنبا إلى جنب مع الرجل في مختلف األمور والمواقف :فإلى جانب المحافظة على ماله وصون عرضه ،فهي سند وعون له في شتى شؤون الحياة . هذا ما جعل من بطل الرواية "محفوظ "أن يستشهد به كاعتراف منه لزوجته على مساندتها ووقوفها معه جنبا إلى جنب في مشوار عمله اإلبداعي ،فكتاباته لم تكن تظهر إلى الوجود لوال صبرها وتحملها تلك الليالي التي كان يقضي فيها وقتا كبي ار في التأمل والكتابة ( )1
محمد مفالح ،المصدر السابق ،ص ن .
( )2محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة( ،رواية االنهيار) ص .52 - 84 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: ب/المثل الديني: «-1كل شئ مكتوب»
()1
يشير هذا المثل في معناه إلى قضاء اهلل وقدره في خلقه
و« أن اهلل سبحانه وتعالى قدر األشياء في القدم وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة»( .)2فمصير اإلنسان يحدد قبل أن يولد .وفي الرواية تتوافق فكرة المثل مع إجابة "الشيخ مسعود" حين سئل عن سبب فقره ،فأجاب بهذا المثل تبري ار منه أن اإلنسان عندما يولد يكتب له أن يعيش غنيا أو فقي اًر. ومن األمثال التي تؤكد كذلك على القناعة والرضا بالحال ،ما يلي: « -5الزواج قسمة ونصيب»
()3
جاء هذا المثل في الرواية على لسان أم "راشد"
حين أسرت له برغبة والده في تزويجه ،وألحت عليه قائلة«الزواج قسمة ونصيب أنس الماضي»( .)4أما المتناص اآلخر هو : ()5 رددت "خديجة" هذا المثل عندما سألت « -3من شق الفم ال يضيع صاحبه» لقد ّ ضرتها األولى العجوز "مريم" إلى أين ستذهب بعد وفاة زوجها مع ابنها ،وهي ال أهل وال
أقارب ،سوى أخاها "جلول الحركي" .و"خديجة" تدرك بأنه لن يستقبلها في بيته ،فتجيب "مريم" بالمثل المذكور كتبرير على أن أرض اهلل واسعة وأن الذي خلقها لن يضيعها. لكن يعود لها األمل من جديد عندما تخبرها "خديجة" بأن زوجة المعمر "فانسا" وعدتها بتشغيلها في منزلها .فيعيد لها هذا الوعد األمل في أن البهجة ستملئ حياتها من جديد، وأن متاعبها المادية ستزول ،كما أن خديجة ستتكفل برعاية ابنها محمد أثناء
غيابها..
( )1محمد مفالح ،هموم الزمن الفالقي ،المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائريين ،الجزائر ،1245 ،ص .22 ()2
اإلمام النووي ،شرح األربعين النووية في األحاديث النبوية الصحيحة ،دار البعث للطباعة والنشر ،قسنطينة،
الجزائر ،1245 ،ص .18
( )3محمد مفالح ،رواية شعلة المايدة ،ص 28 ( )4المصدر نفسه،ص ن. ()5
محمد مفالح،هموم الزمن الفالقي،ص .141 - 85 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
« -4كل شاة تتعلق من رجلها» ( ،)1ومعنى المثل المستشهد به «أن كل إنسان يحاسب على قدر عمله ،وال يؤاخذ الرجل بذنب غيره ،وكما أن الشاة تعلق من رجلها عند "السلخ" ،فال يمكن تعليق شاة من عرقوب شاة أخرى» ( .)2وقد ضرب "محمد بن المهدي" هذا المثل لمحمود ،حين أراد تفسير ما كان يكتبه في الصحف عن خيانة أبيه "القايد" للوطن ،وما كان يرتكبه من جرائم عظمى في حق بلده .وهو بذلك يبرر له بأنه المسؤول الوحيد عن تلك الجرائم ،وعليه أن يدفع ثمنها دون أن يحمل أبناءه وأفراد أسرته مسؤولية ارتكابها. « -5سحابة صيف» ( .)3يقال هذا المثل في دفع اليأس واإلحباط وتأكيد األمل وحب الحياة ،فرحمة اهلل واسعة مهما اسودت الدنيا في عيني اإلنسان وتكاثرت عليه المصائب؛ إذ أن الحياة ال تستقر على حال؛ فهي كثيرة التغير ،فبعد العسر يس اًر و ال يدوم هم ألن هنالك دائما فرٌج .وان كان العرفان بالجميل من أسمى األخالق ،فالصبر ال لما تحل المصائب محل الفرح ويذهب صفو يقل عنه مرتبة .ويكون الصبر عند الشدائد ّ الحياة.
ويتعلق المتناص المستشهد به في الرواية بسعدية ابنة القايد« ،حين انتفض والدها غاضبا ،وأمرها باالنصراف إلى المطبخ ،وأالّ تتدخل في شؤون الرجال ] [...ورد "جلول" في حيرة إن زوجته سعدية تغيرت كثي ار في المدة األخيرة ،وأصبحت جافة المعاملة عصبية المزاج ] [...فطمأنه والدها بأن ال يفكر في أمرها ] [...ففي مجرد أن تحتقر وتنهر تتأثر وتثوب إلى رشدها ،وهي بمثابة سحابة صيف سرعان ما تزول وتتالشى». ()4
( )1 ( )2
محمد مفالح ،خيرة والجبال ،،ص.20
سعيد سالم ،دراسات في الرواية الجزائرية وتناصها مع األمثال،ص .152
( ، )3محمد مفالح ،هموم الزمن الفالقي ،ص ..101 ( )4
سعيد سالم ،المرجع السابق ،ص.101،104 - 86 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: ج /المثل التربوي:
« -1اللي تتلفته أجريه»( .)1ويذكر هذا المثل للداللة على الذكاء ومعناه أن «على المرء أن ال يشغل باله بالماضي وذكرياته ،وأن يتفرغ للنظر في المستقبل ،ومن يشغله صوت الماضي ال يستطيع مخاطبة المستقبل كما يقال»( .)2واألمر الذي دعى إلى استحضار هذا المثل هو الصوت الداخلي لبطل الرواية "حماد الفالقي"؛ إذ يشجع نفسه المعمر للمضي قدماً دون التراجع ،فهو حين عمل على تنفيذ عملية تفجير لحانة ّ
الفرنسي "ليون" ،قام مسرعا إلى الغابة المؤدية إلى الجبل خشية أن يكتشف أمره. « -2عينك هي ميزانك»
()3
وهو عبارة عن صورة بيانية توضح فكرةً يراد تبليغها
عن طريق التمثيل ،جمعت عنصرين هما عمق الفكرة وجمال التصوير؛ فعلى اإلنسان
عموماً أن يملك زاداً من التجربة للبت في األمور والتمييز بين الطالح والصالح وبين الغث والسمين ،وفي هذا المقام جاء ذكر العين كأداة مالحظة تكون بمثابة خطوة أساسية مدعمةً بالخبرة للفصل في األشياء واصدار حكم أقل ما يقال عنه أنه صائب .فالثقة في النفس وعدم االعتماد على الغير أهم سمة بارزة في هذا المثل .والمعنى الذي يشمل هذه الصيغة في الرواية ،أن "فاطمة الحمراء" عندما أرادت أن تشتري البرتقال من عند "عواد الروجي" ،سألت عن سبب عدم تواجد الميزان ،فرد عليها ضاحكا ،وهو يقول «عينك هي ميزانك ،وأن أربع حبات من البرتقال عنده تعادل 1كيلو غرام».
()4
« -3لسانك حصانك»(.)5وهذا المثل يكثر تداوله عند العرب ،ويدور موضوعه كله حول اللسان ،فعلى اإلنسان أن ينتبه ويتفطن إلى ما يقوله في مختلف المواقف؛ إذ عليه ( )1محمد مفالح،هموم الزمن الفالقي ،ص .14 ( )2سعيد سالم ،المرجع السابق ،ص .24
( )3محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة (البيت الحمراء) ،ص .114 ( )4محمد مفالح المصدر السابق ،ص ن . ( )5محمد مفالح ،خيرة والجبال ،ص .22 - 87 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
أن يختار األلفاظ المناسبة ،وأن ال يطلق أحكاما اعتباطية على مختلف األمور ،كما يجب عليه أن يحترس من زلة اللسان وعواقبها الوخيمة. ففي الرواية عندما غادرت "مريم" بيت زوجها "المهدي" ،خطرت في بالها فكرة اللجوء إلى أخيها "جلول" عسى أن يحميها من كدر الحياة ،لكونها أخته الكبرى والوحيدة. فلما وصلت إلى القرية ،سألت بائع حلويات متجول عن منزل أخيها .فأجابها بأن جميع سكان القرية يشكون من ظلمه لهم وتسلطه عليهم .ثم سألها بحذر إذا ما كان قد سرقها، فتجيبه في تهكم وغضب بأنها أخته ،وفي تلك اللحظة يتدارك هذا األخير خطأه ويسعى إلى تصويب ما بدر منه من زلة لسان ،فيعتذر منها في النهاية
و يرشدها إلى
بيت أخيها. « -4من فات على كلمة فات على روح»(.)1وهو سرد وصفي أو صورة بيانية يوضح فكرة معينة عن طريق التشبيه والتمثيل ،فيشبه شيئا بشيء آخر ،لتقريب المعقول من المحسوس ،أو أحد المحسوسين من اآلخر ،وقد يكون من أجل التأديب والتهذيب أو لتوضيح التصوير. وينسب هذا المثل في الرواية إلى صاحب العباءة الصفراء ،ورد في شكل نصيحة أسداها له حينما أوقف "عباس" سيارته وأراد أن يهاجم صاحب السيارة المتواضعة، ويطالبه باالعتذار منه ،لكنه تراجع أمام أعين المارة التي حاصرته بنظراتها الشرسة. فسيطر على أعصابه خوفا من ردود فعل صاحب السيارة القديمة مع رجاله الذين كانوا يشجعونه على مواجهته .ثم لوح بيديه المضطربتين في الهواء مستسلما لنصيحة صاحب العباءة الصفراء ووجد في ذلك فرصة سانحة للهروب من نظرات السائق العصبي ومؤيديه الذين لم يخفوا حقدهم عليه.
( )1محمد مفالح ،االنكسار ،ص .82 - 88 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
« -5الفراشة الغبية التي تحوم حول النار»( .)1ويضرب هذا المستشهد في «الشخص الذي يدنو من الشر ويتعرض لما يضره إما حمقًا وغباء ،وانما لسبب غير معروف أو بغية المعرفة لحقيقة تبهره فيسعى إليها ويلقى حتفه ،مثل جهل الفراشة بالنار الحارقة فتلقي بنفسها فيها».
()2
وقد ورد في الرواية على لسان "محمود" في حق "محمد بن خيرة" حين اشتدت الخالفات بينهما ،وبعدما أصبحت "عائشة" ،خليلة "محمود" ،تزوره في بيته دون علم أخيها وتمارس عليه ضغوطا ألنه لم يرد أن يعلق على رسوماتها في إحدى الصحف. ولما علم محمود بعالقتها به ،قال في شأنه هذا المثل فشبهه بالفراشة الغبية التي تحوم حول النار. د /المثل النقدي: «-1دموع تماسيح»( ،)3ويطلق المثل على« كل من يتظاهر بغير ما يبطن أو لمن وفي
يتصنع البكاء وذرف الدموع على سبيل المكر والدهاء وشدة التغرير بالخصم».
()4
الرواية جاء على لسان "حماد الفالقي" حين قام بجر القايد "موسى" إلى منزل
أخته ليرد
لها اعتبارها بعد أن ضربه "بالهراوة" ،ألنه كان قد أساء إليها ،فسالت دموعه تحت وطأة اإلهانة ،ليشفع لنفسه بها إلى "حماد" لكن هذا األخير لم يبال بها واعتبرها دموع مكر وخداع. « -2أمام العصا ...يعرف قدر نفسه»( .)5يمكن القول أن مضمون المثل ،في هذا المقام ،له مقاصد تربوية؛ فهو يعالج موضوع السلوك غير المرغوب فيه وكيفية تقويمه ،إذ ( )1محمد مفالح ،خيرة والجبال ،ص .42 ( )2سعيد سالم ،دراسات في الرواية الجزائرية وتناصها مع األمثال ،ص .151 ( )3محمد مفالح ،هموم الزمن الفالقي ،ص .44 ( )4
سعيد سالم ،المرجع السابق ،ص .25
( )5محمد مفالح ،هموم الزمن الفالقي ،ص ن. - 89 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
تعرف سيرة اإلنسان وتصرفاته من خالل سلوكه وطرق تعامله مع الناس داخل وسط اجتماعي تحكمه جملة من القوانين منها ما ينطوي تحت ما يمكن تسميته
" آداب
السلوك" .و لقد جاءت في صياغة هذا المثل كلمة " العصا" في سياق يدل على الترهيب والضرب بهدف تهذيب سلوك الفرد ليعرف ما له وما عليه. فقد ورد هذا المثل في حق شخصية القايد الذي أصبح في وضع ال يحسد عليه، حيث راح يعتذر من "حماد" أو يطلب منه الصفح ،ويشفع لنفسه إليه كي ال يذهب ليعتذر من أخته .وازاء هذا الموقف الذي يثير في نفس "حماد" حوار داخلي يستهزئ به من جبن القائد وخوفه من العقاب. « -3كل ذي نعمة محسود»
()1
جاء هذا المثل ليؤكد حقيقة ال مفر منها وهي أنه
ال يخلو مجتمع من أفراد يتمنون دائما أن تتحول نعمة غيرهم إليهم ممّنين أنفسهم بها أو
أن يسلبوها كليةً وهو سلوك مذموم حرمه الشرع لما فيه من أذى للغير.
وقد جسد المستشهد نقد الروائي لبعض السلوكات كالطمع والحسد ،فقد كان بطل الرواية "عباس" يخشى مخالطة الناس في األسواق والمساجد ،إذ كانوا يحسدونه على تميزه ونجاحه في الحياة وتمكنه من بناء مركزه التجاري الضخم «ما أكثر الحساد الذين ينتظرون سقوطه ...وسقوطه مرتبط بمصير مركز الزنبقة». « -4من شاب علقوله حجاب»
()3
()2
يتخذ هذا المثل طابع السخرية والنقد الالذع،
ويوظف للتعبير عن استحالة حدوث أمر من األمور بعد أن يكون قد فات األوان . والمثل في الرواية قصد به خالة "عباس" الحاجة "زينب" أن زوجها "عبد القادر ولى زمنه ،خاصة وأن الغناء البدوي والشعر الملحون لم يعودا يحضان السباك" قد ّ ( )1محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .24 ( )2
المصدر نفسه ،ص ن .
( )3
نفسه ،ص .11 - 90 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
باهتمام الناس بعد أن غزت "أغنية الراي" كل مكان ،ومن وراء هذا المثل أرادت هذه الزوجة أن تبين عدم جدوى المحاولة بعد كل تلك السنين وبعدما ناهز السبعين من العمر. هـ /المثل اإلقتصادي: « -1العام يبان من خريفه»( .)1لقد صيغ هذا المثل بكلمات تنتمي إلى الحقل الداللي لكمة "سنة" ولم يتم بناء الكالم اعتباطاً بل المقصود أن السنة بفصولها األربعة قد تكون سنة أمطار تعود بالخير على الحرث والنسل أو سنة قحط وجفاف ،ففصل الخريف يمثل عنصر تقييم يعتمد عليه الفالحون للتنبؤ بما سيجنونه من محاصيل زراعية وهذا دليل خبرة .وقد جاء هذا المثل في سياق آخر فحواه أنه يمكن تقيم الفرد من خالل سلوكه من تصرفات وردود أفعال. وقد ذكر هذا المثل في الرواية يحمل داللة أخرى ،عندما أرادت األم أن تنبه ابنها "عباس" بأنه عندما تزوج من "نجاة" كانت أكبر خطيئة قام بها ،ألن أمه كانت تظن بأن نجاة تزوجته طمعا في مركز الزنبقة وأموال "عباس" .نصحته بتطليقها ألنها ستقوم بتدمير حياته وستستولي على الفيال الزرقاء التي يملكها "عباس"؛ فكانت تنظر إليها على أنها مجرمة وابنة رجل خطير«.فأبوها كان من األشخاص الذين تآمروا على والد عباس، وأمموا أرضه ثم حاولوا سجنه ،فقد كان أبوها بغداد من جماعة المتطوعين لصالح الثورة».
()2
( )1
محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .40
( )2
المصدر نفسه ،ص 44 - 91 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
« -2يا بني ...الزمان ما يخطيش الفنيان»( .)1يضرب هذا المثل في تفضيل العمل على البطالة .ويؤكد على السعي من أجل الكسب الحالل والرزق الطيب ،إذ يمثل تنديدا بكل ما يدعو للكسل و للخمول وللتواكل. ورد هذا المتناص في الرواية على لسان أم "حميدة" ،تسمعه البنها حال عودته إلى المنزل ،وبعد قضائه يوما كالما في البحث عن العمل داخل المؤسسات واإلدارات «وهو يتمنى أن ال يلتقي بوالدته التي تسمعه نفس العبارة المثيرة لألعصاب "يابني الزمان ما يخطيش الفنيان" ال ،لم يكن كسوال أي (فنيان) كما كانت تردده والدته».
()2
وفي األخير ،لقد تشبعت هذه الروايات بمجموعة من األمثال الشعبية التي أصبحت تمثل أساس تشكيل لغة الخطاب الروائي فيها ،ففي دراستنا هذه لم نعمل على ذكرها حملها الروائي دالالت جديدة جميعها ،ذلك أن اهتمامنا كان قد انصب على تلك التي ّ استمدت من روح العصر ،معبرة عما تزخر به النفس من أفكار فلسفية وحقائق واقعية
بعيدة عن الوهم والخيال. ولقد جاء المثل للتعبير عن مختلف «الحاجات والرغبات والميول والطبائع، والعالقات والحكمة والدين والمصير وغيرها من المواضيع التي تصادف مسيرة حياة اإلنسان الجسدية والفكرية والروحية».
()3
فاألمثال ناتجة عن خبرة الشعوب وعن تفكير
سليم ،اختزلت إلى صيغ مختصرة استغلها الكاتب بوعي من أجل استيعاب قضايا عصره؛ ذلك أن « لها أهمية كبرى في حياة الشعوب ،فهي مقدمة كنوزها الفكرية ،تجلب االهتمام وتوضح المقصود ،وتثير الخيال ،وتعين على الفهم ،فتمتع النفس والفكر والمشاعر،
( )1 ( )2 ( )3
محمد مفالح ،الكافية والوشام ،ص .44 المصدر نفسه ،ص ن. ميشال مراد ،روائع األمثال العالمية(،د ط) ،دار الشروق بيروت1248 ،م ،ص .08 - 92 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وتعكس عادات أصحابها وسلوكهم وأخالقهم وتقاليدهم بقلة لفظها وكثرة معانيها التي تعبر عما تكنه الشعوب في أعماقها».
()1
من خالل ما سبق ،يمكن تتويج البحث بمجموعة من األبعاد الفكرية والجمالية التي توصلنا إليها عبر دراستنا لألمثال الواردة في أعمال محمد مفالح: األبعاد الفكرية والجمالية لألمثال: /1البعد الفكري :إن المثل بوصفه وسيلة من وسائل التعبير نجده يحمل أبعادا فكرية تخص األديب منها: لقد استفاد الكاتب مما يتوفر عليه المثل من شحنات بالغية وطاقات رمزية،ومن مفارقات تصويرية ليعكس آراءه النقدية حول قضايا تمس المجتمع. صورت األمثال بحق على مستوى الواقع التاريخي شخصيات ساهمت فيالعمليات الفدائية أثناء ثورة التحرير ،وهو ما نجده في روايتي «هموم الزمن الفالقي» ،و «خيرة والجبال». تضمنت األمثال كذلك في أسلوبها فلسفة بسيطة نابعة من الحياة اليوميةالجارية ،وهو ما يبرر إدراكها بسهولة ،ذلك ألنها في دائرة التجربة الشعبية المصوغة لفن الحياة السياسية واالجتماعية والثقافية. إن استخدام "مفالح" للمثل في الموقف المناسب يدل وينم عن تفهم صحيحللمثل ،مما يعني أن األديب لديه استيعاب فكري يسمح له بتمثيل التراث الذي نشأ فيه.
( )1
رابح العربي ،أنواع النثر الشعبي (،د ط) ،منشورات جامعة باجي مختار ،عنابة ،ص .42 - 93 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
كما أن توظيفه للتراث بأسلوبه ونظرته الخاصة يعكس عناصر نفسية متعددة منمزاجية وانفعالية خلقية تربى عليها األديب مثل توظيفه لهذا المثل« :كل ذي نعمة محسود» ،حيث يعكس البعد النفسي لألديب كونه يخاف من الحسد شأنه في ذلك شأن أي إنسان ناجح. إدراك مفالح لقيمة المثل وما يحمله من دالالت رمزية وشحنات تعبيرية ،حاولاستغاللها بذكائه الخاص للتعبير عن أفكاره ومناقشة قضاياه. شكلت األمثال عامال مساعدا لشخوص الرواية لتأدية أدوارها ،فأصبحت أساسخطاباتهم كعامل يدعم مواقفهم تماشيا مع ما تستدعي إليه المناسبة وكذا بناءا على معطيات النص الروائي. جسدت الرواية وعي الكاتب واستيعابه لقضايا مجتمعه «فقد عرضها في قالبفني إبداعي من خالل واقعية ناضجة استمدت خصوبتها من ذلك المجتمع الذي ظلت تحكمه المفارقات ،وتهيمن على وقائعه ضبابيته المتناقضات أين يتواجد الجهل والوعي». ()1
/2األبعاد الجمالية: لقد وفق الروائي "مفالح" في توظيف أمثال من التراث الشعبي الجزائري والعربي، أضافت مسحة جمالية على أعماله عبر المستويات التالية: أحقية التصرف باإلبدال أو اإلضافة أو الحذف لكلمات -منح الكاتب لنفسه « ّ
األمثال الشعبية األصلية ،وذلك لتحرير بعض معانيها لتؤدي معنى معينا يريد بسطه
( )1
نجوى منصوري ،الموروث السردي في الرواية الجزائرية" ،روايات الطاهر وطار و واسيني األعرج" ،أنموذجا مقاربة
تحليلية تأويلية ،ص .84 - 94 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
ليجعله يتوالد من حين آلخر ،مثل المتناصات« :صام ده ار وأفطر »...و «الفراشة الغبية النار»». التي تحوم حول ّ
()1
تمكن الكاتب من االستفادة مما يتوفر عليه المثل من طاقات رمزية وشحناتبالغية ،أضفى مساحة جمالية على الخطاب الروائي للناس من خالل تنوع وتشعب مواضيعها التي تضمنتها حسب مجاالت الحياة العامة للناس. على مستوى لغة الخطاب الروائي استفاد الكاتب مما يتوفر عليه المثل منشحنات تعبيرية وطاقات رمزية سمحت له بالتخفيف من رتابة السرد وتعميق لغة الحوار. المزاوجة بين الفصحى والعامية في توظيف األمثال عكس تلك اللحمة الجميلةالتي تتكون منها الثقافة العربية من مثل قوله« :الفراشة الغبية تحوم حول النار».
()2
وهو مثل باللغة الفصحى ،وهناك أيضا مثل بالعامية مثل « زواج ليلة تدبيرو عام» ( ،)3وهو مثل عامي وغيرها من التوظيفات التي اختلفت لتجتمع في محور واحد وهو التراث العربي. على مستوى الحدث الروائي ،لقد تمكن الروائي من خالل األمثال التي وظفها منتجسيد ورسم صورة حقيقة للمشهد الذي أرادت تصويره من ذلك قوله « :من شق الفهم ال يضيع صاحبه» حيث ينم هذا المثل على أن من قالته مؤمنة فعال بالقضاء والقدر، والقدرة اإللهية. المثل يجمع بين اإليجاز والبالغة ،وهذا ما يحتاجه العمل الروائي كي يصبحأكثر قيمة ومعنى. ( )1
سعيد سالم ،دراسات في الرواية الجزائرية وتناصها مع األمثال ،ص .141
( )2محمد مفالح،رواية خيرة والجبال ،ص.11 ( )3محمد مفالح،رواية الوساوس الغريبة ،ص.16 - 95 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
يعتبر المثل مرآة صادقة لحياة الشعب وطرق تفكيره ،و مناحي فلسفته ومثلهاألخالقية واالجتماعية وهذا ما يبحث عنه األديب عند استدعاءه للتراث. أخذت الروايات أدوارها في تأسيس عالمها السردي من خالل تأدية المثل
-
لوظائفه الداللية والجمالية؛ حين اتخذ مدلوالت مختلفة ومعاني متجددة تجسدت بين ثنايا السرد ،ومنحت للمتن الروائي مصداقيته وأعلنت انتمائها للبيئة الشعبية الجزائرية خاصة البيئة التراثية للروائي وهي منطقة غليزان. إن توظيف األمثال في الرواية لم يأت صدفةً أو بال قصد ،وانما لغرض تبيين حقيقة مختلف األوضاع التي يمكن أن يعيشها اإلنسان في هذه الحياة بحلوها ومرها وليكشف عن آالمه ومآسيه .وقد ذكر "محمد مفالح" عدة أمثال تباينت مضامينها وعكست البيئة االجتماعية والطبيعية للرواية .إذ يمكن أن نلخصها في الجدول التالي: الرواية -1شعلة المايدة
-5اإلنكسار
راوي المثل في الرواية
المثل الشعبي
نوعه الصفحة
" -اليوم أصبح زيتنا في بيتنا"
عامي
25
" -الزواج قسمة ونصيب"
فصيح
28
-1جمال
" -1ما يحكك إال ظفرك ،وما
فصيح
80
الخبيري
يبكيه إال شفرك"
-5صاحب
" -5من فات على كلمة فات
العباءة الصفراء
على روح"
أم راشد
82
-4أم عباس
" -4العام يبان من خريفه"
عامي
40
-8الروائي
"-8كل ذي نعمة محسود"
فصيح
24
- 96 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: -2خالة عباس -4الوساوس الغريبة
عمار الحر
-8الكافية والوشام
" -2من شاب علقوله حجاب" " -زواج ليلة تدبيره عام"
"ولية ومقطوعة من شجرة"مريم أم حميدة
-2خيرة والجبال
-5األعمال الغير الكاملة
مريم -محمود
"فولة وانقسمت على إثنين" "لسانك حصانك" "الفراشة الغبية التي تحوم حولالنار"
-زوجة محمد
" -بيت بال ولد هو قبر مخيف"
الزمن الفالقي
عامي
الطالب
" -حتى يزيد وسميه سعيد"
-محمد الطالب
" -وراء كل عظيم امرأة"
-محفوظ
" -عينك ميزانك"
عامي عامي فصيح فصيح
28
84 44 24 22 42
فصيح
480
عامي
480
فصيح
52
عامي
114
-حماد الفالقي
" -دموع تماسيح"
فصيح
44
-حماد الفالقي
" -أما العصا يعرف قدر نفسه"
فصيح
44
-حماد الفالقي
" -اللي تتلفته أجريه"
عامي
14
عواد الروجي -1هموم
عامي
يا بني الزمان ما يخطيشالفنيان"
-خيرة
عامي
11
- 97 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: -الشيخ مسعود
" -كل شئ مكتوب"
فصيح
22
-خديجة
-من شق الفم ال يضيع
فصيح
141
-سعدية إبنة
صاحبه"
القايد
-سحابة صيف"
عامي
101
فصيح عامي ففي الجدول المدرج أعاله ،حاولنا إحصاء معظم األمثال الشعبية التي ورد ذكرها في جملة الروايات التي اختيرت للدراسة في بحثنا ،وقد ال حظنا تنوعها اللغوي ما بين العامي والفصيح .كما ال حظنا أيضا أن توظيفها جاء موافقا لمقتضى حال الشخصيات الروائية؛ األمر الذي أضفى على السرد نكهة خاصة ،باإلضافة إلى أنها ذات حمولة معرفية وجمالية أضفت على النص تألقا وأكدت واقعيته. ثانيا :استغالل الشعر الشعبي واألغنية البدوية: إن اإلنسان ومنذ األزل كان يغني ويعزف على أبسط اآلالت معب ار بواسطتها عن خلجاته ومشاعره؛ وتنهض الرواية أيضا في عمقها على المستوى الموسيقي ،مما يخلق بينها وبين الموسيقى تزاوجا كما قال "ميشال بوتور" « :إن الموسيقى والرواية فنان يوضح أحدهما اآلخر والبد لنا في نقد الواحد من االستعانة بألفاظ تختص بالثاني».
()1
فهي بهذه السمة تختلف عن غيرها من سائر أشكال التعبير الشعبي ،في كونها تؤدى عن طريق "الكلمة" و "اللحن" معا.
( )1
ميشال بوتور ،بحوث في الرواية الجديدة ،تر :فريد أنطونيوس ،ط،5دار عويدات ،بيروت ،لبنان1245 ،م ،ص
.80 - 98 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وقد شغلت األغنية الشعبية اهتمام كثير من الدارسين من مختلف التخصصات اإلنسانية واالجتماعية ،في خضم التحوالت التي اكتسحت النسق العلمي والثقافي في الجزائر .ولما كانت األغنية الشعبية تكشف عن نظام المجتمع الواقعي للشعب ،الذي أصبح يعيش فترة من فترات الصراع الحضاري الذي يفرض عليه أن يغير بعض مفاهيمه؛ نجد من هنا أن «األغنية الحية و (نعني بها تلك التي تنبعث من صميم الشعب) لفظا ولحنا ،توارثها الشعب ،ثم خضعت لما تخضع له أشكال التعبير األخرى من تطوير وتغيير في محتواها ،تسهم مع غيرها في أشكال التعبير الشعبي في الكشف عن صورة بناء المجتمع الشعبي».
()1
وبما أنها تختلف عن غيرها من األشكال التعبيرية
األخرى ،فهي تمتاز بسمة رئيسية كونها مجهولة المؤلف ولغتها عامية ،باإلضافة إلى أنها ترتبط بالوجدان بشكل مباشر ،وهي ميزة خاصة بها ال تشاركها فيها الفنون األخرى. واألغنية الشعبية هي معيار حقيقي للتعرف على حضارة األمم وأذواقها ،فهي صورة معبرة عن المشاعر االجتماعية والوجدان الجماعي للشعب ،فهي ترتبط بأحاسيس الناس النغمة مما يجعلها تتناقل عبر وتتواصل مع مشاعرهم؛ كما أنها تتميز باللًحن و ً ً المجتمعات عن طريق الرواية الشفاهية من غير حاجة إلى تدوين .كما « نجد أن هذه المجتمعات في حقيقتها إما مجتمعات ريفية أو مجتمعات محلية تتميز بالقدرة على المحافظة على تراثها الثقافي تختلف عن المجتمعات ذات الثقافة األرقى والتي تتعرض لتغيرات ثقافية واجتماعية بدرجة أسرع ونقصد بها مجتمعات المدينة».
()2
ولعل اهتمام األغنية الشعبية بهموم الشعب وهواجسه هو الذي دفع بالروائي المعاصر إلى االستفادة من معطياتها ومعانيها من أجل توظيفها في نصه الروائي.
( )1
نبيلة ابراهيم ،التعبير في األدب الشعبي ،ط،2دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع،القاهرة ،ص.544 ،541
()2
فاروق أحمد مصطفى ،األنتروبولوجيا ودراسة الترث الشعبي ،دراسة ميدانية( ،دط)،دار المعارف الجامعية،
5004م ،ص .125 - 99 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
و«األغنية الشعبية كغيرها من أغاني شعوب العالم تعكس وبصدق خصائص المجتمع الجزائري ،وتعبر عن روحه ومختلف سماته ومزاياه في بيئاته المختلفة ،لذا فهي تكتسب غناها وتجددها من غنى هذا المجتمع وخصوصياته الثقافية التي تمتح منها»(.) 1 كما أن فهم األغنية الشعبية وتتبع معانيها وتذوق جمالها الفني يستلزم بالضرورة فهما واعيا لبنية مجتمعها وعاداته وتقاليده وتاريخه. ونشير إلى أن «األغنية الشعبية تحتفل بالعديد من الظواهر االجتماعية المختلفة وهي أصدق من الشعر الفصيح في التعبير عن هذه الظواهر لقربها من المجتمع الشعبي من ناحية ،وألنها ترتبط في تعبيرها عن مناسبات متعددة بالعادات والتقاليد والعرف االجتماعي الشعبي مباشرة».
()2
وهذا يوضح أن طبيعة ارتباط األغنية بالرواية سببه
التواصل ؛أي أنها تمنح الرواية صلة تربطها بالذاكرة أو الماضي القريب أو البعيد أو بالتراث بشكل خاص. أوال شك أن الوقوف عند بعض نصوص األغنية الشعبية التي وظفها مفالح ،سوف يبين لنا عدداً من الظواهر األسلوبية والبنائية ومن الصور اللغوية المختلفة في نصوصه الروائية. فمن األغاني التي جاء توظيفها في الرواية توظيفا جزئيا ،وذلك حسب حاجة الكاتب أو بما يخدمه ،نجد ،في روايته األولى "االنكسار" ،أغنية بدوية رائعة مطلعها: نحشم ولد الحمام ودير مزية....هذي الدنيا توصل لحباب كل ضروك من بعدو ....لمتى نص ّدوا. نتف ًكر يا مالح ما شفت أنايا ....هذي الدنيا. ()1
جوادي هنية ،المرجعية في روايات األعرج واسيني ،ما تبقى من سيرة لخضر حمروش ،أنموذجا ،ص .120
()2
حلمي بدير ،أثر األدب الشعبي في األدب الحديث ،كلية اآلداب ،جامعة المنصورة ،دار الوفاء لدنيا الطباعة
والنشر5005 ،م ،ص .82 - 100 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: شفنا عيطة أيام بالفرح وسعدوا ....لمتى نصدوا.
()1
جاءت هذه األغنية مثلما ذكرها الروائي بعنوان (هذه الدنيا) .ففي الحديث عن "عباس البري" بطل رواية "االنكسار" ،هذا األخير الذي قضى سنوات طويلة مهتما بتجارته واالستثمار بمركز الزنبقة ،بعد فترة من الزمن أصبح يخشى ضياعها لما أثقلت كاهله الديون والغرامات ومراسالت البنك التي لم تكن تنقطع عنه ومشاكله مع العمال؛ فقرر السفر إلى الجزائر العاصمة عله يجد حال ألزمته. وهناك انقلبت حياته رأسا على عقب حين غرق في مغامرة جديدة مع فتاة أحالمه "جويدة" التي كانت تحدثه عن السياحة والحب والغناء و المسلسالت العربية؛ فلربما هذا ما حفزه على فكرة الزواج منها .لم يستطع المسكين مقاومة نيران الولع المتّقدة في جوفه؛ فقد سحرته بجمالها وأناقتها ورقتها وثقافتها .لكن بعد مكالمة كان قد تلقاها من صاحب "جويدة " المجهول كان قد حذره فيها منها ونصحه بأن يبتعد عنها .حيث ذكر له بأنها تدخن وتتناول الخمر ،كما أنها طردت من عملها بسبب عالقاتها المريبة. وبعد التقصي ،تأكد "عباس البري" من كل ما قيل عنها ،فأصبح حانقاً عليها ألنها أخفت عنه أسرار ماضيها ،وندم على عالقته بها ،فقد خيبت آماله بها ،وزاده هذا الوضع بؤساً بعد أن رأى فيها فرصة للهروب من غربته المدمرة .وقد أصبح دائم التقلب في فراشه بعد طول تفكير حتى يستسلم للنوم .ومن شدة ما انهال عليه من مصائب ،رأى حلما غريبا ،فقد رأى نفسه يركب سيارة أجرة وقال لسائقها "هيا بنا" وفي الطريق قال للسائق: «إنني مرهق ....أريد أن أغمض عيني بضع دقائق ،سوى السائق قبعته على رأسه وقال له :سأسمعك أغنية بدوية من النوع القبلي ...هل استمعت إلى قصيدة (هذه الدنيا)».
( )1
محمد مفالح ،رواية اإلنكسار ،ص .101
( )2
المصدر نفسه ،ص .105 - 101 -
()2
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
فهذه المقاطع صورت لنا الحالة النفسية التي آل إليها "عباس البري" عكست صراعا قويا بين طموحاته وأحالمه وتطلعه إلى المستقبل ،وبين واقعه المرير بسبب همومه العاطفية ومشاكله التي يعانيها في العمل وخوفه من أن يضيع مركز الزنبقة منه ...فقد كان هذا وصفا قريبا من الواقع يسعى "محمد مفالح" من ورائه إلى وصف وضع اجتماعي واقتصادي في عهد التعددية والخوصصة واالنفتاح. كما ساق الروائي أربعة مقاطع شعرية نعتقد أنها مجهولة المؤلف ،ما لم يكن "محمد صب اهتمامه على ما احتوته هذه من مفالح" قد تجاهل قائلها لسبب من األسباب ،و ّ
حزن عميق .إذ تساءل "عباس البري" عن السبب الذي دفع بزوجته "نجاة" لمغادرة البيت تاركة له رسالة .وتساءل إذا ما اعتقدت أنه على عالقة بامرأة أخرى ،أو ما إذا أنها تأكدت من ضياع مركز "الزنبقة" منه ذلك ما جعله عاج اًز عن مواجهة ألسنة الناس وأسئلتهم المثيرة لألعصاب .فحينما انطلق بسيارته ضغط على زر مسجلة لوحة القيادة فانطلق منه صوت مطرب يغني: جار عـلي الهم وكثر تـشغابي
وتشتت لي الشمل كان في العزماليم
ما نجدوني رجال عند اضطاربي
وفل بيـض العـود والعـادي زادم
وردد عباس مع صوت المطرب: راني مضيوم فوق ما يحمل قلبي
وعالش تزيدني بلومك يااليم
خلي بيني وبين ربي يا عرـبي
ال تقهرني بلوم وأنايا كاظم
()1
عبر "عباس البري" في هذه األبيات عن وحدته في مواجهة حزنه العميق الذي تحول بمرور الزمن إلى وحدة مخيفة وقلق رهيب بعد أن ازدادت الهوة بينه وبين أقاربه ومعارفه منذ شروعه في بناء مركز الزنبقة ،فشعر بأنه محسود ومنبوذ ،كما تمنى لو أنه ( )1
محمد مفالح ،المصدر السابق ،ص .14 - 102 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
اختفى من الوجود قبل أن يدمره ذلك الشعور الغريب الذي استولى عليه بوحشية ال تحتمل بعد هروب زوجته من البيت. ويواصل محمد" مفالح" مقاطعه الشعبية الحزينة عن "عباس" الذي أحس بأنه مقبل عن مواجهة شرسة مع الحياة أمام الفشل الذي سيالحقه إذا لم يسو قضية الديون وتلك المتعلقة بمركز الزنبقة الذي كرس حياته وأمواله كلها في بنائه. فاألغنية بعنوان" :بيا ضاق المور" «يوم الجمعة لقيت شايفة تبكي عند لقبور بًيا ضاق المور بالحق اإلنسان وهمومه تنزاد نفذ صوت المطرب "عبد القادر بوراس" المتألم إلى قلب عباس المتعب: تفنى الدنيا بالتمام ما بقاش معصور بيا ضاق المور ال شايب وال شباب ال بد من اإللحاد».
()1
فقد راودته الكثير من األفكار ،أفكار جاءت من قلب متألم ومتعب ،كما راودته، مدة سماعه لهذه األغنية ،هواجس الموت وهاجس الشيخوخة ،فلم يتحمل لوعة الصوت، فقد كانت كلمات "الشيخ بوراس" كالسكاكين التي تخترق صدره ،وامتأل حينها قلبه أسى وعيناه دموعا .وكلما ترددت عبارة "بيا ضاق المور" كانت تترك في نفسه أث ار بالغا لدرجة أنه خشي من جرائها أن يفقد صوابه ويغمى عليه.
( )1
محمد مفالح ،االنكسار ،ص .48 ،44 - 103 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وما نالحظه هنا ،أن بطل رواية االنكسار "عباس البري" وجد في سيارته المتنفس الوحيد والمكان اآلمن لسماع أغانيه الشجية ،فهو كلما أراد أن يؤانس وحدته لجأ إليها. فهو المكان الوحيد الذي استطاع فيه بطلها "عباس" أن يسمع أغانيه الحزينة والمأثرة بحرية ويتملص من أفكاره المضطربة بهدوء. إن عبارة "بيا ضاق المور" تبدو بسيطة وسهلة بحيث أوردها الروائي بنفس صيغتها األصلية دون أن يغير فيها شيئا ،وهو أمر مقصود حتى تؤدي المعنى الذي أراد إيصاله ،فجاءت منسجمة مع السياق الذي وردت فيه. لقد جاء توظيف "محمد مفالح" لألغنية جزئيا ،كما ذكرنا سابقا ،ألنه لم يضمن األغنية كاملة في نصه الروائي؛ بل عمد إلى إدخال جزء معين كان كافيا ليعبر به عن ظرف نفسي لبطل الرواية .ونالحظ كذلك أن الروائي قد أبقى على لفظ األغنية العامي "الدارجة" ،حتى يحافظ على داللتها اإليحائية وطاقتها التعبيرية واللغة الخاصة بها؛ ألن األغنية في األصل مرتبطة ارتباطا وثيقا بالذاكرة الجمعية الشعبية .فالروائي له دراية بالزخم المعنوي الذي تحمله األغنية الشعبية وبمدى التأثير الذي تحدثه في الملتقى. إضافة إلى ذلك جاءت معظم توظيفاته لألغاني الشعبية على شكل مقاطع تتنوع بين القصيرة تارة والمتوسطة تارة أخرى ،تماشيا مع ما يخدم أحداث الرواية وما يعكس بوضوح حضور التراث. كما جاء توظيفه أيضا لألغاني الشعبية في مواضع أخرى بذكر العنوان فقط وبذكر مؤلفها وهو ما يدعى بالتضمين اإلشاري ،مثل ما ورد في عمله الروائي "الوساوس الغريبة" ،ففي جزء منه نجد بطل الرواية "عمار الحر" الذي عمته فرحة عظيمة لما اطلع على الجزء الذي كتب فيه تفاصيل عن حياة "زينب الهنيدي" منذ والدتها وسجل أيضا رأيه الجريء فيه ،فيقول أنها« :تعلمت زينب شكل الحروف والكتابة على لوحة مصنوعة من
- 104 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
شجرة العرعار ....كما حفظت بعض األشعار التي كان يرددها شيوخ الغناء البدوي ومنهم الشيخ "حمادة" و"الشيخ المدني"».
()1
ويعيد مرة أخرى ذكر شيوخ الغناء البدوي في صفحة أخرى من صفحات الرواية على لسان بطلها "عمار الحر" ،حيث يتكلم عن أوقات فراغه التي يقضيها ،فقد أصبحت له عادة يومية أن يذهب إلى مقهى حيه ويفضل الجلوس في الزاوية اليمنى منه «وفي هذا المقهى الذي يلجأ إليه "عمار" للعب الدومينو واالستماع إلى أغاني "أحمد وهبي"" ،وبالوي الهواري" ،والشيخ "حمادة" والشيخ "المماشي"».
()2
وفي الصفحات األخيرة من الرواية تكلم الروائي عن شيخ البدوي الوهراني .ففي حديثه عن حياة الشاب "عليلو" صاحب أغاني "الشباب" ،هذا األخير الذي ذكر اسمه عدة مرات في الرواية جعله الروائي كشخصية من الشخصيات البارزة في الرواية ،فيقول عنه "عمار الحر" «لقد بدأ الشاب "عليلو" حياته نادال في خمارة بمنطقة "األندلسيات" ثم اهتم بترديد أغاني البدوي الوهراني ثم أصبح من مطربي الراي».
()3
لقد اكتفى الروائي في "الوساوس الغريبة" بذكر أسماء شيوخ الغناء البدوي فقط مع ذكر عناوين أغانيهم .والمالحظ هنا أن أغلب هؤالء الشيوخ ينحدرون من منطقة الغرب، أي أن الروائي قد لجأ إلى بيئة محلية وانتقى من مخزونها الثقافي أعالم األغنية البدوية لغرض التعريف بهم وبمنطقته ،ثم تسخيرها لخدمة فنه الروائي لما لها من طاقات وشحنات فعالة في التأثير على الجماهير.
()1 ( )2 ( )3
محمد مفالح ،رواية الوساوس الغريبة ،ص .14 المصدر نفسه ،ص .180 نفسه ،ص .185 - 105 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
فإذا كان الروائي فقد اكتفى في روايته "الوساوس الغريبة" بذكر أسماء شيوخ الغناء البدوي فقط ،يعود في "االنكسار" السالفة الذكر ويوظف األغنية باإلشارة إلى عنوانها فقط، "أناري وين سويد" و "صالح دزاير".
()1
هذه األغاني المعروفة والمنتشرة في بالدنا ارتبطت بالوسط الجزائري ،وقد كان الدافع من وراء توظيفها ما يؤكده لنا قوله «لم يعد الناس مهتمين ال بالغناء البدوي ،وال بالشعر الملحون ،لقد ولى عهد "القصبة" و "القالل" وغزت أغنية الراي كل مكان»(. )2 وذلك إلحياء التراث الغنائي وتعزيز الرابط الذي يربط اإلنسان بواقعه حتى ينسجم معه. كما أراد أن يستمد من هذه األغاني ما يثري تجربته الفنية ويعطيها عمقا أكبر ويستمد من طبيعتها الرامزة القدرة على التأثير في الجماهير على النحو اإليحائي. والمطّلع على رواية "عائلة من فخار" ،سوف يالحظ أن الكاتب قد لجأ إلى التراث الشعري العربي ،فقد استعان باألغنية العربية (المصرية) التي كان لها حضور مميز إلضفاء نوع من التجديد على التراث الغنائي من جهة وإلرضاء القارئ من جهة أخرى : "لو أني أعرف أن الحب خط ٌير ج ادا ما أحببت" يق ج ادا ما أبحرت". "لو أني أعرف أن البحر عم ٌ
()3
وهي أغنية للشاعر "نزار قباني" أداها المطرب عبد الحليم حافظ ،تتميز بألفاظ قوية ومعاني عميقة ،فتدغدغ مشاعر "خروفة" بطلة الرواية وتوقظ في قلبها مشاعر الحب. فعندما تمددت على سريرها بعد أن شغلت التلفزة ،راحت تنصت لكلمات "عبد الحليم حافظ" ،فتذكرت "جالل العزاوي" ،حب حياتها الحقيقي الذي عاشته بكل حماس ،فقد كادت أن تصبح زوجته ،لوال سفره المفاجئ الذي تركها في حيرة من أمرها. ( )1
محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .11
( )2
المصدر نفسه ،ص ن.
( )3
محمد مفالح ،رواية عائلة من فخار ،ص .15 - 106 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
لكنها لم تفقد األمل وبقيت تنتظره إلى أن يئست من عودته .فكلمات عبد الحليم حافظ أعادت لها ذكرياتها ،وأيقظت في نفسها مشاعر الحنين إلى الماضي والبحث عن لحظات الحب المفقودة ،وتتراءى لها الصورة التي يظهر فيها ،وهو يق أر عليها خواطره دمرت أغنية عبد الحليم كل ذلك وألبستها حزنا عميقا فأجهشت بالبكاء بعد الجميلة .لقد ّ
سماعها لمقطعه األخير :
"لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت".
()1
لقد أبدع الكاتب حينما وظّف هذه األغنية توظيفا مالئما للنص محافظا على روحها الشعبية ،فقد وظفها كما وردت على لسان صاحبها دون أن يغير فيها أو يضيف شيئا إليها .فقد اخترقت جسد الرواية وأدت جملة من الوظائف الحيوية التي ساهمت في خدمة الشكل والموضوع ،لكي تكتسي طابعا مشرقي وتعكس مدى شعبيته .وذلك ما قصده "محمد مفالح" في توظيفه للمقطع األول من أغنية "أم كلثوم"" :إنما للصبر حدود"(.)2 رددتها "خروفة" بصوت مسموع بعد أن شعرت برغبة جامحة في البكاء .عندما تذكرت خروجها في يوم من أيام فصل الصيف الحارة من بيت يفوح بروائح الفقر ويعج بالصراعات الرهيبة والمشاكل المعقدة آملة في الحصول على منصب عمل ،علها تنقض مدمر ،ويغرق في عالم عزلة ا عائلتها من الحاجة والعوز .فقد أصبح والدها يعيش فراغا مخيف بعد أن أغلقت أبواب مؤسسة (المكيفات الهوائية) التي كان يشتغل بها ،فازداد حاله سوءا .ولقد أدت هذه المقطوعة دو ار بار از وأضفت على الرواية شيئا خاصا للتعبير عن المشاعر واألحاسيس ،فإدراجها كان منسجما ومتوافقا مع الرواية ،يجعل القارئ يعيش الموقف بكل تفاصيله.
( )1
المصدر نفسه ،ص ن.
( )2
محمد مفالح ،رواية عائلة من فخار ،ص .5 - 107 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
ويواصل الكاتب توظيف المقطوعات الشعبية في رواية "البيت الحمراء" حين عال صوت علي العنكبوت الرخيم: قـوم ال فـهموا محـبتي وهوايا ....جانبـهم يـا راجح العقل جانبهم ترتاح يامن بهم طال شقايا ...خلي في الخلطة اللي حصل(. )1 وفي مقام آخر يردد "علي عنكبوت" كذلك بكلمات أغنية مشهورة: "هيا حبيبي رافقني نغدوا مشوار الزين"
()2
إن هذه المقاطع هي جزء من أغاني شعبية مأساوية ،أدرجها الكاتب للتحسر واألسف على الوضع الذي آلت إليه شخصيات الرواية .وجاءت على لسان الشخصيات للترويح عن النفس والتعبير عما يجول في خاطرها. وعلى هذا النحو «نجد األغنية الشعبية بأشكالها المختلفة وفي المناسبات المختلفة تحمل تراثا أخالقيا وتجربة صادقة ،فهي ذات وظيفة تربوية تعليمية أيضا إلى جانب وظيفتها االمتاعية»( . )3وهذا ما جاء في رواية "محمد مفالح"" :االنفجار" حينما انطلق صوت المغنية "فاطمة الزهراء" الدافئ والنابع من قلب متوجع وروح متعطشة للضياء. ياعبد القادر الزين ....والقلب ملو حزين والدمعة في العينين ....وأنا مالي قـدرة.
( )1
()4
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية البيت الحمراء) ص .142
( )2
المصدر نفسه ،ص .125
( )3
حلمي بدير ،أثر األدب الشعبي في األدب الحديث ،ص .84
( )4
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنفجار) ص .422 - 108 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
فقد تعالى صوتها الشجي متناغما مع ضربات الدف ومع رقصات ذهبية ورحمة في يوم ربيعي .لقد كان ذلك في عرس "محمد سعدون الطالب" مدرس القرآن بجامع القرية، وعروسه" يامنة" أخت "الفرطاس". فاألغنية الشعبية باعتبارها مرتبطة بحياة اإلنسان يعبر فيها عن همومه وطموحاته وآماله ،فهي لم تنشأ من فراغ وانما جاءت كضرورة حتمية أسهمت في تلبية الحاجات المادية و الروحية والنفسية للفرد. إن غنى النصوص الروائية بالمرددات أو المقاطع الشعبية أكسبها ثراء دالليا وايحاء جماليا" .لقد استطاعت هذه األغاني بفعل ما تتوفر عليه من قدرات إبداعية خالقة أن تمتزج بنسيج الخطاب الروائي ،وتصبح بفعل مرونتها جزئية من جزئيات وأن تلونه بلغتها الخاصة التي تمتاز بشعريتها وداللتها المكثفة" ( .)1فما نستخلصه من إدراج الكاتب لألغنية الشعبية ألعماله الروائية من أبعاد فكرية وجمالية ما يلي: األبعاد الفكرية والجمالية لألغاني الشعبية: /1األبعاد الفكرية :إن توظيف األغاني الشعبية في العمل الروائي يعكس جوانب من شخصية األديب تمثلت في: تحقق األغنية الشعبية اإليهام لواقعية النص السردي وتحميله بعدا رمزياعميقا«:فاألغنية المكتوبة تعد أساسا للتعبير عن ذلك ،ولهذا يعود الروائي ويستخدمها في سياق خاص يوظف كل الطاقة الرمزية التي شحن مؤلفها ومغنيها مفرداتها به ،لتكون تلك الطاقة عونا خارجيا يساعده على توظيفها في نصه السردي»(.)2 ( )1 ()2
جوادي هنية ،المرجعية في روايات األعرج واسيني "،ما تبقى من سيرة لخضر حمروش-أنموذجا" ،ص .125 قارب األغنيات والمياه المخاتلة ،توظيف األغنية في نماذج من القصة القصيرة والرواية المتاح على الموقع: تاريخ اإلنزال 5012-02-05:م Bttp://www.aWu.dam.org/html. - 109 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
حسه الفني الذي يسمح له بتذوق أصناف الفنون واأللوان الغنائية. توظيف "مفالح" لألغنية الشعبية ؛يعني أنه متمسك بالجانب الروحي لتلكاألغاني التي طالما رددها السلف كعصارة لتجاربهم ومناجاة لما حلموا به. إن تنوع مصادر األغاني التي وظفت في الرواية ،يسهم في التعبير عن الحرقةالنفسية ،التي يكون مصدرها حب أو شوق جارف ،ويسهم كذلك في تصوير الواقع االجتماعي في عرض المشكالت االجتماعية التي يعيشها الشعب والكشف عن طبائع الناس وسجاياهم المختلفة. تنوع الطبوع الغنائية وتعدد مضامينها واختالف مشاربها مثل الجزائر ،مصر،وحتى فرنسا ،يعكس الرغبة المفالحية في مناشدة الحضارة اإلنسانية والسعي وراء تعميق شعرية العمل الروائي. تخترق األغنية الشعبية جسد الرواية لتؤدي جملة من الوظائف الحيوية التيتخدم الشكل والمحتوى ،وعلى هذا المستوى تتجلى مقدرة األديب اإلبداعية على التواصل مع التراث. تفتح األغنية الشعبية للروائي المجال أمام مستويات لغوية متعددة استقاها منالواقع اليومي الذي يعيشه" ،فالدارجة" التي صيغت بها المقاطع الغنائية تستعمل بوصفها أقدر من غيرها للتعبير عن الهموم اليومية ،وما يجيش في صدر اإلنسان من مشاعر وأحاسيس. /2األبعاد الجمالية: إن جمالية توظيف األغنية الشعبية تجلى أساسا في :
- 110 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
كونها صادقة المرمى ،ألنها تنبعث من نفس جربت الحوادث بصدق مما يضفيعلى العمل الروائي شفافية أكبر تناشدها نفسية القارئ. األغنية هي مفتاح شعري أو موسيقي للنص ،فهي تضفي عليه إضاءاتخاصة ،فكرية وفنية. أكسبت األغنية الشعبية الرواية بعدها المحلي على الصعيد الجمالي الفني ،كماتساهم في بناء النص الروائي ،وفي إضفاء مسحة شعبية وشعرية عليه. مباشر عن الممارسات ا تعبير ا كما إن لألغنية الشعبية وظيفة اجتماعية لكونها تعداليومية للحياة لذلك نرى علماء االجتماع ودارسو األنثروبولوجيا الثقافية والمتخصصون في اللهجات والعلوم الموسيقية،يبحثون عن هذه المقاطع بين طيات الكتب النادرة ،فنجد الرواية المعاصرة اليوم قد تبنت مسؤولية رسم وتصوير الثقافة الشعبية في لوحة جميلة ومجانية. -
إن جميع صنوف األغنية الشعبية من مثل":بيا ذاق المور" " ،هذي الدنيا"
وأغاني "أديت بياف"" ،عبد الحليم حافظ" و " أم كلثوم" كلها جميعا لديها مستمع هو متيم بها ،وال شك إن وجودها داخل المتن الروائي يعطيه مزيدا من الراحة والترفيه إلى جانب الرواية التي وجدت فيها مما يضفي لمسة جمالية ساحرة على العمل الروائي. ثالثا :الحكاية الشعبية: لقد فصلنا سابقا في بعض من عناصر التراث الشعبي الذي نهل منه"محمد البدوية،الشعر الشعبي.لهذا سيقتصر مفالح"،في مختلف رواياته من مثل:المثل،األغاني ّ حديثنا هنا عن الحكاية و الخرافة الشعبية على أساس أنها تدخل في جنس الرواية والتي
تمثل فنا نثريا،وبالعودة إلى كلمة الموروث السردي ال ّشعبي ،فإننا نقول أنه ما مثل ضروبا مختلفة من التعابير واإليماءات المرتبطة بمراحل زمنية متتالية ومتباينة من التاريخ البشري ،ولذلك نقول أن التوجه للتراث الشعبي واالستعانة به في تشكيل معالم النص - 111 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
الروائي الجزائري أمر طبيعي،وهذا ما لمسناه عند ثلة من المبدعين الذين احتفوا بالتراث قلبا وقالبا مثل "واسيني األعرج"و "الطاهر وطار"وبالعودة للحكاية الشعبية نقول أنها «:الخبر الذي يتمثل بحدث قديم ينقل عن طريق الرواية ال ّشفوية من جيل إلى آلخر، وهي خلق حر للخيال ال ّشعبي حول حوادث مهمة وشخوص ومواقع تاريخية » ّ ويركز هذا النوع من التراث على الخرافة؛ باعتبارها حكايات من نسيج الخيال ()1
وتبتعد إلى حد ما عن المعقول ،لكنه ال يخلو من هدف اعتباري ،بل فيها معاني وقيم أخالقية كانت نتيجة لخالصة تجارب إنسانية صادقة ،منها قول "مفالح" في "االنهيار" «كقصة "قيس" و"ليلى" و كذلك حكاية "عنترة" و"عبلة"" ،لونجة بنت السلطان" سي "أمحمد الفالح"»...
()2
لقد وظف " مفالح" مجموعة من القصص والحكايات التراثية التي تروي عن عشاق حقيقيين أمثال ":قيس بن الملوح" وابنة عمه "ليلى" و "عنترة بن شداد العبسي" الذي هام في حب ابنة عمه عبلة ،وغيرها من القصص التي ظل التراث العربي حافال بها ،صار أبطالها مضربا للمثل ورم از لكل حب عذري وصادق ،وهذا ما جعل "مفالح" يستعين بهذه الرموز التراثية لوصف مدى حب" منصور" "لربيعة" الذي يقيسه على هذه الحكايات التي تربى عليها "مفالح" كشخصية عربية عليها فتعودت ذاكرته على اتخاذ " قيس بن الملوح" و " عنترة بن شداد" رمزين للحب ،كما هو حال شجرة الزيتون والحمامة البيضاء رمزان للسالم.ولذلك استعان بهما " مفالح" ألنه يدرك أنهما رموز متداولة ومشتركة في عرف ً
كل قارئ عربي على األقل.
هذا من ناحية الحكاية الشعبية التي تالمس الواقع في كثير من جنباته بما فيها كونها لشخصيات حقيقية مثل "عنترة بن شداد العبسي" .في حين أن هناك حكايات شعبية ( – )1نبيلة إبراهيم،أشكال التعبير في األدب الشعبي، ،ص.140 ( )2محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية االنهيار) ،ص .11 - 112 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
تميل إلى الخرافة نظ ار الحتوائها على الكثير من الغيبيات ومالمستها لعالم الخيال.ومن ذلك حكاية " عمار الحطاب" التي هي من التراث الشعبي الجزائري وهي بهذا العنوان، تحاكي قصة أو حكاية " خاتم سليمان" و " المصباح السحري"لعالء الدين ،في فكرتها ولكن "عمار الحطاب" تختلف في تفاصيلها عن الحكايتين األخيرتين ،ألنها مطعمة بروح الثقافة الجزائرية ولذلك نعتبرها من التراث المحلي ،وتراث "عواد الروجي" ابن مدينة غليزان الذي سمعها من جدته حيث تتحدث فيها «:عن عمار الحطاب الذي رفق به جني أعطاه خاتما يستعمله لقضاء حوائجه .»...
()1
رغم تطعيم هذه الرواية بالخيال ،نظ ار لوجود الجني ورفقته بالحطاب مع إعطاءه خاتم يعين ه على تحقيق أحالمه ،إال أن هذه الحكاية الشعبية تحمل رسالة نبيلة ،وحقيقية في مغزاها الذي يستنتجه كل من سمع بالقصة على طريقته ،ومنهم " عواد الروجي" الذي وصف "مفالح" سعيه الدؤوب للنجاح وتحقيق أحالمه في هذه الحياة ،وها هو ذا يتذكر تلك الحكاية يقول « :آه لو كان له مثل هذا الخاتم الحتفظ به في سترته ...تمنى لو يساعده الجني على تحقيق بعض أحالمه»( ، )2وهنا نجد توظيف " مفالح" يأتي في إطار وصفه لرغبة شباب اليوم الملحة للبحث عن الكسب السريع وهذا من بين العوامل التي صعدت من أزمات المجتمع الجزائري السياسية واالقتصادية آنذاك ( زمن بيت الحمراء الثمانينات) . كما قام " مفالح" بتوظيف حكايات خرافية خيالية ،ولكنها تخدم الواقع المعيش وهذا هو الهدف األساسي أصال من وجود الخرافة جاءت لتفسير ظواهر الحياة ومعالجة قضاياها العالقة «حيث تحتل الخرافة الشعبية مكانا واسعا في القصص الشعبي ،حيث تتناول موضوعات شتى ومتنوعة سواء كانت دينية أو غير دينية وهي تأتي دائما تفسي ار ( )1محمد مفالح،األعمال الغير كاملة(،بيت الحمراء) ،ص .121 ()2
المصدر نفسه ،ص .121 - 113 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: مدهشا لحقائق الحياة في جانبيها الظاهر والخفي»
()1
وعلى هذا األساس قام " مفالح"
بذكر بعضها في رواية "االنكسار" «:ذكر اللحظات الجميلة التي قضاه قربها وهي تروي له الحكايات الغريبة ،ومنها لونجة بنت الغول ،الذيب األبتر ،بقرة اليتامى ،)2( »...وهي حكايات شعبية تحاكي الواقع بآالمه وانكساراته مثل ظلم زوجة األب ،انتصار الخير على الشر ،الخداع ،الحب ،الكراهية ،حاكتها مخيلة العربي وتمخضت على تجارب حياتية صادقة. والالفت للنظر أن "مفالح" في أثناء توظيفه لحكاية " عمار الحطاب" و "لونجة بنت الغول"" ،بقرة اليتامى"" ،الذيب األبتر" ،نجده يقول أن الحفيد " عواد الروجي" في رواية "االنهيار" و الحفيد " عباس البري" في رواية "االنكسار" ،قد سمعا هذه الحكايات على لسان جداتهم ،وفي هذا السياق نلمس إشارة إلى التراث وعبق األصالة ألن "الجدة" هي رمز للحضارة والتجارب التي تمخضت عنها وولدت من رحمها هذه اآلثار والمخلفات األدبية العظيمة .فنجده يخشى عليها من سلطة التكنولوجيا قائال «:لقد مضى زمن البراءة والحكايات السحرية التي طمستها القنوات الفضائية الشرسة»( .)3وهنا نقول ال يا روائينا الفاضل فنكهة التراث ال تلغيها أية حضارة .فمهما تقدم وتحضر الجزائري فرمضان ال تحييه إال لمات تراثية أصيلة.
( )1ليلى روزالي قريش ،القصة الشعبية الجزائرية ذات األصل العربي ،ص .147 ،141 ( )2محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .67 ( )3محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص ن. - 114 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: األبعاد الفكرية الجمالية: /1البعد الفكري:
إن اعتماد مفالح على ما احتوته الهوية الجزائرية من تراث يأتي بهدف إيمانهالمطلق بتلك القيم والحكم النبيلة التي تشبعت بها العقلية المفالحية ورأت بدا من تمريرها للقارئ الذي هو في أمس الحاجة إليها. على صعيد الحكايات الشعبية التي انتقاها " مفالح" دونا عن غيرها لخدمة عملهاإلبداعي نقول أنه وجد فيها ما يعبر به عن حالته الحضارية والفكرية ،وتنم عن أنه يملك ويعول عليه في طرحه الحضاري. وعيا شعبيا وأدبيا يفتخر به ّ إن الموروث الشعبي يدل على شخصية المجتمع ،ألن الثاني هو الذي صنعاألول ،فإن هذا الموروث عندما يصبح جزءا من الذاكرة الجماعية فيما بعد يدل على البنية الفكرية والنفسية للمجتمع ،و" مفالح" أيضا وعاء ثقافي يزخر ويتغذى من تراثه. غياب الحكايات الشعبية األجنبية ،يدخل في إطار رغبة " مفالح" في بث روحاألصالة التي تعبق بها العقلية الشعبية للجدة العربية. /2األبعاد الجمالية: إن " مفالح" لم يقف عند المادة التي يقدمها سواء :الخرافة أو الحكاية الشعبيةوقوف
المسترجع المحاكي ،إنه وهو يقدم لنا نصا يتأسس على قاعدة التفاعل
أو التعالق ينتج لنا نصا جديدا يجعلنا نرى في النص القديم روح العصر الحديث ،مثل معاناة "عواد الروجي" في الثمانينات التي ترى في ما جرى " لعمار الحطاب" حال ومالذا.
- 115 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
حضور التراث كان ضرورة إبداعية تعطي النص مصداقية الواقع الذي عاشتهاألجيال السابقة وتعانيه األجيال الالحقة مثل معانات " قيس وليلى" و " عنترة وعبلة" والتي يعيشها منصور في حب ربيعة وغيره من العشاق. اللمسات اإلبداعية التراثية جعلت من المتن المفالحي أكثر حداثة لما تحمله من تيمات أدبية تعول على الرمز الذي يسمح بتعدد القراءات ويمنح النص مسحة جمالية تستقطب المتلقي بمختلف أصنافه. المطلب الثاني :توظيف العادات والتقاليد والمعتقدات: إن التراث هو إبداع فكري متميز ،يحمل بين جنباته ثقافة شعبية واسعة .وتعتبر العادات والتقاليد الشعبية أكثر عناصر التراث الشعبي انتشا ار؛ فهي جزء هام من التراث العربي «يضم الممارسات الشعبية والطقوسية معا ،كما يضم الفلكلور والمثيولوجيا العربية ويضم أيضا األدب الشعبي الذي أبدعه الضمير الشعبي أو العطاء الجمعي ألدباء الشعب العربي في مسيرته الحضارية من القديم إلى اليوم»(.) 1 والعادات والتقاليد من ظواهر الحياة االجتماعية ،لكل منهما جذور تاريخية عريقة تتوارث خلفا عن سلف وترتبط بسلوك الجماعة ،وتكتسب مع الزمن توسعا ورسوخا يضفي عليها في أغلب األحيان طابع القاعدة المكسوة بثوب القانون والعرف .فقد أصبحت في أغلب المجتمعات مصد ار لكثير من القوانين التي تمتثل لها وتحترمها كأي قانون مكتوب. كما أنها حصيلة معتقدات.
( )1
سعيدة حمزاوي( ،صورة المرأة في المعتقدات الشعبية ،الموروث الشعبي وقضايا الوطن) ،الملتقى الوطني األول
للموروث الشعبي ،الرابطة للفكر واإلبداع ،محاضرات الندوة الفكرية السادسة ،مطبعة مزوار للنشر والتوزيع ،الوادي، ،5005ص .55 - 116 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
ويعرف "جلن وجلن" Gillin and Gillinالعادة االجتماعية بأنها « كل أسلوب متكرر يكتسب اجتماعيا ،ويتعلم اجتماعياً ،ويمارس اجتماعيا ،ويتوارث اجتماعيا».
()1
فالعادات إذن هي نتيجة تفاعل اجتماعي يتعدى مفهوم الفرد ويطلق البعض عليها مصطلح "الطرق الشعبية". أما التقاليد فهي «عادات مقتبسة اقتباسا رأسيا ،أي من الماضي إلى الحاضر ،ثم من الحاضر إلى المستقبل ...ويزيد التقاليد قوة أن آباءنا يتمسكون بها ...ولذلك كان أصعب دور كلفه إياه األنبياء والمرسلون تغيير عادات القوم المتوارثة أي تقاليدهم».
()2
أما الميدان الثاني فنوليه أهمية خاصة ألنه يرتبط بالمعتقدات والمعارف الشعبية «التي يؤمن بها الشعب فيما يتعلق بالعالم الخارجي والعالم فوق الطبيعي ،وتتميز هذه المعتقدات بخصائص مميزة منها :أنها من أكثر ميادين التراث الشعبي معرفة باألفكار أو المواقف اإلنسانية العامة أو ما يعرف باألفكار األساسية ،كما أنها تهتم بالبحث عن تصورات الناس،و عن بعض الظواهر الطبيعية والنفسية»( ،)3وقد تنوعت مواضيعها بين السحر والتقرب إلى األولياء الصالحين وتفسير األحالم؛ أي ارتبطت بكل ما هو موجود في العالم الخفي ،وليس هذا فحسب بل حظي الطب الشعبي أيضا بنصيبه منها. وقد احتلت العادات والتقاليد مكانة هامة في روايات "محمد مفالح" ،حيث تمكن من خاللها التوغل في عمق المجتمع الشعبي ،الذي يوحي بواقعية النماذج النابعة من منطقته وبعمق إحساسه الذي نلمسه في الموضوعات المطروحة.
()1
سامية حسن الساعاتي ،السحر والمجتمع (دراسة بصرية وبحث ميداني) ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر،
بيروت ،ط ،1244 ،5ص .122 ()2
عبد الحميد بوسماحة ،الموروث الشعبي في روايات عبد الحميد ابن هدوقة ،ص .85
()3
الترث الشعبي) ،دراسة ميدانية ،دار المعرفة الجامعية5004 ،م، فاروق أحمد مصطفى( ،األنتروبولوجيا ودراسة ا
ص .51 - 117 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: أوال :العـادات والتقاليد:
-1مراسم الزواج :تعرض "محمد مفالح" في رواياته إلى الزواج الشعبي باعتباره من أهم العناصر المندرجة ضمن العادات والتقاليد. والزواج مؤسسة مقدسة في اإلسالم ،هدفه الرئيس إضفاء الشرعية على العالقة التي تربط الرجل بالمرأة .وقد طرح الروائي من خاللها مجموعة من القضايا ،منها الطريقة التي ستعدادا لليوم الذي يقام فيه العرس كتنظيف تقتضيها العادة في التحضيرات األولية ا ً وترتيب البيت وفتل الكسكسي ،وجاء في الرواية « قالت لي أمي يوما ونحن نفتل الكسكس استعداداً لالحتفال بعرس ابنة البطاش يا عائشة ...أقتلي الشيطان في ()1 حضر بلحم الغنم ويقدم نفسك» ،فالكسكس هو الطعام التقليدي واألساسي لكل وليمة ،ي ّ
في أخونة .كما يقوم أهل العروسين بدعوة جميع األشخاص المقربين من أهل القرية، حيث ورد في الرواية ما يلي «:رحبت "خديجة" بنساء القرية وأطعمتهن ،ولم ترد على ()2 الرواي في تعاليقهن» ،كما يمكن أن يكون المدعوون من خارجها ،فجاء على لسان ّ
الرواية قوله « :وحضر حفل الزفاف رجال الدواوير المجاورة وضيوف قدموا من قبائل المنطقة الشرقية ...كان الحاج يحي ذا عالقات كثيرة برجال القبائل بسبب نشاطه التجاري».
()3
ويقام العرس التقليدي في جو يغمره الفرح والسرور ،تعلوه أنغام آالت موسيقية بسيطة من التراث الجزائري العريق من "القصبة والقالل" والتي تصحبها زغاريد النسوة؛ حفل تحضى العادت والتقاليد فيه بالحظ األوفر .وقد جاء في الرواية « وفي الغد تعالت ()1
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة( ،خيرة والجبال)،ص .814
( )2
محمد مفالح،المصدر السابق ،ص .884
( )3
محمد مفالح ،شعلة المايدة.21 ، - 118 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
الزغاريد ...كان يوما حافال بالمس ّرات ...رقص ،وغناء ،وطبول ،وأنغام القصبة والقالل»( ،)1وقد جرت العادة في إحضار العروس إلى بيت زوجها بحملها على ظهر حضرتها من قبل في بيت الحصان مع جهازها من مالبس وأفرشة وأغطية ،كانت قد ّ أبويها ،حيث ورد في الرواية« :حملت مهدية ،العروس المتأنقة على ظهر حصان أحمر، لوحن بالمناديل الملونة التي علقت في شكل وهن ي ّ ودوت زغاريد النساء في فضاء الدوار ّ رايات على رؤوس العصي ...رافقت موكب العروس بغلة كانت تحمل أفرشة صوفية مزركشة بألوان زاهية ،ووسائد كتان محشوة بالصوف ،وصندوقا خشبيا يحتوي الفساتين القطنية وأدوات التجميل التقليدية».
()2
ويعتبر العرس فرصةً لكل من يحضره من المدعويين ،فهو مناسبةٌ للفرح والمرح واللقاء واألكل والشرب واالستمتاع بما ينشد من أغان جميلة مستقاة من تراث المنطقة؛ أغان يجد فيها الحاضرون مالذاً ينسيهم قساوة الطبيعية و ظروف الحياة الصعبة« :كان سكان الدوار يجدون في األعراس فرصة باالستمتاع بالحياة وأفراحها ،ونسيان أيام الجفاف الكالحة وهمومها المخيفة ،ففي ليلة الزفاف تربع المطرب "حمو الحنان" على زربية عريضة ذات نقوش جميلة ...واحتضن آلة القالل وبدأ النقر على فوهتها الجلدية بخاتمه الفضي»( ،) 3وما إن يشرع المطرب في الغناء حتى تنطلق ألحانه الشجية ،تمأل الفضاء غبطة وسرو ار ،فتزدان الساحة برقصات تقليدية مشكلة لوحات فنية يسر بها الحاضرون: «ترقص ذهبية ترفقها رحمة ...تزداد ضربات الدف عنفا .أكاد أفقد اتزاني».
( )1
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة (،البيت الحمراء) ،ص .884
( )2
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص ن.
( )3
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص.21
( )4
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة (،رواية االنهيار)ص .84 - 119 -
()4
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
فالرقص الشعبي هو من أعرق الفنون التي مارسها اإلنسان في بيئته .وقد نشأت أغلب الرقصات الشعبية لتمثل شكالً من أشكال االحتفال والتعبير عن الفرح وتنفيس النفس عن الهموم « :رغبت في االنصراف ،ولكن وجدت نفسي مشدودا إلى الصوت الندي يناجي النفوس الظامئة ليوم منير ...نهضت،ألقيت عمامتي وفي حلقة النساء رقصت ورقصت حتى فقدت الوعي. »...
()1
فالرقص الشعبي صورة صادقة لتراث توارثته األجيال خلفا عن سلف ،تتحدد بها هويتها وانتماؤها ،فقد استحضرها الكاتب في عمله الروائي ،لتدل هنا على حقيقة الواقع المعيش وما يعود به من ضغوطات على الفرد الناشئ في وسط اجتماعي تحكمه العاداة والتقاليد. هامةً بخصوص زواج المرأة؛ والمتمثلة في مسألة اختيار ولقد طرح الروائي قضيةً ّ الزوج؛ ففي ماض ليس ببعيد ،كان يتم تزويجها دون استشارتها وفي كثير من األحيان دون علمها إلى حين يوم زفافها .ذلك أن السلطة في هذا األمر تعود دائما إلى الولي غالبا ما يكون األب فهو صاحب القرار والفاصل في األمر« :لما اتصل به يحي اليتيم وافق على أن يتزوج ابنته ولكن اشترط عليه أن يظل األمر س اًر حتى يحين يوم الزفاف».
()2
وهذا يدل في الظاهر على مدى حرص األولياء على تزويج بناتهم لضمان
استقرارهن وتأمين مستقبلهن ،إال أن الحقيقة عكس ذلك ،فأغلبهم يسعى جاهداً للتخلص من عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه منذ والدتهن ،إذ يتم عقد القران على الواحدة منهن دون مراعاة رد فعلها؛ فقد ورد في الرواية« :ولكن هذا الزواج كان سيفا مسلطا على رقبة خيرة ...تعاركت مع أمها ...شدتها من ذراعها وطلبت منها أن ال تتدخل في شؤونها ( )1 ( )2
المصدر نفسه ،ص ن. محمد مفالح،األعمال الغير كاملة(،رواية البيت الحمراء) ،ص .884 - 120 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
الخاصة وقالت لها بحنق :لن أتزوج ...كاد أبوها أن يفقد عقله .فكر أن يضربها ،وصاح بغضب :سأشرب دمها».
()1
ف في حق المرأة؛ فهو أمر إن هذا التصرف لهو سلو ٌ ك مجح ٌ
اعتاد عليه المجتمع ،مجتمع أقل ما يقال عنه أنه ذكوري ،تعاني فيه النساء من تحديد طمس لهويتهن .بيد أن حرية االختيار لدى الرجال في أغلب لحريتهن وبالتالي فهو ٌ األحيان .شيء متاح دون قيد أو شرط. -2الطعام التقليدي: إن من أهم األطباق التي ترمز إلى الطعام التقليدي الجزائري ،نجد الكسكسي الذي له شعبية كبيرة في البيئة االجتماعية للروائي؛ فيعد هذا الطبق من أهم مكونات الوجبات الغذائية الجزائرية إلى حد اليوم ،إذ ال تخلو مناسبة من المناسبات أفراحاً كانت أو أحزناً من تحضير الكسكسي وتقديمه في أخونة « :كانت خديجة في زاوية الكوخ منهمكة في ()2 يعبر عن فتل الكسكس» .فتحضيره من تقاليد المجتمع الجزائري بمختلف طبقاته ،فهو ّ
هوية ثقافية وانتماء حضاري .ويتم إعداده من البرغل المحبب واللحم والخضر والبهارات
ويقدم مع إضافة الفواكه للتحلية « :تناولوا الكسكسي بلحم الغنم في قصعات خشبية عريضة ،كما أكلوا الفواكه الموسمية التي تنتجها المنطقة ومنها البطيخ اللذيذ»( .)3وفي موضع آخر «ثم تناولوا الكسكسي بلحم الخروف الذي ذبحه الشيخ "الطاهر"»( .)4كما يمكن تحضيره بأن يمزج إما بالحليب أو العسل فقط« :وتناول "راشد "الكسكسي بعسل غابة زمورة وراح ينصت إلى حديث الرجال».
( )1 ( )2
()5
المصدر نفسه ،ص ن . محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية هموم الزمن الفالقي) ،ص .548
( )3
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص .11
( )4
المصدر نفسه ،ص .25
( )5
نفسه ،ص .11 - 121 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
كما أشار الروائي إلى وجبات غذائية أخرى يتميز بها الطبخ الجزائري التي كان يتناولها أهل البادية وسكان الريف والتي ال يزال اإلقبال عليها إلى اليوم .فهي وجبات بسيطة مؤلفة من خبز من الشعير "كسرة الشعير" و لبن يتم تحضيره بمخض حليب الحيوانات اللبونة كاألبقار والنعاج واناث المعز ،وقد يضاف إلى هذا الطبق
التين
المجفف كتحلية كما ورد في الرواية« :دخل "راشد" ...وتناول بسرعة الغذاء الذي كان يتألف من كسرة شعير ولبن ماعز وحبات من التين المجفف».
()1
كما يمكن أن تتألف وجبة الطعام من حليب وحبات تمر بدل اللبن وخبز الشعير: «قضى عبد اهلل مساء يوم الجمعة في مسكنه الجديد ...تغذى بالحليب والتمر وقطعة خبز ...وضع األواني القليلة في خزانة المطبخ»( .)2وهو ما يكشف عن المستوى المعيشي البسيط لهذه الفئة من المجتمع التي تسكن البوادي واألرياف؛ وبالرغم من غذاء كامال محتويات أطباقها البسيطة في الظاهر إال أن لها قيمة غذائية كبيرة ،إذ يعتبر ً أوصى به النبي صلى اهلل عليه وسلم .ولبساطة الظروف المعيشية وقلة اإلمكانيات ،يتم
االحتفاظ بالماء في القرب التي تكون على شكل أوعية من جلود المعز يتم خرزها من جانب واحد ويضاف إليها القطران فيعطي للماء المخزن بداخلها مذاقا خاصا « :وسكت ماء بارداً ممزوجا بالقطران صبته له زوجته من القربة المعلقة في إحدى لحظة شرب فيها ً
ركائز الخيمة»( .)3والقربة من الصناعات التقليدية ،فهي أداة لتخزين الماء لكي يبقى باردا ونقيا كما أنها تعلق لتبقى بعيدا عن سطح األرض .فإلى جانب "القربة" ،وردت في الرواية أنواع أخرى من األواني المصنوعة من الفخار ،ويعتبر "الطين" المادة األساسية في صنعها حيث يتم حرقها بعد تشكيلها لتكون متينة؛ وهي من الصناعات اليدوية األكثر
( )1
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص .02
( )2
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة (،رواية البيت الحمراء) ،ص .124
( )3
محمد مفالح ،رواية شعلة المايدة ،ص .24 - 122 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
ممارسة وذلك لسد ما يلزمه من حاجياته من أوان الستعمالها في األكل والشرب « :حمل إناء طيني سكب فيه بعض الماء من القربة ،ثم توجه إلى صخرة ضخمة كانت خلف الخيمة فجلس بجانبها»( .)1وكذلك «تناول الكوب الذي يحتوي على الحليب الساخن».
()2
لقد أبدع اإلنسان في الماضي في هذا النوع من الصناعة التقليدية وقدم لنا منها نماذج عديدة بزخارف متنوعة أظهر من خاللها تذوقه للفن والجمال؛ وليس ذلك فحسب بل أ ّكد بها هويته وانتماءه ومدى تفاعله مع الطبيعة. -3األثاث الشعبي: لقد كان اهتمام الروائي "محمد مفالح" باألثاث الشعبي واضحا في أعماله .فقد وجد في متاع البيت صورةً صادقةً حتى يروي للقارئ ،من خاللها جانباً تمثل في سبل عيش سكانها وما توارثوه عن أسالفهم في براعة استغالل ما توفر لديهم من مواد أولية بسيطة
لتأثيث مساكنهم .فكانت "الزربية" نموذجا ذكره الروائي في رواياته؛ فهي فراش ،مادة صنعه األساسية الصوف ،ذا قيمة مادية ومعنوية ،وهو من األفرشة الثمينة لما يتطلبه من جهد واتقان في نسجه واختيار أفضل األلوان؛ كما يتم زخرفته بأشكال جميلة حتى وان قلّت مشكلة لوحة فنية فيها رموز ذات دالالت مرتبطة بعادات وتقاليد أهل المنطقة .كما أنها من أهم مكونات جهاز العروس كعادة متوارثة ،حيث جاء في الرواية « :جلست قرب زوجها الممدد تحت الفراش الصوفي القديم المزركش باأللوان الحمراء والزرقاء ،والذي ظل يذكرها بيوم زفافها.أمها هي التي نسجته لها لتأخذه مريم إلى بيت زوجها».
()3
وجاء
أيضا « وجلس إلى جانب والده الممدد على زربية قديمة مبسوطة في الجهة اليمنى من المدخل ،ثم راح ينصت إلى عمه الذي كان يتحدث عن مدينة معسكر» )4( .وفي إشارة ( )1 ( )2
المصدر نفسه ،ص .51 نفسه ،ص .55
( )3
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة( ،رواية هموم الزمن الفالقي)،ص .542
( )4
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص .02 - 123 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
أخرى تبرز قيمة هذا الفرش«:تربع المطرب" حمو الحنان" على زربية عريضة ذات نقوش جميلة وألوان زاهية ،وكان يرتدي عباءة بيضاء وبرنوساً صوفيا أبيض وضع عليه برنوسا أسود من نوع الزغداني».
()1
كما أنه ذكر هذا الفراش الصوفي وغيره من األمتعة في وصف الروائي للبيئة المحيطة .يمثل عنص اًر هاما في دراسة األوضاع االقتصادية والظروف االجتماعية التي يعيشها سكان البدو واألرياف ،في بيئة طبيعية أقل ما يقال عنها أنها قاسية ،وكدليل على ذلك هناك نوعٌ آخر من األفرشة التقليدية ،والمعروفة منذ القديم ،فهي أول فراش يصنعه اإلنسان لنفسه من جلد الحيوان ،وقد توارثه من جيل إلى جيل وله أسماء متعددة في ثقافتنا ،فيطلق عليه "الهيدورة" أو "الرقعة" ،إذ يتم تحضيره بطريقة تقليدية مأخوذة أبا عن جد وذلك بدبغ جلد الضأن أو المعز بمواد طبيعية مثل :العرعار وقشور الرمان مع جاهز لالستعمال: ا إضافة الملح إليها،ثم تركها لفترة وجيزة حتى يتشربها الجلد ليصبح «دخل "راشد" جناح الخيمة المخصص للمطبخ العائلي ثم جلس على جلد شاة وتناول بسرعة الغداء.»...
()2
وبهذا فلقد «عكس األثاث الشعبي الظروف الجغرافية واالقتصادية التي اعتمد عليها اإلنسان الشعبي في مجال التأثيث بالمواد المتوفرة في البيئة المحلية ،والجدير بالذكر هنا أن األثاث الريفي فيه رصيد قليل من الزخرفة والنقش واأللوان ،فهو يعتمد أكثر على الناحية الوظيفية التي يؤديها في حياة اإلنسان الشعبي اليومية لقضاء حاجاته المادية، فهو عكس صناعة الفخار الذي يركز على البعد الجمالي والفني والبعد الوظيفي».
( )1
المصدر نفسه ،ص .21
( )2
محمد مفالح ،المرجع السابق ،ص .02
( )3ينظر :عبد الحميد بوسماحة،الموروث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة ،ص .124- 120 - 124 -
()3
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: -4اللباس الشعبي:
لم يغفل "محمد مفالح" عن ذكر اللباس الشعبي في كتاباته ،لما له من دور كبير في تحديد هوية الفرد وفي الكشف عن البيئة الطبيعية والبيئة االجتماعية التي ينتمي إليهما ،فلكل منطقة من الجزائر زيها التقليدي الذي تتميز به؛ فمن األلبسة التقليدية المعروفة نجد على سبيل المثال" :البرنوس" و "العمامة" و "الجالبة" و"العباءات الفضفاضة" و"السراويل العربية و"الجبة" و"الحائك" ...إلى غير ذلك مما يرتديه الناس. البرنس أو "البرنوس" أكثر األلبسة شيوعا ،فهو «كساء يتصل به غطاء
ويعتبر الرأس»
()5
يصنع من الصوف أو من وبر الجمال ،والى جانب قيمته المعنوية له قيمة
تاريخية فهو نموذج لباس متوارث عرفت به شخصيات تاريخية كان لها دور كبير في كتابة تاريخ الجزائر "كاألمير عبد القادر" و"الشيخ بوعمامة" مثال .كما يعطي لمرتديه جماال وتألقا وهيبة ،فقد كتب الروائي مايلي« :اهتز "موسى" في مكانه ثم مسك بطرف برنوسه البني وصاح بقوة ،)1(»...وكتب « :رأى "راشد" سكان المنطقة وهم في عباءاتهم البيضاء الفضفاضة وبرانيسهم الخفيفة الجميلة»،
()2
كما كتب أيضا« :ارتعش في
مهددا سأتصل بالنقيب "فرانسوا"»(.)3 برنوسه من الوبر ،هز جسمه انفعال شديد ،وقال ً والى جانب "البرنوس" ،هناك أنواع أخرى من األلبسة التقليدية الجميلة التي ذكرها الروائي« :لقد تخلى والدها عن ارتداء بدالته األنيقة وربطات العنق الحريرية ،وعوضها بالسراويل العربية وبخاصة "الشرقي" والعباءات الفضفاضة البيضاء والعمامة الصفراء أو
()5
تأليف جماعة من كبار اللغويين العرب ،المعجم العربي األساسي،الروس،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،
ص .121 ()4
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية هموم الزمن الفالقي) ،ص .544
()8
محمد مفالح ،رواية شعلة المايدة ،ص .15
()2
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة(،رواية زمن العشق واألخطار) ،ص .418 - 125 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
"الكنبوش" األبيض»( .)1كما أن ألوان هذه األلبسة وأشكالها المختلفة تعكس بوضوح البيئة الطبيعية والبيئة الجغرافية للمنطقة .ومن أشهر األلبسة عند الرجال السراويل العربية الفضفاضة ،مع قبعة بيضاء تلف بقماش أبيض« :ظهر" سعيد المحامدي" في عباءته الفوقية البيضاء وسرواله العربي الفضفاض ،وكان يعتمر قبعة بيضاء محفوفة بقطعة قماش أبيض»( ،)2و كذلك الجبة ،حيث جاء في الرواية« :استيقظ "راشد" باك اًر بعدما قضي ليلته متقلبا في فراشه القديم ...ارتدى جبته التي كانت معلقة بإحدى ركائز الخيمة».
()3
والجالبة أيضا« :امتقع لون الرجل ذي العمامة المتسخة والجالبة القديمة،
وابتعد عن حماد الذي ضحك ملء فيه»( .)4إضافة إلى "الخفة" ،وهي نوع من األحذية المصنوعة من جلد الحيوانات «:لف عمامته على رأسه الحليق ،لبس خفه المصبوغ من جلد الماعز».
()5
وقد ذكر الروائي أيضا مجموعة من المالبس التقليدية التي عبر من خاللها عن الزي التّقليدي الذي تظهر به المرأة الريفية بلباس فستان خشن ويكون فضفاضا « :رأى ّ والدته في فستانها الرمادي الخشن الفضفاض وهي تحمل كوبا طينيا قدمته له».
()6
وقد
كتاني تختارها ذات جرت العادة أن تغطي المرأة الريفية دائما رأسها بقطعة من قماش ّ
ألوان زاهية مزدانة بأشكال مختلفة لتتجمل بها« :وهزت رأسها الذي كانت تغطيه بقطعة
( )1
محمد مفالح ،عائلة فخار ،ص .15-11
( )2
محمد مفالح ،االنكسار ،ص .51
( )3
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص .51
( )4
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة (،رواية هموم الزمن الفالقي) ،ص .544
( )5
محمد مفالح ،رواية شعلة المايدة ،ص .51
( )6
محمد مفالح ،المصدر السابق ،ص ن. - 126 -
الفصل األول: من الكتان الرمادي».
مالمح التراث األدبي عند مفالح ()1
ولغرض السترة عند مغادرة البيت تغطي سائر بدنها بكساء
يسمى "الحايك" ،وهو لباس تقليدي متوارث يعبر عن العالقة الوطيدة التي تربط المرأة بدينها ،ودليل عن حيائها وتخلقها وحسن تربيتها .و"الحايك" عبارة عن قطعة قماش بيضاء -في أغلب األحيان -تميل إلى االصفرار تستر به المرأة جسمها كله عدا العينين وفي بعض األحيان تترك فتحة واحدة لترى من خاللها الطريق والتي تسمى بالعامية "التاقة" ،وفي حال ما إذا خرجت المرأة بدونه ينظر إليها بأنها مستهترة« :وجرت إلى (الحايك) فتلفعت به وخرجت وهي تردد -:ستندمين ،ستندمين».
()2
ويختلف "الحايك" في مادة صنعه من منطقة إلى أخرى ،والنوع الذي يطل علينا من خالل صفحات روايات "محمد مفالح" هو "الحايك التلمساني" المنتشر في مدينة تلمسان وما جاورها .فهو ذو لون أبيض ناصع مصنوع من الحرير وزين بخيوط من الذهب أو الفضة -وهو أفخر األنواع -وقد يكون من
الصوف أو القماش الكتاني
(الكتان)« :ومرت عليها امرأة بدينة تتمايل في حائكها التلمساني الجميل تشد طرفيه عند صدرها الناهد بيدها اليمنى المخضبة بالحناء».
()3
فنيا فيه من اإلبداع ما ساهم لقد وظّف الروائي اللباس الشعبي في رواياته توظيفا ّ
رقيها ،كما جعل منه عنص ار مساعدا في إبراز العادات والتقاليد الجزائرية ،بأن ألبسه في ّ لشخوصه الروائية التي جعل منها عينة من المجتمع الجزائري تعيش في بيئة اجتماعية
وبيئة طبيعية وبيئة جغرافية تميل إلى الواقع أكثر من ميلها إلى الخيال .غير أن تلك األلبسة التقليدية تكاد تصبح من الماضي بسبب التغيرات الحاصلة االجتماعية منها واالقتصادية وغيرها من األسباب األخرى فإننا نخشى حاليا أال نراها في المستقبل القريب إال في الصور. ( )1
المصدر نفسه ،ص .02
( )2
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة( ،رواية االنهيار)،ص .52
( )3
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص .54 - 127 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: -4الوشـم:
تسعى المرأة دائما إلى أن تكون في أجمل حلّة ،وهو سلوك فطري يخصها ويصاحبها منذ نشأتها ،فكان الوشم أحد الوسائل لبلوغ غايتها ،وهو يمثل لها الوسيلة األفضل التي تعوضها عما تفتقر إليه من الحلي من الذهب والفضة .فهو طريقة قديمة تصور مدى تجذر العادات والتقاليد؛ تتخذه المرأة في أغلب األحيان كوسيلة متوارثة ّ للتزين .ويتم الوشم بغرز إبرة في الجلد لرسم أشكال وخطوط ثم يذر عليه الكحل
أو
الرماد الذي يخلفه احتراق الخشب فيصير بلون أخضر يميل إلى األزرق .ويكون عادة على الوجه واليدين« :حملق "راشد" في وجه والدته الدائري الذي غطت جبينه وجنتيه وذقنه أوشام لها أشكال خطوط مستقيمة ومعينات صغيرة».
()1
وقد تكون لرسوم وكتابات
الوشم دالالت ومعاني تعبر عن الحالة النفسية والمناسبة التي رسمت من أجلها «لثم "راشد" جبين والدته المزين بوشم له شكل رقم ( ،)11وربت على كتفيها ثم إبتعد عنها قائال :مازونه مدينة جميلة. »...
()2
وال يقتصر الوشم على النساء فقط ،فقد يلجأ بعض الرجال إليه من باب التفاخر، والتظاهر بالقوة والشجاعة؛ فيقومون بوشم صور لحيوانات مفترسة ولحيات سامة وطيور جارحة ،وقد يكون الوشم تخليدا لذكرى معينة كحب جارف أو ثأر دفين
أو عرفان
بالجميل لشخص ما. -5األلعاب الشعبية: تعتبر األلعاب الشعبية من التقاليد الضاربة بعمق في المجتمع وفي البيئة االجتماعية التي رسمها الكاتب في رواياته ،والتي تمارسها شخوصه الروائية من "دومينو" و"دامة" و"شطرنج" فهي ألعاب الغرض منها التسلية وتمضية أوقات الفراغ غالبا ما تكون ( )1
المصدر نفسه ،ص .02
( )2
محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص .51 - 128 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
في المقاهي باعتبارها أماكن عامة يلتقي فيها الناس لشرب القهوة ونحوها من المشروبات وغالبا ما تمارس مساء إلى ساعات متأخرة من الليل ولقد وظفها "محمد مفالح" في رواياته « :سكان الحي الذين أمضوا في أضواء المصابيح وقتا طويال من الليل في لعب الدومينو ،والدامة ،والشطرنج».
()1
كما جاء ذكر لعبة "دومينو"« :ويحاول عمار الحر
وبحماس كبير أن يقنع صديقه برأيه ...ويكف عن التفكير في الشأن العام مفضال الجلوس على ضفة وادي "مينة" أو لعب الدومينو في مقهى "الزبير الزهوري" أو مقهى "السعادة"».
()2
ولم يقتصر اختيار فضاء المقهى لجعله مسرحاً لممارسة ما سبق ذكره من األلعاب التقليدية فقط ،بل يحمله الروائي دالالت ومعاني أخرى ،فهو مكان مثالي للحديث في مختلف شؤون الحياة االجتماعية والمهنية وأمور السياسة وكل ما يجري من أحداث «ودخل المقهى الذي كانت تفوح منه رائحة نتنة ...اختار الجلوس في الزاوية اليمنى بعيداً عن زبائن المقهى المنهمكين في لعب "الدومينو" أو في الحديث عن اإلنتخابات التشريعية التي سيشارك فيها "جياللي العبار" ،هذا الرجل القذر الذي يحاول أن يستحوذ على أخته الوحيدة ،إنه يخشى أن يستغلها في أعماله المشبوهة».
()3
وقد يكون التجمع لممارسة هذه
األلعاب من بين األسباب لحبك الدسائس وترويج اإلشاعات «عم المقهى صخب كبير أحدثه سقوط كراسي وكؤوس وفناجين ...وتطاير السباب والشتائم ...كان العبو الدومينو يتحدثون وكأنهم في غابة ال تحكمهم قوانين أو قيم اجتماعية ،أصبحوا متحررين من سلطة المجتمع». ( )1
()4
محمد مفالح ،االنكسار ،ص .15
( )2
محمد مفالح ،الوسواس الغريبة ،ص .84
( )3
محمد مفالح ،عائلة من فخار ،ص .50
( )4
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة (،رواية االنفجار) ،ص .425 - 129 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
كما جعل الروائي للعبة "الدامة" مكانا آخر وصفه في عمله الروائي لما تحتاج إليه من إمعان وتركيز كبيرين لكل من العبيها ،فكان الدكان مكانا آخر لممارستها وهو دليل على انتشارها في األوساط االجتماعية كلعبة تقليدية متوارثة « :لقد مرت أربع سنوات... ودكان "سي الطيب" الشيخ المهووس بلعب (الدامة) ،وعمارة (الشوك) البيضاء التي تكاد تنفجر بسكانها».
()1
إن األلعاب الشعبية عامة لها تاريخ مرتبط بتاريخ الفرد الجزائري؛ إذ يمكن القول بأنها متأصلة في عاداته وتقاليده ،حتى إن الروائي "محمد مفالح" ذكرها في عدد من رواياته؛ ففي رواية "هموم الزمن الفالقي" التي سارت مجرى أحداثها إبان الثورة واصفا معانات المجتمع الجزائري من ويالت االستعمار ،فقد أشار إلى الممارسات اليومية لألفراد بتقديم صورة كنموذج من صور كثيرة تكشف عن تقاليد دائمة الحضور فذكر فيها لعبة "الدومينو" «:حدجه النادل بنظرة قلقة وخاطبه بقوة ال تمزح ...هذا الرجل عميل خطير. وانصرف إلى الجهة التي تعالت منها أصوات العبي "الدومينو" والورق ...شعر "حماد الفالقي" بأنه أصبح رجال قويا. »...
()2
فهي أيضا نتاج الحياة نفسها انبثقت من
النشاطات الترفيهية للجماعة إلبراز أعمالهم واهتماماتهم اليومية ،وليس هذا فحسب ،بل لها مدلول آخر ،فقد كانت المرآة التي تعكس تاريخهم وعاداتهم والظروف الطبيعية التي يعيشون فيها. ثانيا :المعتقـدات: أخذ موضوع المعتقدات الشعبية مكانة بارزة في عديد من الدراسات لما له من أهمية بالغة ولما له من سلطة جائرة على المجتمعات ،فمن دون أن تعرف أفراد هذه المجتمعات
( )1
محمد مفالح ،المصدر السابق( ،رواية هموم الزمن الفالقي)،ص .555
()2
محمد مفالح ،المصدر السابق( ،رواية هموم الزمن الفالقي) ،ص .555 - 130 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
أصل هذه المعتقدات وال مدى صحتها ،أصبحت المعتقدات تتحكم فيها وتخضع لها بكل إرادتها ،وتمارسها بكل تلقائية دون معرفة أبعادها. فالمعتقدات هي من أول أشكال التعبيرات الجماعية للخبرة الدينية الفردية التي خرجت من حيز االنفعال العاطفي إلى حيز االنفعال الذهني ،وهي كل ما يؤمن به الشعب من أفكار تتعلق بالعالم الخارجي والعالم فوق الطبيعي.
()1
وترتبط هذه االعتقادات من حيث نوعيتها وأساليب ممارستها بطرق التفكير والمعيشة ،فهي نابعة من نفوس أبناء الشعب عن طريق الكشف واإللهام ،وقد ساهمت في تطور الشعوب العربية اإلسالمية ،حين تداخلت هذه المعتقدات بالدين وأصبحا يهدفان إلى السيطرة على الطبيعة عن طريق معرفة مرتبطة بحاجات اإلنسان ذات الطابع الروحي.
()2
ومنه فالمعتقدات الشعبية لها صلة بعمق الطبيعة البشرية وال وجود لها عند الفئة المثقفة،وتعم جميع المستويات فتراها عند األمي والمتعلم ،والسبب راجع إلى ذلك التفكير البسيط المجرد من أصول المعرفة العلمية لدى الناس ،في حين يتوفر بدرجات متفاوتة في جميع مستويات السلم اإلجتماعي ألفراد المجتمع الواحد.
()3
وقد إستحضر ،محمد مفالح في رواياته عناصر متنوعة من المعتقدات الشعبية ،فقد عبر به عن قضايا فكرية وروحية ،كما أكسبها دالالت جديد . وظّفها بأسلوب ّ
()1
ينظر :سعيدة حمزاوي( ،صورة المرأة في المعتقدات الشعبية ،الموروث الشعبي وقضايا الوطن)،
( )2
ينظر :عبد الحميد بوسماحة ،الموروث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة ،ص .12
( )3
ينظر :المرجع نفسه ،ص .40
.555-552
- 131 -
ص
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول: -1السحر والشعوذة:
السحر موضوع قديم قدم اإلنسانية وهو تمائم ورقية وعقد تؤثر في القلوب واألبدان، من أجل تحقيق غاية أو هدف .ويعرفه "فرويد" بأنه إخضاع الحوادث الطبيعية لإلرادة البشرية وحماية الفرد من األعداء واألخطار ومنحه القوة إللحاق الضرر بأعدائه.
()1
«أما
الشعوذة أو كما يقال الشعبذة وهما خفة في اليد ،وسمي الساحر أو من يدعي التحكم في أسرار السحر مشعوذا لقدرته على ما ال يقدر عليه غيره».
()2
وعادة ما تمارس هذه المعتقدات على ضروب مختلفة تأثي اًر في الظواهر باستعمال مجموعة من الطاقات والوسائل توزعت بين األفعال واألقوال التي لها معان رمزية خفية. وقد انتشرت هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري ،فأصبحت رؤية العرافة أو الساحرة، يقتضي أخذ موعد مسبق لمقابلتها .وقد استحضرها الروائي في رواياته حين تكلم عن شخصية "سعدية" في روايته "هموم الزمن الفالقي" :هذه الشخصية التي كانت غارقة في حب "حماد" البطل ،لكن أباها دمر أحالمها الوردية حين أرغمها على الزواج من"جلول الكبي"؛ رضخت لرغبة أبيها ،ورأت أن مصيرها قد انحصر بين حيطان البيت الزوجية. لكنها لم تستسلم في األخير وانتظرت حتى تحين لحظة هروبها لاللتحاق "بحماد" في "الجبل" لحمل السالح ومقاتلة األعداء .فهي تحبه وتتمنى دائما أن تكون إلى جانبه؛ إالّ أنه لم يكن يعلم بحبها له ،فقبل زواجها من "جلول الكبي" كانت مهتمة "بحماد" ،وقد دفعها ذلك إلى «كتابة حرز "المحبة" عند الشيخ مسعود ،ولم يحدث الحرز مفعوله كما تمنت».
()1 ()2
()3
عبد الحميد بو سماحة ،الموروث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة ،ص .40
عبد المالك مرتاض ،عناصر التراث الشعبي في الالز ،دراسة في المعتقدات واألمثال ،ط ،1ديوان المطبوعات
الجامعية ،الجزائر 1241 ،م ،ص .12 ( )3
محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة( ،رواية هموم الزمن الفالقي) ،ص .520 - 132 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
إن هذا النوع من الممارسات التي ال تمت إلى الدين اإلسالمي بصلة ،هي سلوك النفع المرجو منه؛ و أقل ما يقال فيه من األذى ما يضر بأفراد المجتمع أكثر بكثير من ّ
نساء ورجا ٌل ،لدى هؤالء بعض من أفراد المجتمع، عنها أنها أساليب شيطانية يلجأ إليها ٌ ٌ المشعوذين والمشعوذات لغايات في أنفسهم .و تنتشر هذه الظاهرة عند النساء أكثر منه
عند الرجال؛ وهي عادات قديمة إالّ أنها ال تزال تجد لها مكانا في األوساط االجتماعية فهي ممارسات يحاربها اإلسالم بشدة .ويمكن تلخيص أهم األسباب التي تدفع بهؤالء الناس ،نساء كن أو رجاال ،إلى اللجوء إلى السحر والشعوذة في ما يلي: صنف من النساء تخلّى عنهن أزواجهن لسبب من األسباب ،ويسعين جاهداتإلى استرجاعهم. السن دون -صنف من العوانس يجتهدن في البحث عن أزواج خشية أن يتقدم به ّن ّ
أن يتزوجن.
صنف من الناس يبيت نوايا شريرة لغيرهم بدافع الحسد على مال أو سلطان أوالنعم. ذرية أوغيرها من ّ صنف يسعى إلى ما يخفيه القدر من أسرار الغيب ،كما هو مبين في رواية"االنكسار" عندما زارت أم سلوى «فتيحة الحدباء "الشيخ عيسى النواشة" لمعرفة ما يخبئه القدر البنتها الوحيدة التي جاوزت الثالثين ،كما ترددت على العرافة منونة ......بكالم "رقية التي كانت تعتقد أن إقدام إبنها على الزواج "بنجاة" كان بفعل السحر فقط».
()1
فإذا كان من جملة هذه الدوافع ،األغلبية منها هو ما يجعل النساء يترددن على أماكن السحر والشعوذة ،فقد نجد ذلك عند بعض الرجال أيضا .وهذا ما نلحظه في شخصية "عباس البري" الذي أغرقه التفكير في همومه الشخصية التي انقسمت بين
( )1
محمد مفالح ،رواية اإلنكسار ،ص .40 - 133 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
هروب زوجته "نجاة" من البيت ،وبين مصير مركز الزنبقة الذي أفنى عمره كله في بنائه، فلم يبق أمامه سوى التفكير في السفر إلى العاصمة بعد ما أحيى كالم "فايز الشكوري" بعض األمل في نفسه المضطربة التي حل عليها الحزن ،وبعدما صار يواجهه مصي ار غامضا ويخاف من مستقبل مجهول! حيث جاء في الرواية ...« :ومن شدة وساوسه زار أول أمس العرافة "منونة" في بيتها المتواضع المختبئ في الجهة اليسرى من حي البرتقال، وكانت المرة الثانية التي يقصد فيها "العرافة" المكتنزة الجسم الغامقة السمرة .وبسط لها كفه اليمنى وسألها بقلق" :أريد أن أعرف ماذا سأجني من وراء هذا السفر؟" وقلبت فيه العرافة "منونة" عينيها الجاحظتين ...وبسطت يده اليمنى بين يديها الخشنتين ...سيأتيك خبرها وسيسعدك كثي ار .وغمغم متى أتلقى هذا الخبر؟ "وقالت له العرافة وهي تحدق في وجهه الحائر" عليك بالصبر الجميل"».
()1
لقد استغرب "عباس" من نصح العرافة له بالتزام الصبر ،ثم راح تفكيره إلى تلك اإلجراءات البيروقراطية التي سيواجهها قريبا ،غير أن العرافة قاطعت تفكيره قائلة «ستتزوج المرأة البيضاء التي ستسعدك بالذرية ،وستجلب لك ماال وخي اًر ،وماذا عن "نجاة الهاربة؟ إنتظر أن تحدثه عنها .وتابعت العرافة "منونة" بعد ثوان من الصمت .هناك شخص يحقد عليك وقد حاول القضاء عليك ولكنه فشل ...سيأتيك معتذ ار عن سلوكه الطائش»( ،)2فاحتار "عباس" في أمر الشخص الذي سيأتي يوما يعتذر عما بدر عنه من إساءة ،ثم توجه تفكيره مباشرة إلى سؤالها عن مصير مركز الزنبقة ،فردت بصوت خافت «ال تعاكس الرياح ...ال تلتفت خلفك وستجد من يقف إلى جانبك ...حملقت العرافة في وجهه المتعب وقالت له ":كل ما رأيته في كفك يبشر بالخير" .سحب "عباس" يمناه من
( )1 ()2
محمد مفالح ،المصدر السابق ،ص .18 محمد مفالح ،رواية اإلنكسار ،ص ن. - 134 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
بين يديها ثم سلم لها ألفي دينار وخرج من البيت القصديري وهو يشعر ببعض الخجل من اعتقاده بكالم العرافة».
()1
عبر عن مستوى فكري متدني بذهابه إن "عباس البري" ،بالرغم من ثقافتهّ ،
إلى"العرافة"؛ وهذا يدل في حقيقة األمر ،على أن االعتقاد بالسحر والشعوذة ال ينحصر لدى فئة محددة من المجتمع ،بل تعدى إلى فئات أخرى ،وأصبح المجتمع كالجسم العليل الذي ينخره المرض .غير أن هناك فئة من الناس تنبذ هذه المعتقدات ،وترى فيها من الجهل ومن ضعف في اإليمان باهلل وخروج عن الدين .فهذه الفئة من الناس تجسدت في شخصية "الحاج" والد "راشد" عندما أخبرته أمه قائلة « :والدك يعارض زواجك "بيمينة"، ألن والدها أصبح في نظره يحترف الشعوذة»( ،)2وبعدما فشلت األم في إقناع زوجها بالموافقة على هذا الزواج ،استسلمت وقالت البنها بحزن شديد « :والدك يكره قدور العزام ويعتبره مشعوذا خطي اًر منذ سمع بتخليه عن العمل في الحقول ،وانصرافه إلى استطالع الغيب».
()3
إن معارضة "الحاج" والد "راشد" لهو دليل على ابتعاده عن هذه المعتقدات محاوال الحفاظ على أسرته منها والتمسك بدينه وعقيدته. -2زيارة األضرحة واألولياء الصالحين: لقد وظّف الروائي ،إلى جانب السحر والشعوذة ،في روايته ممارسات لعادات وتقاليد شعبية أخرى منتشرة في أوساط المجتمع الجزائري ،أال وهي زيارة أضرحة األولياء الصالحين واللجوء إليهم لطلب العون منهم ،والتوسط لهم لدى اهلل سبحانه وتعالى، معتقدين من أنهم أناس لديهم من القدرة ما يمكنهم من معالجة المريض وارجاع الغائب ()1
محمد مفالح ،المصدر السابق ،ص .12
()2
محمد مفالح ،رواية شعلة المايدة ،ص .02
( )3
المصدر نفسه ،ص .10 - 135 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
وزيادة الرزق وتزويج العازب وجعل العاقر ولودا ...وغيرها من أمور الدنيا .ونجد في الرواية أن الشيخ "لخضر ولد الفخار" « لجأ إلى مسجد الحي وألح بأسئلته الغريبة على اإلمام "عبد الناصر" الذي عجز عن إقناعه ،وبعد ذلك قصد الزاوية الخضراء بنصيحة من "عدة شواف" زميله القديم في المؤسسة»( .)1التي كان يعمل فيها ،ومنذ ذلك اليوم «أصبح من المترددين على الشيخ الوقور ذي اللحية البيضاء ولم تثنه احتجاجات زوجته عن زيارة الزاوية وأضرحة صلحاء المنطقة وضواحيها»( .)2فأصبح من رواد الزوايا وأضرحة الصالح ورسخ في جوفه االعتقاد بهذه العادات التي تب أر منها اإلسالم؛ إذ ورد في الرواية«:لقد أصبح "لخضر" يقضي ج ّل وقته في الزاوية أو سافر إلى منطقة جبل األخبار لزيارة أضرحة األولياء الصالحين ،أو للتعبد في وادي مينة».
()3
ولما ضاقت الدنيا "بعمار الحر" وزادت همومه ولم يجد حال أمام الفشل الذي يواجهه وخوفه من أن يخسر مركز الزنبقة ،وأمام حظه العاثر في عالقته الزوجية؛ كل هذا دفع به إلى زيارة ضريح أحد األولياء الصالحين عله يجد استجابة لنجواه .فبعد وصوله «نزع حذاءه الجلدي في الحوش المبلط ووضعه عند عتبة الباب الخشبي المطلي باألخضر ثم دخل الضريح ،ورفع يده أمام وجهه الحائر ،ودعا اهلل أن يهديه سواء السبيل وينقذ مركزه التجاري وينتقم من زوجته ثم خرج وانتعل حذاءه ،واقترب من عجوز... دينار ...ولما خرج من الحوش ،التفت نحو جهة "الجبل ا فتصدق عليها بقطعة خمسين األخضر" فشعر بفيض من المحبة وهو يحيل نظره بين أضرحة األولياء الصالحين».
()4
وهذا بعد أن خاب أمله في أولئك األشخاص أصحاب المراكز الهامة الذين كان قد لجأ إليهم ليساعدوه في حل قضية الديون وعلى توقيف إجراءات البنك فراح يبحث بعينيه ( )1
محمد مفالح ،رواية عائلة من فخار ،ص .54 ،51
( )2
المصدر نفسه ،ص .45
( )3
نفسه ،ص .25
( )4
محمد مفالح ،رواية االنكسار ،ص .81 - 136 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
المتعبتين «عن أضرحة األولياء الصالحين ،ولما ظهرت له ببياضها الناصع خفق قلبه متواصال ،وهمس بتوسل: -يا ساداتي ...ال تدعوني وحيداً».
()1
إن مثل هذه المعتقدات الشعبية التي ربطها "محمد مفالح" بشخوصه في رواياته ، تعبر عن مدى اإلقبال على هذه الممارسات حتى يبن من خالل هذه النماذج عن مدى تدني درجات مستوى الوعي والجهل واالنغالق الفكري. الدنوش الكبير: -3حفل ّ وهو عبارة عن احتفال بهيج ينظم في المدينة كل ثالث سنوات ،يترأسه الباي نفسه، السارد «نهض "راشد" يوم من أجل تقديم مجموعة من الهدايا الرمزية للداي ،حيث يقول ّ الدنوشية باك اًر ،وصلى صالة الفجر ثم حث طريقه نحو الساحة الفسيحة التي الرحلة ّ
رفرفت بها رايات حمراء ...وفجأة دقت الطبول ،وامتزجت ضرباته القوية بأنغام المزامير ودوت مدافع برج المدينة». واألبواق ،ولعلع رصاص الخيالة ّ
()2
وهي إشارة من الروائي إلى هذا الحدث العظيم الذي يمثل إحتفاال كان يعقب كل انتصار ثوري يحققه الشعب الجزائري « :استأنف الباي ومرافقوه الرحلة الدنوشية ،وفي الطريق الحظ "راشد" أن سكان الدواوير كانوا يلقون الباي بالهدايا الثمينة ،وكان الباي يقدم بدوره الهدايا لبعض أعيان القبائل ،ويوزع األموال على مستقبليه».
( )1
محمد مفالح،المصدر السابق ،ص .84
( )2
محمد مفالح ،رواية شعلة المايدة ،ص .11
( )3
المصدر نفسه ،ص .12 ،18 - 137 -
()3
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
األبعاد الفكرية والجمالية للعادات والتقاليد والمعتقدات: /1األبعاد الفكرية: لقد تمكن من خالل توظيفه للعادات والتقاليد من التوغل في عمق المجتمعالشعبي ،الذي يوحي بواقعية النماذج النابعة من منطقته وبعمق إحساسه الذي نلمسه فيه صدق الموضوعات المطروحة. يعد الزواج التقليدي من أهم العناصر المندرجة ضمن العادات والتقاليد ،طرحمن خالله مجموعة من القضايا ،أهمها الطريقة التي تقتضيها العادة في التحضيرات األولية لليوم الذي يقام فيه العرس ،وكذا القضية المتمثلة في مسالة اختيار الزوج . لقد وظف الروائي الرقص الشعبي ليعبر عن صورة صادقة لتراث توارثتهاألجيال خلفا عن سلف ،يحدد مالح الهوية ،فقد استحضرها الكاتب في عمله الروائي، لتدل هنا على حقيقة الواقع المعيش وما يعود به من ضغوطات على الفرد الناشئ في وسط اجتماعي تحكمه العادات والتقاليد. أشار الروائي إلى أهم الوجبات الغذائية التي ترمز إلى الطعام التقليدي الجزائري،مثل الكسكسي الذي له شعبية كبيرة في البيئة االجتماعية للروائي،عبر من خاللها عن الهوية الثقافية اإلنتماء الحضاري. إن ذكر "محمد مفالح" للفراش الصوفي وغيره من األمتعة التقليدية "كالقربة"و"الهيدورة" ،يمثل عنص اًر هاما في دراسة األوضاع االقتصادية والظروف االجتماعية التي يعيشها سكان البدو واألرياف في بيئة طبيعية أقل ما يقال عنها أنها قاسية. يلعب الزمن في المعتقدات الشعبية دو اًر هاما ،حيث ترتبط بفترة زمنية معينة تحيافيها هذه المعتقدات وتمارس؛وهذا مااستغله "مفالح" لترجمة أفكاره. - 138 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
تتشعب وتتنوع المعتقدات الشعبية من منطقة إلى أخرى ،فهي موجودة في الريفوعند الحضر ولكن بدرجات متفاوتة وكثي ار من المعتقدات انبثقت عن فهم اإلنسان البدائي.
()1
بالرغم من أن السحر والشعوذة ممارسات قديمة الوجود في األوساط االجتماعية.ولها "شعبيتها" إال أنها عادات وتقاليد منبوذة حرمتها ال ّشريعة ،وذلك لم يمنع الروائي من توظيفها مما ينم عن جانبه الفكري الذي يقبل بتعدد المعتقدات. أصاب الروائي بتوظيف هذا المعتقد (زيارة أضرحة األولياء) حتى يكشف عنالتفكير الخرافي الذي ساد في بيئته مثله مثل السحر والشعوذة. / 5األبعاد الجمالية: إن مثل هذه الطقوس والمعتقدات ،أضفت على العمل الروائي جملة من القيموالمزايا ،ومنحته جمالية خاصة ،استطاع الروائي أن يستدعيها بمهارة و "يفجر" مكوناتها داخل متنه الروائي. إن تقديم "مفالح" لنماذج عديدة من األواني الفخارية و بزخارف متنوعة أظهر منخاللها تذوق اإلنسان للفن والجمال؛ وليس ذلك فحسب بل أ ّكد بها هويته وانتماءه ومدى تفاعله مع الطبيعة. – أراد "محمد مفالح" من خالل ذكره لألفرشة التقليدية ،مثل الزربية كإشارة ليبرز الفرش التقليدي المزخرف بأشكال جميلة وألوان زاهية،مشكلة لوحة فنية فيها قيمة هذا ا رموز ذات دالالت مرتبطة بعادات وتقاليد أهل المنطقة.
()1
ينظر :سعيدة حمزاوي( ،صورة المرأة في المعتقدات الشعبية ،الموروث الشعبي وقضايا الوطن) ،ص .551 -555 - 139 -
مالمح التراث األدبي عند مفالح
الفصل األول:
لقد وظف الروائي اللباس الشعبي من مثل "البرنوس "والحايك"و "العمامة" توظيفافنيا ،فيه من اإلبداع ما ساهم قي رقيها وجعل منه عنص ار مساعدا في إبراز العادات والتقاليد،كما أن ألوانها وأشكالها المختلفة تعكس بوضوح البيئة الطبيعية والبيئة الجغرافية. التعرف على المستوى المعيشي البسيط في الوسط الريفي الجزائري؛ من خاللتصوير حي ،في هذا الفضاء الروائي ،ليوميات الفرد الجزائري في حضوره إلى مثل هذه الطقوس.
- 140 -
الفصل الثاني: تمثل التراث التاريخي والديني المبحث األول :استغالل التاريخ وتوظيف أحداثه. المطلب األول :فترة االستعمار. -المطلب الثاني:االستقالل وما بعده.
المبحث الثاني :توظيف التراث الديني المطلب األول:النصوص الدينية. المطلب الثاني :الطقوس الدينية. -المطلب الثالث :الشخصيات الدينية.
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
المبحث الول :استغل ل التاريخ وتوظيف أحداثه: تعدُّ ُّالرواية ُّطاقة ُّهامة ُّفي ُّالتعبير ُّعن ُّأزمات ُّالمجتمع ُّوطموحاتهُّ ،ألنها ُّتشكلُّ الوعاء ُّاألنسب ُّالحتواء ُّالمجتمع؛ ُّببنياتها ُّوجمالياتها ُّومن ُّمنطلق ُّأنُّ « :الرواية ُّجنسُّ أدبي ُّيتسع ُّلقطاع ُّعرضي ُّللحياة ُّبكل ُّما ُّتحمله ُّمن ُّهموم ُّوهواجس ُّفكريةُّ ،واهتماماتُّ إيديولوجية».
(ُّ )1
أصبحتُّوظيفةُّاألديب ُّوظيفةُّاجتماعيةُّتكمن ُّفيُّمتابعةُّمظاهر ُّالتطورُّالماديُّ واالجتماعيُّللحياةُّ،وُّكشفهاُّعنُّالقيمُّالكامنةُّفيُّالوسطُّاالجتماعيُّالذيُّنمتُّفيهُّ . ومعنىُّ هذاُّأنُّاألدبُّليسُّمجردُّماُّيطرحهُّلناُّاألديبُّ،بلُّيكمنُّفيُّكيفيةُّتقديمهُّ لناُّبدرجةُّمنُّالوعيُّالفرديُّواالجتماعيُّ،وبوصفُّخيبتهُّكفردُّمنُّالمجتمعُّإلىُّماُّآلُّ إليه ُّمصير ُّالشعب ُّوحقيقة ُّالواقع ُّالمتجلي ُّوبما ُّأن ُّالروايةُّ «:كبنية ُّزمنية ُّلغوية ُّمتخيلةُّ تقدمُّرؤيةُّخاصةُّللعالمُّبالتاريخُّ،كعلمُّيمتازُّبموضوعيتهُّواعتمادهُّعلىُّمناهجُّمضبوطةُّ، وما ُّيؤكد ُّهذا ُّاالرتباط ُّهو ُّاندراج ُّأي ُّنص ُّأدبي ُّفي ُّسياق ُّمجتمعي ُّتاريخي ُّيشترطُّ ويحضرُّظهورهُّ»ُّ )2(. وعليه ُّفإن ُّالتاريخ ُّليس ُّبضاعة ُّتستوردُّ ،وانما ُّهو ُّفيض ُّغزير ُّمتجدد ُّاألخذُّ ُّبالرواية ُّارتباطا ُّوثيقاُّ والعطاءُّ ،تصنعه ُّاألمم ُّوالشعوبُّ ،خلفا ُّعن ُّسلفُّ ،يرتبط ُّ كونها «:تاريخُّمتخيلُّخاصُّداخلُّالتاريخُّالموضوعي...وقدُّيكونُّالتاريخُّالمتخيلُّتاريخياُّ لشخصُّأوُّلحدثُّأوُّلموقفُّأوُّلخبرة...أوُّللحظةُّتحولُّاجتماعيُّ»ُّ )3(.
(ُّ)1إبراهيمُّعباسُّ،الروايةُّالمغاربيةُّ،الجدليةُّالتاريخيةُّوالواقعُّالمعيشُّدراسةُّفيُّبنيةُّالمضمونُّ،صُّ .6 (ُّ)2جواديُّهنيةُّ،المرجعيةُّالروائيةُّفيُّرواياتُّاألعرجُّواسينيُّ،صُّ ُّ.08 ( ُّ)3الفيوميُّإبراهيمُّ،الروايةُّالعربية(،دُّط)مؤسسةُّحمادةُّللدراساتُّالجامعيةُّوالنشرُّوالتوزيعُّ،األردن1882ُّ،مُّ،صُّ .21 - 142 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وتكمنُّهذهُّالصلةُّفيُّطبيعةُّالفنُّالروائيُّالذيُّيقومُّعلىُّتصويرُّالواقعُّالمعيشُّ تصويراُّفنياُّتخيلياُّ . لذلكُّنجدُّالروايةُّفيُّتعاملهاُّمعُّالخطابُّالتاريخيُّتتخذُّعدةُّأشكالُّوأنواعُّمختلفة: « منهاُّماُّحاولُّبعثُّحقبةُّتاريخيةُّفيُّأمانةُّودقةُّولمُّيتجاوزُّهذاُّاإلطارُّالمحددُّواهتمُّ فيُّالمقامُّاألولُّبالطابعُّالمحليُّومنهاُّماُّبعثُّالتاريخُّللماضيُّلكيُّيجريُّعمليةُّإسقاطُّ علىُّالحاضرُّبغيةُّنقدُّالح اضرُّوتغييرهُّ،ومنهاُّماُّانطلقُّمنُّالواقعُّالتاريخيُّوحولهُّإلىُّ خيالُّصرفُّ».
(ُّ )1
وفي ُّهذا ُّالمقام ُّنجد ُّ" ُّمحمد ُّمفالح" ُّكغيره ُّمن ُّالروائيين ُّالجزائريين ُّقد ُّولد ُّالصلةُّ بينُّالماضيُّوالحاضرُّ،وحققُّاللقاء ُّمنُّخاللُّذلكُّالتفاعلُّالتاريخيُّالعجيبُّ،الذيُّالُّ يتم ُّإال ُّمن ُّخالله ،وأمد ُّالرواية ُّبكل ُّما ُّهو ُّجديد ُّوطريفُّ ،وأغنى ُّالتراث ُّبثمرات ُّعقلهُّ وأضافُّإليهُّكلُّمبتكرُّوأصيلُّ . فقدُّتمثلُّالتاريخُّفيُّعملهُّالروائيُّ،عدةُّفتراتُّذاقُّفيهاُّالشعبُّالجزائريُّامتحاناُّ اُّ،ويمكنُّأنُّنذكرهاُّعلىُّالتواليُّحسبُّتسلسلهاُّالزمنيُّ ُّ: ُّ عسير فترةُّالهجومُّالكاسحُّالذيُّشنتهُّالقواتُّاالسبانيةُّواألوروبية ُّعلىُّكلُّالمدنُّوالسواحلُّالجزائريةُّبعدُّسقوطُّاألندلس. ثمُّفترةُّاالستعمارُّالفرنسيُّالتيُّكانتُّامتداداُّللفترةُّاألولى ثم ُّفترة ُّما ُّبعد ُّاالستقاللُّ ،فيما ُّعصف ُّبالجزائر ُّمنذ ُّالثورة ُّالتي ُّجاءتُّباالستقالل ُّإلى ُّالثورة ُّالزراعية ُّوالتسيير ُّاالشتراكي ُّفي ُّسبعينيات ُّالقرنُّ الماضيُّإلىُّهباتُُّّ،2100وماُّأفضتُّإليهُّمنُّعواقبُّوخيمة.
(ُّ)1بنُّجمعةُّبوشوشةُّ،اتجاهاتُّالروايةُّفيُّالمغربُّالعربي،طُُّّ،2المغاربيةُّللنشرُّواإلشهارُّ،تونس2111مُّ،صُُّّ .66 - 143 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ثمُّفترةُّالعشريةُّالحمراءُّ،المفعمةُّبالدمُّوالتقتيلُّالتيُّعاشهاُّالشعبُّبدايةُّمنُّسنةُُّّ،2111والتيُّماُّزالتُّبعضُّآثارهاُّحتىُّاآلن. ووفقُّهذهُّالرؤيةُّلمحناُّأنُّاألعمالُّالروائية"ُّلمحمدُّمفالح"ُّ،حاولتُّأنُّتقاربُّحالةُّ التواجدُّللفردُّالجزائريُّفيُّهذهُّالفتراتُّبغيةُّالوقوفُّعلىُّمساحاتُّالتالقيُّلمظاهرُّالعيشُّ والكفاحُّفيهاُّ،ثمُّمحاولةُّالبحثُّعنُّالفضاءاتُّالجماليةُّالممكنةُّلذلكُّالتواجدُّقصدُّتقييمُّ الحاالتُّوالوضعياتُّوبناءُّأفقُّانتظارُّمتلقُّللفتراتُّالالحقةُّ . وأولُّفتراتُّهذهُّالدراسةُّهيُّالمحطةُّاألولىُّمنُّتاريخُّالجزائرُّ : المطلب الول :فترة االستعمار: أوال :مرحلة التاريخ العثمانيُّ: التيُّقالُّعنهاُّالروائيُّ"ُّمحمدُّمفالح"ُُّّ...«:غيرُّأنني ُّالتفتُّفيُّهذهُّالمرحلةُّإلىُّ التاريخُّالعثمانيُّفكتبتُّروايةُّعنُّفتحُّوهرانُّفيُّعهدُّالبايُّمحمدُّالكبيرُّووضعتُّلهاُّ عنواناُّمؤقتاُّوهوُّ"ُّشعلةُّالمايدة"ُّ )1(.»ُُّّ... حيثُّنلمسُّفيُّهذهُّالروايةُّحضوراُّمكثفاُّللتاريخُّ،حيثُّإنُّالتاريخُّينشرُّظاللهُّفيُّ حقبةُّزمنيةُّليكتبُّعنُّالفردُّالجزائريُّالمقهورُّوالضائعُّ ُّ هذاُّالنصُّالروائيُّ،حينُّيعودُّإلىُّ « ُّفالرواية ُّتاريخ ُّاجتماعي»(ُّ ،)2كما ُّيقول ُّ"جورج ُّلوكاتش"ُّ ،وهنا ُّنقول ُّإن ُّالرواية ُّحينُّ اتخذتُّالتاريخُّبأحداثهُّوشخصياتهُّإطاراُّوفضاءا ُّلهاُّتجعلناُّنتساءلُّعنُّكيفيةُّصياغةُّ الحكايةُّضمنُّفضاءُّتاريخيُّ،تجعلُّمنُّالتاريخُّأساساُّلبناءُّهيكلهاُّالروائيُُّّ .
( )1محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّوقصصُّأخرىُّ،صُّ .602 lokatch :la theorie du roman .tard.de làllemand par gean clairevoye.paris.
ُّ()2 gorge
gonthier, 1963.p50 - 144 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
فالروايةُّالتاريخيةُّليستُّإعادة ُّلكتابةُّالتاريخُّ،بلُّإعادةُّتدوينُّالماضيُّعلى ُّنحوُّ جمالي ُّ ،فيأخذ ُّالنص ُّالتاريخي ُّداخل ُّالرواية ُّشكلينُّ ،إما ُّأن ُّيقوم ُّبالمحافظة ُّعلى ُّبنيتهُّ وشكلهُّ،واماُّأنُّيتماهىُّبالسردُّالروائيُّ . وماُّيمكنُّاإلشارةُّإليهُّفيُّهذاُّالمقامُّهوُّأنُّ"ُّمحمدُّمفالح"ُّلجأُّإلىُّتوظيفُّالتاريخُّ وشخصياتهُّ،خاصةُّشخصيةُّ"ُّمحمدُّالكبيرُّالباي"ُّالتيُّدارتُّحولهاُّأحداثُّالروايةُّ،منُّ خالل ُّاستحضاره ُّلتاريخ ُّمنطقة ُّ" ُّوهران"ُّ ،وما ُّمرت ُّبه ُّمن ُّاحتالل ُّإسباني ُّللوقائعُّ التاريخيةُّالتيُّأعقبتُّسقوطُّاألندلسُّ،وماُّتبعُّذلكُّمنُّتكالبُّالقواتُّالمسيحيةُّ . وقدُّاعتمدُّ"مفالح" ُّ،فيُّكتابتهُّللروايةُّعلىُّعديدُّمنُّالمؤلفاتُّوكتبُّالتاريخُّالتيُّ منحت ُّمتنه ُّالروائي ُّقيمة ُّتاريخية ُّكبيرةُّ ،فقد ُّتمظهر ُّحضور ُّالنصوص ُّالتاريخية ُّعلىُّ مستوى ُّالنص ُّالروائي ُّعلى ُّشكل ُّمجموعة ُّمن ُّاألحداث ُّالجزئية ُّليؤكد ُّللقارئ ُّأن ُّسردهُّ المتخيلُّ،استندُّعلىُّحقائقُّتاريخيةُّ،إلى ُّجانبُّحضورُّشخصياتهاُّالتاريخيةُّالتيُّكانتُّ فعالة ُّفي ُّتحريك ُّوتيرة ُّالنص ُّالروائي ُّوسردهُّ ،باإلضافة ُّإلى ُّالحضور ُّالمتفاوت ُّللنصُّ التاريخيُّعلىُّصورةُّمقاطعُّومقتطفاتُّبينُّجملُّوأحياناُّفقراتُّتناسقتُّوتضافرت ُّكلهاُّ لتشكل ُّالحدث ُّالكلي ُّللرواية ُّ،وهذا ُّما ُّسنلمسه ُّفي ُّهذه ُّالدراسةُّ ،حيث ُّتتمحور ُّأحداثُّ الرواية ُّحول ُّاألعمال ُّالتي ُّقام ُّبها ُّ" ُّالباي ُّمحمد ُّبن ُّعثمان" ُّلتحرير ُّمدينة ُّوهران ُّمنُّ الجيوش ُّالمسيحية ُّاإلسبانيةُّ ،وهنا ُّنجد ُّأن ُّالروائي ُّقد ُّعمد ُّإلى ُّالتأريخ ُّللدور ُّالبطوليُّ الذيُّقامُّبهُّ"ُّالبايُّمحمدُّبنُّعثمان"ُّ،فيُّسبيلُّتحريرُّمدينةُّوهرانُّ،إلى ُّاالنطالقُّمنُّ فكرةُّذاتُّبعدُّدينيُّوهيُّالرؤياُّالصالحةُّالتيُّقالهاُّالشيخُّ"ُّجلول"ُّفكانتُّبمثابةُّبشارةُّ خيرُّعلىُّأنُّالنصرُّقريبُّإنُّشاءُّاهللُُّّ« :لقدُّرأىُّنفسهُّفيُّالمنامُّ،يمشيُّحافيُّالقدمينُّ علىُّالثلوجُّثمُّشاهدُّشعلة ُّعجيبةُُّّ،فيُّقمةُّ"ُّجبلُّالمايدة"ُّ،وصلتُّح اررتهاُّإلى ُّالثلوجُّ الم تراكمةُّعلىُّمدينةُّعظيمةُّفأذابهاُّحتىُُّّبناياتُّضخمةُّمصنوعةُّمنُّالذهبُّوانتصبُّ
- 145 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
أمامهُّشيخُّعمالقُّ...التفتُّنحوُّالشيخُّجلولُّوخاطبهُّقائالُّ:ألمُّأقلُّلكمُّتحركوا؟ُّفماذاُّ تنتظرون؟ُّثمُّالتقطُّالمدينةُّالذهبيةُّكأنهاُّعصفورُّثمُّوضعهاُّفيُّكفُّيدهُّاليمنى.»...
ُّ(ُّ )1
لقدُّتصنعُّهذاُّالحدثُّالروائيُّبالخيالُّوالتأويلُّ،مماُّدلُّعلىُّموهبةُّالروائيُُّّفيُّ المزجُّبينُّماُّهوُّواقعُّوماُّهوُّمتخيلُّ ،حينُّجعلُّالدافعُّالرئيسُّلتحريرُّمدينةُّوهرانُّفيُّ نصهُّ"ُّشعلةُّالمايدة"ُّ،يكمنُّفيُّتنفيذُّمقامُّالشيخُّ"جلول"ُّ،تلكُّالوصيةُّالتيُّارتبطتُّبعالمُّ الخيالُّأكثرُّمنُّارتباطهاُّبالواقعُّالمعيشُّ،وبماُّكانُّيعانيهُّساكنُّهذهُّالمنطقةُّمنُّتعسفُّ وظلمُّمنُّطرفُّاالستعمارُّاإلسبانيُّ،وكذلكُّأحداثُّكثيرةُّتطرقتُّإليها ُّالروايةُّلكنُّرغمُّ اتكاءها ُّ علىُّالوقائعُّالتاريخيةُّالتيُّذكرتُّفيُّمجلداتُّوكتبُّالمؤرخينُّ،اختزلتهاُّالروايةُّ فنياُّولغويا،حيث ُّاستطاعُّأنُّيقدمهاُّفيُّلبوسُّتخيليُّيشدُّعنايةُّالمتلقيُّ،ومنُّبينُّهذهُّ األحداثُّنذكرُّ ُّ: شروعُّاألسبان ُّفيُّغزوُّالجزائرُّممثالُّ"ُّبالكونتُّاالرالديُّأوريلي"ُّالذيُّأطلقُّعليهُّ "ُّمفالح"ُّعنوانُّ"ُّحملةُّأوريلي"«ُّثمُّأخبرهمُّعنُّفطنة ُّالدايُّمحمدُّ"عثمانُّباشا"ُّ،الذيُّ علمُّعنُّطريقُّجاسوسُُّّأجنبيُّبالحملةُّالعدوانيةُّعلىُّالجزائرُّ ،كانُّاألسبانُّيحضرونهاُّ فيُّسريةُّمنذُّستةُّسنواتُّوقدُّكلفواُّبهاُّالجنرالُّأوريليُّ ُّ)2(.»... ثمُّحدي ثهُّأيضاُّعنُّتاريخُّمدينةُّالجزائرُّ:وقدُّارتبطُّهذاُّالحدثُّفيماُّاستعرضهُّعنُّ تاريخُّمدينةُّالقلعةُّ«إنُّالقلعةُّقدُّبناهاُّمحمدُّبنُّإسحاقُّوقدُّاشتهرتُّبقلعةُّهوارةُّ،قبلُّأنُّ تعرفُّفيماُّبعدُّبقلعةُّبنيُّراشدُّ،وكانتُّقلعةُّبنيُّراشدُّمستقرةُّبجبالُّعمورُّقبلُّأنُّتلجأُّ إلىُّالقلعةُّ».
(ُّ )3
( )1محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّوقصصُّأخرىُّ،صُّ .1 (ُّ )2المصدرُّنفسهُّ،صُّ .66 (ُّ )3نفسهُُّّ،صُّ .66 - 146 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
كماُّارتبطُّهذاُّالحدثُّبفرحُّالشيخُّالتواتيُّلماُّسمعهُّمنُّمحمدُّالشلفيُّعنُّشخصيةُّ "ُّعروج"ُّوأخويهُّ،عندماُّقالُّبأنهُّ«ُّدخلُّالقلعةُّوتركُّبهاُّحاميةُّتركيةُّتحتُّقيادةُّأخيهُّ إسحاقُّ ،ثم ُّواصل ُّ"عروج" ُّمسيرته ُّنحو ُّمدينة ُّتلمسانُّ ،وقد ُّتعرضت ُّالقلعة ُّلهجوم ُّأبيُّ حموُّموسىُّالثالثُّوالغزاةُّاألسبانُّ،فاستشهدُّإسحاقُّفيُّإحدىُّمعاركها».
(ُّ )1
وفي ُّمقابل ُّذلك ُّنجد ُّالمؤرخ ُّ"أحمد ُّتوفيق ُّالمدني"ُّ ،يذكر ُّتاريخ ُّمدينة ُّالجزائرُّ، ويضيفُّإليه ُّوجهةُّنظرهُّ« ُّالشعبُّالذيُّكانُّضحيةُّذلكُّالعدوانُّالعظيم...أرسلُّرسلهُّ تستنجد ُّالمجاهدين ُّالتركيين ُّالعظيمين ُّ" ُّعروج" ُّوشقيقه ُّ" ُّخير ُّالدين" ُّوهما ُّعلى ُّرأسُّ تشكيلةُّقويةُّمنُّالفرسانُّالمسلمينُّتقاومُّبصفةُّبطوليةُّاألساطيلُّالمسيحية».
(ُّ )2
ناُّمنهُّالجزءُّالقليلُّأنُّ"ُّمفالح"ُّ،أرادُّإنُّ ُّ نستشفُّمنُّخاللُّهذاُّالحدثُّالذيُّذكر يشير ُّمن ُّخالل ُّحدث ُّ"تاريخ ُّمدينة ُّالجزائر" ُّإلى ُّأبرز ُّالمراحل ُّالتاريخية ُّالتي ُّعرفتهاُّ مدينةُّالجزائرُّعلىُّالرغمُّمنُّتركيزهُّوميلهُّإلىُّمدينةُّ"ُّوهران"ُّو"ُّغليزان"ُّرغبةُّمنهُّإلبرازُّ انتمائهُّالمحليُّ . أما ُّالحدث ُّالثانيُّ ،الذي ُّتم ُّاالستشهاد ُّبه ُّروائيا ُّفهو ُّ" ُّتعيين ُّالحاج ُّخليل ُّالتركيُّ بايا"ُّعلى ُّبايلكُّالغربُّ،فقدُّشهدُّهذاُّالحدث ُّحضوراُّروائيا ُّمعتبراُّعلى ُّطولُّالمساحةُّ السردية ُّللروايةُّ ،كشف ُّمن ُّخاللها ُّالروائي ُّعن ُّأبرز ُّالقادة ُّوالثوار ُّالذين ُّحملوا ُّعلىُّ عاتقهم ُّمسؤولية ُّتفجير ُّالثورة ُّالجزائرية ُّوالتخطيط ُّلها ُّتخطيطا ُّسياسيا ُّيقول ُّالروائيُّ«ُّ :
( )1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُّ .60 ( )2أحمدُّتوفيقُّالمدنيُّ،مذكراتُّالحاجُّأحمدُّالزهارُّنقيبُّأشرافُّالجزائر،ط،1الشركةُّالوطنيةُّللنشرُّوالتوزيعُُّّ،الج ازئررُّ، ،2108صُّ،ُّ6نقالُّعنُّ:سهامُّبولسح ارُّ،التناصُّالتراريخيُّفريُّروايرةُّشرعلةُّالمايردةُّ،لمحمردُّمفرالحُّ،مرذكرةُُّّلنيرلُّدرجرةُّ الماجس ر ررتيرُّف ر رريُّاألدبُّالعربي،تخص ر ررصُّ:د ارس ر رراتُُّّأدبي ر ررةُّونقدية،كلي ر ررةُّاآلدابُّواللغ ر رراتُّالعربية،قس ر ررمُّاللغ ر ررةُّالعربي ر ررةُّ وآدابها،جامعةُّالجزائر(ُّ،)1صُّ .02 - 147 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
كان ُّاألكحل ُّقائدا ُّهاما ُّقضى ُّبيننا ُّسنوات ُّعديدة ُّ...أحب ُّأجدادنا ُّوصلحاء ُّالمنطقةُّ، الشكُّأنُّالباشاُّسينصبهُّباياُّبعدُّوفاةُّالبايُّإبراهيمُّالمليانيُّ».
(ُّ )1
هذاُّفيماُّيخصُّحضورُّهذاُّالحدثُّروائياُّ،أماُّإذاُّعدناُّإلىُّحضورهُّتاريخياُّ،تجسدُّ فيُّقولُّ"ُّأحمدُّبنُّهطالُّالتلمساني"«ُّ :وفيُّأوائل ُّهذهُّالسنةُّتوفيُّإبراهيم ُّبايُّفطلبتُّ الرعيةُّمنُّالدايُّأنُّيعينُّمكانهُّمحمدُّالكبيرُّباياُّعلىُّاإليالةُّالغربية ُّوكاد.ُّ )2(»...وهوُّ المنصبُّالذيُّكانُّيستحقهُّمنذُّالبداية.
ُّ
لقد ُّحاول ُّالروائي ُّتمجيد ُّالتاريخُّ ،ليس ُّفقط ُّبالتنويه ُّعن ُّأهم ُّالمحطات ُّالتاريخيةُّ لمدينةُّوهرانُّ،بلُّعمدُّكذلكُّإلى ُّاالستعانةُّبأحالمُّوهواجسُّطالبُّجزائريُّوهوُّ"راشد"ُّ، الذيُّيمثلُّالشخصيةُّالمركزيةُّحينُّجعلهُّالروائيُّمتعددُّالمواهبُّوالخصالُّالطيبةُّالتيُّ تخولهُّليكونُّخيرُّناقلُّلكلُّم اُّيدورُّمنُّأحداثُّووقائعُّفيُّالفضاءاتُّالتيُّيتحركُّفيهاُّ، حتىُّتحولُّإلىُّرٍاوُّأساسيُّللنصُّكلهُّ،وهناُّنقولُّإنُّعالقةُّتوظيفُّشخصيةُّ"راشد"ُّهيُّ أنهُّيمثلُّ"ُّالناقلُّاألمين"ُّلكثيرُّمنُّاألحداثُّالتاريخيةُُّّ . « كتبُّراشدُّفيُّورقةُّمنُّاألوراق ُّالتيُّكانُّيحتفظُّبهاُّ"هذاُّزمنُّالبارود"...غرقُّ فيُّأحالمُّاليقظةُّ ...ثمُّراحُّيقتلُّالغزاةُّواحداُّواحداُّحتىُّتحررتُّوهران...وعندماُّأنجزُّ راشد ُّمهمته ُّالتاريخية...يسمع ُّصوت ُّالمايدة ُّيقول ُّلهُّ :راشد...توجه ُّنحو ُّالبرجُّ األحمر...ثمُّظهرُّالبايُّعلىُّفرسهُّاألصيل ُّوهوُّيرددُّبح اررةُّ:تعالُّياُّراشدُّ...ياُّشعلةُّ المايدة».
(ُّ )3
( )1محمدُّمفالح ،شعلةُّالمايدةُّ،وقصصُّأخرىُُّّ،صُّ .ُّ20 ( )2أحمدُّبنُّهطالُّالتلمساني"ُّ،رحلةُّمحمدُّالكبير"ُّبايُّالغربُّ(ُّتُّ:محمدُّبنُّعبدُّالكرريم)ُّ،طُّ،2عرالمُّالكتربُّالقراهرةُُّّ، مصرُّ،2161ُّ،صُُّّ.26-26نقالُّعنُّ:سهامُّبوُّلسحار،التناصُّالتاريخيُّفريُّروايرةُّشرعلةُّالمايردةُّلمحمردُّمفرالحُّ،صُّ ُّ .01 ( )3ينظرُّ:محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّوقصصُّأخرىُّ،صُّ .188-211 - 148 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
لنشهد ُّفيما ُّبعد ُّحديثا ُّعن ُّحملة ُّ" ُّأوريلي ُّ" ُّفي ُّقول ُّالروائي«ُّ :عاد ُّراشد ُّإلىُّ الدوار...كان ُّسعيدا ُّبالنصر ُّالذي ُّحققته ُّالجزائر ُّعلى ُّحملة ُّأوريلي ُّوفخو ار ُّبما ُّأحرزهُّ الخليفةُّمنُّمجدُّ».
(ُّ )1
وهنا ُّنلحظ ُّأن ُّراشد ُّأصبح ُّبمثابة ُّالمحرك ُّالرئيس ُّلجملة ُّاألحداث ُّالتي ُّانطلقُّ الروائي ُّفي ُّسردهاُّ ،بدءُّا ُّبهذه ُّالحملة ُّالمجيدة ُّحيث ُّتمثل ُّهذه ُّالحملة ُّنموذجا ُّألهمُّ الحمالت ُّاالستعمارية ُّالتي ُّشهدتها ُّثورة ُّالغرب ُّ( ُّوهران)ُّ ،وغيرها ُّمن ُّالثورات ُّالشعبيةُّ عبرُّكاملُّالترابُّالوطنيُُّّ . إلى ُّجانب ُّذلك ُّهناك ُّأيضا ُّبعض ُّاألحداث ُّالتاريخية ُّمثلُّ :يوم ُّالحراشُّ ،أفراحُّ الجبل،وحتىُّاألحالم ُّالجميلةُّ،توقفُّعندهاُّالروائيُّ"ُّمفالح"ُّ،كونهاُّتمثلُّمحطاتُّمهمةُّ في ُّتاريخ ُّوهرانُّ ،ومن ُّذلك ُّأيضاُّ :الدنوش ُّالكبيرُّ :الحامل ُّلطقوس ُّوعادات ُّخاصةُّ باالحتفاالتُّحيثُّيقولُّالسارد...«ُّ:سعدُّراشدُّكثيراُّحينُّاختيرُّمنُّبينُّالطلبةُّلمرافقةُّ قافلةُّ"الدنوشُّالكبير"ُّ،الذيُّأصبحُّحدثاُّعظيماُّيقودهُّالبايُّنفسهُّلتقديمُّالعوائدُّوالهداياُّ إلىُّالدايُّبمدينةُّالجزائرُّ».
(ُّ )2
وهذا ُّاالحتفال ُّقال ُّعنه ُّ" ُّأحمد ُّتوفيق ُّالمدني"«ُّ :لما ُّوقعت ُّالمهادنة ُّمعُّ االسبانيول...جاءُّوقتُّالدنوشُّ،فقدمُّالبايُّمحمدُّ،وجاءُّمعهُّبتحفُّوأموال ُّوهداياُّكثيرةُّ من ُّالخيل ُّالعتاق ُّوالعبيد ُّوالمصوغ ُّواألثاث ُّالفاخر ُّفخرج ُّمن ُّمقر ُّإمارته ُّمعسكر ُّومعهُّ جيشُّكبيرُّمنُّأتباعهُّراكبينُّالخيلُّالمسومةُّذاتُّالسروجُّالذهبية».
(ُّ )3
(ُّ)1محمدُّمفالح،المصدرُّالسابقُُّّ،صُّ .ُّ12 ( )2نفسهُّ،صُُّّ .ُّ211 (ُّ)3أحمرردُّتوفيررقُّالمرردنيُّ،مررذكراتُّالحرراجُّش رريفُّالزهررارُّ،صُّ.66نقررالُّعن:سررهامُّبرروُّلسررحارُّ،التنرراصُّفرريُّروايررةُّشررعلةُّ المايدةُّلمحمدُّمفالحُّ،صُُّّ .16 - 149 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ولمُّيكتفُّ"ُّمفالح"ُّاستنطاقهُّللتاريخُّ،بلُّواصلُّحركيةُّتسريدُّالتواريخُّالتيُّتتماشىُّ وطبيعةُّاألحداثُّالمسطرةُّ،داخلُّالعملُّالروائيُّوذلكُّإليهامُّالمتلقيُّبواقعيةُّالروايةُّ.وأهمُّ زمنُّساهمُّفيُّتفعيل ُّحركيةُّاألحداث ُّواألفعالُّ،والدفعُّبهاُّإلى ُّاالستم ارريةُّنحوُّالتقدمُّ، هيُّتلكُّالحادثةُّالتيُّألمتُّبالشعبُّوالمتمثلةُّفيُّ«:زلزالُّوهرانُّفيُّخريفُُّّ،»ُّ 2618 هذاُّالزلزالُّالذيُّسميُّبزلزالُّالخريفُّالذيُّاعتبره ُّالناسُّكإشارة ُّلفتحُّوهرانُّحيثُّيقولُّ السارد ُّ«:وفيُّالمسجدُّوجدُّعلماءُّالمدينةُّيتحدثونُّبحماسةُّعنُّالزالزلُّوأسبابها...ثمُّراحُّ يستمعُّإلىُّالشيخُّالجالليُّالذيُّاعتبرُّالزلزالُّإشارةُّعنُّاقترابُّفتحُّوهرانُّ».
(ُّ )1
وفي ُّمقابل ُّذلك ُّنجد ُّالمؤرخ ُّ" ُّأحمد ُّبن ُّهطال ُّالتلمساني" ُّيذكر ُّهذا ُّالحدث ُّالذيُّ ائياُّ،نجدُّلهُّحضورُّداخلُّمساحةُّالسردُّالتاريخيُّ،حيثُّيقول«ُّ:وفيُّ ُّا كانُّمختزالُّفنياُّورو أثناء ُّاستعدادُّمحمدُّالكبيرُّللهجومُّعلىُّمدينةُّوهرانُّإذُّبزلزلة ُّتحركُّالمدينةُّمنُّأقصاهاُّ فتهدمُّمعظمُّبناياتها...وامتدُّتيارُّهذاُّالزلزالُّإلى ُّمدينةُّمعسكرُّوكانتُّزلزلةُّوهرانُّحافزاُّ استعجالياُّلمحمدُّالكبير.»...
(ُّ )2
ومن ُّدالالت ُّهذا ُّالتوظيف ُّاكتفاء ُّ" ُّمحمد ُّمفالح" ُّباإلشارة ُّإلى ُّالزلزال ُّكحدثُّ تاريخي ُّوقع ُّبالفعلُّ ،أتى ُّبه ُّلخدمة ُّوتصعيد ُّاألحداث ُّالروائية ُّاألخرىُّ .في ُّحين ُّاهتمُّ التاريخُّبذكرُّتفاصيلهُّومخلفاتهُّوحيثياتهُّ،علىُّاعتبارهُّشاهدُّعيانُّوناقال ُّأمينا ُّلألحداثُّ كماُّوقعتُّبالفعلُّ،بينماُّاكتفىُّ"ُّمفالح"ُّبمجردُّاإلشارةُّإليهُّ،ومنُّنتائجُّالزلزالُّ،هوُّحدثُّ آخر ُّأحدث ُّزلزاال ُّعلى ُّصعيد ُّتقسيمات ُّالمهام ُّالعسكريةُّ ،وحتى ُّالفكرية ُّواألدبية ُّوماُّ تمخض ُّعنه ُّمن ُّحديث ُّعن ُّانتقال ُّالتدريس ُّمن ُّمدينة ُّوهران ُّإلى ُّجبل ُّالمايدةُُُُُّّّّّ: «انتشرتُّاألخبيةُّوالخيمُّبالرباطُّوانشغلُّالطلبةُّبدراسةُّالفقهُّوالنحوُّوالتصوفُّ،وأصبحواُّ ( )1محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّوقصصُّأخرىُّ،صُُّّ .266 ( )2أحمدُّبرنُّهطرالُّالتلمسرانيُّ"،رحلرةُّمحمردُّالكبيرر"ُّبرايُّالغرربُّ،صُُّّ.12نقرالُّعن:سرهامُّبولسرحار ،التنراصُّفريُّروايرةُّ شعلةُّالمايدةُّلمحمدُّمفالحُُّّ،صُّ ،08 - 150 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الُّيبرحونُّرباطهم ُّإالُّفيُّاألوقات ُّالتيُّيعلنُّفيهاُّعنُّظهورُّاألسبان ُّمنُّخلفُّأسوارُّ وهران.»ُّ...
(ُّ )1
وماُّنلحظهُّهناُّهوُّأن ُّ"مفالح"ُّ،عملُّبشكلُّال فتُّفيُّهذهُّالروايةُّ"ُّشعلةُّالمايدة"ُّ، علىُّنقلُّأهمُّالتفاصيلُّالتاريخيةُّالتيُّتخصُّتاريخُّالجزائرُّ،فيُّتلكُّالحقبةُّ،فكانُّيوردهاُّ بشكلُّفنيُّليضمنُّأنهاُّروايةُّخاصةُّبهُّوليستُّمجردُّوثيقةُّتاريخيةُّ.
ُّ
ويظلُّ"ُّمفالح"ُّيسترسلُّفيُّسردُّأحداثُّهيُّمنُّواقعُّتاريخُّالجزائرُّوالهدفُّالرئيسُّ ُّ منُّكلُّهذاُّالحرصُّوهذاُّالتوظيفُّالمكثفُّللعديدُّمنُّالنصوصُّالتاريخيةُّ،ماُّهوُّإالُّ رغبةُّمنُّالروائيُّفيُّإبداءُّمشاركةُّالشعبُّفيُّبناءُّتاريخُّوهرانُّ،وهيُّعينةُّضربهاُّعلىُّ بطوالت ُّوتضحيات ُّالشعب ُّالجزائريُّ ،وعلى ُّهذا ُّاألساس ُّجاءت ُّ"رحلة ُّالشيخ ُّوالطلبة"ُّ، لتؤكدُّعلىُّذلكُّ«:بسطُّالشيخُّأبو ُّطالبُّالرسالةُّأمامُّعينيهُّوقرأُّما ُّجاءُّفيها.لقدُّحياهُّ الباي...ثمُّدعاهُّإلىُّحثُّالطلبةُّعلىُّالمشاركةُّبرباطُّايفريُّ».
(ُّ )2
إننا ُّوعبرُّتسلسلُّاألحداث ُّالواردةُّفيُّهذهُّالروايةُّنتعرفُّعلىُّمزيدُّمنُّالمحطاتُّ التيُّعرفهاُّالتاريخُّالجزائريُّفيماُّمضىُّمنُّأجلُّأن ُّتنالُّوهرانُّحريتهاُّ،فكانُّحريصاُّ على ُّذكر ُّأهم ُّالتفاصيل ُّالتي ُّعرفتها ُّالمقاومة ُّباإليالة ُّالغربية ُّالوهرانيةُّ ،ضد ُّاالحتاللُّ اإلسباني ُّإلى ُّأن ُّوصلت ُّمرحلة ُّالحديث ُّعن ُّالصلح ُّبغية ُّإيقاف ُّهذه ُّالمقاومة ُّوحلُّ النزاعاتُّوالخالفاتُّبطريقةُّسليمةُّوذلكُّعبرُّمحطةُّ"ُّزمنُّالبارود"ُّوُّ"ُّالمعاركُّاألخيرة"ُّ التيُّجاءُّفيهاُّ «ُّ:لقدُّاتصلُّاألسبان ُّبموالناُّالباشاُّ،لطلبُّالصلحُّ:لقدُّانتصرناُّياُّسيديُّ
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُُّّ .206 (ُّ)2المصدرُّنفسهُُّّ،صُُّّ .206 - 151 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
المرسى ُّالكبيرُّ الباي...ثم ُّبحزم...الصلح ُّمع ُّاألسبان ُّال ُّيكون ُّإال ُّبعد ُّتحرير ُّوهران ُّو ُّ ».
(ُّ )1
لقد ُّأراد ُّ" ُّمفالح"ُّ ،من ُّوراء ُّهذا ُّالقولُّ :أن ُّما ُّيؤخذ ُّبالقوة ُّال ُّيسترد ُّإال ُّبالقوةُّ، فالصلحُّسياسةُّشكليةُّيتبعهاُّالمستعمرُّلتهدئةُّالوضعُّفقطُّ،وهناُّنلمسُّاندماجُّالروائي"ُّ مفالح" ُّفي ُّالرواية ُّحين ُّعاش ُّضمن ُّماضيها ُّالضارب ُّبجذوره ُّللعهد ُّالعثمانيُّ ،وربطهُّ بحقيقةُّعرفهاُّمعُّالمستعمرُّالفرنسيُّفي ُّمجازرُُّّ 0مايُُّّ 2186واتفاقيةُّالصلحُّالكاذبةُّ تلكُّ ،وعليه ُّنقولُّ «ُّ :أن ُّالرواية ُّتكون ُّتاريخية ُّحقيقية ُّحين ُّتثير ُّالحاضر ُّويعيشهاُّ المعاصرونُّبوصفهاُّتاريخهمُّالسابقُّبالذات».
(ُّ )2
ثمُّيختتمُّروايتهُّهذهُّ،بالنهايةُّالسعيدةُّالتيُّاختارُّلهاُّعنوانُّ"ُّالعودة"ُُّّ،ألنُّفيهاُّ عاد ُّالحق ُّألصحابهُّ ،واستقلت ُّوهران ُّوخرج ُّاألسبان ُّمهزومينُّ ،ليعود ُّكل ُّشيء ُّإلى ُّماُّ كانُّعليهُّوتبدأُّمرحلةُّالبناءُّوالتشييدُّمنُّجديدُّ«ُّ:لقدُّأرسلتُّالشيخُّأحمدُّبنُّهطالُّإلىُّ وهرانُّلتنظيمُّعودتناُّإلىُّالمدينةُّالمحررة...استعدواُّغداُّالعودة.»ُّ...
(ُّ )3
وأقيمت ُّاالحتفاالت ُّتمجيدا ُّللثورة ُّالتي ُّخرجوا ُّفيها ُّبالنصر ُّالثمين ُّليعود ُّراشد ُّفيُّ األخيرُّهناكُّليشاركُّفيُّمرحلةُّالبناءُّوالتشييدُّ . يظهرُّجلياُّمنُّخاللُّهذهُّالروايةُّأن"ُّمفالح"ُّقدُّقدمُّلناُّماُّيملكهُّمنُّحيثياتُّعنُّ تلكُّالحقبةُّمنُّتاريخُّالجزائرُّ،حتىُّيتزودُّبهاُّالجيلُّالذيُّجهلُّالكثيرُّعنُّتلكُّالفترةُّ، منُّتاريخُّبالدهُّمقارنةُّبماُّيعرفهُّعنُّماُّشهدتهُّالبالدُّفيُّحربهاُّضدُّفرنساُّ،حيثُّكانُّ
(ُّ)1ينظرُّ:محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،ص(ُّ .)182،181 (ُّ)2جورجُّلوكاشُّ،الروايرةُّالتاريخيرةُُّّتررُّ:صرالحُّجروادُّكراظم(،دُّط)ُّ،و ازرةُّالثقافرةُّواإلعرالمُّ،العرراق2106،مُُُُُُُّّّّّّّ،صُّ ُّ .01 (ُّ)3محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّوقصصُّأخرىُّ،صُّ .126 - 152 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
لهذه ُّالمرحلة ُّالحاسمة ُّمن ُّتاريخ ُّالجزائر ُّحظها ُّمن ُّاألعمال ُّالتي ُّأصدرها ُّالروائيُُّّ "مفالح"ُّحيثُّتمثلُّالمحطةُّالثانيةُّمنُّتاريخُّالجزائرُّ،وتتمثلُّفيُّ : ُُُُّّّّثانيا :مرحلة االستعمار الفرنسيُّ: ويمكن ُّتقسيمها ُّإلى ُّحقبتين ُّيفصلهما ُّخيط ُّرفيعُّ ،وهو ُّاندالع ُّالثورة ُّالمجيدة ُّو ُّعليهُّ فالحقبةُّاألولىُّهيُّ : ُّ/2ماُّقبلُّالثورةُّالتحريريةُُّّ:والتيُّنمثلهاُّبدايةُّبروايةُّ"ُّخيرةُّوالجبال"ُّ،التيُّعكستُّ واقع ُّالمجتمع ُّالجزائري ُّواألوضاع ُّالسائدة ُّفيهُّ ،قبل ُّحرب ُّالتحرير ُّالجزائريةُّ ،فاستعانُّ الروائيُّ"ُّمفالح"ُّبتقنيةُّالوصفُّالمدققُّحتىُّيتمكنُّمنُّرسمُّصورةُّحقيقيةُّلحالتيُّالبؤسُّ والحرمان ُّالتي ُّعاشها ُّالشعب ُّالجزائري ُّآنذاك ُّمن ُّخالل ُّ" ُّابن ُّعودة" ُّو"خيرة"ُّ ،اللذينُّ يمثالنُّنموذجاُّمصغراُّعنُّماُّعاشتهُّأغلبُّاألسرُّالجزائريةُّفيُّتلكُّالحقبةُّ . حيثُّيصفُّالروائيُّحالُّهذهُّالعائلةُّقائالُّ"ُّ:ابنُّعودةُّ"ُّرجلُّمسكينُّعانىُّالفقرُّ والحرمانُّفلمُّيملكُّإال ُّ حماراُّيجلبُّعليهُّالماءُّ،كانُّيعملُّخماساُّلدىُّالسيد"ُّالعامري"ُّ: «ومنذ ُّموت ُّالحمار ُّأصبحت ُّخيرةُّ ،تحمل ُّبرميل ُّالماء ُّعلى ُّظهرها ُّوتتجه ُّكل ُّصباحُُّّ نحوُّالبئرُّالعميقة ُّ» ُّ(ُّ.)1هناُّنج دُّأنُّالروائيُّيصفُّلناُّبكلُّواقعيةُّ،حياةُّفالحُّجزائريُّ يعيش ُّالفقر ُّوالعوزُّ ،في ُّوطنهُّ ،وحتى ُّابنته ُّتجرعت ُّالم اررة ُّنفسهاُّ .وفي ُّالمقابل ُّيسلطُّ الروائيُّالضوءُّعلىُّالمعمرُّالذيُّيصفهُّقائالُّ«ُّ:المعمرُّلمُّيتركُّلناُّأيُّشيءُّ،وماُّنملكُّ من ُّأرض ُّال ُّيصلح ُّللزراعة ُّ» ُّ(ُّ .)2يسعى ُّهنا ُّالروائي ُّإلى ُّقول ُّحقيقة ُّمفادهاُّ ،أن ُّماُّ وصلُّإليهُّالمعمرُّوأذنابهُّمنُّقيادُّوحركةُّ(ُّخونة)ُّ،هوُّبفضلُّماُّمارسوهُّعلىُّ"بنُّعودة"ُّ وابنته ُّ"خيرة" ُّوغيرهم ُّمن ُّأبناء ُّالجزائر ُّالذين ُّعانوا ُّمن ُّويالت ُّالمستعمر ُّوأصبحوا ُّ«ُّ (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(ُّ،خيرةُّوالجبال)ُّ،صُُّّ .860 (ُّ)2المصدرُّنفسه،صُُّّ .868 - 153 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ضحاياُّالسياسةُّالتوسعيةُّالتيُّأحالتُّإلى ُّالبطالةُّوالبؤسُّوالقهرُّالبوليسيُّمئاتُّاآلالفُّ منُّالجزائريين».
(ُّ )1
يتدرج ُّ" ُّمفالح"ُّ ،بعد ُّوصفه ُّلحالة ُّ" ُّخيرة"ُّ ،نجده ُّيصف ُّمدى ُّقوتها ُّورفضهاُّ لالستعمارُّ،واعالنها ُّلل تحديُّكغيرهاُّمنُّأبناءُّهذاُّالوطنُّالغيورينُّعلىُّأرضهمُّفنجدهاُّ تواجه ُّتحرش ُّ" ُّمنصور ُّاألعور" ُّعميل ُّالقايد ُّبالقولُّ «ُّ :ثم ُّاندفع ُّنحوها.أمسكت ُّخيرةُّ بزجاجة ُّفارغة ُّوابتعدت ُّقليال ُّوهددته ُّبها..بهت ُّمنصور ُّلعور.خاف ُّمن ُّافتضاحُّ أمره..ابتسم ُّلها ُّبمكر..حاول ُّأن ُّيخدعها ُّولكنه ُّفشل..وهددها ُّقائال ُّ:سأدخلك ُّالسجنُّ قريبا»ُّ "ُّ )2(.يا ُّكلب ُّفرنسا"ُّ ،وبذلك ُّتنشر ُّعدوى ُّالتحدي ُّوالمقاومة ُّإلى ُّأفراد ُّالمجتمعُّ خاصة ُّلما ُّيدركوا ُّأن ُّ«من ُّال ُّأرض ُّله ُّال ُّجذور ُّلهُّ ،ومن ُّال ُّجذور ُّله ُّيعيش ُّشقيا»ُّ، نلمسُّمنُّخاللُّأحداثُّالروايةُّ،فيماُّبعدُّتناميُّالرغبةُّفيُّالمقاومةُّوالثورةُّمنُّأجلُّنيلُّ الحريةُّبينُّأفرادُّالفالحينُّ،وغيرهمُّمنُّفئاتُّالمجتمعُّالجزائريُّمثلُّ"ُّيحيُّاليتيم"ُّ،الذيُّ فكر ُّفي ُّقتل ُّالقايد ُّوالمعمرُّ ،وهنالك ُّأحداث ُّأخرى ُّتوحي ُّبهذا ُّالوعي ُّالتحرري ُّالذي ُّلمُّ يأتُّجزافاُّ . ة"ُّ،التيُّكانتُّبمثابةُّاللغزُّالذيُّحيرُّالقريةُّكلهاُّ، بلُّالفضلُّكلهُّيرجعُّإلى ُّ"ُّخير ّ
ُّ..حولت ُّعاطفةُّ يقول ُّالروائيُّ «ُّ :تألمت ُّوهي ُّتسلم ُّابنها ُّالطاهر ُّإلى ُّعمته ُّاألرملة ّ األمومة ُّنحو ُّالنشاط ُّالثوري» ُّ(ُّ ،)3ولحق ُّبها ُّكثير ُّمن ُّالمناضلين ُّوعلى ُّرأسهم ُّ" ُّعبدُّ
الحميد ُّالمكاوي"ُّ ،وغيرهم ُّوعليه ُّفإننا ُّنجد ُّأن ُّالرواية ُّ" ُّخيرة ُّوالجبال" ُّتمثل ُّنموذجا ُّحياُّ
(ُّ)1األعرجُّواسينيُّ،اتجاهاتُّالروايةُّالعربيةُّفيُّالجزائرُّ،بحثُّفيُّاألصولُّالتاريخيةُّوالجماليةُّللروايةُّالجزائرية(ُّ،دط)ُّ، المؤسسةُّالوطنيةُّللكتاب،الجزائر2106،م،صُّ .222 (ُّ)2محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملةُّ(،خيرةُّوالجبال)،صُُّّ .868 (ُّ)3المصدرُّنفسهُّ،صُّ .862 - 154 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
تمكنُّالروائيُّبجدارةُّمنُّتصويرُّهمومُّالشعبُّالجزائريُّقبلُّالتحريرُّوكيفُّأنهُّتمكنُّمنُّ رفعُّالتحديُّوالرغبةُّفيُّالثورةُّمنُّأجلُّتحريرُّهذاُّالوطنُّ . نجدُّروايةُّأخرىُّتتحدثُّعنُّقلوبُّأبناءُّهذاُّالوطنُّالغيورينُّعليهُّ(الجزائر)ُّ،وكيفُّ أنها ُّ انفجرت ُّغضبا ُّوغيضا ُّكالقنبلة ُّالموقوتة ُّفي ُّوجه ُّالعدو ُّالغاشمُّ ،أال ُّوهي ُّرواية ُّ"ُّ االنفجار"ُّالتيُّاسترسل ُّفيهاُّالروائيُُّّ،فيُّسردُّأحداثُّشحذتُّهممُّالمواطنُّالجزائريُّ، ُّ،ُّ﴾ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ فنراهُّيقولُّفيُّبدايةُّالرواية ُّ﴿ُّ: إن ُّاختيارُّالروائيُّلهذهُّاآلية ُّ الكريمةُّكمدخلُّلهذاُّالعملُّ،لمُّيكنُّخبطُّعشواءُّبلُّكانتُّ هذهُّالبدايةُّتحملُّرسالةُّمشفرةُّمفادهاُّأنُّتحقيقُّالنصرُّواالستقاللُّالُّيتأتىُّ،إالُّبالنضالُّ والعملُّعلىُّالتغييرُّوذلكُّمنُّخاللُّالجهادُّوالكفاحُّفيُّسبيلُّالوطنُّ،ثمُّيعودُّمرةُّأخرىُّ (ُّالروائي)ُّ،ويوجهُّخطاباُّمباشراُّيقولُّفيه ُّ «ُّ:عليناُّأنُّنفكرُّفيُّمصيرناُّ...مصيرُّهذاُّ الوطن ُّالمنكوب...إلى ُّمتى ُّسنظل ُّمستعبدين؟ ُّإلى ُّمتى ُّ؟ ُّوانفجر ُّكالبركان ُّعلينا ُّأنُّ نتحركُّ...انضمواُّإلىُّالثورة...أمليُّأنُّنقومُّبواجبُّالتعبئةُّوالتجنيد.»...
(ُّ )1
إن ُّهذه ُّالدعوة ُّالتي ُّتحث ُّعلى ُّالثورةُّ ،طالما ُّكانت ُّشعا ار ُّردده ُّالتاريخ ُّالجزائريُّ، خصوصاُّفي ُّتلكُّالحقبةُّففكرةُّتحريرُّالمصيرُّوماُّأخذ ُّبالقوةُّالُّيستردُّإال ُّبالقوةُّ،هيُّ مبادئُّعملُّ"ُّمفالح"ُّعلىُّترسيخهاُّمنُّخاللُّهاتهُّالروايةُّ . كماُّنجدهُّيدعمُّهذهُّالدعوةُّبالتنويهُّألبطالُّمجدهمُّاإلسالمُّوكأنه ُّيناشدُّذلكُّالزمانُّ العربيُّبذكرهُّألبطالُّالتاريخُّليسُّفقطُّالجزائريُّبلُّحتىُّاإلسالميُّ،النُّالقضيةُّالجزائريةُّ ليستُّقضيةُّقوميةُّ،بلُّهيُّقضيةُّعربيةُّإسالميةُّ،فيقولُّ«ُّ:هلُّكانُّيعرفُّسيرةُّالرسولُُّّ وتاريخ ُّالخلفاء ُّالراشدين ُّوهل ُّسمع ُّببطوالت ُّخالد ُّبن ُّالوليدُّ ،وصالح ُّالدين ُّاأليوبيُّ ُُّّسورةُّالرعدُّ،اآليةُُّّ .22 (ُّ)1محمدُّمفالح،األعمالُّالغيرُّالكاملة(،روايةُّاالنفجار)ُّصُُّّ .608،602 - 155 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
واألمير ُّعبد ُّالقادر ُّوالمقرانيُّ ،والال ُّفاطمةُّ ،وأوالد ُّسيدي ُّالشيخُّ ،وسيدي ُّاألزرق ُّبلحاجُّ والزعاطشة؟ُّ»ُّ )1(. إنُّنداءُّالثورةُّوالشعاراتُّالتيُّطالماُّتغنىُّونادىُّبهاُّأبناءُّالجزائرُّ،تمخضتُّعنهاُّ تلكُّالثورةُّالتيُّاندلعتُّفيُُّّ،2168عبرُّمختلفُّالترابُّالوطنيُّ،حيثُّلبىُّنداءهاُّكلُّ مواطنُّغيورُّمحبُّللجزائرُّيقولُّالروائيُّ «ُّ:صدقواُّ ...لنُّيتحققُّاالستقاللُّإالُّبالكفاحُّ المسلح...أجلُّلقدُّانطلقتُّالثورةُّ...وهذاُّهوُّالمهم...ثمُّسيأتيُّالتنظيمُّ» ُّ(ُّ.)2ثمُّيسترسلُّ قائال«:والتهبُّحماساُّوهوُّيتابعُّقائالُّبتحدُّنملكُّاإليمان ُّبقضيتناُّالعادلة...أليسُّكذلك؟ُّ الثورةُّانطلقت...الُّيوجدُّهناكُّخيارُّآخرُّ )3(.»ُّ... ومعُّانطالق ُّثورةُّالتحريرُّنكونُّقدُّوصلناُّإلى ُّالمرحلةُّالثانيةُّمنُّفترةُّاالستعمارُّ وهيُّ : ُّ/1أثناءُّالثورةُّالتحريريةُّ:حيثُّومعُّانطالقُّثورةُّالتحريرُّتنطلقُّمعهاُّ،همومُّهذاُّ الشعب ُّالجزائري ُّالذي ُّحمل ُّعلى ُّعاتقه ُّمسؤولية ُّتحرير ُّهذا ُّالوطن ُّمن ُّقبضة ُّالعدوُّ الغاشمُّ،فنجدُّالروائيُّيحكيُّهذهُّالمآسي ُّوالهمومُّفيُّروايةُّ"ُّهمومُّالزمنُّالفالقي"ُّحيثُّ تصورُّهذهُّاألخيرةُّ،صراعُّأبناءُّمنطقةُّ"ُّغليزان"ُّمعُّاالستعمارُّالفرنسيُّوأتباعهُّالخونةُّ، أو ُّ هي ُّعلى ُّوجه ُّالتدقيق ُّتشخص ُّصراع ُّالمناضلين ُّالجزائريين ُّوعلى ُّرأسهم ُّ" ُّحمادُّ الفالقي"ُّمعُّالخونةُّأمثالُّ:جلولُّالحركيُّ،موسىُّالقايدُّالذينُّرمياُّبأنفسهمُّفيُّأحضانُّ المستعمرُّ .
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُُّّ،صُُّّ .602 (ُّ)2المصدرُّنفسه،صُّنُّ . (ُُّّ)3محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(،روايةُّالزمنُّالفالقي)ُّصُُّّ .101 - 156 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
حيثُّحاولُّ"ُّمفالح"ُّ،أن ُّيبرزُّشخصيةُّ"ُّحامد"ُّالمحوريةُّالتيُّتمتدُّبينُّزمنينُّ: فقبل ُّالقنبلة ُّ«...كنت ُّساذجا...أحلم ُّكثي ار ُّوالزمن ُّالمخيف ُّيقتات ُّمن ُّعمريُّ ،و"بوزيد"ُّ صاحبُّالمطعم ُّيكدس ُّاألموال ُّمنُّعرقيُّ ،)1(ُّ »ُّ ...كانت ُّحياته ُّبسيطةُّ ،جلُّهمهُّهوُّ لقمة ُّالعيشُّ ،في ُّزمن ُّالخوف ُّوالمحنة ُّاالستعماريةُّ ،ولكن ُّ" ُّحماد ُّالفالقي"ُّ ،بعد ُّتفجيرهُّ للقنبلةُّتتحولُّشخصيتهُّإلى ُّرمزُّمنُّرموزُّالقوةُّ،والجميعُّيحسنُّمعاملتهُُّّ «:شعرُّحمادُّ بأنه ُّأصبح ُّرجال ُّقويا...قبل ُّهذه ُّاللحظات ُّكان ُّال ُّشيء...كان ُّالمعلم ُّ"بوزيد" ُّيعاملهُّ باحتقارُّ )2(.»ُّ... إن ُّالنقلة ُّالنوعية ُّالتي ُّعرفتها ُّشخصية ُّ" ُّحماد ُّالفالقي"ُّ ،قبل ُّوبعد ُّتفجير ُّالقنبلةُّ، يجعلنا ُّنحس ُّبقيمة ُّالشخصية ُّالنضالية ُّفي ُّتلك ُّالحقبة ُّمن ُّتاريخ ُّالجزائرُّ ،سواء ُّتعلقُّ األمرُّبالمناضلُّأوُّمنُّعرفوهُّعلىُّحدُّسواءُّ«آهُّياُّسيُّعدةُّكمُّأناُّسعيد...هذاُّاالنفجارُّ انفجاري...لقدُّانتهتُّخمارةُّليون.»ُّ...
(ُّ )3
ما ُّنلمسه ُّفي ُّاألعمال ُّالتي ُّذكرناها ُّحتى ُّاآلن ُّأنُّ ،الروائي ُّ"مفالح" ُّيركز ُّجلُّ اهتمامه ُّعلى ُّصفات ُّالشخصيةُّ ،خصوصا ُّشخصية ُّ" ُّخيرة" ُّفي ُّ" ُّخيرة ُّوالجبال"ُُُُُُُُُّّّّّّّّّ وُّ"حمادُّالفالقي"ُّفيُّ"ُّهمومُّالزمنُّالفالقي"ُّألنهُّيعرفُّتمامُّالمعرفةُّبأنهاُّالمحركُّالفعالُّ للقضية ُّالجزائرية ُّمما ُّيولد ُّبطبيعة ُّالحال ُّلدى ُّالمتلقي ُّرغبة ُّجامحة ُّفي ُّالتعرف ُّعلىُّ مالمحُّوخصالُّهذهُّالشخصيةُّالبطوليةُّ،وهذاُّماُّحاولُّتصويرهُّ،والحديثُّعنُّالشخصيةُّ النضالية ُّفي ُّتلك ُّالفترةُّهو ُّأمر ُّمنطقي ُّوطبيعيُّ ،لكن ُّماذا ُّعن ُّجانب ُّآخر ُّأال ُّوهو ُّ"ُّ الحب"ُّالحبُّفيُّزمنُّالثورةُّالذيُّتجسد ُّمنُّخاللُّهمسُّسعديةُّالداخلية ُّ«ُّأنتُّالذيُّ
(ُُّّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُُّّ .121 (ُُّّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُّ .111 (ُُّّ)3نفسهُّ،صُُّّ .116 - 157 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
قتلت ُّآمالي" ُّلماذا ُّكنت ُّال ُّتأبه ُّبي؟»(ُّ .)1وهذا ُّالخطاب ُّموجه ُّ" ُّلحماد ُّالفالقي"ُّ ،كذلكُّ تساؤلُّ"ُّحمادُّالفالقي"ُّفيُّجملةُّأخرىُّ«ُّ:أماُّزالُّيفكرُّفيُّمحجوبةُّالمنتحرة؟ُّحبهُّللفتاةُّ كان ُّقويا» ُّ(ُّ .)2والخطاب ُّيتعلق ُّ"بعدة ُّالطالب" ُّوعليه ُّنقولُّ «ُّ :إن ُّالجملتين ُّالسابقتينُّ تؤسسانُّكماُّأسلفناُّالذكرُّلموضوعُّالحبُّفيُّزمنُّالثورةُّ،الذيُّيكتنفُّااللتفاتُّإليه ُّفيُّ ظرفُّمماثلُّشيءُّمنُّالغرابةُّ،ومحكيُّالحبُّفيُّمسارُّالسردُّيشيرُّسؤالُّجدواهُّفيُّزمنُّ األزمةُّ(ُّالثورة)ُّ؟ُّنعمُّهيُّكذلكُّفالروايةُّتعالجُّموضوعُّالحبُّفيُّزمنُّالثورةُّأيضاُّ،ولكنُّ مشروع ُّالحب ُّعلى ُّمستوى ُّالجملتين ُّغير ُّمكتمل ُّمؤلمُّ ،وفجائعي ُّبداللة ُّاالفتراق؛ُُّّ واالنتحارُّ "ُّ ،فسعدية" ُّتزوجت ُّمن ُّ" ُّجلول" ُّدون ُّشخص ُّ"حماد"ُّ ،الذي ُّلم ُّيأبه ُّلحبهاُّ، وكذلك ُّانتحار ُّ"محجوبة" ُّقبل ُّأن ُّيتوج ُّحب ُّ" ُّعدة" ُّمنها ُّبالزواجُّ ،هذا ُّالحب ُّالمجهضُّ أنجزُّمأساويةُّعشقيةُّألبستُّالروايةُّبعداُّإنسانيا ُّتراجيدياُّمنُّخاللُّتشتتُّمسارُّاألحبةُّ إلىُّجانبُّفجيعةُّالثورة».
(ُّ )3
نلمسُّمنُّخاللُّهذاُّالكالمُّأنُّالروائيُّ"ُّمفالح"ُّ،أضافُّرؤيةُّجديدةُّوخاصةُّبهُّ فيُّعالمُّالروايةُّالتاريخيةُّ،حينماُّاستطاعُّأن ُّيؤرخُّألزمةُّحبُّوأزمة ُّحربُّفيُّفترةُّالثورةُّ بطريقة ُّمأساويةُّتجعلناُّنحسُّببراعته«ُّ :هذهُّالرؤيةُّالجديدة ُّتجعلناُّندركُّأنناُّأمام ُّنصُّ محجبُّليسُّماُّيظهرهُّبالضرورةُّهيُّمعانيهُّالوحيدةُّ».
(ُّ )4
ومنُّجهةُّأخرىُّنزدادُّقناعةُّ،بأنُّهناكُّفرقاُّشاسعاُّبينُّالروائيُّوالمؤرخُّفيُّطريقةُّ سرد ُّكل ُّواحد ُّمنهما ُّلألحداث ُّالتاريخية ُّألن ُّالمؤرخ ُّيعتمد ُّعلى ُّالواقع ُّالبحتُّ ،بينماُّ
(ُُّّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(،روايةُّالزمنُّالفالقي)ُُّّ،صُّ .160 (ُّ)2المصدرُّنفسهُُّّ،صُّ .168 ( ُّ)3عبدُّالحفيظُّجلوليُّ،الهامشُّوالصدىُّ،قراءةُّفيُّتجربةُّمحمدُّمفالحُّالروائيةُّ،ص(ُُّّ .)16ُّ-18 (ُّ)4حسررينُّفياللرريُّ،السررمةُّوالررنصُّالسرررديُّ،رابطررةُّأهررلُّالقلررمُّ،سررطيف(ُّ،ط(،)1886-2طُّ،)188-1صُُّّ.01نقررالُّعررنُّ :عبدُّالحفيظُّجلوليُّ،المرجعُّنفسهُّ،صُُّّ .16 - 158 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الروائيُّيبديُّبراعتهُّفيُّسردُّأحداثُّالتاريخُّانطالقاُّمنُّمزجهُّللواقعُّوالخيالُّمعاُّ .وهذاُّ ما ُّنجده ُّفي ُّجل ُّأعمال ُّمفالحُّ «ُّ :أن ُّهذا ُّالتعالق ُّبين ُّالرواية ُّوالتاريخ ُّال ُّيخلو ُّمنُّ محاذيرُّلطبيعة ُّكل ُّمنهماُّ،كماُّأنُّمقياسُّتملكُّالمادةُّالتاريخيةُّمن ُّمنظورُّموضوعيُّ يجعله ُّطيعا ُّلدى ُّالمؤرخ ُّمنه ُّللروائي ُّالن ُّالروائي ُّالجيد ُّعنتا ُّفي ُّترويض ُّتلك ُّالمادةُّ وجعلهاُّقريبةُّمنُّخصوصيةُّالكتابةُّالتخيلية».
(ُّ )1
لقد ُّوظف ُّالروائي ُّ" ُّمحمد ُّمفالح"ُّ ،االجتياح ُّالفرنسي ُّلألراضي ُّالجزائرية ُّفي ُّجلُّ أعماله ُّالروائيةُّ ،وباألخص ُّالحديث ُّعن ُّ" ُّالجبل ُّاألخضر"ُّ ،وقد ُّسعى ُّمن ُّوراء ُّهذاُّ التوظيف ُّإلى ُّ ربطُّأحداثُّرواياتهُّوتسلسلُّحبكتهاُّبماُّيدورُّعلىُّالساحةُّالجزائريةُّ،وماُّ ُّالولوج ُّإلى ُّدهاليز ُّقضيته ُّالوعرةُّ ،فنجدهُّ يتعلق ُّبهذا ُّالوطن ُّالغاليُّ ،الذي ُّحاول ُّالكاتب ُّ يربطُّمثالُّبينُّشخصيتهُّ"ُّحمادُّالفالقي"ُّ،هذهُّالشخصيةُّالتيُّتمثلُّصورةُّمصغرةُّلكلُّ شابُّجزائريُّتملكتهُّالرغبةُّآنذاكُّفيُّالذودُّعنُّوطنهُّبالنفسُّوالنفيسُّ،سبيالُّوفداءُّلهذهُّ البالدُّالتيُّانتهكُّاالستعمارُّحرماتهاُّ،فهاُّهوُّذاُّ"ُّمفالح"ُّيذكرناُّفيُّعملُّآخر ُّبعيدُّكلُّ البعد ُّعن ُّعهد ُّالثورة،وهو ُّما ُّبعد ُّاالستقالل،وكأنه ُّيربط ُّبين ُّوشائج ُّالثورة ُّواالستقاللُُّّ التيُّتمخضتُّعنُّرحمُّواحدُّوهوُّالجزائرُّالحبيبةُّ،حيثُّنراهُّفيُّ"هوامشُّالرحلةُّاألخيرة"ُّ يقولُُّّ : «سألتهاُّفيُّقلقُّ : هلُّكانُّمنضماُّإلىُّالثورة؟ ُّ أجابتُّوهيُّتضعُّالقدرُّعلىُّاألثافيُّ"ُّ:والدكُّرجلُّكتومُّولكنُّعلمتُّمنهُّانهُّكانُّ ينتظرُّاللحظةُّالتيُّيلتحقُّفيهاُّبالجبلُّاألخضرُّ ُّ، ماُّالذيُّمنعه؟ ُّ (ُّ)1عبدُّاهللُّحامديُّ،الروايةُّالعربيةُّوالتراث(،دُّط)ُّ،مؤسسةُّالنخلةُّللكتاب1886ُّ،مُّ،صُُّّ .111 - 159 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
"...سمعت ُّمن ُّشقيقة ُّأن ُّالخاوة ُّالمجاهدين ُّكلفوه ُّبمهمة ُّسرية ُّقبل ُّااللتحاق ُّبهمُّ ولكنُّالقدرُّ...وسكتتُّثمُّمسحتُّعينيهاُّالعسليتينُّ.قلتُّفيُّنفسيُّ"ُّ:القدرُّسيقدر ُّ مصيرُّجانوُّقريبا...ونهضت»ُّ )1(. لقد ُّ وظف ُّالكاتب ُّهذا ُّالحوارُّ ،الذي ُّكان ُّبمثابة ُّمونولوج ُّداخلي ُّلسائق ُّالشاحنة ُّ"ُّ معمرُّالجبلي"ُّ،حينماُّكانُّيتذكرُّأيامُّالطفولةُّالتيُّهيُّجزءُّالُّيتج أزُّمنُّحياةُّهذاُّالرجلُّ الجزائريُّ،الذيُّيعتبرُّهوُّاآلخر ُّنموذجاُّحياُّلماُّحدثُّفيُّالجزائرُّ،خصوصاُّحينماُّكانُّ يتذكر ُّأهم ُّالمحطاتُّالخاصةُّبحياتهُّ،فيعودُّبناُّالروائيُّإلى ُّعهدُّالثورةُّهناكُّإلى ُّجبلهُّ الشامخ"ُّالجبلُّاألخضر"ُُّّ،فيقولُّبطلُّالشخصيةُّ «ُّ:تذكرتُّأيامي ُّفيُّالجبلُّاألخضرُّ، ثم ُّفي ُّأدغال ُّجبال ُّالونشريس ُّالغربي ُّالمطاردة ُّالدائمةُّ ،الجوعُّ ،األلمُّ ،العريُّ ،والموتُّ يترصدناُّفيُّكلُّمكانُّ،رفاقيُّفي ُّجالبيبهمُّالقصيرةُّ،يسخرونُّمنُّطائراتُّالعدوُّقررواُّ االستشهادُّفخافتهمُّكلُّأسلحةُّالعالمُّ...آهُّ».
(ُّ )2
لقدُّجاءُّهذاُّالتوظيفُّمناسباُّلواقعُّالحالُّ،فعززُّقيمةُّالمعلوماتُّالتاريخيةُّالواردةُّ ارُّكانُّدائر ُّبينُّ"ُّاألم ُّواالبنُّفيُّ ُّا فيُّالسردُّالروائيُّ،علماُّبأنُّالتوظيفُّجاءُّبشكلُّحو الفقرةُّالسابقة.وحوارُّداخليُّبينُّالسائقُّونفسهُّفيُّهذهُّالفقرةُّ . ويظل ُّالروائي" ُّمفالح"ُّ ،وفيا ُّللقضيةُّ ،للوطنُّ ،ولمسقط ُّرأسه ُّالذي ُّاستمر ُّيحكيُّ بطوالتهُّويرويُّمعاناتهُّفيُّسبيلُّهذاُّالوطنُّوبدافعُّالحبُّتحملُّأبناءُّ"ُّغليزان"ُّاألخطارُّ، كغيرهم ُّمن ُّأبناء ُّمختلف ُّواليات ُّالوطنُّ ،فتمخض ُّعن ُّهذا ُّكله ُّعمل ُّآخر ُّوهو ُّ" ُّزمنُّ العشقُّواألخطار"ُّ،هذهُّالروايةُّالتيُّتركزُّكماُّأسلفناُّالذكرُّعلىُّمدينةُّ"ُّغليزان"ُّوماُّحلُّ بهاُّخاللُّفترةُّاالستعمارُّ،وقدُّتمُّاختيارُّهذهُّالمدينةُّعلىُّسبيلُّالذكرُّوليسُّالحصرُّ، (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّوقصصُّأخرىُّ(ُّهوامشُّالرحلةُّاألخيرة)ُّ،صُُّّ .606 (ُّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ .606 - 160 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
حيثُّحاولُّفيهاُّأنُّيحاكيُّالمحنةُّفيُّتلكُّالحقبةُّاألليمةُّمنُّتاريخُّالجزائرُّ،التيُّأسالتُّ الكثيرُّمنُّالحبرُّ،يقولُّ"ُّمفالح"ُّعنُّروايتهُّاالنفجار...«ُّ:ولماُّرأيتُّأنني ُّلمُّأقلُّفيهاُّ كل ُّشيء ُّعن ُّأجواء ُّوشخوص ُّمنطقتي ُّالتي ُّعاشت ُّويالت ُّاالستدمار ُّالفرنسيُّ، واحتضنتُّككلُّمناطقُّبالديُّالثورةُّالمجيدةُّ،كتبتُّبعدهاُّثالثُّرواياتُّتجريُّأحداثهاُّ في ُّاألجواء ُّنفسهاُّ ،وهي ُّ(هموم ُّالزمن ُّالفالقيُّ ،زمن ُّالعشق ُّواألخطارُّ ،خيرةُّ والجبال)»ُّ )1(. حاولُّالكاتبُّمنُّخاللُّهذهُّالروايةُّ(ُّزمنُّالعشقُّواألخطار)ُّ،التيُّهيُّمزيجُّبينُّ زمنينُّ ،زمن ُّالعشق ُّوزمن ُّاألخطار ُّوالمحن ُّوالبطل ُّفيها ُّأبناء ُّالوطنُّ ،وتلك ُّالمنطقةُّ بالذاتُّ،بمختلفُّفئاتهمُّالعمريةُّ،وأجناسهم ُّالذينُّعانواُّمنُّويالتُّالحربُّفيقولُّالروائيُّ فيُّأحدُّصفحاتها «:صدقتُّياُّعابد...قريةُّالعينُّيهاجمهاُّالمرضُّوالجوعُّوالعريُّومدنُّ فرنساُّواسعةُّونظيفةُّوسعيدة.»ُّ...
(ُّ )2
لقدُّدفعُّ"ُّعميُّالمهدي"ُّ،الثمنُّغالياُّ،فيُّالحربُّالعالميةُّالثانيةُّبعدماُّشاركُّفيُّ حرب ُّفرنسا ُّضد ُّاأللمان ُّالتي ُّظلت ُّذكرياتها ُّالمرة ُّتطارده ُّكالشبح ُّ« ُّغرق ُّكالعادة ُّفيُّ رواية ُّذكرياته ُّعن ُّأيام ُّالحرب ُّالعالمية ُّالثانية...وظل ُّيحدثني ُّعن ُّالبرد ُّوالجوع ُّوشبحُّ الموتُّ ،وعن ُّفرنسا ُّوألمانيا ُّوعن ُّهتلر ُّوأزيز ُّالطائرات ُّوالقنابل ُّالقاتلة...لقد ُّفقد ُّعميُّ المهديُّذراعهُّاليسرىُّفيُّالحربُّ )3(.»ُّ... إننا ُّنلمس ُّأن ُّهناك ُّتنوعا ُّفي ُّاإلشارة ُّإلى ُّالتاريخ ُّالقديم ُّوالحديث ُّعند ُّ" ُّمفالح"ُّ، الذيُّعمدُّإلىُّتجسيدُّالزمنُّالتاريخيُّوحكايةُّالجزائرُّمعُّفرنساُّبشكلُّغيرُّمباشرُّ،حينماُّ يتحدثُّعنُّماُّأصابُّ"ُّعميُّالمهدي"ُّفيُّالحربُّالعالميةُّالثانيةُُّّ،بعدُّأنُّشاركُّفرنساُّ (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّوقصصُّأخرىُّ،صُّ(ُّ .)666،666 (ُّ)2محمدُّمفالح،األعمالُّالغيرُّكاملة(،زمنُّالعشقُّواألخطار)،صُُّّ .626 (ُّ)3المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ .621 - 161 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
فيُّحربهاُّضدُّاأللمانُّ،وكأنهُّيشيرُّويؤرخُّلتلكُّاالتفاقيةُّالتيُّنقضتهاُّفرنساُّ،والتيُّتنصُّ بأنها ُّستمنحُّالجزائرُّاستقاللهاُّ،إذا ُّما ُّشاركُّأبناُّؤها ُّفيُّحربُّ(ُّفرنساُّمعُّألمانيا)ُُّّولكنُّ بعد ُّانتصار ُّفرنسا ُّالتي ُّجندت ُّمعها ُّالشباب ُّالجزائريُّ ،هاهي ُّذا ُّتنكث ُّبالوعد ُّوتخلُّ منُّذلكُّتسببتُّبمجزرةُّهيُّاألكبرُّفيُّتاريخُّالجزائرُُّّ0مايُُّّ،2186 ُّ باالتفاقُّ،بلُّوأكثرُّ وهنا ُّتتجلى ُّمهارة ُّالروائي ُّفي ُّاستنطاق ُّالتاريخُّ ،وتسجيل ُّأحداثه ُّبطريقة ُّال ُّتجعل ُّمنُّ الرواية ُّتبدو ُّكأنها ُّ وثيقة ُّتاريخيةُّ ،وذلك ُّمن ُّخالل ُّفسح ُّالمجال ُّللشخصية ُّلكي ُّتعبرُّ وتحكيُّعنُّنفسهاُّبنفسهاُّ،وتخبرناُّبمعاناتهاُّ،وتتركُّالمجالُّللقارئُّليسافرُّعبرُّكبسولةُّ الزمن ُّويربط ُّاألحداث ُّالتاريخية ُّليقول ُّأن ُّ"عمي ُّالمهدي" ُّهو ُّأحد ُّضحايا ُّفرنساُّ ،التيُّ نكلتُّبالجزائرُّوأبنائها ُّ،ولكنهاُّلمُّتفعلُّشيئاُّمقارنةُّبأبناءُّهذاُّالوطنُّالذينُّخانوهُّ،وخانواُّ األرض ُّواألخوة ُّمقابل ُّرضا ُّفرنساُّ ،وهذه ُّالظاهرة ُّأيضا ُّتحدث ُّعنها ُّالروائي ُّقائالُّ: « ...ازدادُّحقديُّعلىُّالنقيبُّ"ُّجانُّبول"ُّوعساكرهُّ،وعلىُّماسوُّ،ومسعودُّ،جلولُُّّ،سعيدُّ الحركيُّ،الربيعيُُّّ،)1(ُّ »ُّ ...وفيُّالمقابلُّكانُّهناكُّمنُّأبناءُّالجزائرُّ،الذينُّمثلواُّرمزُّ الوفاءُّواألمانةُّوحرصواُّعلىُّأنُّتنالُّبالدهمُّحريتهاُّوتتخلصُّمنُّالعدوُّالغاشمُّ،كأمثالُّ: "عابدُّواخوانه"ُّالمجاهدينُّالذينُّاتخذواُّمنُّ"ُّالجبلُّاألخضر"ُّالذيُّطالماُّذكرهُّالروائيُّفيُّ أغلب ُّأعمالهُّ ،وكأنه ُّيثني ُّعليه ُّويشكره ُّألنه ُّكان ُّالمربض ُّاآلمن ُّالذي ُّآوى ُّالمجاهدينُّ يقول ُّالروائي ُّعن ُّ(عمار) ُّأحد ُّالمجاهدينُّ «ُّ :بال ُّريب ُّهرب ُّإلى ُّأحضان ُّالجبلُّ أسررهُّ»ُّ )2(. األخضر.سيحميهُّمنهمُّ.إنهُّيعرفُّأدغالهُّو ُّا حاولُّالروائيُّفيُّهذاُّالعملُّأنُّيرسمُّلناُّصورةُّعنُّأبناءُّهذاُّالوطنُّالذينُّانقسمواُّ عوادُّالنيلي"ُّ،قائال«ُّ:انتصبُّ بينُّمؤيدُّومعارضُّلفرنساُّ،وهوُّيحدثناُّعنُّكيفيةُّاستشهادُّ" ّ
ُّوحين ُّحرك ُّالنقيب ُّرأسه ُّانطلقُّ الربيعي ُّأمام ُّ" ُّعواد ُّالنيلي ُّ"وصوب ُّنحوه ُّرشاشه ُُّّ ، (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(ُّ،زمنُّالعشقُّواألخطار)ُّ،المرجعُّالسابقُّ،صُُّّ .626 (ُّ)2المصدرُّنفسهُُّّ،صُُّّ .626 - 162 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الرصاص...أطلق ُّ"عواد" ُّصرخة ُّمدوية ُّمزقت ُّأجواء ُّالقرية...تعالى ُّبكاء ُّالنساءُّ وزغاريدهن ُّجرى ُّ" ُّالهاني" ُّنحو ُّجثمان ُّ"عواد" ُّوعانقه ُّبقوة ُّوهو ُّيبكي ُّ..دفعه ُّ"الربيعي"ُّ برجلهُّوهددهُّالجنديُّالفرنسيُّبالقتلُّفابتعدُّ"الهاني"ُّوصاحُّ-:النجدةُّياُّ"عمار"»ُّ )1(. فيُّهذاُّالمشهدُّندركُّأن ُّفرنساُّتطبقُّسياسةُّ"ُّفرقُّتسد"ُّ،تبقىُّمشاهدةُّوترىُّماُّ يفعلهُّ"ُّسعيدُّالحركيُّ"ُّو"ُّالربيعي"ُّ،بإخوانهم ُّ"ُّعوادُّالنيلي""ُّ،الهاني"ُّ"ُّ،عمار""ُّ،عبدُّ القادر"ُّ"ُّ،بنُّعودة"ُّ"ُّ،عابد"ُّفيُّسبيلُّنيلُّرضاُّفرنساُّ . ورغمُّكلُّهذهُّالمآسيُّكانُّللحبُّمكانُّفيُّقلوبُّالجزائريينُّفهمهم ُّالكبير ُّهذاُّلمُّ يجعلهمُّيقنطواُّمنُّرحمةُّاهللُّ،بلُّاستمرواُّفيُّالحلمُّ،بالعيشُّالكريمُّوانجابُّاألطفالُّداللةُّ علىُّالمستقبلُّمثلُّماُّسعتُّإليهُّزوجة"ُّسيُّمحمدُّالطالب"ُّ،طيلةُّالروايةُّ . وكذلك ُّكان ُّللحب ُّنصيبهُّ ،يقول ُّالروائيُّ «ُّ :كان ُّعبد ُّالقادر ُّمستلقيا ُّعلىُّ ظهره...سكنهُّالحبُّفيُّزمنُّاألخطار...فيُّزمنُّتحركتُّفيهُّالقريةُّللمواجهةُّ».
(ُّ )2
نجدُّأنُّالحبُّيتوفرُّفيهُّطرفانُّرجلُّوامرأةُّمثلُّ"ُّزليخة"ُّوُّ"عابد"ُّفيُّالروايةُّكذلكُّ فيُّالحربُّلمُّينسُّ"ُّمفالح"ُّدورُّالمرأةُّ"ُّزليخة"ُّرمزُّالتحديُّ،التيُّتشبهُّلحدُّماُّشخصيةُّ "ُّخيرة"ُّ،فيُّروايةُّ"ُّخيرةُّوالجبال"ُّ،فكلماُّكانتُّ"ُّخيرة"ُّمحطُّأنظارُّواهتمامُّأهلُّالقريةُّ بماُّكانتُّتقومُّبهُّمنُّمفاجآتُّ .كذلكُّفعلت ُّبادوارُّبطوليةُّأثبتتُّمنُّخاللهاُّأنها ُّجزائريةُّ حرةُّ،يقولُّالروائي «ُّ:ففيُّقريةُّ"ُّالمحاور"...أصبحُّاسمُّزليخةُّرمزاُّمثيراُّللحماسةُّومنُّ أينُّاستمدتُّالفتاةُّتلكُّالجرأةُّالغريبة؟ُّوضعتُّالقنبلةُّفيُّمكتبُّالنقيب"ُّجونُّبول"لمُّيرهاُّ أحدُّحتىُّانفجرتُّوماتُّالنقيبُّ..وُّأقسمُّقرويُّكذلكُّأنهُّرأىُّزليخةُّتسوقُّسيارةُّ"جيب"ُّ العسكرية ُّ..ولما ُّخرج ُّالنقيب ُّفرح ُّبهاُّ ،ألقت ُّعليه ُّقنبلة ُّثم ُّألقت ُّأخرى ُّعلى ُّمكتبهُّ ()1محمدُّمفالحُُّّ،المصدرُّالسابقُّ،صُُّّ .686 (ُّ)2محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(،زمنُّالعشقُّواألخطار)ُُّّ،صُُّّ .666 - 163 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وانطلقتُّنحوُّالسوقُّولكنُّالسيارةُّانقلبت...فيُّساحةُّالقرية.ألسنةُّأهلُّالقريةُّالُّتملُّمنُّ ترديدُّسيرةُّزليخةُّالشهيدة»ُّ )1(. فأصبحت ُّ" ُّزليخة ُّ" ُّأسطورة ُّوكأنها ُّلم ُّتعش ُّفي ُّالقريةُّ .حتى ُّالعجائز ُّكان ُّلهنُّ نصيبُّفيُّالجهادُّماُّاستطعنُّإليه ُّسبيالُّوهاُّهيُّالحاجة"ُّسعادة"ُّ،تحاولُّمدُّالعونُّفيُّ سبيل ُّالذود ُّعن ُّهذا ُّالوطن ُّالغالي ُّيقول ُّالروائيُّ «ُّ :حتى ُّالعجوز ُّ"سعادة" ُّتغيرتُّ وانخرطتُّفيُّتيارُّالثورةُّالجارف...أصبحتُّتخفيُّالسالحُّفيُّبيتهاُّ»ُّ )2(. يدا ُّبيد ُّاستطاع ُّأهالي ُّقرية ُّالعين ُّالنائمة ُّفي ُّقمة ُّ" ُّالجبل ُّاألخضر" ُّمن ُّالقضاءُّ على ُّالحركيين ُّومن ُّبينهم ُّ" ُّالربيعي" ُّويصف ُّلنا ُّالروائي ُّذلك ُّالمشهد ُّالذي ُّانتصر ُّفيهُّ سكان ُّالقرية ُّقائال...«ُّ :تحرك ُّ" ُّبن ُّعودة" ُّنحو ُّالربيعي...ثم ُّحدث ُّانفجار ُّمهول ُّبهتُّ الجندي ُّالفرنسي ُّوتعالت ُّأصوات ُّالمجاهدين ُّ" ُّباهلل ُّاكبر"ُّ ،جرى ُّالجندي ُّالفرنسي ُّنحوُّ الباب...صفعت ُّوهيبة ُّ" ُّالربيعي" ُّواخرج ُّبن ُّعودة ُّالحطاب ُّخنج ار ُّواغمده ُّفي ُّصدرُّ ل...رد ُّعمي ُّالمهديُّ الربيعيُّ .فهو ُّآخر ُّحركي ُّفي ُّالمنطقة ُّظل ُّيرافق ُّعساكر ُّاالحتال ّ بثقةُّ:المجاهدونُّفيُّالقريةُّ . وبعد ُّدقائق ُّظهر ُّسي ُّالعباس ُّوعابد ُّوعمار ُّوحمادي ُّومحفوظ ُّوعبد ُّالهاديُّ ومجاهدين ُّآخرين ُّوقال ُّسي ُّالعباسُّ :لقد ُّحررنا ُّالقرية ُّمن ُّالوحوش...كما ُّحررنا ُّالقرىُّ األخرىُّفالُّتخافواُّواصلواُّالغناءُّ».
(ُّ )3
رغم ُّأن ُّ"مفالح" ُّتحدث ُّفي ُّأعمال ُّكثيرة ُّعن ُّتاريخ ُّالجزائر ُّركز ُّعلى ُّمنطقة ُّ"ُّ غليزان"ُّ ،وخصوصا ُّفي ُّرباعيته ُّ( ُّرباعية ُّالجبل ُّاألخضر) ُّباعتبار ُّالجبل ُّهو ُّالمحورُّ (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُّ .ُّ686،686 (ُّ)2المصدرُّنفسهُُّّ،صُُّّ .686 (ُُّّ)3نفسهُّ،صُُّّ .668 - 164 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الثابتُّفيهاُّ،ونقصدُّبالرباعيةُّ(ُّاالنفجارُّ،همومُّالزمنُّالفالقيُّ،زمنُّالعشقُّواألخطارُّ، خيرةُّوالجبال)ُّ،وهذهُّالرباعيةُّتمثلُّفترةُّاالستعمارُّقبلُّالثورةُّوأثناءُّالثورةُُّّ،ولكنُّذلكُّكلهُّ لمُّيسمحُّللنصُّالتاريخيُّأنُّيفرضُّهيمنتهُّعلىُّالنصُّاألدبي ُّفإضافة ُّإلى ُّكونُّالنصُّ التاريخي ُّمستمدا ُّمنُّالواقعُّالجزائريُّ،نجدُّأن ُّالجانبُّالتخيليُّفيُّالروايةُّأيضا ُّمستمدُّ منُّالواقعُّالمعيشُّللمواطنُّالجزائريُّ،وعلىُّهذاُّاألساس ُّنجدُّأنُّالبناءُّالدراميُّللروايةُّ ينصهر ُّفي ُّالبناء ُّالتاريخيُّ ،ويقدم ُّفي ُّقالب ُّتراجيدي ُّعميق ُّوذلك ُّلتعميق ُّاإلحساسُّ بالمأساةُّالجزائريةُّفيُّفترةُّاالستعمارُّ"ُّفمفالح"ُّالُّيسردُّالنصُّالتاريخيُّمنُّوجهةُّنظرُّ تاريخيةُّبحتةُّبلُّيستدعيهُّللداللةُّعلىُّتأثير ُّاألحداث ُّفيُّحياتهُّوحياةُّاآلخرين ُّوهذاُّماُّ لمسناه ُّفي ُّرواية ُّ" ُّهوامش ُّالرحلة ُّاألخيرة"ُّ ،عندما ُّكان ُّ" ُّعمي ُّالجبلي" ُّيتذكر ُّطفولتهُّ وكيفُّتوفيُّوالدهُّفيُّالثورةُّ،وكذلكُّماُّحدثُّلعميُّالمهديُّفيُّ"ُّزمنُّالعشقُّواألخطار"ُّ وما ُّخلفته ُّ الحرب ُّالعالمية ُّالثانيةُّ ،من ُّآثار ُّجسدية ُّأليمةُّ ،بعد ُّأن ُّبترت ُّيده ُّفيهاُّ ،وماُّ تركته ُّمن ُّآثار ُّسلبية ُّعلى ُّنفسيته ُّكانسانُّ ،وهذا ُّما ُّجعلنا ُّنلمس ُّفي ُّأعماله ُّانسجاماُّ انصهار ُّبين ُّالنص ُّالتاريخي ُّوالنص ُّالروائيُّ ،الن ُّقدرة ُّالروائي ُّعلى ُّتحقيق ُّاالنسجامُّ ُّا و بينُّالنصُّالتاريخيُّوالنصُّالروائيُّليسُّباألمر ُّالهينُّفهذاُّالموضوعُّطالماُّكانُّمحطُّ تساؤلُّالنقادُّ،نظراُّلألهميةُّالقصوىُّالتيُّيحملهاُّهذاُّالموضوعُّ«ُّ:إنُّالبحثُّفيُّالشراكةُّ بينُّالروايةُّونوعُّآخرُّمنُّفنونُّالقولُّ-وهوُّالتاريخُّ-تحققُّهدفينُّأساسيينُّهماُّ:فهمُّهذاُّ العنصر ُّالشريك ُّخطابا ُّووظيفةُّ ،قبل ُّأن ُّيخضع ُّآلليات ُّالتشغيل ُّالجديد ُّضمن ُّسياقُّ اإلنتاجية ُّالروائيةُّ،أما ُّ الهدفُّالثانيُّفيتمثلُّفيُّبناءُّمسلكُّخاصُّبالقراءةُّ،يجعلهاُّذاتُّ بعدُّنفعيُّ،دونُّأن ُّيعنيُّذلكُّالتضحيةُّبالبعدُّالجماليُّالذيُّهوُّشرطُّطبيعيُّلكلُّقراءةُّ أدبية»ُّ )1(.
( ُّ)1عبر رردُّالس ررالمُّأخم ررونُّ،الرواي ررةُّوالتررراريخُّ،سرررلطانُّالحكاي ررةُّوحكاي ررةُّالسر ررلطان(،دط)ُّ،دارُّالكترررابُّالجديررردةُّالمتحررردةُُّّ، ليبيا1828،م،صُّ ُّ.6 - 165 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وخصوصاُّبالنسبةُّللروايةُّالجزائريةُّ،التيُّكانُّظهورهاُّمتأخ ارُّمنُّحيثُّالبناءُّالفنيُّ «ُّفالنشأةُّالجادةُّلروايةُّفنيةُّناضجةُّارتبطتُّبرواية"ُّريحُّالجنوب"ُّ،وقدُّكتبهاُّ"بنُّهدوقة"ُّ، فيُّفترةُّكانُّالحديثُّالسياسيُّجارياُّبشكلُّجديُّعنُّالثورةُّالزراعيةُّ».
(ُّ )1
حتى ُّالروائي ُّ" ُّمفالح"ُّ ،يقول ُّفي ُّهذا ُّالسياق«ُّ :ال ُّأدري ُّبالضبط ُّكيف ُّملت ُّإلىُّ كتابة ُّالروايةُّ ،ولكنني ُّبعد ُّاطالعي ُّعلى ُّريح ُّالجنوب ُّللروائي ُّعبد ُّالحميد ُّبن ُّهدوقةُُُُُّّّّّ و ُّ(الالز)ُّ ،للروائي ُّالطاهر ُّوطار ُّشعرت ُّبرغبة ُّجامحة ُّالنجاز ُّعمل ُّروائي ُّيدور ُّفيُّ منطقتيُّوتكونُّلهُّنفسُّاألجواءُّالواقعيةُّالتيُّكتبُّبهاُّاألديبانُّالكبيران»ُّ )2(. وبعد ُّأن ُّعرفنا ُّالروائيُّ ،على ُّواقع ُّالشعب ُّالجزائري ُّواآلالم ُّالتي ُّتجرعها ُّإبانُّ االستعمارُّ،هاُّهوُّذاُّيقدمُّلناُّصورةُّعنُّواقعُّالجزائرُّبعدُّاالستقاللُّ،وماُّنتجُّعنهُّمنُّ مفارقاتُّاجتماعيةُّوسياسيةُّبحتةُّ . المطلب الثاني :مرحلة االستقلل وما بعده: يقولُّالروائي...«:وبعدُّهذهُّالرواياتُّالتيُّتشكلُّرباعيةُّالجبلُّاألخضرُّ،التفتُّإلىُّ الواقعُّالصاخبُّالذيُّعرفتهُّالجزائرُّفيُّالثمانينات.»ُّ...
(ُّ )3
ماُّنلمسهُّهناُّهيُّظاهرةُّااللتزامُّ،التيُّتطغىُّعلىُّأعمالُّمفالحُّالروائيةُّفهوُّمهتمُّ متابعُّللقضيةُّالجزائريةُّ،كونهُّلمُّيكتفُّفقطُّبإسماع ُّصوتُّالثورةُّإلى ُّجميعُّالناسُّ،وماُّ ارتكبتهُّفرنساُّفي ُّحقُّأبناءُّهذاُّالشعب ُّمن ُّجرائم ُّبشعةُّفيُّحقُّاإلنسانيةُّ .فهاُّهوُّذاُّ
(ُّ)1عمرُّبنُّقينةُّ"ُّ،فيُّاألدبُّالجزائريُّالحديثُّتأريخاُّوأنواعا...قضاياُّوأعالمراُّ،ديروانُّالمطبوعراتُّالجزائريرةُّ،الج ازئررُّ، 2116مُّ،صُّ .210 (ُُّّ)2محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُُّّ،وقصصُّأخرىُّ،صُُّّ .666 (ُّ)3المصدرُّنفسهُُّّ،صُُّّ .666 - 166 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
يستمر ُّفي ُّطرح ُّقضية ُّالجزائر ُّحتى ُّبعد ُّاالستقاللُّ ،شأنه ُّفي ُّذلك ُّشأن ُّالطبيب ُّالذيُّ يحرصُّعلىُّالمراقبةُّالدائمةُّلمريضهُّحتىُّبعدُّالعالجُّ . وعلىُّهذاُّاألساس ُّجاءتُّروايةُّ"ُّبيتُّالحمراء"ُّ،التيُّترتبط ُّبحيزُّزمنيُّأالُّوهوُّ فترةُّماُّبعدُّاالستقاللُّ،حيثُّنجدهاُّتتحدثُّعنُّذلكُّالتصادمُّبينُّاألزمة ُّالوجوديةُّوبينُّ الهمومُّوالطموحاتُّاإلنسانيةُّ،التيُّشهدهاُّالمجتمعُّالجزائريُّفيُّتلكُّالفترةُّ . ومنُّهذاُّالمنطلقُّنقولُّإن ُّالروائي"ُّمفالح"ُّأرادُّمنُّوراءُّهذاُّالعملُّأنُّيتحدثُّعنُّ فترةُّمهمةُّمنُّتاريخُّالجزائرُّالمستقلةُّحيثُّيقول«ُّ:روايةُّبينُّالحمراءُّ،التيُّحاولتُّفيهاُّ التعبير ُّعن ُّمجتمع ُّكان ُّيشهد ُّأزمة ُّاقتصادية ُّوصراعات ُّسياسية ُّوخفية ُّفي ُّعهد ُّ(ُّ المراجعةُّالُّتراجع)ُّالذيُّجاءُّبعدُّوفاةُّالرئيسُّهواريُّبومدينُّمنطلقاُّفيُّكتابتهاُّمنُّهمومُّ حيُّشعبيُّ )1(.»ُّ... ُّالرواية ُّهو«:بدايةُّ وبالمقارنة ُّمع ُّما ُّصرح ُّبه ُّالروائيُّ ،فإننا ُّنجد ُّأن ُّتاريخ ُّكتابة ُّ الثمانينات ُّأي ُّمرحلة ُّاالشتراكيةُّ ،وعليه ُّاللون ُّاألحمر ُّداللته ُّاإليديولوجيةُّ ،فعبد ُّاهلل ُّبنُّ موسى ُّالبقال ُّيصيح ُّفي ُّالروايةُّ "ُّ :نحن ُّال ُّنريد ُّالغد ُّاألحمر...االشتراكية ُّخطر ُّعلىُّ األمة.»ُّ"...
(ُّ )2
وهذا ُّيعني ُّأن ُّالروائي ُّ" ُّمفالح"ُّ ،لم ُّيكن ُّاختياره ُّلعنوان ُّالرواية ُّعبثاُّ ،ضف ُّإلىُّ العنوان ُّفإننا ُّنلمس ُّكذلك ُّفي ُّمتن ُّالنص ُّ«بؤرة ُّتوترُّ ،بمعنى ُّاحتواءه ُّمظاهر ُّالصراعُّ الحدثي ُّ ُّ الذي ُّيغذي ُّالرواية ُّحتى ُّمشارف ُّنهايتهاُّ ،كسيرورة ُّمجتمعية ُّحتمتها ُّضروراتُّ فنيةُّ ،والصراع ُّيقوم ُّبين ُّمتضاداتُّ ،وتنوع ُّشخوص ُّالرواية ُّيؤدي ُّهذا ُّالمفهوم"،فقدورُّ بلمريكان"ُّ"رأسماليُّرجعي"ُّ،بعدُّاهللُّبنُّموسىُّ"ُّإسالمي"ُّ،السعداويُّ"ُّمناضلُّتقدمي"ُّ، (ُُّّ)1محمدُّمفالح،المصدرُّالسابقُُّّ،صُُّّ .608 (ُّ)2محمدُّمفالحُّ،األعمالُّغيرُّالكاملة(ُّ،البيتُّالحمراء)ُّ،صُّ .286 - 167 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
عواد ُّالروجي" ُّبروليتاري ُّمهمش"ُّ ،مصطفى ُّ" ُّمثقف ُّسلبي"...تؤسس ُّشبكة ُّالعالقاتُّ انطالقاُّمنُّالروايةُّللصراعُّبينُّالشخوصُّوهوُّأحدُّدالالتُّاللونُّاألحمر»ُّ )1(. ولعلنا ُّنقف ُّعلى ُّداللة ُّعميقة ُّللصراع ُّحين ُّنقابل ُّبين ُّشخصية ُّ" ُّعواد ُّالروجي"ُُُُُّّّّّ "قدورُّبلمريكان"ُّ،فاألولُّبروليتاريُّمهمشُّ،معُّمالحظةُّداللةُّالروجيُّ(األحمر)ُّ،والثانيُّ رأسمالي ُّمتوحش ُّبما ُّيتميز ُّبه ُّمن ُّسلب ُّونهبُّ .مع ُّمالحظة ُّداللة ُّاللقبُُُُُُُُّّّّّّّّ "بلمريكان"ُّ ،وهو ُّما ُّيقدم ُّفي ُّالنهاية ُّمفهوم ُّالصراع ُّشرق ُّغرب ُّفي ُّالمرحلة ُّالتي ُّكتبتُّ فيهاُّالروايةُّ،والُّنجدُّهناُّأيُّغرابة ُّفيُّتشابكُّالجانبُّاالجتماعيُّوالسياسيُّفيُّ(ُّبيتُّ الحمراء)ُّ ،نظ ار ُّللعالقة ُّالجدلية ُّالوطيدة ُّوالمتفاعلة ُّالقائمة ُّأساسا ُّعلى ُّالتأثير ُّوالتأثرُّ بينهماُّ ،وهذا ُّإن ُّدل ُّعلى ُّشيء ُّفإنما ُّيدل ُّعلى ُّحرص ُّالروائي" ُّمفالح" ُّالشديدُّ ،علىُّ تغطية ُّتاريخ ُّالجزائر ُّبشكل ُّيتناسب ُّمع ُّالرسالة ُّالتي ُّيعمل ُّعلى ُّإيصالها ُّللمتلقيُّ وخصوصاُّفيُّتلكُّالفترةُّوهذاُّماُّيفسرهُّ"ُّميشالُّبوتور"ُّقائال«ُّ:أماُّعلىُّالمستوىُّالبنائيُّ الدراميُّفانُّهيمنةُّالصراعُّفيُّشكلهُّالسياسيُّعلىُّالبناءُّاالجتماعيُّوالعملُّعلىُّكشفُّ الفاعلين ُّالحقيقيين ُّ لما ُّيحدث ُّمن ُّانحرافات ُّوأزمات ُّيدخل ُّفي ُّسياق ُّتأسيس ُّالمجتمعُّ السريُّ».
(ُّ )2
وهناُّنلحظُّأن ُّالروائيُّأصبحُّملماُّبالدورُّالذيُّيجبُّعليهُّأن ُّيقومُّبهُّ،وهوُّتوعيةُّ الشعب ُّبطريقة ُّمنظمةُّ ،وعبر ُّمتلق ُّلديه ُّمن ُّالقدرة ُّما ُّيخوله ُّليكون ُّوسيط ُّبين ُّالمتلقيُّ البسيط ُّوما ُّيريد ُّالروائي ُّأن ُّيقولهُّ :ومن ُّهنا ُّنرجع ُّالسبب ُّلهذه ُّاإلستراتيجية ُّفي ُّالكتابةُّ تعودُّللكاتبُّبصفةُّخاصةُُّّ «:حيثُّبدأُّالروائيُّيفهمُّعملهُّاإلبداعي ُّنفسه ُّبالكشفُّعنُّ الخفاياُّ،وهدمُّالمظاهرُّوافشاء ُّاألسرارُّ،هذاُّماُّيسمحُّبإنشاء ُّنواةُّمجموعةُّسريةُُّّ،تنشأُّ ( ُّ)1عبدُّالحفيظُّبنُّجلوليُّ،الهامشُّوالصدىُّ،قراءةُّفيُّتجربةُّمحمدُّمفالحُّالروائيةُّ،صُُّّ .66 (ُّ)2ميشررالُّبوتررورُّ،بحرروثُّفرريُّالروايررةُّالجديرردةُّ،ص.08نقررالُّعررن:دروشُّفاطمررةُّفضرريلةُّ،فرريُّسوسرريولوجياُّالروايررةُّالعربيررةُّ المعاصرةُّ،ط،2دارُّالتنوير،الجزائر1821ُّ،م،صُّ ُّ.218 - 168 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
بينُّقرائهُّ،فيعملُّعلىُّكشفُّمجموعاتُّأوُّيعرضهاُّكمثالُّمنُّخاللُّالتلميحُّإلىُّشخصُّ معينُّأوُّإلىُّتفصيلُّمعينُّيسمحُّللقارئُّبالتعارفُّخفيةُّعنُّغيرهم...وهكذاُّعملُّالروائيُّ علىُّكشفُّخباياُّالنظامُّوالصراعاتُّالداخليةُّالتيُّتحركه»ُّ )1(. وهذا ُّما ُّسعى ُّ" ُّمفالح" ُّإلى ُّتحقيقه ُّمن ُّخالل ُّهذه ُّالروايةُّ ،حيث ُّيقول"ُّ :بشيرُّ بويجرة ُّمحمد"«ُّ :هناك ُّالحدث ُّالروائي ُّالمبرر ُّلبعض ُّاألمراض ُّاالجتماعية ُّالتي ُّتفشتُّ داخلُّالخليةُّاالجتماعيةُّاستجابةُّلمعطياتُّالعصرُّوالمرحلةُّ،وروايةُّ"ُّبيتُّالحمراء"ُّآخرُّ روايةُّتدخلُّضمنُّهذاُّالحيزُّالزمنيُّللدراسةُّ،وقدُّصدرتُّعنُّالمؤسسةُّالوطنيةُّللكتابُّ، ومجمل ُّأحداث ُّهذا ُّالنص ُّتتلخص ُّفي ُّذلك ُّالتصادم ُّبين ُّاألزمة ُّالوجودية ُّوبين ُّالهمومُّ والطموحات ُّاإلنسانية ُّ ،حيث ُّيطرح ُّالحاضر ُّالمعاني ُّفي ُّزاوية ُّمظلمة ُّوقائمة ُّتننبئُّ باالنفجارُّالذيُّحدثُّفيُُّّ 6أكتوبرُُّّ،2100ويتحددُّذلكُّالحاضرُّماُّبينُُّّ26ُّ،2166 أوتُُّّ،2102حسبُّماُّهوُّمدونُّفيُّنهايةُّالنص.»ُّ... ُّ
(ُّ )2
وفضالُّعنُّرغبةُّ"ُّمفالح"ُّفيُّالكشفُّعنُّواقعُّالجزائرُّفيُّتلكُّالفترةُّوبطريقةُّغيرُّ مباشرةُّ،فهوُّفيُّالوقتُّذاتهُّيسعىُّلرسمُّوتصويرُّحياةُّالشعبُّالجزائريُّومعاناتهُّوهذهُّ هيُّالوظيفةُّاألساسيةُّللروايةُّحيثُّيقولُّهنريُّجيمس«ُّ:أنُّالمبررُّالوحيدُّلوجودُّالروايةُّ، هوُّأنهاُّتحاولُّبالفعلُّتصويرُّالحياةُّ»ُّ )3(.
(ُّ)1دروشُّفاطمةُّفضيلة،المرجعُّنفسهُّ،صُُّّ .218 (ُّ)2بشرريرُّبررويجرةُّمحمرردُّ،بنيررةُّالررزمنُّف رريُّالخطررابُّالروائ رريُّالج ازئ ررريُّ،2106-جماليرراتُّواشرركالياتُّاإلبررداعُّ،طُّ،2دارُّ الغربُّللنشرُّوالتوزيع1882،1881(،م)ُّ،ص(ُّ .)266ُّ-262 (ُّ)3حنر رراُّمينر ررةُّ،كير ررفُّحملر ررتُّالقلر ررم،ط،2منشر رروراتُّدارُّاآلدابُّ،بير ررروت2106،م،ص،62نقر ررالُّعر ررنُّ:عبر رردُّالحفر رريظُّبر ررنُّ جلولي،الهامشُّوالصدىُّ،قراءةُّفيُّتجربةُّمحمدُّمفالحُّالروائيةُّ،صُُّّ .80 - 169 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وهذ اُّماُّنلمسهُّحينُّنقرأُّافتتاحيةُّالروايةُّالتيُّجاءُّفيها«ُّ:المدينةُّكالعادةُّغارقةُّفيُّ تفاهات ُّالحياةُّ ،هذا ُّيلهث ُّبحثا ُّعن ُّلقمة ُّالخبز ُّوذلك ُّينتظر ُّالفرصة ُّالسانحة ُّليرافقُّ عشيقته...تنهدُّ"ُّعوادُّالروجي"ُّقائالُّ:الحياةُّقاسيةُّالُّترحمُّالضعفاءُّ».
(ُّ )1
إنُّالجزائرُّبعدُّأن ُّنالتُّاستقاللهاُّ،بطبيعةُّالحالُّ،آنُّألبنائهاُّاألبرارُّالذينُّدافعواُّ عنهاُّ،آنُّلهمُّأنُّيتابعواُّمشوارُّحياتهمُّرغمُّأنهُّيقرُّوعلىُّلسانُّ"ُّعوادُّالروجي"ُّقائالُّ: «أنُّالحياةُّقاسيةُّوالُّترحمُّالضعفاء»ُّ،وفيُّهذاُّإشارةُّإلىُّالطبقةُّالكادحةُّوالفقيرةُّعلىُّ وجهُّالخ صوصُّ،والُّتقسواُّإالُّعلىُّأمثالُّ"ُّعوادُّالروجي"ُّمنُّالطبقةُّالبوليتاريةُّالمهمشةُّ والفقيرةُّ،ثمُّيعقدُّمقارنةُّبينهُّوبينُّ"ُّقدورُّبلمريكان"ُّ،هذاُّالذيُّيملكُّثروةُّهائلةُّحيثُّيقولُّ عنه ُّفي ُّالرواية«ُّ :أنه ُّاليوم ُّيملك ُّحماما ُّوفيال ُّوسيارة ُّفاخرة...في ُّأثناء ُّالثورة ُّالتحريريةُّ كان ُّراعياُّ ،في ُّبداية ُّاالستقالل ُّسافر ُّإلى ُّوهران ُّولم ُّيعد ُّإلى ُّقريته...ولما ُّأصبح ُّقوياُّ مهاباُّعادُّإلىُّمدينةُّغليزان.»ُّ...
(ُّ )2
أن ُّ المونولوجُّالداخليُّالذيُّجرىُّبينُّ"ُّعوادُّالروجي"ُّوبينُّنفسهُّحينماُّكانُّيفكرُّ كيفُّيصبحُّقوياُّفيُّالوقتُّالذيُّكانُّشعارهُّ"ُّالبقاءُّلألقوى"ُّ،فكرُّووجدُّنموذجاُّيحتذىُّ بهُّوهوُّ"ُّقدورُّبلمريكان"ُّوقدُّاختارهُّبالذاتُّألنه ُّيعلمُّمدىُّفقرهُّأيامُّالثورةُّ،أما ُّاليومُّفهوُّ ذاُّمالُّوجاهُّ،وحينماُّقالُّالروائيُّأنُّ"ُّبلمريكان"ُّكانُّفقيراُّأيام ُّالثورةُّالتحريريةُّ،وأصبحُّ ثرياُّبعدُّاالستقاللُُّّ،فهوُّلمُّيقصدُّالقولُّأنُّتبدلُّحياتهُّكانُّمنُّنتائجُّاالستقاللُّ،بلُّإنهُّ أشار ُّإلى ُّذلك ُّالتحول ُّالذي ُّعرفته ُّفئة ُّمعينة ُّعن ُّطريق ُّالنهب ُّواالستغالل ُّأمثالُّ "بلمريكان" ُُّّ ،حيث ُّأشار ُّإلى ُّهذه ُّالفئة ُّقائال...«ُّ :ألم ُّتسمع ُّبالرجل ُّالذي ُّيحاول ُّأنُّ يستوليُّعلىُّخيراتُّالمدينة؟ُّ»ُّ )3(.
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(ُّ،البيتُّالحمراء)ُّ،صُّ .226 (ُّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُّ .226 (ُُّّ)3نفسهُّ،صُّ .211 - 170 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ثمُّيبحثُّمرةُّأخرى ُّعنُّوسيلةُّليغيرُّبهاُّواقعهُّ،وهواُّهوُّيتذكرُّ"ُّعميُّالسعيد"ُّ، «الذيُّبدأُّحياتهُّببيعُّالبيضُّحتىُّأصبحُّصاحبُّمطعمُّكبير».
(ُّ )1
وقد ُّكان ُّالتغيير ُّالحاصل ُّفي ُّحياة ُّ" ُّعمي ُّالسعيد"ُّ ،فهو ُّتغير ُّجاء ُّمن ُّبابُّ الصدفةُّ ،ما ُّنالحظه ُّفي ُّكل ُّهذا ُّأن ُّيتحدث ُّعن ُّالتطور ُّاالقتصادي ُّالذي ُّلم ُّيتحققُّ بخالفُّماُّكانُّيتوقعُّجزائريُّاألمسُّ(ُّالثورة)ُّ . ولهذاُّنجدهُّكثيراُّماُّيعودُّللماضيُّوبالضبطُّأثناءُّالثورةُّ . وعند ُّهذا ُّالمستوى ُّمن ُّالسرد ُّنقف ُّعلى ُّمقاربة ُّالرواية ُّللواقع ُّكانت ُّمن ُّمنطلقُّ تحسسُّانكساراتهُّ . « ُّفكان ُّأول ُّالغضب ُّاكتشاف ُّالجدب ُّفينا» ُّ(ُّ ،)2فخلل ُّزمن ُّالرواية ُّهو ُّذاته ُّخللُّ زمنُّالواقعُّ،وشرطُّتحقيقُّالتطورُّاالقتصاديُّهوُّالبحثُّالعلميُّ،وهوُّماُّأهملتهُّعمليةُّ التحولُّ «ُّ .وعليه ُّتكون ُّالرواية ُّقد ُّغذت ُّواقعيتها ُّبالشفافية ُّمن ُّخالل ُّهذه ُّالمقارباتُّ الكشفيةُّ ،المتسنمة ُّمعول ُّاللغة...واستشرفت ُّنتيجته ُّالتي ُّسوف ُّتعرف ُّفيما ُّبعد ُّبانفجارُّ أكتوبرُُّّ )3(.»ُّ2100 إنُّالحديثُّعنُّالجانبُّالسياسيُّ،والواقعُّالسياسيُّفيُّالروايةُّجاءُّمصقوالُّبالجانبُّ االجتماعيُّ ،حيث ُّإن ُّالنماذج ُّالبشرية ُّالمتفاعلة ُّمع ُّالحدث ُّالمقترحُّ ،داخل ُّ" ُّبيتُّ الحمراء"ُّ ،تجعل ُّالزمن ُّالحاضر ُّيتميز ُّبالتعقيد ُّوالتشابك ُُّّ ،مما ُّنتج ُّعنه ُّأحداث ُّتتسمُّ باالستغاللية ُّوالمأساوية ُّحيناُّ ،إلى ُّجانب ُّعنصر ُّالمأساة ُّوالضياع ُّتغرس ُّمخالبها ُّفيُّ جماعةُّ"ُّالزلط"ُّ،التي ُّعبرُّ"ُّعلي ُّالعنكبوت" ُّعنُّهويتهاُّداخلُّالشبكةُّالحديثةُّلروايةُّ: (ُّ)1محمدُّمفالح،لمصدرُّالسابقُّ،صُُّّ .220 (ُّ)2آمنررةُّبلعلررىُّ،تجليرراتُّمشررروعُّالبعررثُّواالنكسررارُّفرريُّالشررعرُّالعربرريُّالمعاصررر(،دُّط)ُّ،دي روانُّالمطبوعرراتُّالجامعيررةُّ، الجزائر2116ُّ،مُّ،صُّ .6 (ُّ)3عبدُّالحفيظُّبنُّجلوليُّ،الهامشُّوالصدىُّ،قراءةُّفيُّتجربةُّمحمدُّمفالحُّالروائيةُّ،صُُّّ .61 - 171 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
«المدرسة ُّطردتنا ُّألننا ُّكبارُّ ،والشركات ُّترفضنا ُّألننا ُّصغار،وال ُّحرفة ُّلناُّ ..فما ُّنفعل؟ُّ التجارة ُّتتطلب ُّمنا ُّاألموال ُّونحن ُّفقراء...والسوق ُّالسوداءُّ ،أنا ُّشخصيا ُّلم ُّأخلقُّ لها...؟»ُّ )1(. يسعىُّالروائي ُّمنُّخاللُّهذاُّالطرحُّإلى ُّعقدُّمقارنةُّبينُّالماضيُّوالحاضرُّوهذاُّ هوُّأساسُّالروايةُّالتاريخيةُّ«حيثُّأنُّالروايةُّتكونُّتاريخيةُّحقيقيةُّ،حيثُّتثيرُّالحاضرُّ ُّ ويعيشهاُّالمعاصرونُّبوصفهاُّتاريخهمُّالسابقُّبالذاتُّ»ُّ )2(. وماُّيميزُّطرحُّالروائيُّ،إنُّالحاضرُّقدُّتميزُّبالحدةُّوالتشاؤميةُّ،فإنُّالماضيُّمنُّ جهتهُّ،كانُّمحمالُّبالمآسيُّالمحتفظُّبهاُّفيُّالذاكرةُّوالوجدانُّألغلبيةُّاألشخاصُّالروائيةُّ، مثال«ُّ :إن ُّعواد ُّالروجي ُّكان ُّفي ُّاألربعين ُّمن ُّعمرهُّ ،واحرق ُّاالستعمار ُّكوخه ُّبدوارُّ العينُّ،وتوفتُّزوجتهُّبعدُّذلكُّ..مماُّجعلُّقلبهُّينبضُّبينُّالفينةُّواألخرىُّللذكرىُّاألليمةُّ، فأصبحُّمدمناُّعلىُّالخمرةُّحتىُّأطلقُّعليهُّاسمُّالروجيُّلتناولهُّالنبيذُّاألحمرُّ»ُّ )3(. ولعلُّأهم ُّنتيجةُّتوصلتُّإليها ُّروايةُّ"ُّبيتُّالحمراء"ُّ،أنها ُّتنبأتُّ"ُّباالنفجار"ُّالذيُّ حدث ُّفي ُُّّ 6أكتوبر ُُّّ ،2100علما ُّأن ُّالرواية ُّكتبت ُّفي ُُّّ ،2102حيث ُّقال ُّفي ُّإحدىُّ صفحاتها«ُّ :لم ُّيكن ُّأكتوبر ُّشه ار ُّممطراُّ ،كما ُّكان ُّفي ُّالماضي...فمالذي ُّتغير...حتىُّ أصبحُّشهراُّحارا؟ُّ )4(.»ُّ... فدورُّالروايةُّهوُّاإللمام ُّبكلُّجوانبُّالحياةُّ ،والُّتستطيعُّأنُّتفعلُّذلكُّإال ُّإذا ُّكانُّ صاحبهاُّ(ُّالراوي)ُّ،متمكناُّمنُّالمزجُّبينُّعالمُّالواقعُّوالخيالُّمعاُّ .
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(،البيتُّالحمراء)ُّ،صُُّّ .268 (ُّ)2جورجُّلوكاشُّ،الروايةُّالتاريخيةُّ،صُّ .01 (ُّ)3محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُّ .286 (ُّ)4المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ .216 - 172 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وهذاُّماُّنلمسهُّفيُّأغلبُّرواياتُّ"مفالح"ُّ،فعندماُّتحدثُّعنُّأكتوبر ُّالساخنُّالذيُّ تخيلهُّفيُّالروايةُّ(ُّبيتُّالحمراء)ُّ،نجدهُّعبرُّعنهُّحقيقةُّقائالُّ «ُّ:ثمُّكانُّالخامسُّمنُّ شهرُّأكتوبر ُُّّ 2100الذيُّأعقبته ُّأحداث ُّدستورُّفبرايرُُّّ،2101الذيُّفتحُّبابُّالتعدديةُّ الحزبيةُّفعاشُّالشعبُّمخاضاُّعسيراُّ،خاللُّسنواتُّ،وفيُّالمرحلةُّالتيُّعادُّفيهاُّاألمنُّ والسلمُّبعدُّالعشريةُّ(ُّالسوداء)ُّ،والعنفُّالهمجيُّفصدرتُّليُُّّ 8رواياتُّحاولتُّأن ُّأضعُّ فيهاُّأصبعي ُّعلىُّبعضُّالجراحُّالتيُّخلفاهاُّأكتوبرُّ،ومنُّبينهاُّ"ُّالكافيةُّوالوشام"ُّ،التيُّ عدتُّفيهاُّإلىُّالبدايةُّالصاخبةُّألحداثُّأكتوبر»ُّ )1(. فعالُّلقدُّحاولُّالروائيُّ"ُّمفالح"ُّربطُّأحداثُّرواياتهُّوتسلسلُّحبكتهاُّبماُّيدورُّعلىُّ الساحةُّالجزائريةُّوماُّيتعلقُّبالواقعُّالجزائريُّ،فبعدماُّتحدثُّعنُّح اررةُّأكتوبر ُّقائال«ُّ:لمُّ يكن ُّأكتوبر ُّشه ار ُّممط ار ُّكما ُّكان ُّفي ُّالماضي...فما ُّالذي ُّتغير...حتى ُّأصبح ُّشهراُّ حا ار»ُّ )2(. وهاُّهوُّذاُّيتحدثُّعنُّالح اررةُّ،فيُّافتتاحيةُّروايةُّ"ُّالكافيةُّوالوشام"ُّقائالُّ«ُُُُُّّّّّ ُّ: ح اررةُّاليومُّالُّتبشرُّبخيرُّ،والمدينةُّكعادتهاُّغارقةُّتنتظرُّبالُّأملُّسنواتُّالمطر...أصبحُّ الجفاف ُّالعنيد ُّشبحا ُّمخيفا ُّفي ُّمرحلة ُّولدت ُّفيها ُّأحزاب ُّكثيرة ُّمختلفة ُّالبرامجُّ والمشاريع...لمُّتكنُّفتيحةُّالوشامُّقادرةُّعلىُّتحملُّالح اررةُّرغمُّمكيفُّالهواءُّالذيُّأدارتُّ أز اررهُّالحمراءُّمنذُّصباحُّهذاُّاليومُّ )3(.»ُّ... تأتي ُّهذهُّالروايةُّ"ُّالكافيةُّوالوشام"ُّلتعبرُّعنُّفترةُّأخرىُّمنُّتاريخُّالجزائرُّ،وهيُّ فيما ُّبعد ُّالخامس ُّمن ُّأكتوبر ُُّّ ،2100حيث ُّوجد ُّاإلنسان ُّنفسه ُّيواجه ُّمتاهات ُّجديدةُّ، عاريا ُّمن ُّكل ُّدروع ُّالفكر ُّالنظري ُّبأشكاله ُّالمتعددةُّ ،ال ُّسيما ُّوقد ُّأثبتت ُّكل ُّالتجاربُّ (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّ،وقصصُّأخرىُّ،ص(ُّ .)608،602 (ُُّّ)2المصدرنفسهُّ،صُّنُّ . (ُّ)3محمدُّمفالحُّ،الكافيةُّوالوشامُّ،صُُّّ .6 - 173 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
فشلهاُّفيُّإصالحُّاألوضاعُّ وترميمهاُّ،وقدُّاتخذُّالروائيُّمنُّبطلتهُّ"فتيحةُّالوشام"ُّ،متنفساُّ يعبرُّبهُّعنُّكلُّماُّيجولُّبخاطرهُّبطريقةُّغيرُّمباشرةُّ،مستعيناُّبشخصيةُّ"ُّفتيحة"ُّ،كقناةُّ انطالقاُّمنُّبنيةُّعنوانُّالروايةُّ،فالبنسبةُّلفتيحةُّجاءُّاسمهاُّكرمزُّعنُّفترةُّبدايةُّاالستقاللُّ حيث ُّتقول ُّالرواية...«ُّ :في ُّالسنة ُّالتي ُّولدت ُّفيها ُّخرج ُّالرجال ُّوالنساء ُّواألطفال ُّإلىُّ الشوارعُّوالساحاتُّالعموميةُّوهمُّيرددونُّبحماسُّكبيرُُّّ"ُّتحياُّالجزائر"...ظروفُّميالدهاُّ وذكرياتُّطفولتهاُّفيُّسنةُُّّ )1(.»ُّ...2161 وفيُّهذاُّالسياقُّنحنُّنقولُّأن ُّالروائيُّ"ُّمفالح"ُّلمُّيكنُّبارعاُّفيُّالحبكةُّفقطُّ،بلُّ كان ُّكذلك ُّأيضا ُّفيما ُّيخص ُّعناوين ُّرواياته ُّمن ُّمثلُّ "ُّ :زمن ُّالعشق ُّواألخطار""ُّ ،بيتُّ الحمراء"ُّ،وأيضاُّ"الكافيةُّوالوشام"ُّ،فبالنسبةُّلهذهُّاألخيرة ُّفإننا ُّنقولُّأنُّبنيةُّالعنوانُّتحيلناُّ إلى ُّالخلفية ُّالتاريخية ُّألحداث ُّالرواية ُّوذلك ُّ« ُّمن ُّخالل ُّ" ُّالكافية" ُّاسم ُّمؤنث ُّمفردُّ، ُّوللتأنيث ُّداللته ُّالخاصةُّ ،فاألنثى ُّوعاء ُّالح َم ِلُّ ،وميز ُّالكافية ُّعن ُّفتيحة ُّاالسم ُّالمؤنثُّ اآلخر ُّفي ُّالرواية ُّبإضافة ُّالوشام ُّاليهاُّ ،فتجاوز ُّاالسم ُّ"فتيحة" ُّوالتي ُّقلنا ُّأنها ُّرمزُّ االستقاللُّ،وذكرُّالصفةُّ"الوشام"ُّلإليحاءُّضمنياُّبعمليةُّالوشمُّ»ُّ )2(. في ُّإطار ُّحبكة ُّالعالقة ُّبين ُّمكان ُّالكافيةُّ ،وشخص ُّالوشام ُّالذي ُّهو ُّلقب ُّعائلةُّ البطلةُّ"ُّفتيحة"ُّ،وعليهُّيتضمنُّالجمعُّفيُّواجهةُّمفردُّالكافيةُّ-الشركةُّ-التيُّهيُّمصدرُّ المال ُّوالسلطة ُّوعلى ُّذلك ُّفهي ُّمحط ُّأطماع ُّشخصيةُّ ،والعالقة ُّالوظيفية ُّبين ُّالكافيةُّ والوشامُّهيُّعمليةُّالوشمُّ،وفعلُّالوشمُّيتحققُّبحفرُّرمز ُّما ُّعلىُّجسدُّالمرأةُّللزينةُّ،بماُّ يحققُّالمتعةُّللوشامُّ .
(ُّ)1محمدُّمفالح،المصدرالسابقُّ،صُّ(ُّ .)16،16 ( ُّ)2عبدُّالحفيظُّبنُّجلوليُّ،الهامشُّوالصدى،قراءةُّفيُّتجربةُّمحمدُّمفالحُّالروائيةُّ،ص(ُّ .)220،221 - 174 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
«وعليهُّفالكافيةُّهيُّرمزُّللوطنُّوهوُّ"ُّالجزائر"ُّ،و"الوشام"ُّفتيحةُّتعنيُّ:الوشام:هيُّ الفئةُّالتيُّتنهبُّبشراهةُّوتتلذذُّبخيراتُّالوطنُّ،وقدُّجاؤواُّمعُّفتيحةُّأيُّبعدُّاالستقاللُّ، فلم ُّتغد ُّجزائر ُّاالستقالل ُّبقدر ُّما ُّصارت ُّجزائر ُّالنهب ُّوهذا ُّهو ُّسبب ُّتفضيله ُّلعنوانُّ الكافيةُّوالوشامُّبدالُّمنُّالكافيةُّوفتيحةُّ»ُّ )1(. وهذا ُّما ُّحاول ُّالروائي ُّأن ُّيتطرق ُّإليه ُّفي ُّالروايةُّ ،مستعينا ُّبالرمز ُّالمتمثل ُّفيُّ شخصية"ُّفتيحة"ُّ،وعليهُّيقال«:الروايةُّمشروعيةُّلرمزيةُّمعينةُّ»ُّ )2(. ثم ُّنعود ُّإلى ُّالمتنُّ ،لنستق أر ُّإيديولوجية ُّالروائي ُّفيهاُّ ،التي ُّتعبر ُّعن ُّخلفية ُّمعينةُّ فكريةُّ ،أو ُّفلسفية ُّأراد ُّأن ُّيقولها ُّال ُّمحالة ُّبشكل ُّغير ُّمباشرُّ ،وهذا ُّهو ُّسبب ُّلجوءهُّ للرمز «:ذلكُّأنُّكلُّرمزُّينبغيُّألنُّينهضُّعلىُّخلفيةُّمعينةُّفكريةُّوفلسفيةُّذاتُّسندُّفيُّ المسارُّالعامُّبالنصُّكله»ُّ )3(. حيثُّيتدرجُّ" ُّمفالح"ُّفيُّحديثهُّعنُّأحداث ُّأكتوبرُّ ،بشكل ُّملتبس ُّبطابع ُّخياليُّ، يحكيُّفيُّظاهره ُّعنُّسيرةُّامرأة ُّاسمهاُّ"ُّفتيحةُّالوشام"ُّ،زوجةُّمديرُّالكافيةُّواسمه ُُُُّّّّ"ُّ أحمدُّمعاليش"ُّ . وقدُّجاءتُّأحداثُّهذهُّالروايةُّفيُّشكلُّاسترجاعاتُّإلعادة ُّتأويلُّبعضُّالمواقفُّ تماشياُّمعُّاألحداثُّ،ضمنُّهذاُّالسياقُّ.إذنُّتندرجُّ"الكافية ُّوالوشام"ُّ،منُّحيثُّهيُّنصُّ تسجيليُّلوقائعُّوأحداثُّهامةُّ،منُّخاللُّهذهُّالفترةُّبالذاتُّ(ُُّّ0أكتوبرُّ،)2100غيرُّأنهاُّ ليستُّبالروايةُّالتقريريةُّكماُّقدُّينظرُّإليهاُّالبعضُّألنها ُّتملكُّمقوماتُّالنصُّالروائيُّمنُّ
(ُُّّ)1ينظرُّ:عبدُّالحفيظُّبنُّجلولي،المرجعُّالسابقُّ،صُّ .221 (ُّ)2عمرُّبنُّقينةُّ،فيُّاألدبُّالجزائريُّالحديثُّتأريخاُّوأنواعاُّ...وقضاياُّوأعالماُُّّ،صُّ .166 (ُّ)3المرجعُّنفسهُّ،صُّنُّ . - 175 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
حيثُّانبناؤهاُّوصياغةُّأحداثهاُّ،وهوُّماُّيضمنُّلهاُّمشروعيتهاُّاألدبيةُّويؤكدُّانتماءهاُّإلىُّ الجنسُّاألدبيُّوجنسُّالروايةُّعلىُّاألخصُّ . جاء ُّفي ُّالرواية...«ُّ :الفرصة ُّمناسبة ُّلتنفيذ ُّخطتها ُّخاصة ُّفي ُّهذه ُّالمرحلة ُّالتيُّ عمها ُّالصخب ُّاإلعالميُّ ،والعنف ُّاللفظي ُّواختلطت ُّفيها ُّالمفاهيمُّ ،منذ ُّأحداث ُّأكتوبرُّ ُّ،2100ولم ُّتعدُّفتيحة ُّالوشامُّقادرةُّعلىُّالتمييزُّبينُّالتياراتُّالسياسيةُّالمتصارعة ُّفيُّ جوُّمشحونُّباألحقادُّالدفينةُّ )1(.»ُّ... يبدوُّواضحاُّأنُّ"ُّفتيحةُّالوشام"ُّ،تتخبطُّهيُّاألخرىُّكغيرهاُّمنُّأبناءُّالجزائرُّفيُّ ظلُّالتعدديةُّالحزبيةُّ،التيُّالُّيسعى ُّأصحابهاُّإلىُّبناءُّالجزائرُّ،بقدرُّماُّكانتُّتتملكهمُّ رغبةُّجامحةُّفيُّتحقيقُّمطامعهمُّالخاصةُّ،مماُّولدُّبينُّالتياراتُّالسياسيةُّصراعا ُّيغذيهُّ حقدُّدفينُّبينُّأبناءُّهذاُّالوطنُّ،والىُّجانبُّأنُّفتيحةُّكانتُّضحيةُّ،فهيُّاألخرىُّجالدُّ، ألنهاُّاستغلتُّهذاُّالجوُّالمشحونُّلتنفيذُّخطتهاُّاإلجراميةُّالمتمثلةُّفيُّقتلُّزوجهاُّمتواطئةُّ فيُّذلكُّمعُّ"حميدُّالرفاف"ُّ،الذيُّقدمتُّلهُّالعونُّفقطُّ،ليخدمُّمصالحها ُّ«ُّ...لنُّتدعهُّ يهرب ُّمنها ُّبعدما ُّأنقذته ُّمن ُّمخالب ُّالفقر ُّالمدقع ُّوهموم ُّالحي ُّالشعبي ُّوفخ ُّاللعبةُّ السياسية...حتىُّاتفقتُّمعهُّعلىُّقتلُّزوجها»ُّ )2(. لمُّيكنُّألكتوبرُّهذاُّأثرُّعلىُّنفسيةُّفتيحةُّوحدهاُّبلُّحتىُّزوجهاُّمديرُّالكافيةُّ«منذُّ بدايةُّأحداثُّأكتوبرُّتغيرُّمزاجُّزوجهاُُّّ )3(.»ُّ... يبدو ُّجلياُّأن ُّأوضاعُّالجزائرُّاالقتصاديةُّقدُّتأزمتُّهيُّاألخرىُّ«الجزائرُّفيُّأزمةُّ اقتصادية...البد ُّمن ُّالصبر ُّوالتضحية ُّحلت ُّالمؤسسات ُّالمحلية ُّوستغلق ُّالشركاتُّ (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّالكافيةُّوالوشامُّ،ص(ُّ .)8،6 (ُّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ .0 (ُُّّ)3نفسهُُّّ،صُّ .18 - 176 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الوطنية ُّالخاسرة ُّدخلت ُّاقتصاد ُّالسوق...على ُّالشباب ُّأن ُّيبادر ُّقليال...ستنطلق ُّعمليةُّ االستثمارُّقريباُّ )1(.»ُّ... هذه ُّالنتائج ُّاالقتصادية ُّالسلبيةُّ ،أثبتت ُّفشل ُّالنظام ُّاالشتراكي ُّالذي ُّاختير ُّبعجلةُّ وارتجالُّمنُّطرفُّرجالُّالدولةُّ،وقدُّكانُّانفجارُّأكتوبرُّبمثابةُّالبدايةُّالفعليةُّلفئةُّالوطنيةُّ الجزائريةُّالكبرىُّ،وهذاُّماُّصرحُّبهُّالروائيُّقائال«ُّ:أحمدُّمعاليش ُّلم ُّأن ُّيفهمُّالعالمُّتغيرُّ ولمُّيعدُّلالشتراكيةُّمستقبلُّ )2(.»... وبعدُّكلُّهذاُّخرجُّالشعبُّفيُّاحتجاجاتُّعبرُّفيهاُّعنُّالرغبةُّفيُّالتغيرُّالسياسيُّ نظراُّإلف ارزات ُّ المرحلةُّفيُّظلُّتدهورُّالحياةُّالمعيشيةُّوتدنيهاُّ،وصعوبةُّالحصولُّعلىُّ لقمة ُّالخبز ُّكما ُّحصل ُّمع ُّ(حميدة ُّالرفاف)ُّ ،كل ُّهذا ُّفي ُّظل ُّنظام ُّمهترئ ُّفي ُّكلُّ مؤسساته ُّمثل ُّمؤسسة ُّ" ُّالكافية"ُّ ،ومترهل ُّفي ُّنظام ُّبيروقراطي ُّكبير ُّ ُّ ُّ« ُّقائم ُّعلىُّ المحسوبيةُّوالمنسوبيةُّالتيُّتحكمُّبمقاليدُّالسلطةُّاإلداريةُّوالحزبيةُّ )3(.»ُّ... وبعد ُّنجاح ُّ"حميدة ُّالرفاف" ُّفي ُّالحصول ُّعلى ُّمنصب ُّشغل ُّفي ُّمؤسسة ُّالكافيةُّ بفضل ُّ" ُّفتيحة ُّالوشام"ُّ ،يقرر ُّالقضاء ُّعلى ُّمديرها ُّ" ُّأحمد ُّمعاليش"ُّ ،وذلك ُّبدعم ُّمنُّ صديقُّسابقُّللمديرُّوهوُّ"ُّمحمدُّالراشدي"ُّ،الذيُّدخلُّمعهُّفيُّصراعُّمنُّأجلُّالوصولُّ إلىُّمنصبُّالرجلُّاألولُّفيُّالبالدُّ،وهذاُّفيُّفترةُّاالنتخاباتُّالتيُّكانتُّح اررتهاُّتلوحُّفيُّ األفقُّمنُّبعيدُّ«االنتخاباتُّاقتربُّموعدهاُّوالحملةُّستنطلقُّقريبا...ستكونُّساخنة»ُّ )4(. إننا ُّ نشعرُّبحضورُّقويُّللروائيُّ"ُّمحمدُّمفالح"ُّ،داخلُّهذاُّالعملُّالذيُّكانُّيعبرُّ فيهُّعنُّرأيهُّ لماُّيحصلُّفيُّالجزائرُّآنذاكُّبكلُّثقةُّ،وهذهُّليستُّبالمهمةُّالسهلةُّخصوصاُّ (ُُّّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُّنُّ . (ُُّّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُّ .66 (ُّ)3ناظمُّعبدُّالواحدُّالجاسورُّ،الجزائرُّمحنةُّالدولةُّومحنةُّاإلسالمُّالسياسيُّ،ط،2دارُّالمسيرة1882ُّ،مُّ،صُّ .22 (ُّ)4محمدُّمفالحُّ،روايةُّالكافيةُّوالوشامُّ،صُُّّ .68 - 177 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
فيُّتلكُّالفترةُّ:يقولُّعبدُّاهللُّالركيبيُّ«ُّ:أنهُّيشعرُّشعوراُّقوياُّبأنُّأيُّإرهابُّمهماُّكانتُّ مصدره ُّال ُّبد ُّأن ُّيمنع ُّاألديب ُّمن ُّالقيام ُّبرسالته ُّويعطل ُّسالح ُّالكلمة ُّمن ُّأن ُّيحققُّ مفعولهُّفيُّالنفوس»ُّ(ُّ،)1ولكنُّهذهُّاألجواءُّالمشحونةُّلمُّتمنعُّ"ُّمفالح"ُّمنُّقولُّكلمةُّحقُّ فيُّتلكُّالفترةُّحيثُّيقول«:فيُُّّ 6أكتوبرُُّّ 2101شهدتُّالجزائرُّظاهرةُّتخريبُّاألمالكُّ العمومية ُّوشهدت ُّنشأة ُّدستور ُّجديد ُّعام ُُّّ ،2101فتح ُّالمجال ُّأما ُّالتعددية ُّبنصه ُّعلىُّ إنشاء ُّالجمعياتُّذاتُّالطابعُّالسياسي ُّوكانُّأول ُّامتحانُّلهذاُّالتغييرُّاالنتخاباتُّالمحليةُّ التي ُّجرت ُّفي ُُّّ 21جوان ُُّّ 2118والتي ُّفاز ُّفيها ُّحزب ُّالجبهة ُّاإلسالمية ُّلإلنقاذ ُّبنسبةُّ ُّ )2(.»٪ُّ68.16 ما ُّيمكن ُّمالحظته ُّأن ُّالرواية ُّ( ُّالكافية ُّوالوشام) ُّبوحداته ُّبشخصياتها ُّ(أحمدُّ معاليشُّ ،حميدة ُّالرفافُّ ،فتيحة ُّالوشامُّ ،محمد ُّالراشدي)ُّ ،الزمان ُُّّ 6أكتوبر ُُّّ 2106وماُّ بعدهُّ،المكانُّغليزانُّ(الجزائر)ُّ،كلهاُّروافدُّتصبُّفيُّنهرُّواحدُّوهوُّالبحثُّعنُّالتغييرُّ، ذلكُّالتغييرُّالذي ُّكان ُّ يحلمُّبهُّالجزائريُّوينتظرُّحصولهُّبعدُّاالستقالل،هذاُّالتغيرُّالذيُّ يلبس ُّأثواب ُّعديدة(ُّ :اجتماعية ُُّّ ،اقتصاديةُّ ،ثقافيةُّ ...ولكنه ُّفي ُّالحقيقة ُّمجرد ُّصراعُّ ُّظاهريا ُّأنه ُّغير ُّذلكُّ ،يقول ُّ" ُّالدكتور ُّعبد ُّاهلل ُّالركيبي" ُّ«إنُّ ُّ سياسي ُّوان ُّكان ُّيبدو الصراعُّالذيُّيبدوُّعلىُّالسطحُّاليومُّ،هوُّصراعُّفيُّاألساس ُّعلىُّالحكمُّوالسلطةُّوانُّ لبسُّأثواباُّملونةُّ»ُّ )3(. وهذاُّماُّيجسدهُّ"ُّأحمدُّمعاليش"ُّ،مديرُّمؤسسةُّالكافيةُّ،الذيُّجعلهُّالروائيُّيعيشُّ فيُّصراعُّنفسيُّ ،وهوُّماُّتعكسهُّأشكالُّالمونولوجُّللشخصيةُّ،فنراهُّيطرحُّإشكاليات ُّليسُّ لهاُّعالقةُّ"بأحمدُّمعاليش"ُّفقطُّ،بلُّيعتبرُّ"ُّمعاليش"ُّقناةُّأرادُّمنُّخاللهاُّالروائيُّإيصالُّ (ُّ)1محمدُّمصايفُّ،النقدُّاألدبيُّالحديثُّفيُّالمغربُّالعربيُّ،صُّ .161 (ُّ)2دروشُّفاطمةُّفضيلةُّ،فيُّسوسيولوجياُّالروايةُّالعربيةُّالمعاصرةُّ،صُّ .61 ( ُّ)3عبدُّاهللُّركيبيُُّّ،الهويةُّبينُّالثقافةُّوالديمقراطيةُّ،دراساتُّومقاالتُّ،دارُّهومةُّ،الجزائر1886ُّ،مُّ،صُُّّ .61 - 178 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
أكبرُّقدرُّمنُّالمعلوماتُّعنُّأوضاعُّالجزائرُّفيُّتلكُّالحقبةُّالتاريخيةُّفنراهُّيقول«ُّ:أنُّ البالد ُّفي ُّأزمةُّ ...كما ُّأنه ُّتحدث ُّمع ُّالمسيرين ُّوالنقابيين ُّلمعرفة ُّأوضاع ُّالبالد ُّآنذاكُّ، وسمع ُّكلمات ُّلم ُّتكن ُّمتداولةُّ ،القطيعةُّ ،المحاسبةُّ ،التعدديةُّ ،التغيير ُّثم ُّالتغييرُّ الشاملُّ )1(.»... إن ُّتوظيف ُّالكاتب ُّلهذه ُّالمعلومات ُّعلى ُّلسان ُّإحدى ُّالشخصيات ُّالروائية ُّالهامةُُّّ (أحمد ُّمعاليش)ُّ ،هو ُّتوظيف ُّمناسب ُّجدا ُّلواقع ُّالحالُّ ،على ُّأساس ُّأن ُّالمتكلم ُّهوُّ شخصية ُّتعيش ُّفي ُّقلب ُّالحدث ُّمما ُّعزز ُّقيمة ُّالمعلومات ُّالتاريخية ُّالواردة ُّفي ُّالسردُّ الروائيُّ . ليسُّهذاُّفقطُّماُّنلحظه ُّ.بلُّأنناُّنجدُّ"ُّمفالح"ُّحاولُّانتهازُّالفرصةُّليعبرُّعنُّرأيهُّ وذلكُّمنُّخاللُّطرحهُّلجملةُّمنُّاألسئلة ُّالتيُّالُّينتظرُّإجاباتهاُّ،النُّاألمور ُّواضحةُّ، بلُّهوُّفقطُّيحاولُّإقحام ُّ المتلقيُّوجعلهُّيحسُّبالدوامةُّالتيُّكانتُّتعيشهاُّالجزائرُّآنذاكُّ فنجده ُّيقول ُّعلى ُّلسان ُّإحدى ُّشخصياته ُّالروائية ُّ«...ما ُّمعنى ُّالتغيير؟ ُّكيف ُّسيكون؟ُّ وفي ُّأي ُّاتجاه؟ ُّهل ُّيتم ُّإبعاد ُّالرجال ُّالذين ُّقدموا ُّالكثير ُّللوطن ُّبحجة ُّالتغيير ُّالجذري؟ُّ ومنُّيحدثُّهذاُّالتغيير؟إنهُّخائفُّحقاُّ،وماُّمعنىُّاإلصالحات ُّواإلجراءات ُّالجديدةُّالتيُّ كانُّيرددهاُّالمتدخلونُّبحماس؟ُّأهيُّالرأسماليةُّالتيُّكناُّن ُذمهاُّفيُّالماضيُّأمُّهيُّشيءُّ آخر؟ُّوماُّهوُّهذاُّالشيءُّاآلخر؟ُّ»ُّ )2(. لقدُّأمطرناُّالروائيُّبوابل ُّمنُّاألسئلةُّ،ليحيطناُّعلماُّبكلُّماُّكانُّيدورُّفيُّالساحةُّ آنذاكُّ ،ومن ُّذلك ُّأيضا ُّنجده ُّيصور ُّلنا ُّالحالة ُّالنفسية ُّالتي ُّعاشها ُّ" ُّاحمد ُّمعاليش"ُّ، ةُّالتيُّبدأتُّتشهدُّتراجعاُّوانهزاماُّلالشتراكيةُّفيصفهُّ كمديرُّلمؤسسةُّعموميةُّفيُّتلكُّالفتر ّ (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّالكافيةُّوالوشامُّ،صُُّّ .61 (ُّ)2المصدرُّنفسه،صُُّّ .66 - 179 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
قائالُّ «ُّ :ومن ُّيحدث ُّهذا ُّالتغيير ُّانه ُّخائف ُّحقا...التزم ُّالصمت ُّخوفا ُّمن ُّاتهامهُّ باالنحيازُّ ،تمنىُّأنُّيصفقُّلكنهُّكانُّخائفاُّمنُّكلُّشخصُّغريب...بل ُّكان ُّحائراُّفيُّ موقفهُّمنُّهذهُّاإلصالحاتُّ )1(.»ُّ... إن ُّالخوف ُّهو ُّأهم ُّسمة ُّميزت ُّشخصية ُّ" ُّأحمد ُّمعاليش" ُّفي ُّتلك ُّالفترة ُّليقررُّ االستعدادُّوالحذرُّمنُّكلُّالرجالُّالذينُّاستهوتهمُّالسياسةُّوأالعيبهاُّ،إنُّأهمُّماُّميزُّهذهُّ الفترة ُّ هوُّالحديثُّعنُّفكرةُّالتغييرُّ،التيُّاختارتُّمنُّالجانبُّاالقتصاديُّمطيةُّلهاُّمنُّ خالل ُّالصراع ُّالقائم ُّبين ُّتيارين ُّهما ُّاالشتراكي ُّوالرأسمالي ُّلكن ُّالحقيقة ُّمن ُّوجهة ُّنظرُّ المحليينُّهيُّغيرُّذلك«ُّ:واذُّيظهرُّالعاملُّاالقتصاديُّهوُّالمحركُّاألساسيُّنحوُّعمليةُّ التغييرُّالشاملةُّ،فإ نُّالعاملُّالسياسيُّ،كانُّلهُّحظهُّمنُّالمسؤوليةُّعندُّكثيرُّمنُّالمحللينُّ وفيُّنظرُّالمحللُّالفرنسيُّ(ُّبولُّبالتا)ُّ:فإنُّالتسييرُّالرديءُّونظامُّالحزبُّالواحدُّوسيطرةُّ الجيش...كل ُّهذه ُّالعوامل ُّشجعت ُّصعود ُّالتيار ُّاإلسالمي ُّالذي ُّأسقط ُّالبالد ُّفي ُّحربُّ أهليةُّرغمُّالتعدديةُّالمعلنُّعنهاُّفيُُّّ )2(.»2101 نظراُّلكلُّماُّسلفُّذكرهُّ،فانهُّكانُّلزاماُّعلى "معاليش"ُّ،أنُّيتخذُّمنُّالحيادُّالسياسيُّ حيلةُّتحميهُّمنُّكلُّالتهمُّالموجهةُّإليهُّ . ثمُّنجدُّالروائيُّيتحدثُّمطوالُّوبإسهابُّعنُّكلُّماُّحلُّبالجزائرُّآنذاكُّ،وعنُّجوُّ الجزائرُّالمشحونُّبالتياراتُّوالمشاكلُّالسياسيةُّواالقتصاديةُّ،متخذاُّمنُّشخصيةُّ"ُّأحمدُّ معاليش"مطية ُّلهُّ .كما ُّجعل ُّمن ُّ" ُّفتيحة ُّالوشام"ُّ ،و"حميدة ُّالرفاف"ُّأيضا ُّقنوات ُّتحدثُّ فيهاُّمطوالُّعنُّأزمةُّالبالدُّآنذاكُّوعليه؛ ُّإنُّتجليُّاألزمةُّالسياسيةُّولدُّتجلياُّفيُّاألزمةُّ االقتصاديةُّ،وذلكُّماُّخلفُّأزمةُّاجتماعيةُّعلىُّجميعُّاألصعدةُّ .وهذاُّماُّألزمُّ"ُّالروائيُّ
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُُّّ .68 (ُّ)2دروشُّفاطمةُّفضيلةُّ،فيُّسوسيولوجياُّالروايةُّالمعاصرةُّ،صُُّّ .08 - 180 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
مفالح"ُّ ،العودة ُّإلى ُّماضي ُّبعض ُّالشخصيات ُّعبر ُّما ُّيعرف ُّبتقنية ُّاالسترجاع ُّإلعادةُّ تأويلُّبعضُّالمواقفُّتماشياُّمعُّاألحداثُّ،مماُّخدمُّالروائيُُّّ،وساعدهُّعلىُّإمدادناُّبأكبرُّ قدرُّمنُّالمعلوماتُّعنُّتلكُّالفترةُّ،الحرجةُّمنُّتاريخُّالجزائرُّ،علماُّأنُّالكتابةُّفيُّتلكُّ الفترةُّ(الثمانينات)ُّ،كانتُّمهمةُّصعبةُّوالبالدُّآنذاكُّلمُّتعانُّفقطُّمنُّأزماتُّعلىُّالصعيدُّ االجتماعيُّوالسياسيُّواالقتصاديُّ،بلُّوحتىُّالثقافيُّ،حينُّوجدُّالمثقفُّنفسهُّفيُّوضعيةُّ حرجةُّ،حيثُّقالُّ:عمرُّبنُّقينة«ُّ :مثلتُّاالنتكاسةُّالسياسيةُّثمُّالثقافيةُّوالفكريةُّواألدبيةُّ فترةُّانكماشُّثقافيُّأشبهُّبالغيبوبةُّ»ُّ )1(. ورغمُّكلُّهذاُّلمُّيتخاذلُّ"ُّمفالح"ُّعنُّأداءُّرسالتهُّالتيُّتقولُّعنهاُّ"فضيلةُّفاروق"ُّ: « كجزائريينُّإنُّلمُّنكتبُّعنُّالتاريخُّالعظيمُّالذيُّصنعهُّالذينُّاستشهدواُّمنُّأجلُّجزائرُّ حرةُّفعلىُّماذاُّسنكتب؟ُّ»ُّ )2(. ائيُّم ٌّلم ُّالُّمحالةُّبدورهُّالفعالُّ،وواجبهُّاإلنساني ُّالذيُّيحتمُّعليهُّالذودُّعنُّ إنُّالرو ُ
وطنهُّبالقلمُّ،الذيُّيفوقُّحدةُّالسيفُّلماُّلهُّمنُّاألثر ُّالبليغُّفيُّالنفوسُّ،ولذلكُّلمُّنجدُّ"ُّ مفالح"ُّ،يستمرُّفيُّحديثهُّعنُّتاريخُّبالدهُّ،مستعيناُّبثلةُّمنُّالشخصياتُّالتيُّزاوجُّفيهاُّ بينُّعالمُّالواقعُّوعالمُّالخيالُّ،وهاُّهوُّذاُّيقولُّعنُّ"ُّالوساوسُّالغريبة"ُّ...«ُّ:لقدُّكتبتُّ فيهاُّعنُّمعاناةُّكاتبُّفيُّزمنُّاألزمات»ُّ(ُّ،)3منُّخاللُّهذاُّالتصريحُّنجدُّأنُّالروائيُّيقرُّ بأن ُّالوساوس ُّالغريبةُّ ،تحكي ُّعن ُّاألزمة ُّالثقافية ُّفي ُّالجزائر ُّالتي ُّجاءت ُّبعد ُّأحداثُّ أكتوبر ُُّّ ، 2100والتي ُّهي ُّانعكاس ُّونتيجة ُّحتمية ُّلالزمات ُّاالقتصادية ُّوالسياسية ُّوحتىُّ االجتماعيةُّآنذاكُّ .
(ُّ)1عمرُّبنُّقينةُّ،فيُّاألدبُّالجزائريُّالحديثُّتأريخاُّوأنواعا...قضاياُّوأعالماُُّّ،صُُّّ .82 (ُّ)2زهورُّونيسيُّ(،الروايةُّالعربيةُّالتاريخُّوالترجمة)ُّ،مجلةُّالثقافةُّ،الصادرةُّفيُّينايرُّ1881مُّ،صُّ .281 (ُّ)3محمدُّمفالحُّ،شعلةُّالمايدةُّ،وقصصُّأخرىُّ،صُُّّ .602 - 181 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
غيرُّأنُّ:مفالح"ُّلمُّيصرحُّمباشرةُّبكلُّهذاُّ،بلُّجعلناُّندركُّذلكُّمنُّخاللُّأحداثُّ الرواية ُّووقائعهاُّ ،التي ُّكانت ُّتحاول ُّفي ُّكل ُّلحظة ُّأن ُّتقول ُّذلكُّ ،حيث ُّيبدأ ُّعمله ُّهذاُّ لإلعالن ُّ عنُّالجريمةُّ،الذيُّهوُّفيُّالحقيقةُّإعالنُّعنُّتحوالتُّمجتمعيةُّعميقةُّعرفتهاُّ البالدُّ،بمعنىُّأنهُّعلىُّالمتلقيُّأن ُّيقرأُّفيُّخلفياتُّالجريمةُّالتيُّقدُّيكونُّسببهاُّالبطالةُّ الناجمة ُّعن ُّتسريح ُّالعمال ُّبفعل ُّغلق ُّالمؤسسات ُّاالقتصادية ُّفي ُّظل ُّتطبيق ُّاقتصادُّ السوقُّ ،وما ُّنتج ُّعنه ُّمن ُّالهجرة ُّالسرية ُّ(الحرقة)ُّ ،والسعي ُّوراء ُّالربح ُّالسريع ُّوتفشيُّ ُّعبارة ُّعن ُّآفات ُّاجتماعية ُّجاءتُّ الرشوةُّ ،السرقةُّ ،االختالسُّ ،وعزوف ُّالشبابُّ .وكلها ُّ نتيجةُّلمشاكلُّاقتصاديةُّوسياسيةُّعرفتهاُّالبالدُّ،مماُّانعكسُّعلىُّالجانبُّالثقافيُّالذيُّ عرف ُّتحوالت ُّهو ُّاآلخر ُّبفعل ُّالراهن ُّالسياسي ُّواالقتصاديُّ .فحينما ُّتلصق ُّتهمة ُّالقتلُّ بشاعرُّبفعلُّمؤامرةُّرخيصةُّ،يحاولُّزميلهُّالكاتبُّتدوينُّسيرتهُّواثباتُّبراءتهُّ،ولكنهُّهوُّ ُّ اآلخر ُّكان ُّيعاني ُّالتهميشُّ ،واالغتراب ُّفي ُّمجتمع ُّآخر ُّاهتماماته ُّهو ُّالكاتب ُّوالكتابةُّ، وهناُّنجدُّالروايةُّتعريُّعالقةُّالمثقفُّبالمجتمعُّ،حيثُّالالمباالةُّواإلقصاءُّمنُّالمجتمعُّ ُّ. ومثالُّذلكُّ:قولُّزينبُّالهنيديُّلعبدُّالحكيمُّالوردي...«ُّ:أالُّتعلمُّأنُّالناسُّفيُّهذاُّ الزمنُّالُّيهتمونُّبالشعر؟ُّ»ُّ )1(. والمميزُّفيُّهذهُّالروايةُّأنُّ"ُّمفالح"ُّ،مزجُّفيهاُّبينُّتيماتُّالعشقُّوالجريمةُّوالكتابةُّ، مع ُّالمرجعية ُّللحالة ُّاالجتماعية ُّوالسياسية ُّالخاصة ُّبالمجتمع ُّالجزائريُّ ،وقد ُّزاوج ُّبينُّ العشقُّالذيُّكانُّسبباُّفيُّدخولُّ"ُّعبدُّالحكيمُّالوردي" ُّالشاعرُّ(ُّكشخصيةُّمثقفة)ُّإلىُّ السجن ُّبعد ُّمقتل ُّاألرملة ُّالثرية ُّ( ُّزينب ُّالهنيدي)ُّ ،التي ُّكانت ُّستقدم ُّللشاعر ُّيد ُّالعونُّ ليسطعُّنجمهُّ،فيجدُّصديقهُّعمار ُّالحرُّ(ُّالكاتب)ُّنفسهُّفيُّدوامةُّيعانيُّفيهاُّمنُّأجلُّ طرح ُّقضية ُّصديقه ُّالشاعرُّ .وهنا ُّيتضح ُّجليا ُّأن ُّالكاتب ُّيطرح ُّأزمة ُّالمثقف ُّفي ُّتلكُّ الفترةُّوهيُّبعدُّ"أكتوبر"ُّ،وتجلتُّاألزمة ُّاالجتماعيةُّفيُّنظرةُّالمجتمعُّالمهمشةُّللمثقفُّ، ()1محمدُّمفالحُّ،روايةُّالوساوسُّالغريبةُّ،صُّ .66 - 182 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الذيُّرفعُّصوتهُّعالياُّليقول«ُّ:لستُّمجرماُّ...أناُّشاعرُّ»ُّ(ُّ،)1أماُّعلىُّصعيدُّآخرُّفقدُّ كانُّالمثقفُّيعانيُّآنذاكُّمنُّأوضاعُّالبالدُّالمزريةُّالتيُّثبطتُّقلمُّالمثقفُّ «:كانُّعمارُّ الحرُّيرجعُّسببُّعجزهُّإلىُّوضعُّالبالدُّوانعكاساتهُّ،)2(ُّ »ُّ...كماُّأنه«ُّ:اجتهدُّفيُّتبريرُّ عجزهُّعنُّالكتابةُّ،وهلُّفشلُّفيُّالتكيفُّمعُّالواقعُّالمستجدُّ .خاصةُّبعدماُّدخلتُّالبالدُّ عهدُّالتعدديةُّ»ُّ(ُّ،)3ومنُّهناُّنجدُّالروائيُّيسترسلُّفيُّالحديثُّعنُّالتحوالتُّالعميقةُّالتيُّ تعرضُّلهاُّالمجتمعُّالذيُّكانتُّتحكمهُّمفاهيمُّاألحاديةُّ،خاصةُّبعدُّأكتوبرُّوماُّأفرزهُّمنُّ مفاهيمُّجديدةُّأهمهاُّالتعدديةُّ . غيرُّأنُّالروائيُّهناُّلمُّيكثفُّبذكرُّمرحلةُّماُّبعدُّالثمانينياتُّمنُّتاريخُّالجزائرُّبلُّ عمد ُّإلى ُّالتذكير ُّبمحطات ُّمجيدة ُّمن ُّتاريخ ُّالجزائر ُّصنعها ُّأبطال ُّهم ُّمن ُّأبناء ُّهذاُّ الوطن ُّالحبيب ُّمثل ُّالثائر"سيدي ُّاألزرق ُّبلحاج" ُّزعيم ُّثورة ُُّّ ُّ ،2068وثورة ُّاألمير ُّعبدُّ القادرُّ ،وثورةُّنوفمبرُُّّ،2168وعليهُّنالحظُّأنُّالروائيُّ"مفالح"ُّ،يبدأُّمنُّالتاريخُّويعودُّإليهُّ ُّنوه ُّأيضا ُّبأشهر ُّالكتب ُّوأشهرُّ وبين ُّهذا ُّوذاك ُّيتيه ُّبين ُّتيمات ُّالكتابة ُّو ُّالعشقُّ ،فقد ّ الشعراءُّالقدامىُّ،وهوُّهناُّينتقلُّمنُّالحديثُّعنُّاألزمةُّالسياسيةُّبينُّالماضيُّوالحاضرُّ
إلى ُّاألزمة ُّالثقافيةُّ،فنراهُّيذكرُّثلةُّمنُّاألدباء ُّومؤلفاتهمُّ،وكأنه ُّيتحسرُّعلىُّتلكُّاأليامُّ، عندماُّكانتُّالحضارةُّاإلسالميةُّفيُّأوجُّازدهارهاُّ . وكانت ُّمكتبة ُّبغداد ُّبالعراق ُّأشهر ُّوأعرق ُّمكتبةُّ ،وال ُّشك ُّأن ُّهذا ُّكله ُّله ُّانعكاسُّ على ُّاألدب ُّفي ُّالجزائرُّ .خصوصا ُّو ُّأن ُّالجزائر ُّوالعراق ُّدولتان ُّشقيقتان ُّفنراه ُّيقولُّ: «كيفُّاستطاعُّابنُّخلدونُّأنُّيؤلفُّتاريخهُّالمسمىُّ(كتابُّالعبرُّوديوانُّالمبتدأُّوالخبر)ُّ،
(ُّ)1محمدُّمفالح،المصدرُّالسابقُُّّ،صُّ .60 (ُّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُّ .00 (ُُّّ)3نفسهُّ،صُّ .68 - 183 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وكيفُّتمكنُّأبوُّالفرجُّاألصفهانيُّمنُّتأليفُّ(األغاني)ُّ،ولماُّيقلبُّصفحاتُّثالثيةُّنجيبُّ محفوظُّيشعرُّبالرعب...ويصيحُّبصوتُّمهزومُّ:مالذيُّجرىُّلي؟ُّ»ُّ )1(. إن ُّالروائي ُّهنا ُّيساءل ُّالتاريخُّ ،مالذي ُّ ُّحل ُّبالمثقف ُّالعربي ُّوالمسلمُّ ،فلم ُّيكنُُُُُُُّّّّّّّ "عهد ُّابن ُّخلدون"ُّ ،وال ُّ"أبو ُّالفرج ُّاألصفهاني" ُّبأحسن ُّحال ُّمن ُّعهد ُّالمثقف ُّالجزائريُّ اءُّوالكتابُّوهذاُّسؤالُّ آنذاكُّ .رغمُّذلكُّنلمسُّتراجعاُّواضمحالالُّكبيرينُّفيُّأقالمُّالشعر ُّ مهمُّ،ألنُّالثقافةُّلهاُّدورهاُّالفعالُّفيُّتحريكُّالمشاعرُّوشحذُّالهممُّ،وخصوصاُّفيُّتلكُّ الحقبة ُّمن ُّتاريخ ُّالجزائرُّ ،وهنا ُّنلمس ُّتنويعا ُّلدى ُّ" ُّمفالح"ُّ ،في ُّسرده ُّألحداث ُّتاريخُّ الجزائرُّألنه ُّيوقنُّتماماُّأنُّالجزائرُّلنُّتنهضُّإالُّإذاُّتكاثفتُّجميعُّاألصعدة ُّالسياسيةُّ، االجتماعيةُّ،االقتصاديةُّ،الثقافيةُّ . هذاُّالواقعُّالذيُّجهلهُّالكثيرونُّمنُّأبناءُّهذاُّالوطنُّآنذاكُّ،حيثُّنجدُّفيُّالروايةُّ مثال" ُّحسين ُّالسعيد"ُّ ،الذي ُّيمثل ُّالجانب ُّالسياسيُّ ،يضحك ُّملء ُّما ُّفيهُّ .عن ُّالجانبُّ الثقافي ُّالذي ُّيمثله ُّ"عمار ُّالحر" ُّفيقول ُّله...«ُّ :ال ُّيمكن ُّأن ُّتخرج ُّالبالد ُّمنُّ أزمتها...فالمجتمعُّفيُّحاجةُّلحلولُّواقعية...أماُّفلسفةُّالعبثُّوالالمنتميُّفهيُّتقليدُّأعمىُّ لمثقفينُّغربيينُّأجانب ُّأسهمواُّفيُّهذاُّالتفلسف)2(ُّ »ُّ ...؛ُّأيُّأنُّ"مفالح"ُّأرادُّمنُّهذاُّ العملُّأنُّيطرحُّإشكالية ُّالمثقفُّفيُّزمنُّاألزمات ُّالتيُّتقدرُّبماُّيعرفُّبأحداثُّأكتوبرُّ والتي ُّمن ُّخاللها ُّيقول ُّأن ُّتاريخ ُّالجزائر ُّلم ُّيشهد ُّأزمات ُّسياسية ُّواقتصادية ُّفقطُّ ،بلُّ وحتىُّثقافيةُّ . وألنُّ"مفالح"ُّعلىُّدرايةُّبكلُّهذاُّحاولُّعلىُّمدارُّالباقةُّالروائيةُّالتيُّقمناُّبتحليلهاُّ علىُّالتأريخُّللزمنُّاألكتوبريُّ،بشكلُّخطاباتُّروائيةُّيمتزجُّبينُّالواقعُّوالخيال«ُّ:وداخلُّ
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّالوساوسُّالغريبةُّ،صُّ .68 (ُّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ .81 - 184 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
هذهُّالتمفصالتُّالحكائيةُّ،إذنُّ ،تتمُّصياغةُّخطابُّروائيُّوفقُّجملةُّمنُّالتقنياتُّالتيُّ تصوغُّأدبيةُّالنصُّوتنفيُّعنهُّصفةُّالتقريريةُّ»ُّ )1(. ولعلُّالسببُّفيُّتركيزُّ"مفالح"ُّعلىُّشهرُّأكتوبرُّعنُّغيرهُّمنُّالشهورُّراجعُّإلىُّ أنهُّعلىُّدرايةُّبأنُّأحداثُّشهرُّأكتوبرُّشكلتُّفيُّالوعيُّالجمعيُّالجزائريُّنقطةُّفاصلةُّ وبدايةُّللعديدُّمنُّ التحوالتُّشأنهُّفيُّذلكُّشأنُّنوفمبرُّالمجيدُّوالذيُّيمثلُّفترةُّاالستعمارُّ، أما ُّ فترة ُّما ُّبعد ُّاالستقالل ُّفقد ُّكان ُّشهر ُّأكتوبر ُّفيها ُّهو ُّأسخن ُّالشهور ُّوأكثرها ُّح اررةُّ، وهذا ُّما ُّورد ُّعلى ُّلسان ُّالروائي ُّفي ُّعدة ُّأعمال ُّسبق ُّذكرهاُّ ،هذه ُّالح اررة ُّالتي ُّأذابتُّ الكثيرُّمنُّالثلوجُّالتيُّطالماُّطوقتُّالجزائريُّومنعتهُّمنُّممارسةُّحياتهُّاليوميةُّوضغطتُّ عليهُّفضغطُّعليهاُّهوُّاآلخر ُّ،وكماُّهوُّمعروفُّأنُّالضغطُّيولدُّاالنفجارُّ،فكانُّكذلكُّ انفجار ُّشهدته ُّمظاهرات ُّأكتوبر ُُّّ ،2100والتي ُّكانت ُّمن ُّنتائجها ُّانهيار ُّاألحادية ُّوقيامُّ التعدديةُّ«كنُّواقعياُّلقدُّانهارُّجدارُّبرلين» ُّ(ُّ،)2وعليهُّفانُّروايةُّ"االنكسار" ُّتقفُّعلىُّ تتابع ُّاألحداث ُّوفق ُّمنطق ُّزمني ُّيؤسسه ُّشهر ُّأكتوبر ُّفقضاء ُّالزمن ُّاألكتوبريُّ ،أصبحُّ يةُّاستمدهاُّمنُّكونهُّأرخُّلنهايةُّحقبةُّمنُّتاريخُّالجزائرُّ عالمةُّفارقةُّفيُّاإلبداعية ُّالجزائر ّ
ُّ،حيثُّأصرُّالروائيُّعلىُّجعلُّأحداثُّأكتوبرُُّّ،2100لحظةُّتغييرُّويساريةُّ وبدايةُّأخرى ّ "بغدادُّالبخلوني"ُّغيرُّالمقتنعُّبتجديدُّعناصرُّحركتهُّ،ثمُّيبادرُّالروائيُّبعدُّذلكُّفيُّجعلُّ
لحظةُّأكتوبر ُّ لحظةُّعالميةُّترتبطُّبانتصارُّاالشتراكيةُّفيُّثورةُّالبالشفةُّ،عندماُّينطلقُّ"ُّ بغدادُّالبخلوني"ُّاليساريُّبحملة"ُّ"خنتمُّمبادئُّأكتوبر"ُّ،حيثُّترتبطُّيساريةُّ"بغداد"ُّأكتوبرُّ الوطنيُّبأكتوبرُّالبلشفيُّمنُّحيثُّالمبدأُّ .
(ُّ)1لحسنُّأحمامةُّ،القارئُّوسياقاتُّالنص(ُّ،طُّد)ُّ،دارُّالثقافةُّ،الدارُّالبيضاءُُّّ،المغربُّ،بوسكورة2111ُّ،مُُُُُُُّّّّّّّ،صُّ ُّ .61 (ُّ)2محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ .26 - 185 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
هذا ُّالواقع ُّالذي ُّجعل ُّمن ُّالروائي ُّيعمل ُّعلى ُّتفعيل ُّأكتوبر ُّداخل ُّالمتنُّ .أشارتُّ الرواية ُّإلى ُّزلزال ُّالشلف ُّ«ُّ :2108ذكرى ُّنكبة ُّزلزال ُّالشلفُّ ،)1(ُّ »ُّ ...لكن ُّرغم ُّزلزاليةُّ أكتوبر ُّاالجتماعية ُّوالطبيعية ُُّّ ،إال ُّأن ُّالمرجو ُّلم ُّيتحققُّ ،فلقد ُّعانقت ُّمبادئ ُّأكتوبرُّ استهالكيةُّالمرحلةُّ،واندمجتُّفيُّمنظومةُّقيمُّالعولمةُّالسلبيةُّ . « ُّكتبُّعباسُّعلىُّورقةُّالدفتر...بدالتُّألبسةُّرياضيةُّمنُّتركياُّ،مناديلُّوفساتينُّ سوريةُّ،أقمشةُّوأحذيةُّصينيةُّ...يومُُّّ0أكتوبرُّ».
(ُّ )2
وبالتاليُّتعودُّالروايةُّإلىُّالحلمُّالثوريُّفيُّانتماءاتهُّالذاتيةُّالمطعمةُّبالشخصيةُّالحاضرةُّ، فينبثق ُّالسرد ُّعلى ُّلحظة ُّتنبيهية ُّتدمج ُّأكتوبر ُّفي ُّبعده ُّالتغيري ُّالتحرريُّ ،حتى ُّينفكُّ أكتوبر ُّمن ُّلحظة ُّاالحتجاجية ُّالعنيفة ُّالتي ُّأسرته ُّفمن ُّلحظة ُّتنافر ُّبين ُّمستوينُّ اجتماعيينُّ،ويعودُّإلىُّلحظةُّتوائمُّبينُّكافةُّالشرائحُّاالجتماعيةُّ،وتحققُّالمشروعُّالوطنيُّ باستقالل ُّالذات ُّالجمعية ُّوالوطن ُّبرمته ُّمن ُّهيمنة ُّاالستعمارية ُّولذلك ُّلم ُّتفلت ُّالروايةُّ كمنظور ُّمراجعة ُّوجودية ُّللذات ُّومحيطها ُّلحظة ُّأكتوبر ُّالثورية«ُّ :ولهذا ُّالسبب ُّحرصُّ علىُّأنُّتبقىُّصورةُّاألحرارُّالخمسةُّمعلقةُّفيُّالجدارُّ،الصورةُّالعزيزةُّعليهُّ،والتيُّكتبتُّ أسفلها ُّشقيقة ُّإسماعيل ُّالشهيد ُّأسماء ُّاألحرار ُّالخمسة ُّوتاريخ ُّالتقاط ُّالصورةُّ18ُّ ... أكتوبرُّ.)3(ُّ»ُّ2166حيثُّتعيدُّهذهُّالروايةُّإلىُّالمتنُّالجزائريُّحميميتهُّمعُّمجالهُّالمنتجُّ لهُّ ،وكل ُّهذا ُّفي ُّسبيل ُّتسجيل ُّتاريخ ُّالجزائر ُّحتى ُّيبقى ُّألجيالها ُّوعلى ُّأمد ُّطويلُّ ،ماُّ يذكرهاُّبالهويةُّالجزائريةُّالتيُّلمُّتتكونُّعبثاُّ،بلُّهيُّثمرةُّنضالُّوكفاحُّمنُّأجلُّالمضيُّ قدما...وعلىُّغرارُّهذاُّالعملُّنجدُّروايةُّ"عائلةُّمنُّفخار"ُّ،أيضاُّالتيُّتحاولُّأنُّتستعينُّ (ُّ)1محمدُّمفالح،المصدرُّالسابقُّ،صُّ .66 (ُّ)2نفسهُّ،صُُّّ .86 ()3محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ .10 - 186 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
بأحداثُُّّالتاريخُّلتحكيُّواقعاُّحياُّألسرةُّجزائريةُّ،ولكنهُّواقعُّمطعمُّبالخيالُّينمُّعنُّموهبةُّ الروائيُّذلكُّأنه ُّ «ُّ:يطلقُّالعنانُّلخيالهُّمازجاُّبينُّالواقعيُّوالخياليُّبدرجةُّالُّيبرزُّفيهاُّ أي ُّتباين ُّأو ُّتصدع ُّبينهماُّ ،ومن ُّثمة ُّيظهر ُّالخيالي ُّوالواقعي ُّككتلة ُّواحدة ُّموحدةُّ األجزاء؟ُّ،محققةُّالتفاعلُُُّّّبينهماُّ».
()1
البعاد الفكرية والجمالية لتوظيف التاريخ: لقد ُّحفلت ُّروايات ُّوأعمال ُّ"مفالح" ُّالتي ُّقمنا ُّبدراستها ُّبزخم ُّهائل ُّمن ُّاألحداثُّ التاريخيةُّ،التيُّسعىُّمنُّخاللُّتوظيفهاُّمنُّمنطلقُّأنهاُّالمحركُّالرئيسيُّلتاريخُّالجزائرُّ الذي ُّحرك ُّمشاعر ُّوقلم ُّالروائي ُّوجعله ُّيكتب ُّويكتب ُّعن ُّهذا ُّالتاريخ ُّالذي ُّيمثل ُّاحدُّ مقومات ُّالهوية ُّالجزائريةُّ ،وفي ُّهذا ُّاإلطار ُّتتجلى ُّاألبعاد ُّالفكرية ُّوالجمالية ُّالتي ُّسعىُّ الروائيُّإلىُّتحميلهاُّمنُّخاللُّتوظيفهُّللتاريخُّ . / 1البعاد الفكرية: تمجيدُّالتاريخُّالعظيمُّالذيُّيتجلىُّأساسُّفيُّتلكُّالمحطاتُّالهامةُّالتيُّعاشتهاُّالجزائرُّمنذُّعهدُّالدولةُّالعثمانية ُّتقريباُّمنُُّّ،2068والتيُّتصورهاُّأحداثُّروايةُّ"شعلةُّ نسيُّإنُّصح ُّالتعبيرُّ ،وذلك ُّمنذُُّّ 2066إلى ُّأنُّ المايدة"ُّثمُّاالستعمارُّأوُّاالستدمارُّالفر ّ نالتُّالجزائرُّاستقاللهاُّثمُّماُّبعدُّاالستقاللُّوفيُّأثناءُّكلُّهذاُّسعىُّإلىُُّّ :
ُّالتعريف ُّبما ُّجادت ُّبه ُّالذاكرة ُّالجزائرية ُّمن ُّعادات ُّوتقاليد ُّسعى ُّإلى ُّذكرها ُّلتكونُّبمثابةُّمرشدُّسياحيُّألهمُّالمعالمُّالتراثيةُّوالتاريخيةُّلهذاُّالوطن.
(ُّ)1سعيدُّيقطينُّ،قضاياُّالروايةُّالعربيةُّالجديدةُّ،الوجودُّوالحدود(،دُّط)ُّ،رؤيةُّللنشرُّوالتوزيرعُّ،القراهرةُّ،مصرر1828ُّ،مُّ، صُّ .18 - 187 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ُّتصوير ُّمعاناة ُّالفرد ُّالجزائري ُّالذي ُّصنع ُّنفسه ُّبنفسه ُّوهذا ُّما ُّتثبته ُّأغلبُّيُّحرُّوالُّيقبلُّالهزيمة. الرواياتُّالتيُّقدُّيختلفُّالعدوُّفيهاُّ،ولكنُّالمجتمعُّالجزائر ُّا ُّ يدمجُّبينُّالواقعُّوالخيالُّبينُّالتاريخُّوالروايةُّ،وذلكُّحتىُّيتمكنُّمنُّالتعبيرُّعنُّرأيه ُّالخاص ُّحول ُّالعديد ُّمن ُّالقضايا ُّخصوصا ُّالسياسية ُّوبالذات ُّفي ُّفترة ُّالثمانينياتُّ هروباُّمنُّالرقابةُّ،وتصحيحاُّلبعضُّالمعتقداتُّالخاطئةُّلدىُّالمواطنُّالجزائريُّالبسيطُّ، ليكونُّأكثرُّوعياُّبالقضيةُّالجزائريةُّوماُّيتعلقُّبها. ُّحاول ُّاستدعاء ُّواستحضار ُّأكبر ُّقدر ُّممكن ُّمن ُّالمحطات ُّوحتى ُّالشخصياتُّالتاريخيةُّالجزائرية ُّأمثال"البايُّمحمدُّالكبير"و"البايُّمحمدُّابنُّعثمان"ُّ ،وأثناءُّذلكُّكانُّ كثيراُّماُّيطرحُّإشكالياتُّوأسئلةُّرغبةُّمنهُّفيُّإقحامُّالفردُّالجزائريُّفيُّمشاكلُّبالدهُّليكونُّ مسؤوالُّأكثرُّوهذاُّماُّنلمسهُّكثيراُّفيُّروايةُّ"الكافيةُّوالوشام". ُّإنُّظاهرةُّااللتزامُّ،التزامُّاألديب ُّبقضاياُّبالدهُّ،جعلتُّالرواياتُّوأغلبُّاألعمالُّالشعرية ُّتحمل ُّوتعالج ُّكثي ار ُّمن ُّالقضايا ُّالتاريخيةُّ ،كأداة ُّيدافع ُّبها ُّالمواطن ُّالجزائريُّ والعربيُّبصفةُّعامةُّعنُّبالدهُّوذلكُّأضعفُّاإليمانُّ . ُّيرتكزُّالمشروعُّالروائيُّعندُّمفالحُّعلىُّالواقعيةُّ،وخصوصاُّفيُّتوظيفُّأحداثُّالتاريخُّ،ولكنُّليستُّالواقعيةُّالجافةُّ،بلُّنلمسُّفيهاُّأيضاُّالجانبُّالتخيليُّالذيُّيضفيُّ على ُّالعمل ُّلمسة ُّجمالية ُّخاصة ُّتوحي ُّكثي ار ُّبإيديولوجية ُّالروائي ُّونظرته ُّالخاصة ُّلماُّ عاشتهُّالجزائرُّوعليهُّنقولُّإنُّالواقعيةُّالمفالحيةُّهيُّالواقعُّمضافُُّّإليهُّالفن. ُّإنُّاستدعاءُّمفالحُّل لتاريخُّالذيُّيعتبرُّشيئاُّمقدساُّجعلهُّيحاولُّجاهداُّاستغاللُّكلُّماُّفيهُّمنُّمواقفُّوبطوالتُّتصنعهاُّشخصياتُّهيُّمنُّنسجُّخيالُّالكاتبُّ،ولكنُّلهاُّ عالقةُّكبيرةُّبالواقعُّ،حاولتُّأنُّتعبرُّعنُّرؤيةُّالروائيُّوبعدهُّالفكريُّللحياةُّبشكلُّملفتُّ لالنتباهُّويتجلىُّذلكُّأساساُّفيُّتكُّرارُّالالزمةُّالنصيةُّ"ُّتفاهةُّالحياة"ُّحيثُّنجدهاُّفيُّ: - 188 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
همومُّالزمنُّالفالقي"ُّ:الحياةُّفيُّالدوارُّتافهةُّالُّمعنىُّلها"ُّصُُّّ .688 بيتُّالحمراءُّ"ُّ:المدينةُّكالعادةُّغارقةُّفيُّتفاهاتُّالحياة"ُّصُُّّ .226 خيرةُّوالجبال"ُّ:ترفضُّأنُّتقضيُّحياتهاُّفيُّالتفاهةُّ"ُّصُّ .866 الوساوسُّالغريبة"ُّ:الفراغُّغولُّرهيبُّينهشُّحياتناُّاليومية"ُّصُُّّ .22 الكافيةُّوالوشامُّ"ُّ:لمُّيخلقُّللحياةُّالتافهة"ُّصُّ .88 إنُّهذاُّالتكرارُّلعبارةُّ"ُّالحياةُّالتافهة"ُّ،الذيُّكثيراُّما ُّنطقتُّبهُّشخصياتُّألعمالُّ تمثل ُّأحقابا ُّمختلفة ُّمن ُّتاريخ ُّالجزائرُّ ،هو ُّال ُّمحالة ُّيعبر ُّوينطوي ُّعلى ُّبعد ُّمعرفيُّ وفكريُّعندُّمفالحُّوهوُّأنُّالفردُّعبرُّالزمنُّحاولُّوُّمازالُّيحاولُّالتخلصُّمنُّتلكُّالبيئةُّ التيُّتحيطُّبهاُّهالةُّمنُّالتفاهةُّ،هذهُّالتفاهةُّالتيُّتنصُّضرورةُّالعيشُّوُّالرضاُّبالموجودُّ كأيُّكائنُّحيُّ،الُّيهمهُّسوىُّالمأكلُّوُّالمشربُّ،فترىُّأهمُّالشخصياتُّتتخبطُّفيُّصراعُّ معُّالواقعُّكيُّتتخلصُّمنُّهذهُّالمعاناتُّ،وُّأمثالُّذلكُّنجدُّحمادُّالفالقيُّ،خيرةُّالجبالُّوُّ غيهمُّمنُّالنماذجُّالتيُّاختارهاُّالكاتبُّلتعبرُّعنُّفكرتهُُّّ . / 2البعاد الجمالية: ُّ لقد ُّاستغل ُّمفالح ُّما ُّللتاريخ ُّمن ُّهيبة ُّوسلطة ُّليدعم ُّبها ُّأعماله ُّالروائيةُّ ،فنراهُّيجعلهُّمنُّأصعبُّالمواقفُّوالمحطاتُّالتاريخيةُّملهماُّلهُّليرسمُّلناُّصوراُّحيةُّعنُّواقعهُّ عشناهُّوآخرُّماُّنزالُّنعيشهُّكجزائريين. مفالح ُّالمؤرخ ُّوالروائي ُّال ُّيجد ُّأية ُّصعوبة ُّفي ُّالمزج ُّبين ُّالماضي ُّوالحاضرُّ،الواقع ُّوالمتخيل ُّفي ُّسبيل ُّمعالجة ُّقضايا ُّتخص ُّالجزائرُّ ،وما ُّيعانيه ُّأفرادها ُّفي ُّظلُّ الصراعُّبينُّالعاداتُّوالتقاليدُّوالرغبةُّفيُّالتجديدُّلصنعُّغدُّجزائريُّأفضل.
- 189 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ُّرموز ُّتحمل ُّأبعادا ُّأعمقُّ إن ُّعناوين ُّالرواياتُُّّ ،وأسماء ُّالشخصياتُّ ،كلها ُّتمثل ُّابكثيرُّمنُّالظاهرُّ،وتمنحُّالعملُّالروائيُّجماليةُّأكبرُّمثل"ُّ:خيرةُّوالجبال""ُّ،خيرة"ُّرمزُّ التحديُّوالنضالُّ،الجبالُّوكرُّومخدعُّالمجاهدُّوالمناضلُّالجزائريُّ،وهناُّيلتقيُّاللينُّمعُّ القوةُّفيُّصورةُّفنيةُّجميلة. ُّاإلنسان ُّمولع ُّومنذ ُّصغره ُّعلى ُّسماع ُّالقصص ُّوالروايات ُّواضفاء ُّلمسة ُّمنُّالتاريخُّإلىُّالروايةُّيمنحهاُّنوعاُّمنُّاإلثارةُّوالتشويقُّوهذاُّماُّيريدهُّالراويُّ .
المبحث الثاني :توظيف التراث الديني: يعتبر ُّالموروث ُّالديني ُّمن ُّأهم ُّالمصادر ُّالتي ُّاستلهم ُّمنها ُّاألدباء ُّالمعاصرونُّ مواضيعهم ُّوأسقطوها ُّعلى ُّأعمالهم ُّاإلبداعية ُّالرتباطها ُّالوثيق ُّبوجدان ُّالناس ُّولتأثيرهاُّ الكبيرُّفيُّنفوسهمُّلماُّلهاُّمنُّقدسيةُّولصدقُّتجاربُّشخصياتهاُّكاألنبياءُّوالرسلُّالزهادُّ والعابدينُّ ،ولذلك ُّفإننا ُّنلمس ُّحضو ار ُّمكثفا ُّللنزعة ُّالدينية ُّفي ُّمختلف ُّاألعمال ُّاألدبيةُّ سواءُّأكانتُّشعراُّأمُّنثراُّ. وعليهُّفإنُّهذهُّالخاصيةُّالمتمثلةُّفيُّمرونةُّحفظُّالنصوصُّالدينيةُّيسمحُّلهاُّبأنُّ تضمنُّبقاءهاُّواستم ارريتهاُّليسُّفقطُّفيُّالكتبُّوالمجلداتُّواألعمالُّاألدبيةُّالمختلفةُّ.بلُّ وحتى ُّفي ُّالنفوس ُّوالعقولُّ ،لما ُّلها ُّمن ُّطيب ُّاألثر ُّعلى ُّالقلوب ُّوذلك ُّمصداقا ُّلقولهُّ .﴾ تعالى ﴿ُّ:
ُّ
وفي ُّهذا ُّاإلطار ُّيجب ُّالتنويه ُّإلى ُّأن ُّالحضور ُّالمكثف ُّللموروث ُّالديني ُّداخلُّ الروايةُّالُّيعبرُّعنُّسعةُّالثقافةُّالدينيةُّ(إسالميةُُّّ،توراتيةُّ،إنجيلية)ُّ،فحسبُّإنماُّتأكيدُّ كذلك ُّعلى ُّأهمية ُّالتراث ُّالديني ُّالذي ُّهو ُّفي ُّالحقيقة ُّاستحضار ُّللواقع ُّالفكري ُّالثقافيُّ ُّسورةُّالرعدُّ،اآليةُُّّ .10 - 190 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
العربيُّ،ليسُّهذاُّفقطُّبلُّتعداهُّأيضاُّليصبحُّتراثاُّحضارياُّيقبلُّبتعددُّاألديانُّواألفكارُّ المعتقداتُّ،فالُّيعنيُّالمورثُّالدينيُّالعربيُّبالضرورةُّالدينُّاإلسالميُّفحسبُّ،بلُّوحتىُّ المسيحيُّواليهوديُّوغيرُّذلكُّمنُّاألديانُّالسماويةُّاألخرىُّوهذاُّماُّأكدهُّإحسانُّعباسُّ قائالُّ«ُّ:أماُّموقفُّالشاعرُّالحديثُّمنُّالتراثُّالحضاريُّبعامةُّ،فإنُّالحديثُّعنهُّيستلزمُّ أنُّتوسعُّمنُّمدلولُّالتراثُّومجالهُّ،إذُّهوُّلمُّيعدُّتراثاُّعربياُّإسالمياُّفحسبُّوانماُّغداُّ تراثاُّإنسانيا»ُّ ُّ)1(. ُّ ولذلك ُّفإننا ُّنجد ُّالنص ُّالديني ُّقد ُّحضر ُّبمختلف ُّمصادره ُّفي ُّاألعمال ُّاألدبيةُّ حمدُّمفالح"ُّ،هذاُّالروائيُّالذيُّ بتعددُّمذاهبهُّومشاربهُّ.ألنناُّبصددُّالحديثُّعنُّأعمالُّ"ُّم ّ
عملُّعلىُّترسيخُّالهويةُّالعربيةُّبكلُّمقوماتهاُّومبادئهاُّوحرصُّعلىُّتخليدُّتراثهاُّبمختلفُّ
مشاربه ُُّّ ،وها ُّهو ُّذا ُّيعمل ُّعلى ُّإعالء ُّصوت ُّالحق ُّمستعينا ُّبالوازع ُّالديني ُّالذي ُّنشأُّ وتربىُّبينُّأحضانهُّ،فنجدهُّيوظفُّبيتاُّ"لعبدُّالحميدُّبنُّباديس"ُّقائالُّفيُّاالنفجارُّ ُّ: ُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّ َشعبُّالج َزائِ ِرُّمسلِمُُُُُُُّّّّّّّوُّإِلَىُّا ْلعر ِ بُّ ُّي ْنتَ ِس ْ وبة َ ُُ َ ْ ُ َ ٌُْ َ
(ُّ )2
ُّوالمتأملُّلرواياتُّ"ُّمحمدُّمفالح"ُّيجدُّظاهرةُُّّالتراثُّالدينيُّظاهرةُّبارزةُّفيُّنسيجُّ أدبه ُّسواء ُّعلى ُّمستوى ُّالصياغة ُّوالتشكيل ُّأم ُّعلى ُّمستوى ُّالداللة ُّوالرؤيةُّ .فقد ُّتجلىُّ الخطاب ُّاللغوي ُّا لديني ُّفي ُّأعماله ُّالروائية ُّمن ُّخالل ُّ ُّأساليب ُّوتراكيب ُّوألفاظ ُّمتنوعةُّ تستحضر ُّجميعها ُّاللفظ ُّالديني ُّاإلسالمي ُّالذي ُّيتجلى ُّفي ُّلغة ُّكل ُّمن ُّالقرآن ُّوالحديثُّ النبويُّالشريفُّ،ومنُّبينُّاالقتباساتُّنجدُُّّ ُّ:
ُّ()1إحسانُّعباسُّ(،اتجاهاتُّالشعرُّالعربيُّالحديثُّ،سلسلةُّعالمُّالمعرفة)ُّ،الكويتُّ،عُّ،1أبريلُّ2160مُّ،صُُّّ ُّ.220 ُّ()2محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجار(،دُّط)،المؤسسةُّالوطنيةُّللكتابُّ،الجزائر2108ُّ،مُّ،صُُّّ ُّ.61 - 191 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني: المطلب الول :النصوص الدينية:
التراث ُّالديني ُّحافل ُّبالنصوص ُّالقرآنية ُّواألحاديث ُّالنبوية ُّالشريفة ُّوكذا ُّأقوالُّ الصحابةُّالكرامُّ،التيُّكانتُّوالُّتزالُّشاهداُّحياُّعلىُّبقاءُّاإلسالمُّفيُّكلُّقلبُّينبضُّ، ولعلُّالسببُّوراءُّتركيزناُّعلىُّالديانةُّاإلسالميةُّفيُّالتجربةُّالمفالحيةُّراجعُّإلىُّاقتصارُّ "ُّمفالح"ُّفيُّتوظيفهُّللتراثُّالدينيُّعلىُّاإلسالمُّدونُّغيرهُّمنُّالدياناتُّاألخرىُّ ُّ. وربما ُّيعود ُّذلك ُّإلى ُّتحفظ ُّروائينا ُّوحبه ُّلإلسالم ُّالذي ُّما ُّفتئ ُّيذكره ُّبين ُّجنباتُّ رواياتهُّفنجدُّ ُّ: أ /القرآن الكريم: كان ُّالقرآن ُّالكريم ُّوال ُّيزال ُّالمصدر ُّالغني ُّباأللفاظ ُّواألساليبُّ ،فهو ُّيمثل ُّقصةُّ البالغةُّوالبيانُّالعربيُّ ،وهو ُّالمصدرُّاألولُّمنُّلالحتجاجُّبهُّواالقتباسُّمنهُّواالستشهادُّ بهُّفيُّمختلفُّاألعمالُّاإلبداعيةُّشعرية ُّكانتُّأمُّنثريةُّ،هذاُّفضالُّعنُّفضلُّالتعبديةُّ والعلومُّالتيُّيجنيهاُّأهلهُّمنهُّ ُّ. لهذا ُّاهتم ُّبه ُّالمشتغلون ُّفي ُّحقل ُّالدراسات ُّاإلسالمية ُّواللغوية ُّوأوردوا ُّله ُّتعاريفُّ محدودة ُّ ُّتميزه ُّعن ُّغيره ُّمن ُّأصناف ُّالكالمُّ ،فقال ُّ" ُّمحمد ُّسعيد ُّرمضان ُّالبوطي" ُُُُّّّّ: «القرآنُّهوُّاللفظُّالعربيُّالمعجزُّالموحىُّبهُّإلىُّمحمدُُّّ المتعبدُّبتالوتهُّوالواصلُّإليناُّ عنُّطريقُّالتواتر»ُّ ُّ)1(ُّ.
ُّ(ُّ)1محمدُّسعيدُّرمضانُّالبوطيُّ،منُّروائعُّالقرءانُّ،ط،2مؤسسةُّالرسالةُّ،بيروتُّ2118ُّ،مُّ،صُُّّ ُُّّ.16 - 192 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ويذهب ُّ"علي ُّالجرجاني" ُّإلى ُّتعريفه ُّبقولهُّ «ُّ :القرآن ُّهو ُّالمنزل ُّعلى ُّالرسولُّ المكتوبُّفيُّالمصاحفُّ،المنقولُّعنهُّنقالُّمتواتراُّبالُّشبهةُّ،والقرآنُّعندُّأهلُّالحقُّهوُّ العلمُّالدينيُّاإلجماليُّالجامعُّللحقائقُّكلها»ُّ ُّ)1(. وألنُّ"ُّمفالح"ُّمشبعةُّروحهُّبتعاليمُّالدينُّمنذُّطفولتهُّ،فالُّغريبُّأنُّنلمحُّونلمسُّ هذاُّالتأثرُّيطغىُّعلىُّأعمالهُّ،والُّنقصدُّهناُّالكمُّ،بقدرُّماُّنقصدُّالحضورُّ،فهوُّفيُّهذاُّ التوظيف ُّالديني ُّال ُّيختلف ُّعن ُّغيره ُّمن ُّالروائيين ُّالذين ُّيضمون ُّرواياتهم ُّبنية ُّلغويةُّ محكمةُّمعُّالخطابُّاللغويُّالقرآنيُّبصورةُّمكثفةُّوعلىُّعدةُّأوجهُّ ُّ. فقدُّزخرتُّرواياتهُّبنصوصُّدينيةُّامتصهاُّالخطابُّالروائيُّعلىُّمستوىُّالصياغةُّ والتعبيرُّ« ُّفعندماُّدخلُّ"ُّاألخضر"ُّفيُّروايةُّاالنفجارُّللمسجدُّفيُّخجلُّلمُّينتبهُّلوجودُّ ُُّّ ُّ ُُُُّّّّ أيُّشخصُّإالُّشيخاُّكبيراُّفيُّالزاويةُّ،كانُّيتلوُّالقرآنُّ﴿ ﴾ُّ )6(ُّ »وهذهُّالسورةُّهيُّ"ُّيس"ُّوقدُّقرأُّالشيخُّاآلياتُّاألولىُّمنهاُّالتي« ُّتوحيُّبالقسمُّ الذي ُّأدلى ُّبه ُّسبحانه ُّوتعالىُّ ،فهو ُّيقسم ُّبالقرآن ُّالمحكم ُّبما ُّفيه ُّمن ُّاألحكام ُّوالحكمُّ والحججُّ»ُّ(ُّ ُّ)2 تتكررُّهذهُّاآلياتُّعلىُّلسانُّالشيحُّالملتحيُّ،وهيُّمناسبةُّلمقامهُّيجلسُّفيُّزاويةُّ منُّزواياُّالمسجدُّ،وهذاُّاألخيرُّباعتبارهُّمكاناُّمقدساُّ،فهوُّمناسبةُّآلداءُّفريضةُّالصالةُّ، وقراءةُّالقرآنُّ،فالشيخُّلمُّيتوقفُّعندُّهاتينُّاآليتينُّفحسبُّ« ُّبلُّواصلُّتالوتهُّلسورةُّ"ُّ
ُّ(ُّ)1عليُّبنُّمحمدُّعليُّالجرجانيُّ،التعريفاتُّ،تحقيقُّ،إبراهيمُّاألنباريُّ(،دُّط)ُُّّ،دارُّالكتابُّالعربيُّ،بيروتُّ1881ُّ، مُّ،صُُّّ ُّ.266 ُّسورةُّيسُّ،االيةُُّّ2وُّ .1 ُّ(ُُّّ)2 ِ أبيُّالفداءُّإسماعيلُّبنُّعمرُّبنُّكثيرُّالقريشي ِّ ُّالد َم ْشِق ِّي،تفسيرُّالقرآنُّالعظيم(،دط)،دارُّالكتابُّالحديثُّ،الجزءُّ،6 ّ ص ُّ . 2616
- 193 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ُّ» ﴾ُُّّوهيُّاآليةُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ يس"ُّنفسهاُّقائال ﴿ُّ: العاشرةُّمنُّسورةُّيسُّ ُّ. « ُّ تفسيرها ُّأن ُّاهلل ُّسبحانه ُّوتعالى ُّيخبر ُّرسوله ُّأن ُّهؤالء ُّالكفار ُّالمعاندين ُّيستويُّ عندهمُّتحذيركُّلهمُّمنُّعدمهُّ،ختمُّاهللُّعليهمُّبالضاللةُّفماُّيفيدُّفيهمُّاإلنذارُّوالُّيتأثرونُّ به»ُّ ُّ)1(. ويأتي ُّتوظيف ُّ"مفالح" ُّلهذه ُّاآلية ُّالكريمة ُّكتنبيه ُّوتذكير ُّللشخصية ُّالروائيةُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّ "األخضر" ُّ ،حينُّسمعهاُّعلىُّلسانُّالشيخُّالملتحيُّ،تذكرُّمهمتهُّالتيُّكانتُّتنتظرهُّلكيُّ يصعدُّإلىُّالجبلُّويقفُّجنباُّإلىُّجنبُّمعُّصفوفُّجيشُّالتحريرُّالوطنيُّ،لمواجهةُّالعدوُّ الغاشمُّوهوُّعبارةُّعنُّحوارُّداخليُّوردُّفيهُّقولهُّ «:أنذرناهمُّوماُّنفعُّاإلنذارُُّّ...سيكونُّ العنف ُّرفيق ُّالدرب ُّالطويل ُُّّ ...نعم ُّيا ُّسيدي ُّأنذرناهمُّ ...ولم ُّيتبعوا ُّالذكر ُّولم ُّيخشواُّ الرحمان»ُّ ُّ)2(. وبقيُّصوتُّالشيخُّالمرتلُّيشدهُّبقوةُّإلىُّاإلنصاتُّلهُّ،وحينُّزادتُّقراءتهُّسرعةُّ، مرُّعلىُّمسمعهُُّّ ُّ ُّ ُُُّّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ﴿:
ُّ ،)3(ُّ »ُّ ﴾ُّ ُّ وقد ُّجاءت ُّهاتان ُّاآليتان ُّالكريمتان ُّلتزيداُّ ُّ ُّ "األخضر"حماسا ُّوشجاعة ُّلهدفه ُّالنبيل«ُّ .فمثل ُّالرجل ُّالذي ُّجاء ُّمسرعا ُّمن ُّمكانُّ
ُّسورةُّيسُّ،اآليةُُّّ .28 ُّ(ُّ)1 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،مُّسُّ،الجزءُّ،6صُّ ُّ.2610 ينظرُّ:ابنُّكثيرُّالقُر ّ
ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجارُّ،صُّ ُّ.222ُّ-228ُّ. ُّ(ُّ)3المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ .222 ُّ سورةُّيسُّ،اآلية(ُُّّ .)62-62
- 194 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
بعيد،ليرشدُّقومهُّإلىُّالهدايةُّ،فقتلوهُّ:قيلُّلهُّبعدُّقتلهُّ،أدخلُّالجنةُّإكراماُّلهُّ،تمنىُّأنُّ ّ ين »ُّ . ُّوجعلهُّمنُّالم َك َّرِم ُّْ يعلمُّقومهُّبأنُّاهللُّسبحانهُّ َغفَ َرُّلَهُ ُ
ُّ(ُّ )1
كذلكُّ"األخضر"ُّأرادُّأنُّيدخلُّقريتهُّالتيُّتنتظرهُّمنُّبابهاُّالواسعُّمنُّأجلُّأنُّيتهيأُّ للصعودُّإلىُّالجبلُّالذيُّسيحتضنهُّككلُّالمعذبينُّوالثائرينُّمنُّأجلُّبالدهمُّ ُّ. وقد ُّبدأت ُّالدماء ُّتسري ُّفي ُّعروقهُّ ،وتمزق ُّفؤاده ُّحين ُّأصبح ُّصوت ُّالشيخ ُّيعلوُّ ُّ ،﴾ُّ فردُّعليهُّاألخضرُّوهوُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ مرتال ﴿ُّ: يحاور ُّنفسه ُّقائالُّ «:سيأتي ُّيا ُّسيدي ُّأرتدي ُّحذائيُّ ...وجسمي ُّالمتوتر ُّمستعد ُّلمواجهةُّ هذاُّالبردُّاألمطارُّتهطلُّبالُّوعدُّ...ستكونُّأيامناُّالقادمةُّقدراُّثوريا»ُّ ُّ)2(. الروائي ُّفي ُّهذه ُّالروايةُّ ،يعيد ُّكتاب ُّالنص ُّالقرآني ُّالسابق ُّويوظفه ُّتوظيفا ُّفنياُّ
بطريقة ُّاالمتصاص ُّلآلية ُّالكريمةُّ ،فالحوار ُّالداخلي ُّالذي ُّطرحته ُّالشخصيةُُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّّ "األخضر"ُّوردُّعلىُّصيغةُّإجابةُّللسؤالُّالذيُّطرحُّفيُّاآليةُّالسابقةُّالمقتبسةُّمنُّسورةُّ"ُّ يس"ُّ« ُّويقولُّهؤالءُّالكفارُّعلىُّوجهُّالتكذيبُّواالستعجالُّمتىُّيكونُّهذاُّالوعدُّإنُّكنتمُّ صادقينُّفيماُّتقولونهُّعنه»(ُّ ُّ.)3
ُّ(ُّ)1 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،الجزءُّ،6صُّ ُُّّ.2661 ينظرُّ:ابنُّكثيرُّالقُر ّ
ُّسورةُّيسُُّّ،اآليةُُّّ .ُّ84
(ُّ)2محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّاالنفجار،صُّ .22 ُّ(ُّ)3 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُُّّ،الجزءُّ،6صُّ .2666 ينظرُّ:ابنُّكثيرُّالقُر ّ
- 195 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ويواصلُّالشيخُّالملتحيُّتالوةُّاآلياتُّمنُّسورةُّ"ُّيس"ُّالتفتُّ"ُّاألخضر"ُّنحوهُّمرةُّ أخرىُّوهوُّيرتلُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ﴿ُّ:
ُّ )6( .﴾ُُُّّّ ُّ ُّ ُّ ُُّّ ُّ ُّ ُّ فقدُّذكرُّاهللُّفيُّهذهُّاآلياتُّالقرآنيةُّجزاءُّالمجرمينُّ« ُّمخبراُّعماُّيؤولُّإليهُّحالُّ الكفار ُّيوم ُّالقيامة ُّمن ُّأمره ُّلهم ُّأن ُّيمتازوا ُّبمعنى ُّيتميزون ُّعن ُّالمؤمنين ُّ ُّفيُّ موقفهم﴿ ﴾ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ وقوله ُّتعالى ُّ﴿ ُُُّّّ ُّ ُّ
،ُّ ﴾ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ هذاُّتقريعُّمنُّاهللُّتعالىُّ للكفرةُّمنُّبنيُّآدم ُّ ،الذينُّأطاعواُّالشيطانُّوهوُّعدوُّلكمُّمبينُُّّ،وعصواُّالرحمانُّوهوُّ الذيُّخلقهمُّورزقهمُّ»(ُّ ُّ.)1 فالمناصُّالقرآني ُّ يكتسبُّداللتهُّ،منُّخاللُّالسياقُّالذيُّأوردُّفيهُّفيأتيُّهذاُّالشاهدُّ القرآني ُّليدل ُّعلى ُّالحقد ُّوالكره ُّالذي ُّتملك ُّ" ُّاألخضر" ُّوزرع ُّفي ُّقلبه ُّحب ُّاالنتقام ُّمنُّ ُّوجرده ُّمن ُّممتلكاتهاُّ ،فيقولُّ «:قريتنا ُّعرفت ُّالشيطانُّ عدوه ُّالذي ُّاغتصب ُّ ّ ُّأرضه ّ وستحاربه ُّفي ُّشخص ُّجاكوُّ ...وفرانسوا...وحميدة...والعامري ُّلهاملي ُّاألقرعُّ ...امتازواُّ
اليومُّأيهاُّالمجرمونُُّّ...الشيطانُّعدوناُّالمبين»ُّ ُّ)2(. وهيُّطريقةُّمباشرةُّفيُّاالقتباسُّتعتمدُّعلىُّاستحضارُّاآليةُّالقرآنيةُّكماُّوردتُّفيُّ القرآنُّالكريمُّ،ماُّنالحظهُّأنُّجميعُّاآلياتُّالقرآنيةُّالتيُّتمُّاالستشهادُّبهاُّسابقاُّ،اقتبستُّ ُُُّّّسورةُّيسُّ،اآليةُّ(ُّ .)68ُّ-61 ُّ(ُّ)6محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجار،صُُّّ .222 ُّ()1 يشيُّ،المرجعُّالسابقُّ،صُّ .2661 ُّابنُّكثيرُّالقُر ّ
ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُُّّ ُّ.222
- 196 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
جميعها ُّمن ُّسورة ُّواحدة ُّوهي ُّسورة ُّ" ُّيس"ُّ ،غير ُّأن ُّالروائي ُّلم ُّيراع ُّالترتيب ُّالمثاليُّ لآليات ُّكما ُّوردت ُّفي ُّال سورةُّ ،بسبب ُّأنه ُّلم ُّيستشهد ُّبجميع ُّآياتهاُّ ،بل ُّاختار ُّمنها ُّماُّ يتوافق ُّمع ُّرأيه ُّتحقيقا ُّللبالغة ُّالفنية ُّواإلقناعُّ ،وقد ُّظهر ُّذلك ُّمن ُّخالل ُّلغة ُّالسارد ُّأوُّ ضمنُّالخطابُّالحواريُّ،أوُّالمونولوجُّالداخليُّلشخصيةُّ"ُّاألخضر"ُّالروائيةُّ ُّ. إضافة ُّإلى ُّذلك ُّفقد ُّتعددت ُّأشكال ُّاالقتباس ُّأيضا ُّفمنها ُّما ُّجاء ُّعلى ُّشكلُّ استحضار ُّللنص ُّالديني ُّبصورة ُّمغايرة ُّعن ُّاالقتباسات ُّالسابقةُّ ،استشهد ُّفيها ُّالروائيُّ بسورُّقرآنيةُّتضمُّمجموعةُّمنُّاآلياتُّبديالُّعنُّآيةُّواحدةُّ؛وهيُّتعدُّتشكيلةُّلخطوةُّبارزةُّ في ُّأعمال ُّ"مفالح" ُّالروائية ُّحين ُّنسب ُّاآليات ُّإلى ُّسورها ُّالقرآنية ُّهاهو ُّيطل ُّعلينا ُّفيُّ إحدىُّرواياتهُّ:ذلكُّحينُّتمددُّ"ُّلخضرُّولدُّالفخار"ُّعلىُّالفراشُّالذيُّوضعتهُّلهُّزوجتهُّ"ُّ ُّ يمينة" ُّتحت ُّشجرة ُّالليمون ُّالمغروسة ُّفي ُّالزاوية ُّاليمنى ُّمن ُّالبيتُّ ،أسند ُّظهره ُّإليهاُّ«: استغفرُّاهللُّونظرُّإلىُّالنجومُّالتيُّكانتُّتزينُّالسماءُّوبدأُّتالوةُّسورةُّالواقعةُُّّ﴿ُّ: ّ ُُُُّّّّ ُّ ُُُّّّ ُّ ُّ ُّ ُُُّّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ
ُّ )1(ُّ. ﴾ُُُّّّ ُّ ُّ ُّ « ُّ وتوحي ُّهذه ُّاآليات ُّإلى ُّأن ُّالقيامة ُّإذا ُّقامت ُّليس ُّألحد ُّأن ُّيكذب ُّبهاُّ ،وهيُّ خافضة ُّألعداء ُّاهلل ُّفي ُّالنارُّ ،رافعة ُّألوليائه ُّفي ُّالجنةُّ ،واذا ُّتحركت ُّاألرض ُّتحريكاُّ شديدا»(ُّ ُّ.)2 تتكرر ُّهذه ُّاآليات ُّفي ُّالرواية ُّعلى ُّشكل ُّممارسات ُّيومية ُّلشخصية ُّيغلب ُّعليهاُّ الطابعُّالدينيُّتقضيُّجلُّوقتهاُّفيُّالتعبدُّوالتأملُّوتالوةُّالقرآنُّ ُّ. ُُّّسورةُّالواقعةُّ،اآليةُّ(.)2،1،6،8
ُّ
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّعائلةُّمنُّفخارُّ،صُُّّ ُّ.66 (ُّ)2 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،الجزءُّ،8صُُّّ ُّ.1816-1818 ينظرُّ:ابنُّكثيرُّالقُر ّ
- 197 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ولعلُّجرأةُّالطرحُّفيُّكشفُّالمستورُّالدينيُّ،جعلتُّالروائيُّيخوضُّأهمُّمواضيعُّ الخطاب ُّالدينيُّ ،فكان ُّاالستشهاد ُّبهذه ُّالرواية ُّخالفا ُّلما ُّوضعت ُّله ُّفي ُّالقرآن ُّالكريمُّ، ولعل ُّهذه ُّعبارة ُّعن ُّدعوة ُّصريحة ُّمن ُّ"مفالح" ُّإلى ُّضرورة ُّإعادة ُّقراءة ُّالقرآن ُّقراءةُّ صحيحةُّ،وفقُّالمقاييسُّالحداثيةُّوالتمعنُّفيُّأعماقُّالخطابُّالدينيُّ ُّ. وكذلكُّقولُّالساردُّأنهُّبعدُّماُّأتمُّ"لخضرُّولدُّالفخار"ُّمنُّتالوةُّجميعُّاآلياتُّلسورةُّ الواقعةُّ،تأملُّالنجومُّالتيُّزينتُّالسماءُّثمُّشرعُّ«:فيُّتالوةُّسورةُّاالنفطارُّبصوتُّمرتفعُّ، ﴾ وفيُّاللحظةُّالتيُّرددُّفيهاُّ﴿
انتصبُّأمامُّزوجتهُّوأشارتُُّّ...ياُّرجلُّ ُّ)1(ُّ»... ما ُّلفت ُّانتباهنا ُّفي ُّهذا ُّالمقتبس ُّالقرآني ُّجاء ُّعلى ُّشكل ُّاستحضار ُّآلية ُّكاملةُّ وضعتُّضمنُّتنصيصُّواضحُّمثلماُّظهرُّأيضاُّفيُّاآلياتُّالسابقةُّمنُّسورةُّالواقعةُّ . وهيُّأيضاُّاستشهدُّبهاُّخالفاُّللمعنىُّالموجودُّفيُّاآليةُّالقرآنيةُّبتعبيرُّآخرُّآيةُّمنُّ سورةُّاالنفطارُّرقمهاُّتسعةُّعشرُّتوحيُّإلىُّ« ُّأنُّيومُّالحسابُّعظيمُّالُّيقدرُّأحدُّعلىُّ نفعُّأحدُّوالُّخالصهُّمماُّهوُّفيه،إالُّأنُّيأذنُّاهللُّلمنُّيشاءُّويرضىُّ،واألمرُّفيُّذلكُّاليومُّ هللُّوحدهُّالذيُّالُّيغلبهُّغالبُّ،والُّيقهرهُّقاهرُّ،والُّينازعهُّأحد»ُّ ُّ)2(. ويواصلُّالروائيُّاقتباساتهُّالدينيةُّالتيُّوردتُّعلىُّشكلُّاستحضارُّآليةُّكاملةُُُُّّّّأوُّ جزء ُّمنهاُّ ،استدعاها ُّوضفرها ُّبلغته ُّالروائية ُّسردا ُّووصفا ُّوحوا ار ُّضمن ُّسياقات ُّمتعددةُّ تمايزتُّشكالُّوداللةُّحسبُّطبيعةُّالمتناصُّ ُّ.
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّعائلةُّمنُّفخارُّ،صُّ .66 ُّ سورةُّاالنفطارُّ،اآليةُُّّ ُّ.91 (ُّ)2 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،الجزءُّ،8صُّ .1168 ابنُّكثيرُّالقُر ّ
- 198 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
فالروائيُّعندماُّيتكلمُّعنُّبطلُّروايةُّ"االنكسار"ُُّّ"،عباسُّالبري"ُّالذيُّابتاعُّجريدةُّ معربةُّ ،أسرع ُّبها ُّإلى ُّغرفته ُّ ُّوحين ُّجلس ُّعلى ُّالكنبة ُّنظر ُّمليا ُّفي ُّعناوينها ُّالمكتوبةُّ بخطُّكبير ُّ«ُّ،أصبحُّالُّيهتمُّبعالمُّالرياضةُّوالُّتثيرُّالسياسةُّوأحداثهاُّاهتمامهُّ.ولمُّيطلعُّ كذلك ُّعلى ُّالمقاالت ُّا لتي ُّاحتوتها ُّصفحة ُّالثقافة ُّورجالهاُّ ،فهو ُّيرثى ُّلحال ُّاألشخاصُّ المهتمينُّبكالمُّالشعراءُّفيُّهذاُّالعصرُّ،فهوُّحينُّيتعجبُّوُّيتساءلُّكيفُّتكرمُّالو ازرةُّ والجامعاتُّرجاالُّوُّنساءُّحرفتهمُّالكالمُّ»(ُّ،)1كانُّمنُّالمناسبُّأنُّيستشهدُّالروائيُّفيُّ هذاُّالموقفُّباآليةُّالكريمةُّ،فهو ُّيشبه ُّكالمُّالشعراءُّالذيُّليسُّلهُّفائدةُّبالكالمُّالذيُُّّ: ُّ ُّ.﴾ُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ﴿ تتناصُّاآليةُّالكريمةُّمعُّرأيُّ"ُّعباسُّالبري"،حينُّشبهُّكالمُّالشعراءُّ« ُّبطعامُّأهلُّ النارُّ،الذيُّينبتُّمنُّشوكُّالصقُّباألرضُّوهوُّمنُّشرُّالطعامُّأبشعهُّوُّأخبثهُّالُّيسمنُّ بدنُّصاحبهُّمنُّالهزالُّوالُّيسدُّجوعهُّورمقه»ُّ ُّ)2(. فالروائي ُّامتص ُّمعاني ُّاآلية ُّالقرآنية ُّليشكل ُّصورة ُّإ ُّشاريةُّ ،وذلك ُّلمالئمة ُّهذهُّ المعانيُّللموقفُّالروائيُّوالشعورُّالجديدُّ ُّ. ومن ُّضمن ُّاالقتباسات ُّكذلك ُّالتي ُّكثرت ُّلدى ُّالروائي ُّبكيفيات ُّمختلفة ُّنلمح ُّجلياُّ ُّن ْف ٍ ت﴾ ُّوقد ُّتكرر ُّثالث ُّمرات ُّفي ُّمواضعُّ س ُّ َذائِقَةُ ُّا ْل َم ْو ُِّ حضور ُّالنص ُّالقرآني ُّ﴿ ُكل َ متشابهة ُّتقريباُّ ،مكتوبة ُّعلىُّقبورُّأشخاصُّقرأهاُّ"ُّعباسُّالبري"ُُّّ،وهوُّيحملقُّاللوحةُّ
الرخامية ُّالموضوعة ُّفي ُّالجهة ُّالعليا ُّمن ُّالقبر ُّالبن ُّخالته ُّ" ُّالحاجة ُّزينب" ُّوالمكتوبُّ
(ُّ)1ينظر:محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ .16 سورةُّالغاشيةُّ،اآليةُُّّ .86 (ُّ)2 يشيُّ،المرجعُّالسابق،اُّلجزءُّ،8صُّ .1166 ينظرُّ:ابنُّكثيرُّالقُر ّ
- 199 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
عليها ُّالمرحوم ُّ ُّ« ُّ"كمال ُّالسباك"ُّ :ولد ُّفي ُُّّ 28مارس ُُّّ -2168توفي ُّفي ُُّّ 28مارسُّ ُّن ْف ٍ ت﴾ »ُّ ُّ)1(. سُّ َذائِقَةُُّا ْل َم ْو ُِّ ُ ﴿،ُّ2118كل َ إنُّهذاُّالمناصُّالقرآنيُّجاءُّموافقاُّللمناسبةُّالتيُّاستحضرهُّالروائيُّفيهاُّجاءُّموافقاُّ لحالُّعباسُّالذيُّقامُّبزيارةُّالقبورُّ،قرأُّاللوحاتُّالحديديةُّالتيُّكتبُّعليهاُّأسماءُّالموتىُّ، المرفقةُّباآليةُّالقرآنيةُّالسابقةُّالذكرُّالتيُّيليقُّذكرهاُّفيُّمقامُّالترحمُّعلىُّاألمواتُّ ُّ. غيرُّأنُّهذه ُّ العباراتُّالقرآنيةُّالُّتمثلُّآيةُّبأكملهاُّ.بلُّهيُّالجزءُّاألولُّمنُّاآليةُّ المائةُّوخمسةُّوثمانينُّمنُّسورةُّ"آلُّعمران"ُّيقولُّاهللُّسبحانهُّوتعالىُّفيهاُُّّ ﴿ُّ: ُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ
ُّ ﴾ُّ ُّ ُّ فيُّهذهُّاآليةُّتذكيرُّبفناءُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ الدنياُّوعدمُّبقائهاُّوأنُّالناسُّإنماُّيوفونُّأجورهمُّيومُّالقيامةُّفالحياةُّبزخرفهاُّماُّهيُّإالُّ يبُّمنُّالخداعُّألنُّصاحبهُّيسرُّعاجالُّويساءُّآجالُّفمنُّأخرجُّ متاعُّالغرورُّ،والغرورُّقر ّ منُّالنارُّوُّأدخلُّالجنةُّفقدُّفازُّ )2(ُّ.
وفي ُّالمقام ُّنفسه ُّيستشهد ُّالروائي ُّبجزء ُّمن ُّآية ُّجديدة ُّاختلفت ُّعن ُّسابقتهاُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّ "فعباسُّالبري"ُّعندماُّكانُّينتقلُّماُّبينُّالقبورُّ،وقعتُّعينهُّعلىُّلوحةُّجديدةُّأخرىُّلقبرُّ شهيدُّكتبُّعليها ُّ «:شهيدُّالواجبُّالوطنيُّ:المرحومُّ:مُّتُّ،مارسُّ،2166جويليةُُّّ2116 ِ ُّمعقوفتين ُّواضحتين ُّاقتبسهاُّ ُّ ون ُّ» ُّ(ُّ ،)3وردت ُّهذه ُّالعبارة ُّضمن « ُّإَِّنا ُّهلل ُّواّنا ُّإِلَ ْي ُّه ُّ َار ِج ُع ْ (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ ُّ.81 ُُّّسورةُّآلُّعمرانُّ،اآليةُُّّ ُّ.941 (ُّ)2ينظرُّعبدُّالقاهرُّالجرجانيُّتُّسنةُّ862هُّ،درجُّالدررُّفيُّتفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،دراسةُّوتحقيقُّ:طلحتُّصالحُّ الفرحانُّ،ومحمدُّأديبُّشكورُّ،جُّ،82طُّ،2دارُّالفكرُّناشرونُّوموزعونُّ2868ُّ،ه1881ُّ-مُُّّ،صُُّّ ُُّّ.866 ُّ(ُّ)3محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ ُّ.86 - 200 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الروائيُّمنُّالجزءُّاألخيرُّمنُّاآليةُّمائةُّوستةُّوخمسينُّمنُّسورةُّالبقرةُّيقولُّتعالىُّفيُّ ُّ .﴾ُُّّ ُُُُُُّّّّّّ ُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ محكمُّتنزيله ﴿ُّ: « ُّ أي ُّأنهم ُّمملوكون ُّهلل ُّمدبرون ُّتحت ُّأمره ُّوتصريفهُّ ،وعلموا ُّأنه ُّال ُّيضيع ُّلديهُّ مثقالُّذرةُّيومُّالقيامةُّفأحدثُّلهمُّذلكُّاعترافهمُّبأنهمُّملكُّهللُّوأنهمُّإليهُّراجعونُّفيُّالدارُّ اآلخرة»ُّ )1(. ُُُُُُّّّّّّ إن ُّحضور ُّمثل ُّتلك ُّاآليات ُّالقرآنية ُّفي ُّأعمال ُّ" ُّمفالح" ُّالروائية ُّكان ُّلها ُّصلةُّ وثيقة ُّبالقضاء ُّوالقدر ُّالذي ُّيواجه ُّمصير ُّاإلنسان ُّفي ُّالحياةُّ ،بما ُّتكتنزه ُّمن ُّإيحاءاتُّ خصبةُّاألمر ُّالذي ُّأضفى ُّعلى ُّنصوص ُّرواياته ُّنوع ُّمن ُّالقداسة ُّوالجاللُّ ،ومزيدا ُّمنُّ الواقعيةُّوجعلهاُّأشدُّتأثيراُّوأعمقُّنفوذاُّحينماُّاستطاعتُّأنُّتبوحُّبالجوُّالنفسيُّوالفكريُّ لشخصياتُّرواياتهُّ . وفيُّصورةُّتناصيةُّأخرىُّمعُّالقرآنُّالكريمُّاستغلُّالروائيُّمرونتهُّووظفُّبعضاُّمنُّ آياتهُّتوظيفاُّمتداخالُّمعُّلغةُّالخطابُّالروائيُّللشخصيةُّ"ُّفعبدُّالحميد"ُّحينُّداعبتُّقلبهُّ مشاعرُّحبُّ"ُّرحمة"ُّالفياضُّ،مرتُّعلىُّخيالهُّصورةُّالمجنونُُّّ"المهداوي"ُّ،التائهُّفيُّ ُّويتحداهمُّ ،إذا ُّماُّ حبهاُّ ،وكذلك ُّ" ُّاألخضر ُّالرمشي" ُّفهو ُّينافسهم ُّفي ُّحبهم ُّالكبير ُّلها، ّ استطاعواُّأنُّيضحواُّبالنفسُّوالنفيسُّمنُّأجلُّالمعشوقةُّرحمةُّ ُّ. وكانُّالبدُّفيُّهذاُّالمقامُّأنُّيستحضرُّاآليةُّالتيُّيقولُّفيهاُّلهمُّ« ُّتمنواُّالموتُّإنُّ كنتمُّصادقين»(ُّ،)2هذهُّالتراكيبُّالمتناثرةُّداخلُّالخطابُّالسرديُّطبعتُّلغةُّ"ُّسيُّعبدُّ الحميد"ُّببالغةُّقرآنيةُّوبمسحةُّدينيةُّواضحةُّوهوُّ«ُّاإلمامُّالمحترمُّ...المتبحرُّفيُّمسألةُّ ُُّّسورةُّالبقرةُّ،اآليةُُّّ ُّ.912 ُّ(ُّ)1 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،الجزء،2صُُّّ ُّ.216 ابنُّكثيرُّالقُر ّ
ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجارُّ،صُُّّ ُُّّ.16
- 201 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
الحالل ُّوالحرام»( ُّ )1اقتبست ُّهذه ُّالمفردات ُّالقرآنية ُّمن ُّاآلية ُّالسادسة ُّمن ُّسورة ُّالجمعةُّ، وهذاُّماُّنجدهُّفيُّقولهُّتعالىُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّ﴿ :
ُّ .﴾ُُُُّّّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ «معناهاُّإنُّكنتمُّتزعمونُّأنكمُّعلىُّهدىُّ،أنُّمحمداُّوأصحابهُّعلىُّضاللةُّ،فادعواُُّّ بالموتُّعلىُّالضالُّمنُّالفئتينُّإنُّكنتمُّصادقينُّ،أيُّفيماُّتزعمونه»ُّ ُّ)2(. إن ُّالعملية ُّاإلبداعية ُّالتي ُّيمارسها ُّالروائيُّ ،هي ُّحمل ُّالمادة ُّالتراثية ُّمن ُّحيزهاُّ ومكانهاُّ،إلىُّالمادُّالموظفةُّ« ُّوتكونُّالعالقةُّفيُّهذاُّالحالُّبينُّالنصُّالحاضرُّوالنصُّ الغائبُّعالقةُّمشابهةُّ،الُّيحدثُّأيُّتغييرُّللنصُّالغائبُّ،سواءُّعلىُّمستوىُّالتركيبُّ،أمُّ الداللة،أماُّالسياقُّ،ويأتي،فيُّكثيرُّمنُّاألحيانُّعلىُّشكلُّتنصيصُّ»ُّ )3(. ويماثل ُّذلك ُّاستذكار ُّ"محفوظ" ُّالحوار ُّالذي ُّدار ُّبينه ُّوبين ُّجاره ُّ"سي ُّعدة" ُّسألهُّ محتاراُّ«:لماذاُّالُّتفكرُّفيُّالبنينُّ؟ُّفردُّمحفوظُّمتضايقاُّ:ليُّاهتماماتُّأخرى»ُّ )4(. وعندماُّطرحُّالسؤالُّعليهُّمرةُّأخرىُّ:هلُّهيُّأفضلُّمنُّإنجابُّالبنين؟ُّكانُّالبدُّ أنُّيدعمُّرأيهُّ،لكيُّيطبعُّلغتهُّبمسحةُّدينيةُّ«ُّالُّأظنُُّّ....البنونُّزينةُّالحياةُّالدنيا»ُّ ُّ)5(.
(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ،صُّنُّ ُّ. ُُّّسورةُّالجمعةُّ،اآليةُُّّ .2 ُّ(ُّ)2 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،الجزء،8صُّ ُّ.1286 ابنُّكثيرُّالقُر ّ
ُّ(ُّ)3محمدُّرياضُّوتارُّ،توظيفُّالتراثُّفيُّالروايةُّالعربيةُّالمعاصرةُّ،صُُّّ ُُّّ.18 ُّ(ُّ)4محمدُّمفالحُّ،األعمالُّغيرُّالكاملةُّ(،روايةُّاالنهيار)ُّ،صُُّّ ُّ.18 (ُّ)5المصدرُّنفسهُّ،صُّن.
ُّ
ُّسورةُّالكهفُّ،اآليةُُّّ .86 - 202 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
فقد ُّحافظ ُّهذا ُّالنص ُّالديني ُّالمقتبس ُّعلى ُّتركيبه ُّوسياقه ُّوداللتهُّ ،استشهد ُّبهُّ ليصفُّحالُّ"ُّمحفوظ"ُّ،حينُّتعجبُّألمرهُّجارهُّ"ُّسيُّعدة"ُّلماذاُّالُّيهتمُّبأمرُّإنجابُّ األطفالُّ،فهوُّالُّيفكرُّمثلُّأبناءُّحيهُّوالُّيجريُّوراءُّالملذاتُّ ُّ. إنُّالنصُّالدينيُّفيُّالروايةُّيمثلُّجزءاُّمنُّاآليةُّستةُّوأربعينُّلسورةُّالكهفُّيقولُّ تعالىُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ﴿ :
ُّ ُّ.﴾ُُُّّّ ُّ ُّ يرد ُّمعنى ُّاآلية ُّ« ُّفي ُّأن ُّاألموال ُّواألوالد ُّجمال ُّوقوة ُّفي ُّهذه ُّالدنيا ُّالفانية،لكنُّ اإلقبال ُُّّوالتفرغُّلعبادة ُّخيرُّلكمُّمنُّاشتغالكم ُّبهم،والجمعُّلهم ُّ،والشفقةُّالمفرطة ُّعليهمُّ، واألعمالُّالصالحةُّأفضلُّأجراُّعندُّربكُّمنُّالمالُّوالبنينُّ،وهذهُّاألعمالُّالصالحةُّأفضلُّ ماُّيرجواُّاإلنسانُّمنُّالثوابُّعندُّربهُّ،فينالُّبهاُّفيُّاآلخرةُّماُّكانُّيأملهُّفيُّالدنيا»ُّ )1(. والمالحظُّأنهُّفيُّهذاُّالنوع ُّمنُّالتناصُّالقرآنيُّ،أنُّالروائيُّتعمدُّفي ُّأنُّيقتصرُّ اقتباسهُّمنُّاآليةُّعلىُّتلكُّاأللفاظُّالقرآنيةُّالمرتبطةُّداللتهاُّبداللةُّالسياقُّالذيُّتواجدتُّ فيهُّتمثلُّقيمةُّاألبناءُّومكانتهمُّ.ولقدُّعمدُّ"مفالح"ُّمنُّخاللُّتوظيفهُّلهذهُّاأللفاظُّالقرآنيةُّ ةُّالتيُّغَّي ْبتهَاُّرغبتهُّالجامحةُّفيُّأنُّيصبحُّ فيُّسبيلُّتذكيرُّ"ُّمحفوظ"ُّبحقيقةُّالدنياُّواآلخر َ
كاتباُّومبدعاُّ ُّ.
نالحظ ُّأن ُّ" ُّمفالح"ُّ ،حاول ُّمن ُّخالل ُّهذه ُّالتوظيفات ُّالدينية ُّللقرآن ُّالكريمُّ ،سواءُّ علىُّصعيدُّاالستعانةُّباآلياتُّالقرآنيةُّأوُّاأللفاظُّ،مدىُّتأثرهُّالواضحُّبالقرآنُّالكريمُّ،ولقدُّ جاءُّالتأثرُّعلىُّصعيدينُّاللفظُّالمستخدمُّوالمعنىُّالمقصودُّأيضاُّحيثُّحاولُُّّ"مفالح"ُّ، االعتمادُّعلىُّوازعهُّالدينيُّلمعالجةُّقضاياهُّومحاورةُّشخصياتهُّالورقيةُّ ،حوارُّحضارياُّ (ُّ)1 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُّ،الجزء،6صُّ .2166 ينظرُّ:ابنُّكثيرُّالقُر ّ
- 203 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ينم ُّعن ُّشخصية ُّالروائي ُّ ُّالراقية ُّالتي ُّهي ُّفي ُّبحث ُّمستمر ُّعن ُّاألفكار ُّواألساليبُّ السامية ُّوالتي ُّمن ُّشأنها ُّأن ُّتلج ُّإلى ُّعقل ُّالقارئ ُّالعادي ُّوقلبه ُّأيضاُّ ،وال ُّشيء ُّأعظمُّ وأيسرُّللفهمُّوالحفظُّمنُّمنابعُّالذكرُّالحكيمُّ ُّ. وفيُّهذاُّاإلطارُّنجدُّالدكتورُّ"جمالُّمباركي"ُّيقولُّعنُّالقرآنُّالكريمُّبأنهُّ«ُُُُُُّّّّّّ : النصُّالمقدسُّالذيُّأحدثُّثورةُّفنيةُّعلىُّمعظمُّالتعابيرُّالتيُّابتدعهاُّالعربيُّشعراُّونثراُّ، ليخلق ُّتشكيال ُّ فنيا ُّخاصا ُّمتناسق ُّالمقاطع ُّتطمئن ُّإليه ُّاألسماع ُّإلى ُّاألفئدة ُّفي ُّسهولةُّ ويسر»ُّ )1(. ويستمر" مفالح"ُّفيُّنهلهُّمنُّمنبعُّالقرآنُّالصافيُّ،وهاُّهوُّيقولُّفيُّروايةُّ"االنفجار"ُّ وكنتُّأرددُّعلىُّمسمعهمُّكلُّمساءُّ﴿ ُُُّّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ «:
ُّ ُّ.)2(ُّ» ﴾ إنُّهذهُّاآليةُّالكريمة ُّمقتبسةُّمنُّسورةُّالرعدُّ،ويأتيُّتوظيفُّ"ُّمفالح"ُّلهذهُّاآليةُّ جاءُّعلىُّلسانُّاإلمامُّ"ُّعبدُّالحميدُّالمكاوي"ُّحينماُّكانُّيلقيُّعلىُّمسامعُّالعمالُّ.هذاُّ الخطابُّالذيُّيحملُّالكثيرُّمنُّمعانيُّاإليمانُّبقدرةُّاهللُّعلىُّالتغيير« ُّفماُّمنُّقريةُّوالُّ اُّعنهاُّإلىُّالطاعةُّ،إالُّتحولُّاهللُّلهمُّعماُّيكرهونُّ اُّعلىُّمعصيةُّثمُّتحولو أهلُّبيتُّكانو ّ ّ منُّالعذابُّإلىُّماُّيحبونُّمنُّرحمته»(ُّ ،)6ففيُّروايةُُّّ"االنفجار"ُّ،يأتيُّهذاُّالتوظيفُّفيُّ إطارُّتفاءلُّإمامُّالقريةُّبغ ازرةُّالمنتوجُّوالخيرُّالذيُّأنعمهُّاهللُّعلىُّعبادهُّفيحاولُّأنُّيشحذُّ
(ُّ)1جمالُّمباركيُّ،التناصُّوجمالياتهُّفيُّالشعرُّالجزائريُّالمعاصرُّ،صُّ.266 (ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجارُّ،صُُّّ .86 ُّسورةُّالرعدُّ،اآليةُّ .ُّ22 ()6 يشيُّ،تفسيرُّالقرآنُّالعظيمُُّّ،الجزءُّ،1صُّ .2866 ُّينظرُّ:ابنُّكثيرُّالقُر ّ
- 204 -
ُّ
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
همم ُّالعمال ُّلمواصلة ُّالعمل ُّوالسعي ُّالدؤوب ُّللمحافظة ُّعلى ُّهذه ُّالنعم ُّوالخيرات ُّالتيُّ يمكنُّأنُّتزولُّفيُّحالةُّالكسلُّوالتهاونُّ ُّ. ويأتي ُّاختيار ُّ"مفالح" ُّلهذا ُّالتوظيف ُّالديني ُّكوسيلة ُّراقية ُّلغرس ُّالهمة ُّفي ُّنفسيةُّ الفالحُّالبسيطُّالذيُّهوُّبحاجةُّإلىُّالكالمُّالطيبُّالذيُّيثلجُّصدرهُّويحببُّالعملُّلقلبهُّ . بدالُّمنُّأسلوبُّالتهديدُّوالوعيدُّالذيُّيلجأُّإليهُّأصحابُّالسلطةُّوالنفوذُّ،فيغرسونُّ الكرهُّفيُّنفسيةُّالعاملُّبدالُّمنُّغرسُّبذرةُّالحبُّالذيُّتحدثُّعنهُّ"عبدُّالحميدُّالمكاوي"ُّ فيُّالسياقُّذاتهُّقائالُّ«:تعلمواُّالعشقُّحتىُّالجنون»ُّ ُّ)1(. وما ُّيجدر ُّاإلشارة ُّإليه ُّأيضا ُّأن ُّشخصية ُّ" ُّعبد ُّالحميد ُّالمكاوي" ُّهي ُّشخصيةُّ دينيةُّ،ومنُّالطبيعيُّأنُّيكونُّحديثهاُّأيضاُّذاُّطابعُّدينيُّ ُّ. كماُّنجدُّتوظيفُّآخرُّللقرآنُّالكريمُّفيُّالروايةُّنفسهاُّ(االنفجار)ُّ:حينُّقالُّ«ُُُُُُّّّّّّ: ﴾ُّ ُّ ُّ ُّ كان ُّيطلب ُّمني ُّأن ُّأق أر ُّله ُّ﴿
ويقهقه ُّوهوُّ
يصفعُّخديه»ُّ )2(. لقدُّعمدُّ"ُّمفالح"ُّإلىُّتوظيفُّهذاُّالجزءُّمنُّاآليةُّأربعةُّوثالثينُّمنُّسورةُّالتوبةُُّّ التيُّطالماُّألقاهاُّ"ُّعبدُّالحميدُّالمكاوي"ُّعلىُّمسامعُّ"ُّأحمدُّولدُّالعرباوي"ُّورغمُّالقالبُّ الساخرُّالذيُّتواجدتُّفيهُّوخصوصاُّبعدُّأنُّسمعهاُّ"ُّأحمدُّلدُّالعرباوي"ُّفكانتُّردةُّفعلهُّ أنُّص رخُّمقهقهاُّالويلُّلألغنياءُّالبخالءُّمنُّ"ُّمخلوف"ُّ،هذاُّالرجلُّالفقيرُّ،ألنُّاهللُّعزُّ وجلُّتعهدُّبالعذابُّالشديدُّلمنُّالُّينفقُّمنُّاألموالُّالتيُّيكنزهاُّعلىُّالفقراءُّ،وُّ"ُّمخلوف"ُّ واحد ُّمنهم ُّولهذا ُّنلمس ُّهذا ُّالتالقي ُّبين ُّمعنى ُّاآلية ُّالكريمة ُّوالحوار ُّالذي ُّوظفت ُّفيهُّ، ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجارُّ،صُُّّ ُّ.86 ُُّّسورةُّالتوبةُّ،اآليةُُّّ ُّ.48 ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجارُّ،صُّ ُّ.28 - 205 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ورغمُّالطابعُّاالستهزائيُّمنُّ"ُّأحمدُّولدُّالعرباوي"ُّ،إالُّأنُّقدسيةُّالقرآنُّالكريمُّلمُّتُمسُّ ،وهذاُّبديهيُّألنُّاألدباءُّفيُّكلُّاألحوال ُّ« ُّالُّيحاورونهُّألنهمُّيخافونُّذلكُّألنُّالقرآنُّ يظل ُّنص ُّمقدسا ُّمتعاليا ُُّّ ...فهو ُّمنتهى ُّالبالغة ُّومستقبل ُّالكتابة ُّمهما ُّكان ُّنوعهاُّ وتاريخها»ُّ ُّ)1(. ومنُّاالقتباسُّالقرآنيُّأيضاُّقولُّ"ُّمفالح"ُّفيُّ"ُّشعلةُّالمايدة"ُّ« ُّوأعتقدُّأنهُّحانُّ الوقت ُّالذي ُّنقاتل ُّفيه ُّالمحتلين ُّلكن ُّعلينا ُّإعداد ُّالمعدات ُّواألسلحة ُّوهذا ُّما ُّأمرنا ُّبهُّ القرآن ُّالكريم ُّإذ ُّيقول ُّاهلل ُّتعالىُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ﴿ُّ :
ُّ ُّ)2(ُّ.»ُّ﴾ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ نلمسُّبسهولةُّماُّيرميُّإليهُّالكاتبُّمنُّوراءُّتوظيفهُّلهذهُّاآليةُّالكريمةُّ.والتيُّوردتُّ في ُّموضعين ُّمختلفين ُّفي ُّ" ُّشعلة ُّالمايدة" ُّحيث ُّأنها ُّتحمل ُّمعاني ُّاالستعداد ُّوالحرصُّ على ُّتوفير ُّعتاد ُّالجهاد ُّفي ُّسبيل ُّاهللُّ ،حتى ُّيكون ُّالنصر ُّحليفهم ُّ.وليس ُّرمي ُّالنفسُّ للتهلكة ُّوذلك ُّعبر ُّالقتال ُّفي ُّسبيل ُّاهلل ُّدون ُّأية ُّعدة ُّيعتدونهاُّ ،ولهذا ُّعملُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّ "الطاهرُّبنُّحواء"ُّعلىُّشحذهممُّالجنودُّاستعانةُّبماُّتحملهُّهذهُّاآلية ُّالكريمةُّمن ُّبليغُّ األثرُّفيُّالرغبةُّللجهادُّوالنصرُّفيُّسبيلهُّعزُّوجلُّ ُّ. وهناُّنالحظُّأنُّ"ُّمفالح"ُّيعيُّتماماُّالغايةُّمنُّوراءُّتوظيفُّكلُّآيةُّأوُّلفظةُّقرآنيةُّ فيُّأعمالهُّالروائيةُّوهذاُّينمُّعلىُّمدىُّثراءُّوازعهُّالدينيُّوفهمهُّالحقيقيُّلمعانيُّالقرآنُّ ُّ.
ُّ(ُّ)1محمدُّبنيسُّ،ظاهرةُّالشعرُّالمعاصرُّفيُّالمغرب،صُّ،161نقالُّعنُّ2:جمالُّمباركيُّ،التناصُّوجمالياتهُّفيُّ الشعرُّالجزائريُّالمعاصرُُّّ،صُُّّ ُّ.266 ُّسورةُّاألنفالُّ،اآليةُُّّ ُّ.ُّ26 ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ ُّ.18ُّ، - 206 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ألنُّالقرآنُّليسُّللحفظُّفقطُّبقدرُّماُّهوُّللفهمُّوالتدُّبرُّفيُّآياتهُّومعانيهُّوهذاُّماُّ ُّ .﴾ُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ نلمسهُّفيُّقولهُّتعالى ﴿ُّ: ويبدو ُّجليا ُّمن ُّخالل ُّالتوظيف ُّالمفالحي ُّإلى ُّفهمه ُّوتعمقه ُّللدينُّ ،ويأتي ُّأيضاُّ توظيفهُّللقرآنُّالكريمُّكغيرهُّمنُّاألدباءُّالعربُّالذينُّعملواُّعلىُّتوحيدُّأمتهمُّعلىُّكلمةُّ الحقُّ،وذلكُّمنُّخاللُّلغةُّالضادُّونشرُّتعاليمُّالدينُّاإلسالميُّألنُّهناكُّعالقةُّحميميةُّ بين ُّالقومية ُّالعربية ُّواإلسالم،ذلك ُّما ُّيمكن ُّمالحظته ُّفي ُّأبيات ُّالشاعر ُّالجزائريُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّ "ُّمفديُّزكريا"ُّ . حينُّقالُّ ُّ: ِ ْت ُّ ِ ِ َمر ْاناُّ ُّ ُّوأ َُّ ُّع ْردال َم َأل ُ َ ُّهرذهُّا ْل َع َروال َم َ راُّوَر ْح َرمة َ ُُُُُُُُُّّّّّّّّّو َس َالم َ َ ُّعلَىُّا ْل ُنفُ ِ اء َهاُّإِيمُّرَ ْاناُّ ُّ اض ْ وسُّ ُش َعاعاُُُُُُُُُّّّّّّّّّظَ َّل َ ت َ أَفَ َ ُّي ْك ُسواُّأ َْر َج َ ُّرساُّلَرةَ ِ ِ تُّتُ َعرلِّ ُمُّاإلنساناُّ ُّ ُّاهللُّف ْ اح ْ فَأَقََّر ْ ُّوَر َ تَِ يُّاأل َْرُُُُُُُُُّّّّّّّّّض َ حيث ُّلجأ ُّ" ُّمفدي ُّزكريا"ُّ ،إلى ُّربط ُّالقومية ُّالعربية ُّاإلسالمية ُّليؤكد ُّأن ُّكليهماُّ يسعيانُّلخيرُّالبشريةُّ(ُّ ُّ)1 ب /الحديث النبوي الشريف: يعدُّالحديثُّالنبويُّالشريفُّمنُّمصادرُّالدينُّاإلسالميُّ،ويأتيُّفيُّالمرتبةُّالثانيةُّ بعدُّالقرآنُّالكريمُّوهوُّماُّنطقُّبهُّوأكدهُّرسولُّاهللُُّّ،خاتمُّاألنبياءُّوسيدُّالمرسلينُّ،وهوُّ
ُّسورةُّمحمدُّ،اآليةُُّّ ُّ.68 ُّ(ُّ)1مفديُّزكرياُّ،ديوانُّاللهبُّالمقدسُّ،صُُّّ،266نقالُّعنُّ:بوجمعةُّبوبعيوُّ،حسنُّمزدورُّ،السعيدُّبوُّسقطةُّ،توظيفُّ التراثُّفيُّالشعرُّالجزائريُّالحديثُّ،صُّ .66 - 207 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
كلُّماُّسنهُّالحبيبُّمنُّأقوالُّوأفعالُّاقتدىُّبهاُّالصحابةُّوسارُّعلىُّمناهجهاُّالمسلمونُّ فيماُّبعدُّ ُّ. ومماُّالشكُّفيهُّأنُّاألديبُّالعربيُّقدُّتشربُّأيضاُّمنُّهديُّالسنةُّالمحمديةُّونهلُّ من ُّمنابعه ُّ« ُّومن ُّأبرز ُّسمات ُّبالغته ُّاإليجاز»(ُّ ،)1ولهذا ُّفإننا ُّنلحظ ُّتوظيف ُّاألديبُّ العربيُّاليومُّللسنةُّالنبويةُّ،نظراُّلماُّتحملهُّمنُّطاقاتُّتعبيريةُّتناشدُّالضميرُّاإلنسانيُّ، وتشحذ ُّهمم ُّالقارئ ُّالذي ُّهو ُّإنسانُّ ،يبحث ُّعن ُّاألمان ُّيبحث ُّعن ُّحقوقه ُّوراحته ُّفالُّ يجدهاُّإالُّمتناثرةُّكحباةُّالثرياُّ،بينُّجنباتُّالدينُّاإلسالميُّ،علىُّصفحاتُّالكتابُّوالنصُّ القرآنيُّالمقدسُّوبينُّطياتُّالعبرُّواألقوالُّالتيُّخطهاُّالصحابةُّعنُّالرسولُُّّ . وألن ُّالشعب ُّالجزائري ُّهو ُّشعب ُّمسلم ُّعربي ُّفإننا ُّنقولُّ «:أن ُّاالرتباط ُّبالتراثُّ برافديه ُّالعربي ُّواإلسالميُّ ،كان ُّيمثل ُّالحصن ُّالحصين ُّألصالتنا ُّواذا ُّكان ُّهذا ُّالتأثيرُّ عموما ُّبالنسبة ُّللمشرق ُّعلى ُّحد ُّتعبير ُّطه ُّحسين ُّاضط ار ار ُّفإنه ُّكان ُّللجزائريينُّ اختيا ار»ُّ )2(. ولهذا ُّفإننا ُّنجد ُّ"مفالح" ُّقد ُّعمد ُّإلى ُّتوظيف ُّالحديث ُّالنبوي ُّالشريف ُّولو ُّبشكلُّ ضئيل ُّنلمس ُّذلك ُّفي ُّاالنكسار ُّحين ُّقالُّ «:موسى ُّالعكافيُّ :الدنيا ُّال ُّتساوي ُّجناحُّ بعوضةُّياُّأخيُّعباس»ُّ ُّ)3(. ماُّنالحظهُّفيُّهذاُّالتوظيفُّ،أنُّ"مفالح"ُّلمُّيهتمُّبذكرُّحديثُّالراويُّ،بلُّعمدُّإلىُّ تحويلُّمتنُّالحديثُّوادخالهُّداخلُّالسردُّالروائيُّالتخييليُّ،وهذاُّالتوظيفُّمأخوذُّمنُّقولهُّ ُّ«:ُّلوُّكانتُّالدنياُّتعدلُّعندُّاهللُّجناحُّبعوضةُّماُّسقىُّكاف ارُّمنهاُّشربةُّماء»ُّ ُّ)1(. ُّ(ُّ)1جمالُّمباركيُّ،التناصُّوجمالياتهُّفيُّالشعرُّالجزائريُّالمعاصرُُّّ،صُُّّ ُّ.211 ُّ(ُّ)2محمدُّناصرُّ،الشعرُّالجزائريُّالحديثُّاتجاهاتهُّوخصائصهُّالفنيةُّ(ُّ،2166ُّ-2116دط)ُّ،دارُّالمغربُّاإلسالميُُّّ، بيروتُّ،2106ُّ،صُُّّ ُّ.62 ُّ(ُّ)3محمدُّمفالح،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ ُّ.88 - 208 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ولكنُّنالحظُّفيُّهذاُّاإلطارُّأنُّالحديثُّيأخذُّمعنىُّمغايراُّعندُّ"ُّموسىُّالعكافي"ُّ، علىُّأساسُّأنُّالدنياُّالُّقيمةُّلهاُّعندُّاهللُّعزُّوجلُّ،فهوُّينصحُّ"ُّعباسُّالبري"ُّبأنُّالُّ يفكرُّفيهاُّفهيُّمجردُّدارُّلالبتالءُّ،ولهذاُّنالحظُّأنهُّجاءُّعلىُّسردُّالحديثُّالشريفُّللفظُّ الذي ُّفهمه ُّبينما ُّمعناه ُّالحقيقي ُّأن ُّالدنيا ُّلو ُّكانت ُّتساوي ُّجناح ُّبعوضة ُّعند ُّاهلل ُّلَ ُح ِرَمُّ الكافرُّالذيُّأشركُّبهُّسبحانهُّوتعالىُّحتىُّمنُّقطرةُّماءُّ ُّ.
وهكذاُّيطمحُّ"ُّمفالح"ُّإلىُّإشباعُّالكمالُّاإلنسانيُّمنُّخاللُّتماهيهُّمعُّشخصيةُّ الرسول ُُّّ ،فنجده ُّيوظف ُّحديثا ُّآخر ُّللحبيب ُّالمصطفى ُّفي ُّرواية ُّاالنفجار ُّقائالُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّ: «ُّ وحاولواُّتهدئةُّموسىُّالبقالُّالذيُّخاطبُّزوجتهُّقائالُّبحنونُّ:أتعصينيُّ؟ُّفقالُّلهُّعبدُّ اهللُّ"ُّ:الُّطاعةُّلمخلوقُّفيُّمعصيةُّالخالق".»...
()2
نالحظ ُّأن ُّنهل ُّ" ُّمفالح" ُّلمنابع ُّالدين ُّتسترسل ُّتباعاُّ ،فها ُّهو ُّذا ُّيأخذ ُّمن ُّاألثرُّ النبويُّالذيُّيمثلُّالمصدرُّالثانيُّبعدُّالقرآنُّفيُّالبناء ُّالفكريُّ،كيفُّالُّوهوُّ«األولُّفيُّ الوصلةُّواآلخرُّفيُّالنبوةُّوالظاهرُّبالمعرفةُّوالباطنُّبالحقيقة»ُّ ُّ)3(. ق ِ طاعةَ ِ ُّل َم ْخلُو ٍ ُّفيُّ إنُّتوظيفُّ"ُّمفالح"ُّلهذاُّالحديثُّالصادرُّعنُّالنبي(ص)«:الَ ُّ َ َ
مع ِ صَّي ِة ُّا ْل َخالِ ِ ق ُّ»( ُّ،)4الذيُّيحملُّمعنىُّمفادهُّأنُّطاعةُّاهللُّتأتيُّفوقُّكلُّاعتبارُّ،وذلكُّ َْ بإتباعُّأمرهُّواجتنابُّنواهيهُّ ُّ.
ُّ(ُّ)1رواهُُّّالترمذيُّوصححهُّاأللباني.رقمُّالحديث،066:نقالُّعنُّموسوعةُّالحديث 1998- 2014 G Jslam web. ُّ.Netتاريخُّاإلنزال1826/86/86،مُُّّ . ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،األعمالُّغيرُّالكاملة(،روايةُّالبيتُّالحمراء)ُّ،صُُّّ ُّ.268 ُّ(ُّ)3الحالجُّ،كتابُّالطواسين(ُّ،دُّط)ُّ،دارُّالنديمُّللصحافةُّوالنشرُّوالتوزيعُّ،القاهرةُّ،2101ُّ،صُُّّ ُّ.86 ُّ(ُّ)4رواهُّاإلمامُّأحمدُّفيُّمسندهُّالمدنيينُّ،نقالُّعنُّ:موسوعةُّالحديث،المتاحُّعلىُّالموقعُّ: ? ُُّّwww.library.islamweb.net/fatawa details.aspxتاريخُّاإلنزال1826/86/68 :مُّ . - 209 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وال ُّيجوز ُّألي ُّمخلوق ُّأن ُّيعصي ُّاهلل ُّإرضاء ُّورضوخا ُّألوامر ُّشخص ُّآخر ُّمهماُّ كانت ُّسلطتهُّ ،ونالحظ ُّأن ُّهذا ُّالتوظيف ُّيأتي ُّفي ُّإطار ُّالحوار ُّالذي ُّدار ُّبين ُّ"موسىُّ البقال"ُّوُّ"زوجته"ُّو"ُّابنهُّعبدُّاهلل"ُّ،وقدُّكانُّاستخدامُّهذهُّالنفحةُّالعطرةُّمنُّبابُّتهدئةُّ األوضاعُّ ،التي ُّهي ُّأحسن ُّطالما ُّكان ُّ" ُّموسى ُّالبقال" ُّيصرخ ُّغاضبا ُّعلى ُّزوجتهُّ العاصيةُّ،وعليهُّنلمسُّحضورُّالجانبُّالدينيُّالذيُّيسترسلُّتباعاُّحينماُّيردُّموسىُّالبقالُّ قائالُّ «ُّ :لمُّأرتكبُّمعصيةُّ،أردتُّأنُّأتزوجُّوليُّالحقُّفيُّأربع ُّنساءُُّّ...الشريعةُّتبيحُّ ذلك»ُّ ُّ)1(. وهناُّنجدُّحواراُّيعكسُّالشخصياتُّالدينيةُّالملتزمةُّفيُّالروايةُّ،والتيُّمهماُّعاشتُّ منُّمشاكلُّومعاناتُّإالُّأنهاُّتسعىُّجاهدةُّللحفاظُّعلىُّماُّجاءتُّبهُّالشريعةُّالسمحاءُّ، ولذلكُّنجدُّرفضُّ"ُّالخالةُّعودة"ُّلضرتهاُّ"ُّفاطمةُّالحمراء"ُّ،نظراُّلسمعتهاُّالسيئةُّفيُّذلكُّ المحيطُّاإلسالميُّالمحافظ ُّ،وبينُّماُّهوُّمباحُّوحرامُّ،كانتُّتدورُّأحداثُّتلكُّالمشاجرةُّ التيُّكانُّالطابعُّالدينيُّهوُّالغالبُّعليهاُّ ُّ. كما ُّأننا ُّنجد ُّ" ُّمفالح" ُّيستدعي ُّالحديث ُّالشريف ُّفي ُّرواية ُّ" ُّشعلة ُّالمايدة" ُّقائالُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّ: « ُّ كماُّذكرُّبعضُّاألحاديثُّالنبويةُّالتيُّتحثُّعلىُّالرباطُّ،ومنهاُّ(ُّ:من ُّرابطَ ِ يُّسبِ ِ يلُّ ُّف َُّ َْ ََ اتُّجرىُّعلَ ْي ِهُّعملهُّا ْل ِذيُّ َكانُّوأَمن ِ تُّ َك ِ صَّي ِامُّ َش ْه ٍر ِ ِ ِ ِ انُّ ُّالفتَ َُّ اُّولَْيلَةُّ َك َان ْ ُّم َ َ َ َ َ َ َ ََ ُّوقّيامهُّفَإ ْن َ َ اهللُّي ْوم َ
ىُّعلَ ْي ِه ِ ُّرْزقُهُ)»ُّ(ُّ،)2حاولُّالرسولُُّّفيهاُّ،أنُّيغرسُّوصاياُّاإليمانُّفيُّقلوبُّالناسُّ َوأ ْ َج َر َ حتىُّيضمنُّلهمُّالهدايةُّبعدُّرحيلهُّعنُّالدنياُّ ُّ.
ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّغيرُّالكاملة(،روايةُّالبيتُّالحمراء)ُّ،صُُّّ ُُُُّّّّ ُّ.268 ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ،صُُّّ ُّ.286 - 210 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وهاُّهوُّذاُّ"مفالح"ُّيعملُّعلىُّغرسُّهذهُّالمبادئُّالنبيلةُّوالتيُّتدعوُّللرحمةُّوالعفوُّ عند ُّالمقدرة ُّبين ُّالناس ُّولو ُّكانوا ُّفي ُّفترة ُّحرب ُّواستنزافُّ ،فيأتي ُّهذا ُّالتوظيف ُّالدينيُّ كمشكاةُّتنيرُّسريرةُّأبطالُّالروايةُّوتوجههمُّإلىُّالطريقُّالذيُّفيهُّخيرهمُّوصالحهمُّ ُّ. كماُّنجدُّتوظيفاُّآخرُّللحديثُّالشريفُّتمثلُّفيُّقولُّمفالحُّفيُّهمومُّالزمنُّالفالقيُّ : أناُّفيُّسنُّأبيكُّاليومُّياُّحماد..عليكُّأنُّتنصتُّإلي..ثمُّأنهُّحرامُّعلىُّالمسلمُّأنُّ « ّ
يؤذيُّأخاهُّالمسلم»ُّ ُّ)1(.
ويأتيُّتوظيفُّ"ُّمفالح"ُّلهذاُّالحديثُّأيضاُّفيُّإطارُّغرسُّالمبادئُّالمحمديةُّالتيُّ تدعو ُّإلى ُّالتآخي ُّبين ُّالناس ُّوالرحمة ُّواحترام ُّاآلخرين ُّوخصوصا ُّالضعفاءُّ ،ولذلكُّ ِ ُّفيُّح ِ ِ ِ ظلِمه ُّوَال ُّيسلِمه ُّومن ُّ َكان ِ ِ ُّاهللُّفيُّ ان يقولُّ «ُّ:ا ْل ُم ْسلِ ُم ُّأ ُ َ َ َخوُّا ْل ُم ْسل ْم ُّال َ اجة ُّأَخيه ُّ َك َ ُّي ْ ُ ُ َ ُ ْ ُ ُ َ َ ْ َ ات ُّيوِم ُّا ْل ِقَّي ِ ِ ِ ن ُّفََّرج ُّعن ِ ح ِِ ُّستََرُّ ُّم ْسلٍم ُّ ُك ْرَبة ُّ ُّفََّرَج ُّاهلل َ َ َ ُّو َم ْن َ َ ُّو َم ُّْ َ َ ْ ُ ُّع ْنهُ ُّ ُك ْرَبة ُّم ْن ُّ ُك ُرَب َ ْ امة َ اجته َ ِ ٍِ ام ُِّة»ُّ ُّ)2(ُّ. ُّستََرهُ َ ُم ْسلم َ ُّاهللُّي ْوَمُّا ْلقَّي َ
وغيرُّبعيدُّعنُّالحديثُّالشريفُّنجد "ُّمفالح"ُّ،يأتيُّعلىُّذكرُّقولُّالصحابيُّالجليلُّ عليُّبنُّأبيُّطالبُّكرمُّاهللُّوجهه ُّ« ُّتمتمُّعباسُّكالمستسلمُّفعالُّ...فعالُّإنهاُّدارُّابتالءُّ اعملُّآلخرتكُّكأنكُّتموتُّغداُُّّ ُّ )3(ُّ.»...
ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(ُّ،البيتُّالحمراء)ُّ،صُُّّ .166 ُّ(ُُّّ)2أبوُّعبدُّاهللُّمحمدُّبنُّإسماعيلُّالبخاريُّ،صحيحُّالبخاري،ط،2دارُّابنُّالهيثمُّ،القاهرة1888ُّ،مُّ،بابُّالُّيظلمُّ الُّي ْسلِ ُمهُُّ،حديثُّرقمُُّّ،1881صُُّّ .161 سلمُّو ُ سلم ُ ُ ُّالم َ الم ُ
ُّ(ُّ)3محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ .88
(ُّ)6اإلمامُّعليُّابنُّأبيُّطالبُّ(عليهُّالسالم)،متاحُّعلىُّالموقع
-www.google.com.
http://www .tunisia - sat.com/forums/threads/2271401/html . تاريخُّاإلنزال1826/86/86ُّ:مُّ ُّ. - 211 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
حيث ُّجعل ُّ" ُّمفالح""ُّ ،عباس ُّالبري"ُّ ،يعترف ُّبالتدريج ُّبأن ُّهذه ُّالدنيا ُّالتي ُّشغلتُّ باله ُّوأثقلت ُّكاهله ُّبأنواع ُّالهموم ُّهي ُّآيلة ُّللزوالُّ ،لذا ُّعلى ُّالعبد ُّأن ُّيتفكر ُّفي ُّاآلخرةُّ ويعمل ُّعلى ُّنيل ُّمقعد ُّفي ُّالجنةُّ ،ونجد ُّأن ُّ" ُّمفالح" ُّقد ُّعمد ُّإلى ُّتوظيف ُّهذا ُّالقولُّ المأخوذُّعنُّعليُّبنُّأبيُّطالبُّحينُّقالُّ«:عشُّحياتكُّكأنكُّتعيشُّأبداُّواعملُّآلخرتكُّ كأنكُّتموتُّغدا»(ُّ ُّ.)6 لكنُّاقتصارُّ"ُّمفالح"ُّعلىُّالشطرُّالثانيُّمنُّالقولُّ،جاءُّمناسباُّلحالُّعباسُّالذيُّ ال ُّيفكر ُّفي ُّاآلخرةُّ ،فكان ُّهذا ُّالتوظيف ُّالديني ُّعاكسا ُّلحال ُّعباس ُّوتذكي ار ُّله ُّبأهوالُّ اآلخرةُّ ُّ. البعاد الفكرية والجمالية للنصوص الدينية: /1البعاد الفكرية: إنُّتوظيفُّ"ُّمفالح"ُّللنصوصُّالدينيةُّيحملُّأبعاداُّفكريةُّتعكسُّشخصيتهُّكإنسانُّ وأديبُّنجملهاُّفيُّ : ُُُُُّّّّّ -تأثرهُّالواضحُّبالقرآنُّالكريمُّالذيُّتشبعُّبهُّمنذُّطفولتهُّ،وخصوصاُّعروسُّالقرآنُّ "يس"ُّمماُّيعكسُّروحهُّاإليمانيةُّالتيُّتحاولُّتخليصُّالمجتمعُّمنُّالفسادُّمستعيناُّفيُّذلك ُّ بالشيخُّالذيُّهوُّرمزُّللصالحُّوالحقُّ ُّ. ُّعبرُّ"ُّمفالح"ُّعنُّأفكارهُّمنُّخاللُّحوارُّشخصياتهُّباستخدامُّمعلوماتهاُّالنابعةُّمنُّالنصوصُّالدينيةُّ،فجاءُّتعبيرهاُّفيُّمكانهُّوخدُّمُّالنصُّوأعطاهُّزخماُّقوياُّكماُّهوُّ الحالُّفيُّروايةُّاالنفجارُّ،حينماُّجعلُّ"ُّاألخضر"ُّفيُّحوارُّداخليُّ،معُّالشيخُّالملتحيُّ الذيُّكانُّيقرأُّسورةُّ"ُّيس"ُّ ُّ.
- 212 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ُّ نلمسُّمدىُّاستيعابُّالذاتُّالمفالحيةُّللمعانيُّالقرآنيةُّالذيُّنسمحُّلهاُّباختيارُّماُّيتالءمُّمنُّالنصوصُّالدينيةُّمعُّالوضعياتُّوالمواقفُّالروائيةُّمنُّمثلُّالمونولوجُّالداخليُُُُّّّّ "لألخضر"ُّمعُّسورةُّيسُّفيُّ"االنفجار"ُّ،وكذلكُّقولُّ"ُّعبدُّاهلل"ُّألبيهُّموسىُّالبقالُّفيُّ "االنهيار"ُّ "ُّ ،ال ُّطاعة ُّلمخلوق ُّفي ُّمعصية ُّالخالق" ُّأين ُّجاء ُّالتوظيف ُّمتناسبا ُّمعُّ الموقفُّ . ُّكماُّ يظهرُّجلياُّقدرةُّالكاتبُّعلىُّإقناعُّالقارئُّ،بأنُّاإلنسانُّنفسهُّهوُّالذيُّيتغيرُّحتىُّولوُّتعددتُّالمحنُّوكثرُّاألعداءُّوذلكُّماُّأوردهُّ"اإلمامُّمكاوي"ُّفيُّروايةُّ"ُّاالنفجار"ُّ حينُّقرأُّاآليةُّإحدىُّعشرةُّمنُّسورةُّ"الرعد"ُُُّّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ﴿ُّ:
ُّ .﴾ُّ ُّ ُّكما ُّأن ُّالحديث ُّالشريف ُّالذي ُّتواجد ُّبصورة ُّمحتشمة ُّيعكس ُّميل ُّالروائي ُّإلىُّالنصُّالقرآنيُّأكثرُّ،ألنهُّاألصلُّواألكثرُّتأثيراُّفيُّالنفوسُّ ُّ. /2البعاد الجمالية واالفنية: استفادتُّالرواياتُّالمفالحيةُّمنُّأسلوبُّالنصوصُّالدينيةُّوخصوصاُّآياتُّالقرآنُّالكريمةُّ،التيُّأغنتُّالروايةُّداللياُّوجمالياُّرغمُّمحدوديةُّاالنحصارُّ،وانحصارهُّفيُّبعضُّ الرواياتُّوانعدامهاُّفيُّأخرىُّ ُّ. ُّ لقد ُّجاء ُّتوظيف ُّالنص ُّالقرآني ُّمدمجا ُّفي ُّعبارات ُّالخطاب ُّالروائي ُّللشخصيةُّرغمُّاستخ دامُّروائيناُّلعالماتُّالتنصيصُّوبتصرفُّيقتضيهُّالسياقُّاللغويُّوذلكُّبفضلُّماُّ
ُُّّسورةُّالرعدُّ،اآليةُُّّ .22 - 213 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
يحمله ُّالنص ُّالقرآني ُّمن ُّجمالُّ ،وذلك ُّعبر ُّ« ُّأسلوبه ُّالخاص ُّبه ُّفي ُّانتقاء ُّأدواتُّ التصويرُّ،وتنويعهاُّ،ودقةُّاستخدامهاُّفهوُّيصورُّباللونُّوالحركةُّوباإليقاعُّ ُّ)1(ُّ.»... ُّكما ُّأن ُّاستخدام ُّالنص ُّالديني ُّيعتبر ُّوسيلة ُّفنيةُّ ،لجأ ُّإليها ُّ" ُّمفالح" ُّلتحسينُّاإلنشاءُّوتوظيفُّشذراتهُّالمقدسةُّمماُّيضفيُّعلىُّآليةُّجماليةُّفنيةُّأكثرُّ ُّ. ُّوُّ تجدرُّاإلشارةُّإلىُّأنُّحضورُّمثلُّهذهُّالقصصُّالدينيةُّيأتيُّفيُّسبيلُّمحاولةُّالمؤلفُّلتقديمُّرؤيةُّفنيةُّوفكرةُّواضحةُّمنُّخاللُّتوظيفهاُّ،فحازتُُّّبذلكُّجماليةُّالتناصُّ على ُّ كل ُّأبعادها ُّالفنية ُّبحيث ُّقدم ُّحضور ُّهذه ُّالنصوص ُّالقرآنية ُّرؤية ُّجديدة ُّخاصةُّ بالكتابةُّالمفالحيةُّ . ُّ لقد ُّوظف ُّ"مفالح"ُّ ،التراث ُّالديني ُّليعبر ُّبه ُّعن ُّحبه ُّالمطلق ُّللوطن ُّوالتسبيحُّباسمه ُّوتوزع ُّهذا ُّالتوظيف ُّعلى ُّلوحات ُّمختلفةُّ ،فكان ُّعلى ُّأشكال ُّمتنوعة ُّمرة ُّتجدهُّ توظيف ُّللنص ُّالقرآني ُّومرة ُّبتوظيف ُّالشخصية ُّالدينيةُّ ،وكل ُّهذا ُّفي ُّسبيل ُّالتغنيُّ بالشعبُّالجزائريُّوبطوالتهُّ،ألنُّأغلبُّالتراثُّالدينيُّموجودُّضمنُّالرواياتُّالتيُّتحكيُّ عنُّتاريخُّالجزائرُّمثلُّ"شعلةُّالمايدة"ُّ،وُّ"االنفجار"ُّ ُّ. المطلب الثاني :الطقوس الدينية: إن ُّالدين ُّاإلسالمي ُّهو ُّدين ُّالمعاملة ُّوالعبادةُّ ،ولذا ُّفإن ُّخطاب ُّالمولى ُّعز ُّوجلُّ القلبُّمعاُّ،وذلكُّبأنُّجعلُّالعبدُّيعملُّفكرهُّويتدبرُّأمرُّهذاُّالكونُّبعقلهُّ، موجهُّللعقلُّو ُ ويحرصُّعلىُّتأديةُّأعمالهُّوعباداتهُّالمفروضةُّبقلبُّصافُّ،ألنُّاألعمالُّبالنياتُّولذلكُّ عُّالدينيُّالذيُّحرصُّ"ُّمفالح"ُّعلىُّجعلهُّيتجلىُّبينُّجنباتُّأعمالهُّالروائيةُّتارةُّ ُّ فإنُّالواز بطريقة ُّمباشرة ُّمثل ُّالنصوص ُّالقرآنية ُّواألحاديث ُّالشريفةُّ ،وتارة ُّأخرى ُّعبر ُّالطقوسُّ الدينيةُّالتيُّتعكسُّاألجواءُّاإليمانيةُّالتيُّتحيطُّبشخوصُّالرواياتُّالمفالحيةُّومنهاُّ ُّ: ُّ()1الهاديُّصالحُّالدين،األدبُّفيُّعهدُّالنبوةُّوالراشدينُّ،طُّ،6مكتبةُّالخفاجيُّ،القاهرة2106ُّ،مُّ،صُُّّ ُّ.08 - 214 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
/1الدعاء :وهوُّ"ُّمخ ُّالعبادة"ُّ،حيث ُّينمُّعلىُّمدىُّإيمانُّالعبد ُّبربه ُّوتعلقه ُّبهُّ، وهوُّمنُّأساسياتُّالعبدُّالمسلمُّ،ألنُّاهللُّقالُّفيُّمحكمُّتنزيلهُُّّ ُّ ﴿ُّ: ُّ ُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ،﴾ُُّّ وقالُّفيُّمحكمُّتنزيله ُّ ﴿ُّ: ُّ
ُّ
ُّ
ُّ
ُّ
ُّ
ُّ
ُّ
ُّ
ُُُُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّّّّ
ُّ .﴾ُُُّّّ وهذاُّماُّنلمسهُّفيُّعديدُّالرواياتُّالمفالحيةُّمنهاُّ : «ُّاللهمُّاجعلُّهذاُّالمنامُّخي ار»ُّ )1(. «ُّالدعاءُّلهُّبالمغفرةُّراجيةُّمنُّاهللُّتعالىُّأنُّيسكنهُّفسيحُّجنانه»ُّ )2(. «ُّاللهمُّاشفهُّحتىُّيكبرُّمحمد»ُّ ُّ)3(. «ُّفكرتُّأنُّتصليُّوتدعوُّاهللُّأنُّيبقيُّزوجهاُّحياُّ،حتىُّيشتدُّعودُّابنها»ُّ )4(. «ُّياُّربُّأرفقُّبي»ُّ )5(. «ُّاهللُّيهديكُّياُّيوسفُّ»ُّ ُّ)6(. ُّسورةُّغافرُّ،اآليةُُّّ ُّ.ُّ26 ُّسورةُّالبقرةُّ،اآليةُُّّ ُّ.942 ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ ُّ.280ُّ، ُّ(ُّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ ُّ.286 ُّ(ُّ)3محمدُّمفالحُّ،روايةُّاألعمالُّالغيرُّكاملة(،همومُّالزمنُّالفالقي)ُّ،صُُّّ ُّ.161 ُّ(ُّ)4المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ ُُّّ.188 ُّ(ُّ)5محمدُّمفالح،األعمالُّالغيرُّكاملةُّ(ُّ،روايةُّخيرةُّالجبال)ُّ .888ُّ، ُّ(ُّ)6محمدُّمفالح،روايةُّعائلةُّمنُّفخارُّ،صُُّّ ُّ.12 - 215 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
إن ُّهذا ُّالزخم ُّالهائل ُّمن ُّاألدعيةُّ ،التي ُّنطقت ُّبها ُّالشخوص ُّالمفالحية ُّترسم ُّلناُّ لوحاتُّدينيةُّتشبهُّتلكُّالتيُّنراهاُّفيُّالمسجدُّفيُّكلُّجمعةُّ،ومعُّوقفةُّعرفاتُّوغيرهاُّ من ُّاللحظات ُّالمباركة ُّالتي ُّيستجاب ُّفيها ُّالدعاءُّ ،فكانت ُّهذه ُّاألدعية ُّالتي ُّتهاطلتُّ كاألمطار ُّبين ُّجنبات ُّروايات ُّ" ُّمفالح "ُّ ،ترسم ُّلنا ُّتمسك ُّالعبد ُّبربه ُّفي ُّكل ُّلحظة ُّمنُّ لحظاتُّحياةُّاإلنسانُّ،فيأتيُّهذاُّالتوظيفُّالدينيُّليعكسُّنفسيةُّالمسلمُّالحقُّ،التيُّتدركُّ أنُّالسبيلُّاألسلمُّلتتخطىُّجميعُّأزماتهاُّ،بالدعاءُّإلىُّاهللُّ،خصوصاُّفيُّرواياتُّ"ُّخيرةُّ والجبال"ُّ"ُّ،همومُّالزمنُّالفالقي""ُّ،عائلةُّمنُّفخار"ُّوغيرهاُّ ُّ. /2الذكار اإلسلمية: إنُّالمسلمُّالحقُّ،هوُّفيُّحاجةُّدائماُّأنُّيبقىُّوثيقُّالصلةُّبربهُّفيذكرهُّويتذكرهُّفيُّ كل ُّوقت ُّوحينُّ ،في ُّالسراء ُّوالضراء ُّومثال ُّذلك ُّما ُّنجده ُّفي ُّرواية ُّشعلة ُّالمايدةُُُُُّّّّّ: « ...وانطلقُّصوتُّالمناديُّقنوشُّبالتكبيرُّ،والصالةُّعلىُّالنبي...وهتفُّالحاضرونُّ:اهللُّ أكبرُُّّ...اهللُّأكبرُّ...اللهمُّصلُّعلىُّمحمدُّوعلىُّآلُّمحمدُّ ُّ)1(ُّ.»... إن ُّهذه ُّالرواية ُّتعج ُّباألذكار ُّالتي ُّرافقت ُّاألبطال ُّالجزائريين ُّفي ُّسيرهم ُّومسيرتهمُّ نحوُّالكفاحُّ،ولعلُّالتكبيرُّوالصالةُّعلىُّمحمدُّوآلهُّهيُّمنُّأكثرُّماُّدأبُّالمسلمونُّعلىُّ قولهُّوذكرهُّ،خصوصاُّأيامُّالحربُّ،وهذاُّماُّكان ُّيردُّأيضاُّعلىُّألسنةُّأتباعُّالنبيُّ فيُّ غزواته ُّتبركا ُّباسم ُّربهم ُّاألعظمُّ ،وقد ُّعمد ُّ" ُّمفالح" ُّعلى ُّتوظيف ُّهذا ُّالعادات ُّتيمناُّ بالوازعُّالدينيُّالذيُّبفضلهُّتمكنُّالجزائريونُّمنُّتحريرُّوهرانُّمنُّاألسبانُّآنذاكُّ ُّ.
ُّ()1محمدُّمفالحُّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ،صُُّّ ُّ.26 - 216 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني: *الحمد هلل:
لقد ُّعمد ُّ" ُّمفالح" ُّإلى ُّإلباس ُّحوارات ُّشخصياته ُّحلة ُّدينية ُّتليق ُّبالمقام ُّالجزائريُّ المسلمُّ،الذيُّالُّيطيبُّلهُّالعيشُّوالُّالبقاءُّإالُّبذكرُّربهُّفيُّاألوقاتُّجميعاُّ،وحمدهُّعلىُّ كلُّالنعمُّومنُّذلكُّماُّنجدهُّفيُّبعضُّالنماذجُّالتيُّنوردهاُّفيُّالجدولُّالتاليُّ ُّ: الرواية الوساوسُّالغريبة ُّ
الحديث الوارد فيه " الحمد هلل" صُّ06ُّ،66ُّ،88ُّ،16ُّ:ومنُّذلكُّ : صُُّّ«:16الحمدُّهللُّ،لقدُّعمُّاألمنُّربوعُّالوطن» ُّ صُّ61ُّ-18ُّ-61ُّ:ومنُّذلك ُّ
االنكسار ُّ
صُُّّ...ُّ «ُّ:61سألهاُّعنُّصحتهاُُّّ...فقالتُّ:الحمدُّهللُّعلىُّ كلُّشيء»ُّ .
عائلةُّمنُّفخار ُّ
ص..66-10ومنُّذلك:صُّ «ُّ:66أحمدُّاهللُّأنُّأخاكُّالحبيبُُُُُُُُّّّّّّّّ هوُّوحدهُّمنُّيساعدنيُّفيُّمواجهةُّبعضُّأعباءُّالبيت»ُّ ُُُُُُُُّّّّّّّّ.
وتأتي"الحمدلة"ُّ،فيُّسياقاتُّمختلفةُّ،أغلبهاُّرداُّعلىُّالسؤالُّالتاليُّ:كيفُّالحال؟ُّ، فبرغم ُّكل ُّاألزمات ُّوالمحن ُّيرد ُّالجميع ُّ" ُّالحمد ُّهلل"ُّ ،وهذه ُّهي ُّروح ُّالمسلم ُّالحقُّ ،إذاُّ أصابتهُّضراءُّصبرُّواذاُّأصابتهُّسراءُّشكرُّاهللُّعلىُّنعمتهُّ،فكانُّهذاُّالتوظيفُّالدينيُّ، مرآةُّعاكسةُّلطبيعةُّ "ُّمفالح"ُّالذيُّحاولُّأنُّيتكلمُّويستنطقُّأشخاصُّرواياتهُّبلسانُّمسلمُّ وعربيُّفاضلُّ .
- 217 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني: *االستغفار:
يحببُّللمسلمُّأيضاُّأنُّيظلُّقلبهُّولسانهُّطرياُّوطيباُّبذكرُّاهللُّواستغفارهُّعلىُّماُّوردُّ منُّزالّتُّلإلنسانُّسواءُّبقصدُّأوُّبغيرُّقصدُّوهذاُّماُّعمدُّ"ُّمفالح"ُّعلىُّتوظيفهُّمثلُّ ُّ: السياق الذي ورد فيه االستغفار
الرواية االنكسار ُّ
عائلُّمنُّفخار ُّ
صُُّّ280ُّ،286ُّ،60ُّ،61ومنُّذلكُّ ُّ: صُّ"ُّ:61استغفرُّاهللُّحينُّأشارُّإليهُّسائقُّشاحنةُّأنُّيتمهلُّقليال"ُّ ُّ. صُُّّ286ُّ-66ومنُّذلكُّ : صُُّّ«:286استغفرُّالرجلُّاهللُّوقصدُّمسجدُّالحي»ُّ ُّ.
ويأتيُّهذاُّالتوظيفُّالدينيُّفيُّإطارُّنشرُّروحُّالمسلمُّالتيُّتناشدُّرضاُّربهاُّوهذاُّماُّ نجدهُّفيُّالمواطنُّالبسيطُّالذيُّحاولُّ"ُّمفالح"ُّأنُّينقلُّمعاناتهُّالتيُّيحاولُّأنُّيتخطاهاُّ ولوُّبأضعفُّاإليمانُّالدعاءُّواالستذكارُّ ُّ. كماُّنلمسُّمفرداتُّأخرىُّعبقهُّتفوحُّبالذكرُّمنُّذلكُُّّ : * ُّإن شاء اهلل ُُّّ:ماُّجاءُّفيُّروايةُّاالنكسارُّ «:وفيُّالنهجُّالمقابلُّلمركزُّالبريدُّ التقىُّ"عباسُّالبري"ُّ"بميلودُّطيمي"الملتحيُّ،صافحهُّبح اررةُّثمُّسألهُّعنُّأحوالهُّفقالُّلهُّ "عباس"ُّبلهجةُّأسيفةُّ-:إننيُّأواجهُّمشكلةُّمعقدة.فأجابهُّ-ُّ:ستزولُّبإذنُّاهلل»(ُّ ُّ)1 ومنهاُّفيُّشعلةُّالمايدةُّ:«ُّ:سيشفىُّإنُّشاءُّاهللُُّّ...وقالتُّسكينةُّبألمُّواستسالم-:إنُّشاءُّ اهللُُّّ...إنُّشاءُّاهللُُّّ ُُّّ)2(ُّ.»... ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ ُّ.61 ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ،صُُّّ ُّ.16 - 218 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ومنها ُّفي ُّاالنفجارُّ «ُّ :سيأتي ُّزمان ُّاإلعصار ُّويزول ُّالظلمُّ ...إن ُّشاء ُّاهلل ُّياُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّ اإلمام»ُّ ُّ)1(ُّ. إن ُّهذه ُّالعبارة ُّ" ُّإن ُّشاء ُّاهلل"ُّ ،ال ُّينطق ُّبها ُّإال ُّمن ُّكان ُّقلبه ُّمتشبعا ُّباإليمانُّ ،ومؤمناُّبالق ضاءُّوالقدرُّوأنُّاهللُّوحدهُّالقادرُّعلىُّكلُّشيءُّ،فيأتيُّهذاُّالتوظيفُّالدينيُّ ليعكس ُّانتباه ُّ" ُّمفالح" ُّإلى ُّكالمه ُّولو ُّعلى ُّمستوى ُّالرواية ُّالتي ُّيخلق ُّهو ُّأجواءُّ شخصياتها ُّويصنع ُّويكتب ُّمصيرهم ُّولكن ُّرغم ُّذلك ُّال ُّينس ُّأبدا ُّقوله ُّتعالى ُّفي ُّسورةُّ الكهفُُّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ﴿ُّ :
ُّ ُّ.﴾ُُُُّّّّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ ُّ /3متفرقات إسلمية: ُّ كما ُّحاول ُّ" ُّمفالح"ُّ ،تجسيد ُّصورة ُّالمجتمع ُّالمسلم ُّمن ُّخالل ُّتوظيفه ُّلعديدُّالعباراتُّوالمظاهرُّالدينيةُّ،وحتىُّذكرهُّلألماكنُّالمقدسةُّوالتيُّتعكسُّالروحُّاإليمانيةُّومنُّ ذلكُّ ُُّّ: * العباراتُّ « :ما ُّقاله ُّعباس ُّفي ُّاالنكسارُّ :ما ُّأسعد ُّمن ُّسخره ُّاهلل ُّتعالى ُّلفعلُّ الخير»ُّ ُّ)2(. كذلك ُّما ُّقاله ُّالطبيب ُّلعباسُّ «ُّ :أوال ُّوطد ُّعالقتك ُّباهلل ُّتعالىُّ .فباإليمان ُّوحدهُّ ستتغلبُّعلىُّصعوباتُّكثيرةُّ،فتمتمُّعباسُّ:فعالُّاإلنسانُّضعيفُّ،والُّحولُّوالُّقوةُّإالُّ باهلل»(ُّ ُّ.)3
ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّاالنفجارُّ،صُُّّ ُّ.16 ُُّّسورةُّالكهفُّ،اآليةُّ(ُّ .)68-64 ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ ُّ.88ُّ، ُّ(ُّ)3المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ ُّ.60 - 219 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وكذلك ُّما ُّورد ُّفي ُّرواية ُّ"زمن ُّالعشق ُّواألخطار"« ُّوقد ُّتنصحني ُّبتالوة ُّسورة ُّمنُّ القرآنُّالكريم...إلهيُُّّ...باألمسُّالقريبُّكنتُّهادئاُّ،قانعاُّبماُّقدرهُّليُّاهللُّ،ومؤمناُّبأنُّ اإلنسانُّضعيفُّفيُّهذهُّالحياةُّالفانيةُّومنُّالعبثُّأنُّيثورُّعلىُّواقعهُّ...ثمُّأنُّرحمةُّاهللُّ وسعتُّكلُّشيء»ُّ ُّ)1(. كلُّهذهُّالعباراتُّتدعوُّإلىُّاإليمانُّهللُّألنهُّوحدهُّالحقيقةُّالخالدةُّفيُّالوجودُّ،ولعلُّ أبرزُّالعباراتُّورد تُّفيُّروايةُّ"ُّاالنكسار"ُّ،رغبةُّمنُّ"ُّمفالح"ُّفيُّغرسُّروحُّاإليمانُّفيُّ قلبُّ"ُّعباسُّالبري"ُّالذيُّظلُّطريقهُّوأنهكتهُّالدنياُّبملذاتهاُّ ُّ. * المظاهر الدينية: حاولُّ"ُّمفالح"ُّرسمُّلوحةُّفنيةُّألجواءُّإيمانيةُّتعجُّبهاُّأعمالهُّالروائيةُّومنُّذلكُّ ُّ: «ُّأمُّعباسُّتحملُّسبحةُّمنُّالعاجُّأهدتهاُّإليهاُّأختهاُّالحاجةُّزينبُّ»ُّ ُّ)2(ُّ. «ُّ وأنصتُّعباسُّبخشوعُّآلذانُّصالةُّالمغربُّالمنطلقُّمنُّجامعُّالحيُُّّ...وعندماُّ انتهىُّاآلذانُّرددُّالشهادةُّهمسا»ُّ ُّ)3(ُّ. « ُّ ووقفُّأمامُّقبرهاُّ( ُّجدةُّعباس)ُُّّ...وقرأُّعليهاُّسورةُّالفاتحة ُّبخشوعُّودعاُّاهللُّ تعالىُّأنُّيغفرُّلها»ُّ ُّ)4(. إنُّتيماتُّالوجوديةُّوفكرةُّالموتُّوالحياةُّتتغلغلُّفيُّأعماقُّروايةُّاالنكسارُّ،لذلكُّ اخترناُّشواهدُّحيةُّعلىُّأنُّحياةُّاإلنسانُّفعالُّهيُّبينُّإقامةُّوتشهدُّوهذاُّماُّأقرتهُّهذهُّ المظاهرُّالتيُّدأبُّالمسلمُّالبسيطُّعليهاُّمثلُّ ُّ: ُّ()1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملة(،زمنُّالعشقُّوألخطار)ُّ ُّ.628ُّ، ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُّ ُّ.ُّ18 ُّ(ُّ)3المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ .66 ُّ(ُُّّ)4نفسهُّ،صُُّّ ُّ.81 - 220 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
حمل ُّالسبحةُّ ،التيممُّ ،زيارة ُّالقبور ُّوقراءة ُّالفاتحةُّ ،النطق ُّبالشهادة ُّعقب ُّسماعُّ اآلذانُّ ...فكان ُّهذا ُّالتوظيف ُّالديني ُّفي ُّسبيل ُّإحاطة ُّالمكان ُّوالزمان ُّالروائيين ُّبعبقُّ الطهارةُّالتيُّالُّتفوحُّإالُّبمظاهرُّاإلسالمُّالمختلفةُّ ُّ. ُّ * الماكن المقدسة: إن ُّالتبرك ُّباألماكن ُّالمقدسة ُّفي ُّالروايات ُّالمعاصرة ُّهو ُّشيء ُّدأبت ُّعليه ُّالعادةُّ األدبيةُّ،حتىُّكادُّأنُّ يصبحُّسنةُّوهاُّهوُّ"ُّمفالح"ُّيحاولُّأنُّيأخذُّالقارئُّفيُّفسحةُّدينيةُّ بين ُّالفينة ُّواألخرى ُّومع ُّكل ُّقراءة ُّمفالحيةُّ ،فال ُّيترك ُّفرصة ُّإال ُّويذكر ُّفيها ُّبيوت ُّاهللُّ العامرةُّبذكرهُّومنُّذلكُّ«ُّ:غادرُّرسولُّالبايُّالمسجدُّوهوُّفيُّغايةُّالسعادة»ُّ )1(. «ُّوتأملُّمئذنةُّالمسجدُّثمُّانحدرُّقاصداُّساحةُّالحي»ُّ )2(. « ُّ ودخلُّعبدُّاهللُّمسجدُّالحيُُّّ...ولكنُّنعيمةُّظلتُّجالسةُّأمامُّبابُّالمسجدُّ... خافُّاإلمامُّمنُّالفضيحةُّفطلبُّمنُّعبدُّاهللُّأنُّيخرجُّمنُّالمسجد»ُّ ُّ)3(. وكذلك ُّورد ُّذكر ُّمكة ُّالمكرمة ُّفي ُّقول ُّ" ُّمفالح" ُّفي ُّاالنكسارُّ «:المقاول ُّزارُّ مكة»ُّ ُّ)4(. « ُّ وبيمناها ُّسبحة ُّمن ُّالعاج ُّأهدتها ُّإليها ُّأختها ُّالحاجة ُّزينب ُّبعد ُّزيارتها ُّللبقاعُّ المقدسة»ُّ )1(.
ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُُّّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ ُّ.281ُّ، ُّ(ُّ)2محمدُّمفالح،األعمالُّالغيرُّكاملةُّ(،البيتُّالحمراء)ُّ ُّ.288ُّ، ُّ(ُّ)3المصدرُّنفسهُُّّ،صُّ ُّ.266 ُّ(ُّ)4محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ،صُُّّ ُّ.61 - 221 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وألنُّمكةُّالمكرمةُّ،والمساجدُّالمباركةُّهيُّبيوتُّالرحمانُّفإنناُّنجدهاُّفيُّاألعمالُّ المفالحيةُّ،ويأتيُّتوظيفهاُّتبركاُّوتيمناُّبهذهُّاألماكنُّالطاهرةُّالمحببةُّلقلبُّكلُّمسلمُّ . البعاد الفكرية والجمالية: /1البعاد الفكرية: إن ُّتوظيف ُّ" ُّمفالح"ُّ ،لبعض ُّمن ُّالطقوس ُّالدنية ُّيعكس ُّشخصيته ُّالبسيطةُّوالمتواضعةُّمثلُّحملُّالسبحةُّ،التيممُُّّ ُّ.... ُّ اختياره ُّلبعض ُّالطقوس ُّالتي ُّتستدعي ُّالتراث ُّالديني ُّالذي ُّخلفه ُّأجدادناُّ ،مماُّيعكسُّروحُّاألصالةُّاإلسالميةُّ . ُّذكرُّالمآذنُّوقراءةُّالفاتحةُّ،والشهادةُّبعدُّسماعُّاألذانُّهيُّعاداتُّدأبتُّعليهاُّروحُّالمؤمنُّ،وُّ"ُّمفالح"ُّمنُّخاللُّتوظيفهُّلهذهُّاألمورُّيثبتُّمدىُّاهتمامهُّوحرصهُّعلىُّ دينهُّ ُّ. ُّإن ُّاالستعانة ُّبمثل ُّهذه ُّالطقوس ُّكزيارة ُّاألولياء ُّالصالحين ُّواقتناء ُّالسبحة ُّمنُّالحجُّواهدائهاُّلألقاربُّ،وغيرهاُّمنُّاألمورُّهيُّأفكارُّعملُّ"ُّمفالح"ُّعلىُّترسيخهاُّمنُّ خاللُّأعمالهُّالروائيةُّألنهاُّتمثلُّالتراثُّوالهويةُّالعربيةُّاإلسالميةُّبكلُّماُّفيهاُّ ُّ. ُّ يهدف ُّ" ُّمفالح" ُّإلى ُّاستقطاب ُّأكبر ُّقدر ُّمن ُّالقراء ُّمن ُّخالل ُّمحاولته ُّلتبسيطُّأفكارهُّ،واختيارُّالرموزُّالدينيةُّالتيُّيبحثُّعنهاُّكلُّمنُّيهمهُّأمرُّالوطنُّويسعىُّبهُّقدماُّ ُّ. /2البعاد الجماليةُّ :
ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،المصدرُّالسابقُّ ُّ.18ُّ، - 222 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ُّ إن ُّتوظيف ُّمفالح ُّللطقوس ُّالدينية،يحمل ُّأبعاد ُّجمالية ُّتخدم ُّالروايات ُّالمفالحيةُّ تمثلتُّفيُّ : ُّلجوء ُّالروائي ُّإلى ُّموروث ُّالبيئة ُّالمحلية ُّالتي ُّينتمي ُّإليها ُّ(غليزان) ُّوالى ُّثقافةُّالمجتمعُّالذيُّينتميُّإليهُّليرسمُّلوحةُّفنيةُّمعبرةُّعنُّجمالُّالمجتمعُّالجزائريُّبكلُّماُّفيهُّ ُّ. ُّ أكيدُّأنُّشخصياتُّالرواياتُّالمفالحيةُّتبحثُّعنُّمعالمُّتحددُّهويتهاُّوالُّيتأتىُّلهاُّذلكُّإالُّمنُّخاللُّذكرُّبعضُّعاداتهاُّوتقاليدهاُّخصوصاُّماُّيتعلقُّبالجانبُّالدينيُّ ُّ. ُّ رغبةُّالكاتبُّوتوقهُّإلىُّتطويرُّالشكلُّالروائيُّوتحديثُّأدواتهُّالفنيةُّوتقريبهاُّمنُّالجماهيرُّالشعبيةُّوهذاُّماُّيفسرهُّ"األعرجُّواسيني"ُّقائالُّ«ُّ:إنُّالعملُّالفنيُّيكتسبُّحيويتهُّ حتىُّباهتمامهُّبالصياغةُّالتيُّتقربهُّمنُّالناسُّوتجعلهُّمستساغاُّ.)1(ُّ »...وهذاُّماُّحاولُّ مفالحُّأنُّيفعلهُّ ُّ. فالتفاعل ُّإذن ُّمع ُّالطقوس ُّالدينيةُّ ،واعادة ُّبعثها ُّمن ُّجديد ُّفي ُّاألعمال ُّالروائيةُّ،إنماُّهوُّبعثُّللقيمُّالتيُّحاولُّاإلنسانُّطمسهاُّعبرُّسرمديةُّالزمنُّ،فتصبحُّالروايةُّروحاُّ تنبضُّبالتراثُّوعبقُّاألصالةُّ،بدالُّمنُّأنُّتبقىُّجافةُّ ُّ. المطلب الثالث :الشخصيات الدينية: ُّإن ُّضرورة ُّالبحث ُّعن ُّالشخصية ُّالروائية ُّالمتماهية ُّفي ُّالتراث ُّالديني ُّالمستلهمةُّ لمواقفُّوسلوكاتُّشخصياتُّمنهُّ،الُّيتأتىُّمنُّأنُّالشخصيةُّهيُّمجردُّعنصرُّمنُّالبناءُّ الروائيُّفحسبُّ،بلُّتتأتىُّأيضاُّمنُّقيمتهاُّفيُّالتعبيرُّالجماليُّ،فالوعيُّبطبيعتهاُّيسعىُّ ُّالمرتبط ُّببنية ُّالمجتمعُّ .ألنُّ ُّ إلى ُّتملك ُّالعالم ُّبحركات ُّالذات ُّوالفضاء ُّالخارجي الشخصياتُّالدينيةُّعاشتُّواقعاُّيشابهُّفيُّبعضُّجوانبهُّماُّيعيشهُّأيُّإنسانُّآخرُّ،ولذلكُّ فإنُّالعودةُّإلىُّهذاُّالتراثُّالدينيُّأوُّاستدعاءُّبعضُّشخصياتهُّهيُّمجردُّمحاولةُّلمحاكاةُّ أو ُّتشخيص ُّلحالة ُّبطل ُّرواية ُّما ُّأو ُّأحوال ُّالمجتمع ُّالذي ُّيعيش ُّفيه ُّولعل ُّمن ُّأبرزُّ - 223 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وأعظم ُّالشخصيات ُّالدينية ُّ« ُّتبرز ُّشخصية ُّالنبي ُّمحمد ُُّّ ومن ُّثم ُّالخلفاء ُّالراشدينُّ وحتى ُّتابعيه ُّفيما ُّبعد ُّويرد ُّذكرهم ُّمن ُّخالل ُّما ُّتركوه ُّمن ُّأحاديث ُّوأقوال ُّكانت ُّبمثابةُّ الميثاقُّوالدستورُّالذيُّيحفظُّسالمتهمُّفيُّالدينُّوالدنيا»ُّ ُّ)1(. وقدُّتمُّاستدعاءُّتلكُّالشخصياتُّالدينيةُّالتراثيةُّفيُّمواقفُّسياقيةُّعلىُّلسانُّالساردُّ أوُّبعضُّالشخصياتُّالروائيةُّمنهاُّماُّنلمسهُّفيُّ"ُّشعلةُّالمايدة"ُّ"لمحمدُّمفالح"ُّوجدناُّ حضو ار ُّمكثفا ُّلشخصية ُّالحبيب ُّالمصطفى ُّعليه ُّأفضل ُّالصالة ُّوالتسليم ُّحيث ُّيقولُّ الساردُّ «:وهتفت ُّبعده ُّالحناجر ُّمجلجلة ُّبالتكبير ُّوالصالة ُّعلى ُّالنبي ُُّّ ،)2(ُّ »...وقولهُّ أيضاُّ «:وانطلق ُّصوت ُّالمنادي ُّ"قنوش" ُّبالتكبير ُّوالصالة ُّعلى ُّالنبي ُُّّ ...وهتفُّ الحاضرون ُّبحماس ُّاهلل ُّأكبرُّ ...اهلل ُّأكبر ُُّّ ...اللهم ُّصلي ُّعلى ُّمحمد ُّوعلى ُّآلُّ محمدُّ ُّ)3(ُّ.»... إنُّتوظيفُّ"ُّمفالح"ُّلشخصيةُّخيرُّاألنامُّ،جاءُّمنُّبابُّالتبركُّبهاُّأوالُّ،كماُّأنُّ الصالةُّالمحمديةُّوقراءةُّالفاتحةُّهيُّمنُّسماتُّالعبدُّالمؤمنُّالذيُّيوشكُّعلىُّالقيامُّبأيُّ عملُُّّفيهُّخيرُّ،خصوصاُّعندُّالجهادُّوالحربُّوهذاُّماُّوجدناهُّفيُّروايةُّ"شعلةُّالمايدة"ُّ، هذه ُّالرواية ُّالتي ُّتحكي ُّثورة ُّالكفاح ُّوالنضال ُّالجزائري ُّلنيل ُّاالستقالل ُّوتحرير ُّوهرانُّ والمرسىُّالكبيرُّ ُّ. كماُّنجدُّأيضاُّاستدعاءُّغيرُّمباشرُّ"ُّلإلمامُّعليُّبنُّأبيُّطالب"ُّكرمُّاهللُّوجههُّفيُّ روايةُّاالنكسارُّحينماُّقالُّعباسُّ «ُّ:اعملُّآلخرتكُّكأنكُّتموتُّغدا»(ُّ،)4إنُّهذاُّالقولُّ ُّ(ُّ)1محمدُّصابرُّعبيدُّ،وسوسنُّالبياتيُّ،جمالياتُّالتشكيلُّالروائيُّدراسةُّفيُّ"ُّالملحمةُّالروائية"ُّمداراتُّالشرقُّ،طُّ،2 دارُّالحورُّللنشرُّوالتوزيعُّ،الالذقيةُّ،سورياُّ،1880ُّ،صُُّّ ُّ.16 ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ،صُُّّ ُّ.26 ُّ(ُّ)3المصدرُّنفسهُّ،صُّنُّ ُّ. ُّ(ُّ)4محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنكسارُّ ُّ.88ُّ، - 224 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
المأثور ُّالذي ُّنطق ُّبه ُّهذا ُّالصحابي ُّالجليل ُّجعل ُّروحه ُّتحيط ُّبأجواء ُّالرواية ُّمحاولةُّ إخراجُّعباسُّومنُّمعهُّمنُّملذاتُّهذهُّالدنياُّ.التيُّكانتُّتحاولُّأنُّتسوقهمُّفيُّبحرُّالتيهُّ والضاللُّ ،ولكن ُّهذا ُّالخطاب ُّالديني ُّجاء ُّليخلص ُّالشخصيات ُّالروائية ُّفي ُّاالنكسارُّ، تماما ُّكما ُّخلص ُّعلي ُّكرم ُّاهلل ُّوجهه ُّالحبيب ُّالمصطفى ُّمن ُّشرك ُّالكفارُّ .لذلك ُّنجد ُّ"ُّ ُّالم َخلّص ُّللنبي ُُّّ ،كما ُّنجد ُّأيضاُّ مفالح" ُّيحاول ُّإنقاذ ُّشخصياته ُّبما ُّخلفه ُّهذا ُّاإلمام ُ استدعاء ُّلشخصية ُّدينية ُّأخرى ُّهي ُّاإلمام ُّالبخاري ُّإذ ُّيقول ُّالساردُّ «ُّ :وفي ُّالليل ُّكانُّ الطلبةُّيتلونُّالقرآنُّالكريمُّوصحيحُّالبخاريُّوالمدائحُّالنبويةُّوهذاُّماُّكانُّيثيرُّالرعبُّفيُّ صفوفُّاإلسبانُّويزيدهمُّقلقاُّعلىُّمصيرهم»ُّ )1(. كما ُّيستدعيه ُّمرة ُّأخرى ُّقائالُّ «ُّ :وجرى ُّنحو ُّالطلبة ُّالذين ُّتأهبوا ُّللخروج ُّمنُّ المعسكرُّوهمُّيتلونُّصحيحُّالبخاريُّ ُّ)2(ُّ.»... نالحظُّأنُّ"ُّمفالح"ُّيسعىُّمنُّخاللُّهذاُّالتوظيفُّالمتكررُّواالستدعاءُّالمتواصلُّ لشخصية ُّ" ُّاإلمام ُّالبخاري" ُّيأتي ُّفي ُّإطار ُّمحاولة ُّاالحتماء ُّبالدين ُّواخافة ُّاألعداء ُّمنُّ هذا ُّالشعب ُّالمتمسك ُّبدينه ُّلهذا ُّقال ُّ" ُّمفالح"ُّ ...ُّ «ُّ :وهذا ُّما ُّكان ُّيثير ُّالرعب ُّفيُّ صفوفُّاإلسبانُّويزيدهمُّقلقاُّعلىُّمصيرهم»ُّ ُّ)3(. ويؤكدُّ"ُّمفالح"ُّهذاُّقائالُّفيُّروايةُّ"االنفجار"ُّ ُّ: ِ ب ُّ ُّينتَ ِس ُّْ رسلِ ٌم وب ِة ْ الع ُر َ ب َ َش ْع ُ ُّم ْ ُُُُُُُّّّّّّّوِالَىُّ ُ ُّالج َرزائ ِر ُ َ ادُّعنُّأ ِ ِ بُّ(ُّ )4 اتُّفَقَ ْدُّ َك ِذ ْ ُّم َ َم ْنُّقَا َل َ ُّح َ َ ْ ْ َصلرهُُُُُُّّّّّّأ َْوُّقَا َل َ ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ،صُُّّ ُّ.282 ُّ(ُّ)2المصدرُّنفسهُّ،صُُّّ ُّ.286 ُّ(ُُّّ)3نفسهُُّّ،صُّنُّ ُّ. ُّ(ُّ)4محمدُّمفالحُّ،روايةُّاالنفجارُّ،صُُّّ ُّ.61 - 225 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
وهذهُّاألبياتُّقالهاُّ"ُّعبدُّالحميدُّبنُّباديس"ُّمؤسسُّجمعيةُّالعلماءُّالمسلمينُّ،حيثُّ يظلُّيشيدُّويفتخرُّبمآثرُّاإلسالمُّفهاُّهوُّيقولُّفيُّ"االنفجار"ُّ...«:هلُّكانُّيعرفُّسيرةُّ الرسولُُّّ وتاريخُّالخلفاءُّالراشدينُّ؟ُّوهلُّسمعُّببطوالتُّخالدُّبنُّالوليدُّوصالحُّالدينُّ األيوبيُّ ُّ)1(ُّ.»... إنُّهذهُّالشخصياتُّالدينيةُّالتيُّتسترسل ُّتباعا ُّتحاولُّأنُّتتبركُّببطوالتُّالخلفاءُّ الراشدين ُّ"عمر ُّبن ُّالخطاب"ُّ "ُّ ،عثمان ُّبن ُّعفان""ُّ ،أبو ُّبكر ُّالصديق"ُّ "ُّ ،علي ُّبن ُّأبيُّ طالب"ُّالذينُّقامواُّبالفتوحاتُّاإلسالميةُّ،ومعهمُّأيضاُّ"ُّخالدُّبنُّالوليد"ُّالملقبُّبسيفُّاهللُّ المسلولُّالذيُّنذرُّنفسهُّفيُّسبيلُّاهللُّ،وكذلكُّ"ُّصالحُّالدينُّاأليوبي"ُّالذيُّحررُّبيتُّ المقدسُّ،فأصبحُّمضرباُّللمثلُّعنُّالشهامةُّوالبطولةُّ،نحنُّأبناءُّالجزائرُّمنُّأتباعُّهذاُّ النسلُّالعريقُّبلُّجزءُّالُّيتجزأُّمنه،وُّلعلُّالمالحظُّفيُّ"شعلةُّالمايدة"ُّو"ُّاالنفجار"ُّ،أنُّ كليهماُّيحكيُّقصةُّالجزائرُّمعُّأعدائهاُّفيُّسبيلُّنيلُّالحريةُّ،ورغمُّأنُّمعظمُّالشخصياتُّ الدينيةُّجاءتُّغيرُّمتحركةُّداخلُّالحدثُّالروائيُّوغيرُّمشاركةُّفيُّتطورُّاألحداثُّإالُّ أنها ُّبال ُّشك ُّفاعلة ُّفي ُّتوجيه ُّالرؤية ُّالفنية ُّالسردية ُّبفعل ُّما ُّيحدثه ُّوجودها ُّالرمزيُّ والدالليُّمنُّتوترُّواندهاشُّأوُّحتىُّعلىُّمستوىُّالبعدُّالفكريُّوالجماليُّللروايةُّ ُّ. هذاُّعلىُّصعيدُّالشخصياتُّاإلسالميةُّالموجودةُّفيُّالذاكرةُّاإلسالميةُّالعامةُّإلىُّ جانبُّشخصياتُّخاصةُّ« ُّ وظفهاُّالكاتبُّرغبةُّفيُّإكسابُّرواياتهُّصبغةُّالطابعُّالدينيُّ اإلسالميُّفهوُّابنُّب يئةُّعربيةُّدينيةُّإسالميةُّهذاُّماُّانعكسُّعلىُّإبداعاتهُّوكتاباتهُّاألدبيةُّ فالدين ُّمقوم ُّأساسي ُّمن ُّمقومات ُّالشخصية ُّالجزائرية ُّمثل ُّشخصية ُّ" ُّمحمد ُّبن ُّعودة"ُّ الوليُّالصالحُّبمدينةُّغليزانُّصاحبُّالضريحُّالمشهورُّالذيُّيؤمهُّالعامُّوالخاصُّتبركاُّ وتيمنا»(ُّ ،)2وهذا ُّما ُّيتجلى ُّفي ُّقول ُّ"مفالح"ُّ ...ُّ «:ثم ُّتوجه ُّراشد ُّبخطى ُّسريعة ُّإلىُّ ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،األعمالُّالغيرُّكاملةُّ(،روايةُّاالنفجار)ُّ،صُُّّ ُّ.602 ُّ(ُّ)2سهامُّبولسحارُّ،التناصُّالتاريخيُّفيُّروايةُّشعلةُّالمايدةُّلمحمدُّمفالحُّ،صُُّّ ُّ.206 - 226 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
ضريحُّسيديُّامحمدُّبنُّعودة ُّ ،فدخلُّفناءهُّالفسيحُّ...فدعاُّلهُّخادمُّالضريحُّأنُّيقضيُّ اهللُّكلُّحوائجهُّ...ثمُّحدثهُّعنُّوعدةُّالوليُّالصالحُّالتيُّتقامُّكلُّسنةُّ ُّ)1(ُّ.». ويأتيُّتوظيفُّ"مفالح"ُّلهذاُّالوليُّالطاهرُّألنهُّمنُّأبناءُّمنطقةُّغليزانُّالتيُّينتهيُّ إليهاُّسيديُّ"أمحمدُّبنُّعودة"ُّهذاُّالوليُّالصالحُّالذيُّيشعُّقلبهُّبذكرُّاهللُّسبحانهُّوتعالىُّ وعبادهُّالصالحينُّوعنهُّيقولُّالشيخُّ"ُّأحمدُّبنُّمباركُّالسجلماسيُّالمنداسي"ُّ« ُّسمعتُّ منه ُّالمعرفة ُّباهلل ُّتعالى ُّوصفاته ُّوعظم ُّأسمائه ُّماال ُّيكيف ُّو ُّال ُّيطاقُّ ...ومن ُّالمعرفةُّ بأنبياءُّاهللُّورسلهُّالكرامُّعليهمُّأفضلُّالصالةُّوأزكىُّالتسليمُّفتحسبُّبهُّأنهُّكانُّمعُّكلُّ نبيُّفيُّزمانهُّومنُّالمعرفةُّبالمالئكةُّ...والكتبُّالسماويةُّوالشرائعُّالنبويةُّ ُّ)2(ُّ»... كماُّوظفُّشخصيةُّدينيةُّأخرىُّهيُّضريحُّ"ُّسيديُّيحي"ُّفيُّروايةُّ"زمنُّالعشقُّ واألخطار"ُّ...«:وقدُّترشدهُّكالعادةُّإلىُّزيارةُّضريحُّ"ُّسيديُّيحي"ُّ،وقدُّتنصحنيُّبتالوةُّ سورُّمنُّالقرآنُّالكريم»ُّ )3(. إنُّتوظيفُّ"ُّمفالح"ُّلهذهُّالشخصيةُّالدينيةُّ،يأتيُّفيُّإطارُّماُّدأبتُّوجرتُّعليهُّالعادةُّ عندُّأبناءُّمنطقةُّغليزانُّوتتمثلُّفيُّزيارةُّهذاُّالوليُّالصالحُّ"ُّسيديُّيحي"ُّ،غيرُّأنُّ ائيناُّالفاضلُّهناُّلمُّيفصلُّاسمهُّبالكاملُّنظراُّلوجودُّضريحينُّيحمالنُّاالسمُّاألولُّ رو ّ وهوُّ"ُّسيديُّيحي"ُّأماُّالثانيُّفهوُّ"ُّسيديُّيحيُّبنُّراشد"ُّالذيُّهوُّ«ُّابنُّالوليُّالصالحُّ "سيديُّراشد"ُّالذيُّذكرهُّأحمدُّالعشماويُّفيُّكتابُّ(ُّالسلسلةُّالوافية)ُّ،وكتبُّالعالمةُّأبوُّ
ُّ(ُّ)1محمدُّمفالحُّ،روايةُّشعلةُّالمايدةُّ،صُُّّ ُّ.66 ُّ(ُّ)2محمدُّمفالحُّ،أعالمُّمنُّمنطقةُّغليزان(ُّ،تراجمُّمنذُّالقدمُّإلىُّغايةُّالقرنُّالتاسعُّعشرُّميالدي)(،دُّط)ُّ،دارُّهومةُّ، 1886مُّ،صُُّّ ُّ.61-60 (ُّ)3محمدُّمفالحُّ،األعمالُّغيرُّالكاملة(،زمنُّالعشقُّواألخطار)ُّ،صُّ .628 - 227 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
راسُّالناصريُّأنُّسيديُّيحيُّبنُّراشدُّراسلُّالعالمةُّالشيخُّموسىُّبنُّعيسىُّالمازونيُّ ُّ ُُّّ)1(.»ُّ... وفيُّهذاُّاإلطارُّننوهُّإلىُّالحضورُّالمعتبرُّلشخصيةُّ"أبوُّراسُّالناصري"ُّفيُّشعلةُّ المايدة ُّحيث ُّيقول ُّالسارد ُّ «:ابتسم ُّله ُّالشيخ ُّبن ُّهطال ُّونصحه ُّقائالُّ :خالط ُّالعلماءُّ المهتمينُّبالتأليفُّفمنطقتناُّتعرفُّالعديدُّمنُّالكتابُّالكبارُّومنهمُّأبوُّراسُّالناصري»ُّ )2(. « ُّ أماُّالضريحُّالثانيُّفهوُّلرُّ"سيديُُّّيحيُّبنُّعبدُّالعزيز"ُّالذيُّهوُّحفيدُّ"ُّسيديُّ يحيُّبنُّراشد"ُّ،كماُّتربطهُّعالقةُّوصلةُّقرابةُّأيضاُّبرُّ"ُّسيديُّامحمدُّبنُّعودة"ُّ،والُّبأسُّ أنُّنستحضرُّقصيدةُّلسيديُّيحيُّبنُّعبدُّالعزيزُّيقولُّفيهاُّ ُّ: ِ َعظَ ْمُّ ُّ ُّد َع َاي ُّنظرْ ْم ْ ُّي َ ُّاهللُّب ِرد ْ اُّخا ْل ِقيُّاأل ْ بس ْم ْ يت ُ اُُُُُُُُّّّّّّّّس ْب َحان ْك َ ْ ُ ُّسلَم ُّ اُُُُُُُُّّّّّّّّصرلَ َى ُّمروالََي ْ ُّعلَ َىُّأ ْ الصرالَ ْة َ ّ هُّو َ َ َح َم ْد ُ ُّاهللُّعليرْ َ اك ِ ِ ِغ ِ ُّم ْت َح َكُّْم»ُّ )3(. ُّاهللُّر ْ ُّم ْل َ ان ْ ُّم َ اُّن ْه َوىُّإالَُّ َك ْ ك َ ُّنتَ َاياُُُُُُُُّّّّّّّّف ْي ُ ير ْك َ وهنا ُّنلمس ُّهذه ُّ النفحات ُّالطيبة ُّالتي ُّتنثرها ُّالشخصيات ُّالدينية ُّالتي ُّاستدعاهاُُُُُُُُّّّّّّّّ "مفالح" ُّكونها ُّرمز ُّمن ُّرموز ُّاألصالة ُّوالتشبث ُّبالدين ُّباإلضافة ُّإلى ُّالتبرك ُّبكراماتُّ األولياءُّالصالحينُّ ُّ. ُّ
()1محمدُّمفالحُّ،أعالمُّمنُّمنطقةُّغليزان،المرجعُّالسابقُّ،صُّ .268 (")2محمدُّمفالحُّ،روايةُُّّشعلةُّالمايدةُّ،صُُّّ .68 ُّ()3محمدُّمفالحُّ،أعالمُّمنُّمنطقةُّغليزانُّ،مُّسُُّّ،صُُّّ .266 - 228 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني: البعاد الفكرية والجمالية: /1البعاد الفكرية:
إنُّاستدعاءُّ"ُّمفالح"ُّلهذهُّالشخصياتُّالدينيةُّ،يحملُّأبعادُّفكريةُّتخدمُّالرواياتُّالمفالحيةُّوأحداثهاُّعلىُّعدةُّأصعدةُّ ُّ. إنُّ"ُّسيرةُّالرسولُُّّ وحضورهاُّالمكثفُّفيُّ"ُّشعلةُّالمايدة"ُّيوحيُّبالثقافةُّالدينيةُّالتيُّيتحلىُّبهاُّأديبناُّكونهُّمؤمنُّبأنُّالتكبيرُّوالصالةُّالمحمديةُّهيُّمنُّأسبابُّتحقيقُّ النصرةُّعلىُّاألعداءُّ ُّ. رغمُّقلةُّالشخصياتُّاإلسالميةُّإالُّأنُّ"ُّخالدُّبنُّالوليد"ُّوُّ"صالحُّالدينُّاأليوبي"ُّ،اللذين ُّوظفهما ُّ" ُّمفالح" ُّهما ُّرمزان ُّللبطولة ُّمعروفان ُّعند ُّالعام ُّوالخاصُّ ،وهنا ُّنلمسُّ اهتمامُّ"ُّمفالح"ُّبالجانبُّالفكريُّللقارئُّالعاديُّ ُّ. إن ُّالروح ُّالمفالحية ُّمتشبعة ُّبأعالم ُّالمنطقة ُّالتي ُّينتمي ُّإليها ُّ( ُّغليزان)ُّ ،وهذاُّالتشبعُّعلىُّالمستوىُّالفكريُّيجعلهُّيتبركُّبأولياءُّمنطقتهُّالصالحينُّ،وهناُّنلمسُّتمسكهُّ بعاداتهُّوتقاليدهُّالتيُّقدُّالُّتعجبُّالبعضُّخصوصاُّمسألةُّاألولياءُّالصالحينُّوكراماتهمُّ التيُّيطمحُّالفردُّالغليزانيُّللتبركُّبهاُّ ُّ. إنُّاستدع اءُّهذهُّالرموزُّاإلسالميةُّلمُّيكنُّمنُّبابُّتفعيلُّأحداثُّرواياتهُّ،بقدرُّماُّكان ُّيهدف ُّللتعريف ُّبأعالم ُّمنطقته ُّوهذا ُّنظ ار ُّلطبيعته ُّالفكرية ُّكمؤرخ ُّيتصيد ُّالفرصُّ لعرضُّرصيدهُّالمعرفيُّرغبةُّمنهُّفيُّتنميةُّالحراكُّالثقافيُّالجزائريُّولعلهُّبذلكُّأيضاُّبلُّ وأكيدُّيحافظُّعلىُّالتراثُّوالهويةُّحيث ُّيقولُّعنُّهذاُّالموضوعُّبالذاتُّ «ُّ:تراودنيُّمنذُّ
- 229 -
تمثل التراث التاريخي والديني
الفصل الثاني:
مدةُّرغبةُّللكتابةُّعنُّأعالمُّمنطقةُّغليزانُّلماُّقدموهُّللوطنُّمنُّثقافةُّوعلمُُّّ...ومآثرُّكادُّ الزمنُّأنُّيطمسهاُّلوالُّالذاكرةُّالشعبيةُّالتيُّمازالتُّتحتفظُّبقبسُّمنُّسيرتهمُّالعطرة»ُّ )1(. /2البعاد الجمالية: أماُّعلىُّصعيدُّالمستوىُّالجماليُّوالفنيُّفإنناُّنقولُّبأنُّتوظيفُّالشخصياتُّالدينيةُّ قدُّساهمُّفيُّ ُّ: توجيه ُّالرؤية ُّالفنية ُّالسردية ُّبفعل ُّما ُّيحدثه ُّوجودها ُّالرمزي ُّوالداللي ُّمن ُّتؤثرُّوادهاشُّداخلُّالروايةُّ ُّ. ُّحضور ُّهذه ُّاألسماء ُّالمقدسة ُّدينيا ُّيجعل ُّالمتن ُّالروائي ُّثريا ُّوقيما ُّكونه ُّالُّيحصرُّالروايةُّفيُّزمانُّومكانُّمحددينُّبلُّيربطُّأحداثهاُّبينُّالماضيُّوالحاضرُّ ُّ. ُّإن ُّحضور ُّشخصيات ُّدينية ُّتراثية ُّكاألولياء ُّالصالحين ُّتحمل ُّثقافة ُّخاصةُُّّرغم ُّرفض ُّونبذ ُّالبعض ُّلهذهُّ بمجتمع ُّ ُّجزائري ُّمعين ُّكان ُّوال ُّيزال ُّيؤمن ُّبالكرامات ُّ األمورُّ ُّ. ُّرغمُّمحدوديةُّاستحضارُّالكاتبُّللشخصياتُّالدينيةُّ،إالُّأنهاُّساهمتُّبفعلُّقوتهاُّالرمزية ُّفي ُّتصوير ُّاألحداث ُّمثل ُّالصالة ُّالمحمدية ُّالتي ُّنطق ُّبها ُّالجنود ُّفي ُّرواية ُّ"ُّ شعلةُّالمايدة"ُّلتثبتُّفيُّنفسُّالقارئُّمزيداُّمنُّالحماسُّوالتشويقُّ ُّ. ُّ إنُّاستدعاءُّالشخصياتُّالدينيةُّداخلُّالمتنُّالروائيُّعندُّ"مفالح"ُّيأتيُّمنُّبابُّاالستنجاد ُّبما ُّتحمله ُّهذه ُّالرموز ُّمن ُّمعان ُّوقيم ُّمن ُّشأنها ُّترجيح ُّكفة ُّالحق ُّبينُّ متخاصمينُّفيُّالعملُّالروائيُّ،إضافةُّإلىُّسعيُّالمؤلفُّلجعلُّحواراتُّشخصياتهُّتبدوُّ أكثرُّوعياُّواستيعاباُّللواقعُّالذيُّتعيشهُّ ُُّّ. ُّ(ُّ)1ينظرُّ:محمدُّمفالحُّ،أعالمُّمنطقةُّغليزانُّ،صُُّّ ُّ.6 - 230 -
الخاتمـة
لقد واجه العقل العربي إشكالية التراث في سياق مواجهته لآلخر الغربي ،بفعل حركة االستعمار المتواصل للبلدان العربية ،فأصبح يمثل إحدى ركائز المواجهة والنهضة المنشودة التي من شانها الحفاظ على الكيان والهوية ،وعليه نجد أن تطلعات "مفالح" واستلهامه للتراث قد تمخضت عنه النتائج التي ندرجها فيما يلي : إن حضور التراث في حياة األمة عموما ،هو ما يؤكد الوجود الفعلي والحضاريوالرمزي لتلك األمة ،ألن " أمة بال تراث هي أمة بال جذور" بل بال مستقبل. إن توظيف التراث في الرواية هو عبارة عن توليد دالالت معاصرة جديدة ،واعادةالشعبي قابليته من خالل تلك التجارب الناجحة،ومما الشك خلق وابداع ،وقد أثبت التراث ُّ فيه أن التراث بهذه الميزة قد حقق للروائي الكثير حين أغنى أعماله ببعض المضامين الشعبية التي تمتد جذورها إلى بداية الحضارة اإلنسانية . احتفلت الرواية العربية عموما ،والجزائرية خصوصا بالموروث الشعبي ،شكالومحتوى باعتباره نمطا فنيا ُيستوحي من الشعب بمختلف طبقاته. إن توظيف التراث الشعبي في الرواية جاء ليلبي عديد األهداف السياسية واالجتماعية التي راهن الروائيون الجزائريون على تحقيقها من خالل استلهام التراث الشعبي واتخاذه قناعا للتعبير عن قضاياهم السياسية و االجتماعية ،وهو ما ساعدهم على تعميق تجاربهم الروائية واعطائها مدلوالت رمزية واسعة ،باإلضافة إلى منحها مستوى جماليا حسنا. – إن إحياء التراث الشعبي ،وبعثه في حلة جديدة ،كان من بين أهدافه توجه الروائي إلى النهل من ينبوع التراث الشعبي. إن توظيف التراث األدبي يقودنا ال محالة للحديث عن المصطلح النقدي"التناص" ،كون هذا األخير يقتبس من النصوص التراثية ويتغذى منها ،مما يولد عالقة - 233 -
وطيدة بين التناص والتراث ،فالتناص ينهل من منابع التراث ويتشرب منها ،والتراث يكبر ويظل خالدا في الذاكرة بفضل التناص الذي يحفظ الموروث األدبي مهما كان شع ار أو نثرا. كان توظيف محمد مفالح نث ار أكثر منه شع ار رغم عدم إغفاله له ،أضف إلىذلك طغيان النص العربي على الغربي عموما ،داللة على تمسك الذات المفالحية بروحها الروائية من جهة ،ومن جهة أخرى ،حرصها على الحفاظ على الهوية العربية. إن اهتمام الروائي بالتراث األجنبي ،ومرد ذلك –حسبنا-إلى ثقافته الواسعة منخالل قراءاته المتعددة ،فهو انعكاس لرؤيته وشغفه في إتباع التقليد المعرفي الثقافي األجنبي المتوارث .وهذا ما انعكس وترجم في عمله الروائي. اتسم توظيف مفالح بطابع اإليجاز ،فال يأخذ من النص التراثي إال حاجته فنجدهأحيانا يذكر شط ار من بيت أو بيت واحد على األكثر ،إيمانا منه بفكرة خير الكالم ،ما قل ود ّل ،وهذه نظرة حكيمة . إن الموروث الشعبي يدل على شخصية المجتمع ،ألن الثاني هو الذي صنعاألول ،فإن هذا الموروث عندما يصبح جزءا من الذاكرة الجماعية فيما بعد يدل على البنية الفكرية والنفسية للمجتمع و"مفالح" أيضا وعاء ثقافي يزخر ويتغذى من تراثه. إن توظيف التراث كما يظهر في النصوص الروائية المفالحية ليس اختيا ارعشوائيا بل يتخذ مناحي مختلفة ،جمالية ،وفنية ،وفكرية ،وسياسية ،واجتماعية ،مما يجعل الرواية تدخل في منظومة جديدة،واتجاه فني حديث تتبناه الرواية العربية بصفة عامة . إن المثل الشعبي يتغير من منطقة إلى أخرى لكن في مضمونه يبقى له رسالةواحدة وهدف واحد وغاية واحدة ،وتداوله على األلسن يجعله محفوظا في الذاكرة واألمثال لم تخلق من فراغ ولكنها امتداد للماضي البعيد والقريب ،ومن هنا يمكن القول أن األمثال - 234 -
ليست أحكاما مطلقة وتوجيهات عامة لجميع الناس ،بل هي أحكام مزاجية نشأت عن حوادث أكثرها فردية. إن توظيف "مفالح" لألغنية الشعبية يأتي في إطار ارتباطها الوثيق بالجذورالتاريخية لل مجتمع وتحوالته المختلفة ،كما أنها تبرز خصوصيات ثقافية وجهوية ،وتعبر في الوقت نفسه عن الشخصية النفسية و االجتماعية لسكان المجتمعات المحلية. نلمس توظيفا محتشما لحكاية الشعبية العربية مع غياب تام للحكاية الغربية،ولكن يمكننا القول أن تفاعل مفالح مع الحكاية الشعبية يأتي من خالل استخالصه للقيمة الفنية والجمالية للحكاية. وضمن هذا الجو الخاص المستخلص من ذاكرة الشعوب ينتقل الروائي منالمألوف إلى الالمألوف أو الخارق مما يساعده على اختزال المسافات المكانية واألبعاد الزمانية ألجل تعميم المغزى وجعله صالح لكل زمان ومكان. كما أننا نستنتج أن التراث هو انتقال ما تورث من تقاليد وعادات وخبرات وفنونومعارف من زمن إلى زمن ،وبصفة مستمرة من مجتمع إلى مجتمع سواء كان هذا التراث ماديا أو معنويا. لقد وظف مفالح العديد من النصوص التاريخية خصوصا في رواية " شعلةالمايدة" ،وذلك رغبة منه في إبداء مشاركة الشعب في بناء تاريخ وهران" ،حيث تم توظيف أهم أحداث ومحطات هذه المرحلة التاريخية من باب تمجيدها وتخليدها حتى تبقى لألجيال الالحقة. مزج الروائي بين التاريخ والوهم ،الحقيقة بالخيال ،حيث نلمس هذا في أعمالبطولية لشخصيات وهمية مثل "خيرة" في رواية " خيرة والجبال" التي تحاكي بطولة
"
الال فاطمة نسومر" ،رمز التحدي ،و"حماد الفالقي" ،في رواية "هموم الزمن الفالقي" الذي - 235 -
يحاكي احمد زبانة ،بوزيد شغال ،وغيرهم من صناع الحدث التاريخي ،وقد تم ذلك التوظيف باالعتماد على "أساليب جديدة تواكب العصر. استدعاء "مفالح" "للجبل األخضر" في معظم أعماله الروائية خصوصا ما يعرف"برباعية الجبل األخضر" ،جاء من باب اإلخالص لهذا المعلم الطبيعي ،الذي يعد رم از من رموز النضال لمنطقة "غليزان" كما هو الحال لجبال األوراس. عودة "مفالح" إلى التاريخ بمختلف أشكاله وطرق حضوره ،عبر وحداته الثالث،فعلى صعيد المكان ،جل أعماله ركزت على منطقة "غليزان" وضواحيها ،وخصوصا "الجبل األخضر" ،وعلى صعيد الزمان ،كانت رواياته عبارة عن كبسولة زمنية أخذتنا في رحلة تاريخية ،تعود لحقبة العهد العثماني مرو ار بفترة االستعمار ،كانت متنوعة ،مست مختلف الفئات العمرية ،الشيوخ ،الشبان ،الكهول ،باستثناء األطفال فقد كان يعود إليها فقط حالة تذكر الطفولة. لقد وظف مفالح النص القرآني أكثر من الحديث الشريف ،اقتبس منه أسمىمعانيه وألفاظه ،والدافع من وراء توظيف التراث الذي هو معالجة الواقع العربي وقضاياه وهذا لكونه يشكل جزءا كبي ار من ثقافة أبناء المجتمع العربي. إن توظيف الروائي للشخصيات التاريخية واألدبية والدينية ،ترك تأثي ار فيالروايات مس مكوناتها ،على مستوى الحدث والحبكة والشخصية ،كما مس الشكل الفني للرواية ،ونلمس من خالل هذا التوظيف رغبة "محمد مفالح" في التعريف بأهم الشخصيات الفكرية واألدبية ،حيث نجده قد رّكز في الشخصيات األدبية على تلك الشخصيات التي تناشد الواقعية مثل " نجيب محفوظ"و "غوستاف فلوبير" ،أما بالنسبة للشخصيات التاريخية والدينية معا نجده قد ركز على أبناء منطقته ،من أبطال وعلماء دين وأولياء صالحين.
- 236 -
إن التناص مع مختلف أنواع التراث الشعبي دليل على أن الروائي يتمتع بثقافةشعبية واسعة. إن التجربة الروائية لمحمد مفالح تعتمد على "سلطة الواقع" .المرجع المباشر لكلانطالقة إبداعية ،فاهتمامه بما هو مهمش في عالم يجري وراء .المنمط والمركز أعطى لكتابت ه رم از ملتزما بقضايا وطنه ومجتمعه. يأتي تشكيل التراث في أعمال محمد مفالح على شكل لحمة واحدة تؤهل وتؤسسللهوية العربية التي تجعلنا نستحضر قوله « :مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وفي الختام فإني أحمد اهلل وآمل أن أكون قد وفقت في هذه الدراسة ،واستطعتتقديمها بصورة واضحة ومقبولة ،فإن تحقق لي ذلك فالفضل هلل ،وان شاب هذه الدراسة بعض النقص فذلك ما آمل وأرجو استدراكه من خالل مالحظات وتوجيهات أعضاء اللجنة التي تجشمت قراءة هذا العمل ،فلها مني الشكر والتقدير.
- 237 -
الملحق
ورقة تعريفية بالروائي محمد مفالح: محمد مفالح :هو كاتب « من مواليد 82ديسمبر 3591بزمورة مدينة غليزان ،كتب عدة تمثيالت إذاعية ( )3592-3591ثم نشر مقالته األولى بملحق جريدة الشعب الثقافي (الجزائر)انتخب أمينا عاما لالتحاد الوالئي بغليزان من ( )3551-3521وأصبح عضوا باألمانة الوطنية التحاد العمال الجزائريين من(.» )3551-3551
()1
له عدة أعمال منشورة في عالم الرواية مثل: « -االنفجار :نشرت عام 3521م بالمؤسسة الوطنية للكتاب نالت الجائزة الثانية بمناسبة الذكرى العشرين لالستقالل . بيت الحمراء:المؤسسة الوطنية للكتاب 3521م .زمن العشق واألخطار ،بالمؤسسة الوطنية للكتاب3521م.هموم الزمن الفالقي ،المؤسسة الوطنية للكتاب 3521م.االنهيار ،المؤسسة الوطنية للكتاب 3521م.خيرة والجبال.الكافية والوشام.-الوساوس الغريبة-عائلة من فخار».
()2
عالم القصة: « مجموعة (السائق) المؤسسة الوطنية للكتاب 8115م.( )1سعيد سالم ،دراسات في الرواية الجزائرية وتناصها مع األمثال الشعبية ،ص.92 ( )2محمد مفالح ،شعلة المايدة ،ص.129 ،122 - 239 -
مجموعة أسرار المدينة المؤسسة الوطنية للكتاب3553م. -الكراسي الشرسة منشورات مديرية الثقافة 8115م».
()3
وله أعمال أخرى في التاريخ والتراجم. لقد تأثر مفالح إلى حد كبير بالروائي والقاص العظيم "الطاهر وطار"في روايته" "الالز" ،وقبلها (ريح الجنوب )" البن هدوقة" ،فكان هذا التأثير الحافز الكبير الذي شجع روائينا على الولوج إلى أغوار الكتابة ،فانطلق ينشر العمل تلوى األخر حيث يرتكز المشروع الروائي عنده على الواقعية( ،)4متأث ار في ذلك بما قرأه من الروايات الواقعية العربية مثل أعمال "نجيب محفوظ" وغيرهم أما الغربيين فقد تأثر بمؤسسي الرواية النقدية مثل دستويفسكي ،فولكنير ،فيرجينيا وولف ،ايميل زوال...الخ. حيث يصرح بإعجابه بهذا المذهب قائال: «غير أني ال أخفي إعجابي بالرواية الواقعية التي أجد فيها المعرفة والمتعة.»...
()3محمد مفالح ،االنكسار ،ص.388 ()4عبد الحفيظ بن جلولي ،الهامش والصدى ( قراءة في تجربة مفالح الروائية) ،ص.352 ()5محمد مفالح ،شعلة المايدة وقصص أخرى ،ص(.)192-199 - 240 -
()5
قائمة المصادر والمراجع
قائمة المصادر والمراجع: القرآن الكريم برواية ورش عن نافع( .المصحف اإللكتروني). أوال :المصادر: .1محمد مفالح ،رواية االنفجار(،د ط)،المؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر1891،م. ،خيرة والجبال ،المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائريين ،الجزائر،
.2 .6891
،هموم الزمن الفالقي ،المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائريين ،الجزائر،
.3 .6891
،الكافية والوشام ،منشورات إتحاد كتاب الجزائريين ،الجزائر ،ط،6
.1 2002م.
،الوساوس الغربية( ،على هامش مقتل األرملة الثرية) ،دار الحكمة
.5
للنشر والترجمة ،السداسي الثاني 2002م. ،روايات محمد مفالح ،األعمال الغير كاملة ،دار الحكمة للنشر
.6
والتوزيع ،الجزائر2002 ،م. ،عائل ةةة م ةةن فخ ةةار( ،مس ةةار المتقاع ةةد ،ةةاحب الخيز ارن ةةة) ،دار الغ ةةرب
.7
للنشر والتوزيع 2009،م. .9
،االنكسار ،دار طليلة للنشر والتوزيع6340 ،هة2060-م.
.8
،شعلة المايدة وق،ص أخرى(،دط) ،أيةدكم للنشةر والتوزيةع ،قسةنطينة، الجزائر2013 ،م.
ثانيا:المراجع: أ -الكتب العربية: .10إبةراهيم عبةةاس ،الروايةةة المغاربيةةة ،الجدليةةة التاريخيةةة والواقةةع المعةةيش ،د ارسةةة فةةي بنية المضمون( ،دط) ،منشورات المؤسسة الوطنية لالت،ال و النشر 2002 ،م. .11أحمد بن هطال التلمساني" ،رحلة محمد الكبيةر" بةاا الغةرب ( تح محمةد بةن عبةد الكريم) ،ط ،1عالم الكتب القاهرة ،م،ر.1868 ، - 242 -
.12أحمة ة ة ة ةةد توفية ة ة ة ةةا المة ة ة ة ةةدني ،م ة ة ة ة ة كرات الحة ة ة ة ةةا أحمة ة ة ة ةةد الزهة ة ة ة ةةار نقية ة ة ة ةةب أش ة ة ة ة ة ار الجزائر،ط،2الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر.1890، .13األعة ةةر واسة ةةيني ،اتجاهة ةةات الرواية ةةة العربية ةةة فة ةةي الج ازئة ةةر ،بح ة ة
فة ةةي األ،ة ةةول
التاريخي ة ة ة ة ة ة ة ة ة ةةة والجمالي ة ة ة ة ة ة ة ة ة ةةة للرواي ة ة ة ة ة ة ة ة ة ةةة الجزائرية(،دط)،المؤسس ة ة ة ة ة ة ة ة ة ةةة الوطني ة ة ة ة ة ة ة ة ة ةةة للكتاب،الجزائر1896،م. .11اإلمام النووا ،شرح األربعين النووية في األحادي
النبوية ال،حيحة ،دار البع
للطباعة والنشر ،قسنطينة ،الجزائر.6892 ، .15آمنة بلعلى ،تجليات مشروع البع
واالنكسار فةي الشةعر العربةي المعا،ةر(،دط)،
ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر1885 ،م. .16بشير بويجرة محمد ،بنية الةزمن فةي الخطةاب الروائةي الج ازئةرا ،1896-جماليةات واشكاليات اإلبداع،ط ،1دار الغرب للنشر والتوزيع2001،2002(،م). .17بلحيا الطاهر ،الت ار
الشعبي في الرواية الجزائرية ،منشورات التبيين ،الجاحظية،
الجزائر( ،د.ط).2000 ، .19بوجمعة بوبعيو ،حسن مزدور ،السعيد بو سقطة ،توظي
الت ار
في الشعر
الجزائرا الحدي ،ط ،1مطبعة المعار ،عنابة.2007، .18جبور عبد النور ،المعجم األدبي( ،د.ط) ،دار العلم لماليين ،بيروت1896 ،م. .20جم ة ةةال مب ة ةةاركي ،التن ة ةةاص وجماليات ة ةةا ف ة ةةي الش ة ةةعر الج ازئ ة ةةرا المعا ،ة ةةر( ،د-ط)، إ،دارات رابطة إبداع الثقافية ،الجزائر2003 ،م. .21بةةن جمعةةة بوشوشةةة ،اتجاهةةات الروايةةة فةةي المغةةرب العربةةي،ط ،1المغاربيةةة للنشةةر واإلشهار ،تونس1888م. .22
،سةةردية التجريةةب وحداثةةة السةةردية فةةي الروايةةة العربيةةة الجزائريةةة
،ط ،1المطبعة المغاربية ،تونس1888م. - 243 -
.23حسة ةةن حنفة ةةي ،الت ة ة ار والتجدية ةةد -موقعنة ةةا مة ةةن الت ة ة ار
القة ةةديم ،-ط ،5المؤسسة ةةة
الجامعية لدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت.2002 ، .21حسة ة ة ة ةةين فياللي،الس ة ة ة ة ةمة والة ة ة ة ةةنص السة ة ة ة ةةردا،رابطة أهة ة ة ة ةةل القلم،سة ة ة ة ةةطي (،ط-1 (،)2003ط.)2001-2 .25حسة ةةين مة ةةروة ،د ارسة ةةات فة ةةي ضة ةةو .المة ةةنه ال ة ةواقعي( ،د .ط) ،مؤسسة ةةة األبحة ةةا العربية ،بيروت( ،د.ت). .26حلمي بدير ،أثر األدب الشعبي في األدب الحدي ،كلية اآلداب ،جامعة المن،ورة ،دار الوفا .لدنيا الطباعة والنشر2002 ،م. .27حمة ةةودا العة ةةودا ،الت ة ة ار
الشة ةةعبي وعالقتة ةةا بالتنمية ةةة فة ةةي الة ةةبالد النامية ةةة ،د ارسة ةةة
تطبيقية عن المجتمع اليمني ،ط ،2عالم الكتب ،القاهرة.1891 ، .29حنا مينة ،كي
حملت القلم،ط،1منشورات دار األدب ،بيروت1896،م.
.28خليل شر الدين ،ابن خلدون ،مكتبة الهالل ،د ط ،بيروت ،د ت. .30دروش فاطم ة ةةة فض ة ةةيلة ،ف ة ةةي سوس ة ةةيولوجيا الرواي ة ةةة العربي ة ةةة المعا،ة ة ةرة ،ط،1دار التنوير،الجزائر2012 ،م. .31رابح العربي ،أنواع النثر الشعبي (،د ط)،
منشورات جامعة باجي مختار،
عنابة. .32ربيحات عمر ،األثر التراثي في شةعر محمةود درويةش دار اليةازورا العلميةة لنشةر والتوزيع( ،د ط) ،األردن ،عمان.2008 ، .33رمضان حمود ،جعفر بابوش ،األدب الجزائرا الجديد ( التجربة والمال)، منشورات األنثروبولوجيا االجتماعية والثقافية ،الجزائر.2007 ، .31سامية حسن الساعاتي ،السحر والمجتمع (دراسة ب،رية وبح النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت ،ط.6894 ،2 - 244 -
ميداني) ،دار
.35سعيد يقطين ،انفتةاح الةنص الروائةي(النص والسةياا) ،ط ،2المركةز الثقةافي ،الةدار البيضا ،.المغرب 2001،م . .36سعيد يقطةين ،قضةايا الروايةة العربيةة الجديةدة ،الوجةود والحةدود(،دط) ،رؤيةة للنشةر والتوزيع ،القاهرة ،م،ر2010 ،م. .37سالم سعيد ،دراسات في الرواية الجزائرية وتنا،ها مع األمثال ،ط ،6دار التنوير للنشر والتوزيع2062 ،م. .39سمية حطرا(السةيدة بوتفليقةة) ،التنةاص فةي الشةعر النسةوا الج ازئةرا ،د -ط ،دار الغرب للنشر والتوزيع ،وهران ،الجزائر2013 ،م. .38شفيا يوس
البقاعي ،نظرية األدب،ط،1منشورات جامعة السابع ،أبريل،
بنغازا. .10شكرا عزيز ماضي ،فن األدب والمحاكاة في نظرية األدب ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت. .11شةةمس الةةدين موسةةى( ،الفنةةون الشةةعبية...ثقافة وحضةةارة) ،جريةةدة الفنةةون ،يونيةةو، .2002 .12ش ةةوقي ض ةةي ،ف ةةي التة ة ار والش ةةعر واللغ ةةة،د-ط ،دار المع ةةار ،118 ،ك ةةورنيش النيل ،مكتبة الدراسة األدبية ،القاهرة. .13طلحت ،الح الفرحان ،ومحمد أديب شكور ،01 ،ط ،1دار الفكر ناشرون وموزعون 1130 ،هة2008 -م . .11عبد الحفيظ بن جلولي ،الهامش وال،دى ،قرا.ة في تجربة محمد مفالح الروائية، (د-ط) ،دار المعرفة ،باب الوادا ،الجزائر،م.2009 .15عبد الحميد بن هدوقة ،رواية ريح الجنوب الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر. - 245 -
.16عبد الحميد بوسماحة ،المورو
الشعبي في روايات عبد الحميد ابن هدوقة،
رسالة ماجستير ،معهد اللغة واالدب العربي ،جامعة الجزائر ،إش ار
م،طفى
سواا.6882/6886 ، .17عبد السالم أخمون ،الرواية والتاريخ ،سلطان الحكاية وحكاية السةلطان(،دط) ،دار الكتاب الجديدة المتحدة ،ليبيا2010،م. .19عبةةد السةةالم هةةارون ،الت ة ار
العربةةي( ،د .ط) ،دار المعةةار -1118-كةةورنيش
النيل ،القاهرة. .18عبة ةةد القة ةةادر شرشة ةةار،الرواية البوليسة ةةية ،بح ة ة
فة ةةي النظرية ةةة واأل،ة ةةول التاريخية ةةة
والخ،ةةائص الفنيةةة وأثةةر لةةر علةةى الروايةةة العربيةةة(،د ط) ،منشةةورات اتحةةاد كتةةاب العرب ،دمشا.2003، .50عبد القاهر الجرجاني ،در الدرر في تفسير القرآن العظيم ،دراسة وتحقياح طلعت ،الح الفرحان ،ومحمد أديب شكور ،01 ،دار الفكر ناشرون وموزعون، 2008م. .51عبد اهلل الركيبي ،الق،ة الجزائرية الق،يرة ،ط ،3دار العربية للكتاب ،ليبيا، تونس.1877 ، .52عب ة ةةد اهلل حام ة ةةدا ،الرواي ة ةةة العربي ة ةةة والتة ة ة ار ( ،د ط) ،مؤسس ة ةةة النخل ة ةةة للكت ة ةةاب، 2003م. .53عبد المالر مرتاض ،عنا،ر الت ار
الشعبي في الالز ،دراسة في المعتقدات
واألمثال ،ديوان المطبوعات الجامعية ،ط،6الجزائر.6892 ، .51عثم ةةان حش ةةال ،التة ة ار والتجدي ةةد ف ةةي ش ةةعر الس ةةياب ،د ارس ةةة تحليلي ةةة( ،د ط)، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر. .55ع ة ةةز ال ة ةةدين إس ة ةةماعيل ،الش ة ةةعر العرب ة ةةي المعا ،ة ةةر( ،د.ط) ،دار الكت ة ةةب العرب ة ةةي للطباعة والنشر ،القاهرة ،م،ر.1867 ، - 246 -
.56عةز الةةدين لمنا،ةرةح علةةم التنةةاص المقةارن " نحةةو مةةنه عنكبةةوتي تفةةاعلي" ،ط ،1 دار مجدالوا للنشر والتوزيع ،عمان األردن2006 ،م. .57علي بن محمد علي الجرجاني ،التعريفات ،تحقيا،إبراهيم األنبارا(،دط) ،دار الكتاب العربي ،بيروت 2002 ،م. .59عمةةر بةةن قينةةة " ،فةةي األدب الج ازئةةرا الحةةدي
ت ريخ ةا وأنواعا...قضةةايا وأعالمةةا،
ديوان المطبوعات الجزائرية ،الجزائر1885 ،م. .58فاروا أحمد م،طفى ،األنتروبولوجيا ودراسة الت ار
الشعبي ،دراسة ميدانية،
(دط)،دار المعار الجامعية2009 ،م. .60فاروا خورشيد ،المورو الشعبي ،ط ،1دار الشروا ،بيروت ،لبنان.1882 ، .61أبو ِ الفدا .إسماعيل بن عمر بن كثير القريشي ِّ الد َم ْش ِق ِّي ،تفسير القرآن العظيم، ّ (دط) ،دار الكتاب الحدي ،الجز.3.
.62الفيةةومي إبةراهيم ،الروايةةة العربيةةة(،د ط)مؤسسةةة حمةةادة للد ارسةةات الجامعيةةة والنشةةر والتوزيع ،األردن2001 ،م. .63لحس ةةن أحمام ةةة ،الق ةةارن وس ةةياقات ال ةةنص(،ط د) ،دار الثقاف ةةة ،ال ةةدار البيض ةةا، . المغرب ،بوسكورة1888،م. .61ليلى روزالي قريش،الق،ة الشعبية الجزائرا ات األ،ل العربي ،الق،ة الشعبية الجزائرية ات اال،ل العربي( ،د.ط) ،ديوان المطبوعات الجامعية.2007 ، .65المتنبي ،الديوان ،دار بيروت للطباعة و النشر.1893 ، .66محمة ةةد رية ةةاض وتة ةةار ،توظي ة ة
الت ة ة ار
فة ةةي الرواية ةةة العربية ةةة المعا ،ة ةرة( ،د.ط)،
منشورات اتحاد كتاب العرب ،دمشا.2002 ، .67محمد سعيد رمضان البوطي ،من روائع القر.ان ،ط،1مؤسسة الرسالة ،بيروت، 1880م. - 247 -
.69محمد طمار ،الروابط الثقافية بين الجزائر والخار ( ،د .ط) ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر.1893 ، .68محمةةد عابةةد الجةةابرا ،الت ة ار والحداثةةة ،د ارسةةات ومناقشةةات ،ط ،1مركةةز د ارسةةات الوحدة العربية ،بيروت.1881 ، .70محم ة ةةد كام ة ةةل خطي ة ةةب ،تك ة ةةوين الرواي ة ةةة العربي ة ةةة( ،د.ط) ،و ازرة الثقاف ة ةةة ،دمش ة ةةا، .1890 .71محمد م،اي ،محمد م،اي ،النقد األدبي الحدي
في المغرب العربي،
الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر. .72محمد نا،ر ،الشعر الجزائرا الحدي
اتجاهاتا وخ،ائ،ا الفنية -1825
( ،1875دط) ،دار المغرب اإلسالمي ،بيروت.1895 ، .73محمود قاسم ،رواية التجسس وال،ةراع العربةي اإلسةرائيلي ،نهضةة م،ةر للطباعةة والنشر ،القاهرة.1880 ، .71مخلو
عامر ،توظي
الت ار
في الرواية ،ط ،1منشورات دار األدبي2005 ،م.
.75ميشال مراد ،روائع األمثال العالمية(،د ط) ،دار الشروا بيروت.6893 ، .76نة ةةاظم عبة ةةد الواحة ةةد الجاسة ةةور ،الج ازئة ةةر محنة ةةة الدولة ةةة ومحنة ةةة اإلسة ةةالم السياسة ةةي، ط،1دار المسيرة2001 ،م. .77نبيل جور سالمة ،الت ار
الشفوا ،منشورات و ازرة الثقافة ،دمشا( ،دط)،
6891م. .79نبيلة إبراهيم ،أشكال التعبير في األدب الشعبي ،ط ،3دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة. ب -الكتب األجنبية: 79. Gorge lokatch :la theorie du roman .tard.de làllemand par gean clairevoye.paris. gonthier .1963. - 248 -
ج-الكتب المترجمة: .90بيار بونت ،وميشال ايزار وآخرون ،ترح د .م،باح عبد ال،مد ،االثنولوجيا واالنثروبولوجيا( ،د.ط) ،المؤسسة الجامعية لدراسات والنشر والتوزيع مجد، بيروت ،لبنان.2006 ، .91ج ةةور لوك ةةاش ،الرواي ةةة التاريخي ةةة ت ةةرح ،ةةالح جة ةواد ك ةةاظم(،د ط) ،و ازرة الثقاف ةةة واإلعالم ،العراا1896،م. .92دستويفسكي ،فيدور ،الجريمةة والعقةاب ،ت ( فةايز نقةش الكةردا)(،دط) ،منشةورات دار مكتبة الحياة ،بيروت ،لبنان.1880 ، .93ميشال بوتور ،بحو في الرواية الجديدة ،ترجمةح فريد أنطونيوس ،دار عويدات، بيروت ،لبنان ،ط6892 ،2م. د :-المعاجم و القواميس : .91بول آرون ودينيس سان -جار واالن فياال ،معجم الم،طلحات األدبية ،ترح د.محمد حمود ،ط ،1مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. .92جماعة من كبار اللغويين العرب ،المعجم العربي األساسي ،الروس ،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. .96قةةاموس الم،ةةطلحات الغويةةة واألدبيةةة ،عربةةي -انجليةةزا -فرنسةةي ،إيميةةل يعقةةوب وآخرون ،ط ،1دار العلم لماليين ،بيروت ،لبنان1897 ،م. .97مج ةةد ال ةةدين محم ةةد ب ةةن يعق ةةوب ب ةةن محم ةةد ب ةةن إبة ةراهيم الفي ةةروز أب ةةادا الش ةةافعي، القاموس المحيط ،1 ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان.1881 ، .99ابن منظور ،لسان العرب ،ط ،1الجز ،2 .دار ،ادر ،بيروت ،لبنان.1887 ،
- 249 -
ه -الدوريات والمجالت والجرائد: .98إحسان عباس ( ،اتجاهات الشعر العربي الحدي ،سلسلة عالم المعرفة)، الكويت ،ع ،2أبريل 1879م. .80الحال ،كتاب الطواسين(،د ط) ،دار النديم لل،حافة والنشر والتوزيع ،القاهرة، .1898 .81رشيد بوجدرة ( واقع الرواية في القرن العشرين) ،الرؤيا ،مجلة ف،لية تعنى بشؤون الفكر ،ي،درها اتحاد كتاب العرب الجزائريين ،العدد األول ،ربيع .1892 .82زهةةور ونيسةةي (،الروايةةة العربيةةة التةةاريخ والترجمة)،مجلةةة الثقافة،ال،ةةادرة فةةي ينةةاير 2008م. .83الط ةةاهر روايني ةةة ،الرواي ةةة والتة ة ار ( البحة ة
ف ةةي أف ةةا ح ةةداثي ف ةةي الكتاب ةةة) ،مجل ةةة
اآلداب ،ت،ةةدر عةةن معهةةد اآلداب واللغةةة العربيةةة ،العةةدد الثةةاني ،جامعةةة قسةةنطينة، 1116هة1885 ،م. .81أبو عبد اهلل محمد بن إسماعيل ، ،حيح البخارا ،ط ،1دار ابن الهيثم ،القاهرة، 2001م. .85عبد الحميد بو اريو ،توظي
الت ار
الشعبي في بنا .الرواية الجزائرية ،مجلة آمال،
العدد ،52الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر .1890 .86عبةةد اهلل ركيبةةي ،الهويةةة بةةين الثقافةةة والديمقراطيةةة ،د ارسةةات ومقةةاالت ،دار هومةةة، الجزائر2007 ،م. .87مجلة عالم الفكر ،م ،1ع ،3أكتوبر نوفمبر ديسمبر .1899 .89محمد سارا ،رواية االنهيار( ،الفنان الحائر بين البر العةاجي والسةهل المنشةرح)، جريدة المسا ،.يوم 28سبتمبر .1897
- 250 -
.88محمد ،ابر عبيد ،وسوسن البياتي ،جماليات التشكيل الروائي دراسة في " الملحمة الروائية" مدارات الشرا ،ط ،1دار الحور للنشر والتوزيع ،الال قية ،سوريا، .2009 .100
محمد مفالح ،أعالم من منطقة غليزان(،تراجم من القدم إلى غاية القرن
التاسع عشر ميالدا)(،دط) ،دار هومة2006 ،م. .101
محمود درويش ،في الزاوية ،مجلة العربي ،العدد ،516الكويت ،نوفمبر،
.2001 .102
الهادا ،الح الدين ،األدب في عهد النبوة والراشدين ،ط ،3مكتبة
الخفاجي ،القاهرة1897 ،م. و -المقاالت والمحاضرات: .103
عبد الحفيظ بن جلولي (،تيمة المراجعة ووجودية ال ات في رواية
االنكسار).دراسات في أدب محمد مفالح( ،د .ط). .101
عبةةد اهلل ركيبةةي ( ،الهويةةة بةةين الثقافةةة والديمقراطيةةة) ،د ارسةةات ومقةةاالت ،دار
هومة ،الجزائر2007 ،م. .105 مقياس
مفقودة ،الح( ،نش ة الرواية العربية الت سيس والت ،يل) ،محاضرات في السرديات العربية لطلبة السنة األولى ماجستير ،كلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية واالجتماعية ،قسم األدب العربي ،بسكرة.2011 ، .106
وهيبة منداس (،تجربة متخ،،ة سردية ،الوساوس الغريبة)،دراسات في
أدب محمد مفالح ( ،د .ط). ز -الملتقيات:
- 251 -
.107
سعيدة حمزاوا، ،ورة المرأة في المعتقدات الشعبية ،المورو
وقضايا الوطن ،الملتقى الوطني األول للمورو
الشعبي
الشعبي ،الرابطة للفكر واإلبداع،
محاضرات الندوة الفكرية السادسة ،مطبعة مزوار للنشر والتوزيع ،الوادا.2001 ، ح -الرسائل الجامعية: .109
أمل دنقل ،بين الت ار
والتجديد ،رسالة ماجستير ،مخطوط جامعة
اإلسكندرية1899 ،م. .108
جوادا هنية ،المرجعية في روايات األعر واسيني ،ما تبقى من سيرة
لخضر حمروش ،أنمو جا ،م كرة ماجستير في األدب العربي -تخ،ص األدب الجزائرا ،جامعة بسكرة ،تحت إش ار .110
األستا ة مفقودة ،الح.2002-2001 ،
الخامس ة ة ةةة عالوا"،العجائبي ة ة ةةة ف ة ة ةةي الرواي ة ة ةةة الجزائري ة ة ةةة "،رس ة ة ةةالة دكت ة ة ةةو ار ،
(مخطوط)،كلية اآلداب واللغة العربية،جامعة األمير عبد القةادر ،قسةنطينة-2009، .2008 .111
سةةهام بولسةةحار ،التنةةاص التةةاريخي فةةي روايةةة شةةعلة المايةةدة ،لمحمةةد مفةةالح،
مة ة ة كرة لنية ة ةةل درجة ة ةةة الماجسة ة ةةتير فة ة ةةي األدب العربي،تخ،ة ة ةةصح د ارسة ة ةةات أدبية ة ةةة ونقدية،كلية اآلداب واللغات العربية،قسم اللغة العربية وآدابها،جامعة الجزائر(.)2 .112
محمد بن مرزوقة ،أثر الت ار
الشعبي في بنا .الرواية الجزائرية ،رسالة
ماجستير ،كلية اآلداب ،قسم اللغة العربية ،جامعة عين الشمس ،القاهرة ،م،ر، .1898 .113
نجوى من،ورا ،المورو
السردا في الرواية الجزائرية" ،روايات الطاهر
وطار و واسيني األعر " ،أنمو جا مقاربة تحليلية ت ويلية ،أطروحة مقدمة لنيل دكتو ار العلوم في األدب الحدي ،باتنة ،تحت إش ار ح الطيب بودربالة-2066 ، .2062
- 252 -
.111
والت حسن محمد ،النص اآلخر في عالم جب ار إبراهيم جب ار الروائي ،رسالة
جامعية مقدمة لنيل درجة الماجستير في اآلداب والعلوم اإلنسانية ،الدراسات األدبية،قسم اللغة العربية.1888-1889، ط-المواقع اال لكترونية: .115
اإلمام علي ابن أبي طالب (عليا السالم) ،متاح على الموقع
http://www .tunisia – sat.com/forums/threads/2271401/html .116
ديوان أبو نواس ،أدب الموسوعة العالمية للشعر العربي ،المتاح على
الموقعح http://www adab.com/modules PHP ? Name=sh3er & dowahat = isq&shid=210.html. .117
عبد الحميد بورايو ،اكادميون وأدبا .يسيرون تجربة التناص مع المورو
الشعبي في الرواية الجزائرية ،الهدهدح ،حيفة الكتورونية ،متاح على الموقعح http://www.hddhod.com/html .669
قارب األغنيات والميا المخاتلة ،توظي
األغنية في نما
من الق،ة
الق،يرة والرواية المتاح على الموقعح Bttp://www.aWu.dam.org/html. .118
ق،يدة أبو الطيب المتنبي ،شبكة الف،يح لعلوم اللغة العربية،متاح على
الموقعح //www.alfaseeh.com /vb/archive/index. php/tح http26263.html. .120
كمال الرياحي" ،استراتيجية التناص وحيادية الكاتب" ،ديوان العرب ،متاح
على الموقعح larab.comhttp://www.diwana
- 253 -
.121
محم ةةود قاس ةةمح "الرواي ةةة الس ةةودا .ظ ةةاهرة الق ةةرن ال ة ة "20مت ةةاح عل ةةى الش ةةبكة
ح .http: // www-akbarelyom.org .122
معلقة زهير ابن أبي سلمى ،أدب الموسوعة العالمية للشعر العربي ،المتاح
على الموقعح http://wwwadab.com/modulesPHP ? Name=sh3er & dowahat = isq&shid=252.html. .123
موسوعة الحدي ،المتاح على الموقعح ? www.library.islamweb.net/fatawa details.aspx
.121
موسوعة الحدي .1998- 2014 G Jslam web. Net
- 254 -
الفهـرس
الفهرس: الصفحة
العنوان مقدمة .............................................................................
أ-هـ
المدخل :واقع التراث في الرواية العربية. أوال:ماهية التراث .................................................................
8
أ-لغة .............................................................................
9
ب-اصطالحا .....................................................................
31
ثانيا:تجليات التراث في اللغة العربية................................................
38
ثالثا :حضور التراث في الرواية الجزائرية...........................................
62
الفصل األول :مالمح التراث األدبي عند مفالح المبحث األول :توظيف النصوص الشعرية والنثرية................................
18
المطلب األول :النصوص النثرية.................................................
13
المطلب الثاني:النصوص الشعرية................................................
26
المطلب الثالث:الشخصيات التراثية...............................................
26
المبحث الثاني :توظيف التراث الشعبي............................................
28
المطلب األول:األدب الشعبي.......................................................
29
أوال:المثل.........................................................................
29
ثانيا:استغالل الشعر الشعبي واألغنية البدوية.......................................
98
ثالثا:الحكاية الشعبية...............................................................
336
المطلب الثاني:توظيف العادات والتقاليد والمعتقدات................................
332
الفصل الثاني :تمثل التراث التاريخي والديني في روايات مفالح
المبحث األول:استغالل التاريخ وتوظيف أحداثه....................................
316
المطلب األول:فترة االستعمار......................................................
311
المطلب الثاني:مرحلة االستقالل وما بعده..........................................
322
المبحث الثاني:توظيف التراث الديني.............................................. - 256 -
393
المطلب األول:النصوص الدينية...................................................
396
المطلب الثاني :الطقوس الدينية....................................................
632
المطلب الثالث :الشخصيات الدينية.................................................
661
خاتمة .............................................................................
611
الملحق...........................................................................
619
قائمة المصادر والمراجع ..........................................................
616
فهـرس ..........................................................................
622
ملخص باللغة العربية ............................................................. ملخص باللغة األجنبية ............................................................
- 257 -
الملخص
ملخص: تناولنا في هذا البحث مسألة "تشكيل التراث في أعمال محمد مفالح الروائية" فحاولنا اإلجابة عن التساؤالت المتعلقة بسر حضوره وأهداف توظيفه ،وكذا الكشف عن األبعاد الجمالية والفكرية للتراث الشعبي ،و تجلياته في الرواية المفالحية بأنماطه المختلفة.لقد حاولنا في هذا البحث دراسة أكثر من عشر روايات "لمحمد مفالح" ،التي شكلت مصادر البحث ،لكونها األكثر استحضا ار للتراث الشعبي ،وتوظيفا له في خدمة أهداف متباينة ،فعمدنا إلى تصنيفها بكشف طبيعة المادة التراثية األكثر حضو ار فيها، وفق منهج وصفي تحليلي. وفي ضوء ما سبق يتحدد البحث في فصلين يسبقهما تمهيد ومقدمة ،وتتبعهما خالصة ألهم النتائج والتوصيات ،ومن ثم قائمة ألهم المصادر والمراجع ،يليها فهرس المحتويات.جاءت المقدمة لذكر دوافع ومجال وأهداف الدراسة وأقسامها،وتحديد المنهج المتبع،وتناولنا في المدخل ماهية التراث لغة واصطالحا ،وتجلياته في الرواية العربية والجزائرية . وجاء الفصل األول بعنوان (مالمح التراث األدبي عند مفالح) تضمن مبحثين، ركزنا في المبحث األول على دراسة (توظيف النصوص والنثرية) ،والمبحث الثاني :تمثل في (حضور التراث الشعبي) ناقشنا فيه حضور األدب الشعبي من مثل وشعر شعبي، وحكايات شعبية ،ثم توظيف العادات والتقاليد و المعتقدات .أما الفصل الثاني المعنون (بتمثل التراث التاريخي والديني في روايات مفالح) ،جاء في مبحثين أيضا ،األول:عن (استغالل التاريخ وتوظيف أحداثه).أما المبحث الثاني ،فتمثل في
(استلهام التراث
الديني)؛ من قرآن وحديث نبوي شريف ،وبعض الطقوس الدينية. لينتهي بنا المطاف للوصول إلى جملة من النتائج بلورناها في شكل خاتمة كانت بمثابة حصاد لهذا البحث.
Résumé : Nous avons étudié, dans le présent travail de recherche, <
> en répondant a l’ensemble des questions relatives a la présence du patrimoine dans les écrits du romancier et en dévoilant ses dimensions esthétiques et intellectuelles et son inscription sous ses différentes formes. Il s’agit de plus de dix romans de Mohamed MEFLAH qui ont fait l’objet de notre étude, vu qu’ils ont constitué, avec ses actants et ses différents événements, la matière première sur laquelle le romancier s’est appuyé pour évoquer le patrimoine et l’employer au service de différentes visées. Pour cela, a. travers une méthode descriptive et analytique, nous avons opté a classer les romans en fonction de la forme dominante du patrimoine qu’elles renferment. Dans le but de mener a bien notre travail de recherche, nous l’avons organisé comme suit: préambule, introduction, chapitre 1, chapitre 2, conclusion, résultats recommandations et table des matières. Nous avons évoqué, dans l’introduction, les motivations de cette études, ses domines de recherches, ses objectifs et la méthode de recherche y adoptée. Nous avons cite également une définition du patrimoine et avons montré son inscription dans le roman arabe et le roman algérien. Le premier chapitre est intitulé <>. Ii renferme deux thèmes de recherche: “1 ‘emploi de textes poétiques et prosodiques” et “La présence du patrimoine populaire “. C’est un chapitre dans lequel nous avons mis l’accent sur la présence de différentes formes du patrimoine populaire (le proverbe, la poésie et les contes populaires) ainsi que l’emploi des coutumes, des mœurs et des croyances. Le deuxième chapitre est intitulé <>. Cette étude est répartie en deux thèmes de recherche: “L ‘exploitation de 1 ‘Histoire et 1‘emploi des événements” et “Invoquer le patrimoine religieux “.
Cette étude a abouti a une conclusion renfermant un ensemble de résultats tires de ce travail de recherche.